44/04/24
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الامر عقيب الحظر
مراحل الحكم ومقامات خمسة
كنا في بحث المرة والتكرار ومر بنا ان البحث عند الاعلام هو أن الأمر هل يدل على المرة او التكرار؟ هذا البحث بحث على صعيد التنظير الكلي يعني حتى الحكم الفعلي والتنجيزي وما تشتغل به الذمة، بينما مبحث الامتثال بعد الامتثال مع أنه مرة بعد مرة لكنه على صعيد مرحلة الامتثال.
مر بنا مرارا ولكنه مبحث غامض يغفل فيه الأكابر وهو أن مراحل الحكم الشرعي كل مرحلة لها آثار وهي من القواعد الصناعية غير معنونة بعنوان باب أو مسألة لكنها من مستحدثات علم الأصول وغاص فيها متأخروا هذا العصر وهي مراحل الحكم الشرعي وكل مرحلة لها أسماء وكل مرحلة لها آثار ولها أحكام فآثار الحكم في المرحلة الفعلية غير الاثار في مرحلة الفاعلية أو قل آثار الحكم في مرحلة الفعلية الناقصة يختلف عن آثار الحكم في مرحلة الفعلية التامة في باب المعاملات والعبادات. الفاعلية فيها فاعلية ناقصة وفاعلية تامة والآثار فيهما تختلف. طبعا هذا مجموع مباني الأعلام، الفعلية الناقصة ثم الفعلية التامة والفاعلية الناقصة والفاعلية التامة ثم التنجيز ثم الامتثال ثم إحراز الامتثال فكل مرحلة لها أسماء ولها آثار قد تكون آثار عقلية وقد تكون آثار شرعية يعني احكام أخرى شرعية تترتب عليه.
مثلا؛ من البحوث المهمة قاعدة «لا تعاد» وأمثلتها من القواعد في باب الصلاة أو باب الحج وخلل الحج او خلل الصلاة او خلل الصوم او خلل المركب العبادي. هذه القواعد التصحيحية أو المصححة هل هذه قاعدة تجري مع وجوب الصلاة لها علاقة وتصرّف في وجوب الصلاة في أي مرحلة من مراحل وجوب الصلاة؟ الميرزا النائيني كان في النصف الأول من عمره العلمي يذهب الى ما ذهب اليه المشهور أن لا تعاد تتصرف وترتبط وتعالج في مرحلة الامتثال لكنه في النصف الثاني من عمره الشريف ذهب الى أنها تتصرف في مرحلة الانشاء. والسيدان السيد هادي الميلاني والسيد الخوئي أصرّا على المذهب الثاني للنائيني وهذا مبحث ذو آثار كثيرة. مركز ارتباط دليل حكم مع دليل حكم آخر وتشخص أن مركز الارتباط أو مركز التلاقي بين الحكمين او بين الدليلين في أي مرحلة من مراحل الحكم الشرعي يؤثر آثار كثيرة جدا. على مبنى الثاني للنائيني لا تعاد تخصص وعلى مبنى المشهور لا تخصص بل تكتفي بالناقص على التام في مرحلة الامتثال فآثار كثيرة في باب الخلل. قواعد الخلل طرا مثل لا تعاد عند النائيني أدلة تخصص الحكم الانشائي الأولي بينما المشهور يجعلونها أدلة دالة متصرفة في الحكم الأولي في مرحلة الامتثال.
ربما سائل يسأل ما الفرق بين قاعدتي التجاوز والفراغ (قاعدتان من جهة) وقاعدة لا تعاد؟ قاعدة الفراغ والتجاوز قاعدتان إحرازيتان تجريان في المرحلة الأخيرة من مراحل الحكم يعني إثباتية. ليس كل إثباتية هي آخر، لكن هاتان القاعدتان تجريان في آخر مراحل الحكم، بينما قاعدة لا تعاد على المشهور تصرف ثبوتي في مرحلة الامتثال قبل إحراز الامتثال أن الامتثال الناقص يكتفي عن الامتثال التام وعلى مبنى النائيني والسيد الخوئي والسيد الميلاني تتصرف ثبوتا في مرحلة الإنشاء. فإذا يأتيك دليلان؛ وجوب الصلاة «أقم الصلاة لدلوك الشمس» و «لا تعاد» فلا بد ان تلاحظ أين مركز الارتباط والتلاحم بين الدليلين؟ بحوث نخاعية في كل علم الأصول تجري في كل أبواب علم الأصول والتركيز عليها والتحديد لها مهم.
السؤال: الورود تصارع بين الحكمين او بين دليلي الحكمين في أي منطقة؟ الحكومة والدليل الحاكم والمحكوم أنواع وليس نوعا واحد كذلك عندنا الورود والتوارد. الورود من طرف واحد والتوارد من الطرفين. المقصود التوارد والورود والحكومة بأنواعها فيها اختلاف بين الأعلام أن الأدلة أين يتدافعان أو يتلائمان وأين مركز ارتباط احدهما بالآخر وفي أي مرحلة من مراحل الحكم؟
فالمقام الأول مراحل الحكم والمقام الثاني أسماء كل مرحلة والمقام الثالث آثار كل مرحلة يتميز عن الآخر والمقام الرابع ارتباط الدليلين في أي مرحلة من مراحل الحكم، أربعة مقامات جدا مهمة. فإذاً هذا أمر مطرد.
مثال آخر: التخصيص في المرحلة الإنشائية وليس في مرحلة الفعلية. المخصص يتلاحم ويتصارع ويتدافع ويتصرف مع العام في المرحلة الإنشائية لا في المرحلة الفعلية فضلا عما بعده. لكن بين المتأخرين من سبعة قرون سابقة وبين المتقدمين منهم فيه الاختلاف. متأخري الاعصار يقولون في المرحلة الأولى أو الثانية في الإنشائية بينما المتقدمون يذهبون الى أن المخصص يتصرف في المرحلة الأخيرة من الإنشاء. بينهما بون بعيد. كما أن الناسخ والمنسوخ أيضا هل هو تصرف في أي مرحلة من مراحل الانشاء بعد كون مراحل الانشاء ثلاث؟ هذه البحوث من مستحدثات قواعد علم الأصول وضروري أن يركز الانسان عليه ويعالج كثيرا من الأمور وتثار في بحث مقدمة الواجب وأفضل من بلورها هو الاخوند والنائيني.
هنا نقول: ما الفرق بين مسألة المرة والتكرار ومسألة جواز الامتثال بعد الامتثال أو قد يعبر عنه بعض الاعلام تبديل الامتثال بالامتثال. بحث الامتثال بعد الامتثال بالدقة بحث في مرحلة الامتثال ومن أحكام مرحلة الامتثال أما بحث المرة والتكرار هو بحث في مرحلة الفعلية، إذًا لا ربط بين البحثين وإن كان صورة واحداً.
في بحث المرة والتكرار يقرر هكذا؛ إن الذي اشتغلت به الذمة في المرحلة الفعلية هو مرة واحدة او مكرر إذا أمر الشارع بطبيعة واحدة؟ مثلا «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» حجة الإسلام مرة واحدة واجبة او مكررة؟ يقال أن الصدوق عنده فتوى هكذا يعني موجودة عبارة للصدوق كأنها توهم هذا الشيء أن أصحاب الجدة يعني المستطيعين يجب عليهم الحج في كل عام. فهذه الاية تدل على المرة أو التكرار؟ هنا الاعلام في هذا البحث يثيرون زوايا أخرى مؤثرة مرتبطة لبحث المرة والتكرار.
سؤال: الأمر يقتضي المرة او التكرار أيّ أمر؟ هل الامر الكلي يقتضي المرة والتكرار أو يقصد منه الوجوب الواحد الجزئي؟ مثلا وجوب أقم الصلاة لليوم يوم السبت ظهرا يقتضي إتيان صلاة الظهر مرة أو مكرّرا؟ هذا الامر أمر فعلي لأن الامر الفعلي دائما جزئي متشخص. فأي أمر؟ نسأل الأصوليين أن الأمر والوجوب يقتضي المرة او التكرار أي الوجوب الشخصي او تقصدون من الامر الامر الإنشائي أي الكلي؟ هل هو الامر الكلي يقتضي المرة او التكرار؟ انظر مراحل الحكم كم هي مؤثرة. البحث ليس في تبديل الامتثال بل البحث في الوجوب الفعلي او الوجوب الانشائي؟ مثلا مبحث «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» هل حجة الإسلام واحدة او اكثر على صعيد الحكم الانشائي يختلف عنه على صعيد الحكم الفعلي.
ولتوضيح هذا أكثر؛ على صعيد الحكم الانشائي يعني عندنا وجوبات استغراقية الوجوب الاستغراقي غير الوجوب المجموعي. على صعيد الحكم الفعلي وجوب شخصي جزئي يقتضي التكرار بنحو الوجوب المجموعي. فالتكرار في الوجوب الفعلي مجموعي والتكرار في الوجوب الانشائي استغراقي. الفرق كبير. هنا وجوب واحد شخصي يقتضي مجموعة مرات من الواجب ومجموعها واجب فتكرار. امتثال هذا الوجوب الشخصي بالتكرار. أفتى بذلك بعض القدماء لا الكثيرون. أفتوا أن الكسوف او الخسوف ما دام موجودا يقتضي تكرار الصلاة وجوبا جزئيا واحدا إلى أن يزول وينقلع الكسوف. فوجوب جزئي واحد يقتضي التكرار ويكون الوجوب مجموعيا في التكرار، بخلاف التكرار على صعيد الوجوب الانشائي. فلاحظ كيف أن مراحل الحكم تؤثر في البحث. هنا الاصوليون يثبرون زوايا يقولون كثرة الحكم ومقصودهم على صعيد الحكم الانشائي. المرة والتكرار مبحث في الواجب في المتعلق والأصوليون يثيرون الكثرة في الوجوب، فيه كثرة في الواجب آتية من الكثرة في الوجوب، فيقولون ان الكثرة في الوجوب تأتي تارة بسبب موضوع الوجوب وهذا كالعادة، موضوع الوجوب مثل اقم الصلاة لدلوك الشمس كل دلوك لكل يوم يولد ويسبب الوجوب لذلك اليوم، هذه كثرة في الموضوع الاصولي يعني قيود الوجوب. للموضوع كثرة أخرى وهو المكلف في هذا اليوم السبت في ظهيرة هذا اليوم اقم الصلاة فيه الكثرة لا لمكلف واحد بل بعدد المكلفين من البشر يخاطبون بأقم الصلاة. بناء على مخاطبة الكفار للفروع وهو الصحيح فكل مكلف في الأرض يخاطب بالوجوب. هذه كثرة في أقم الصلاة في اليوم الواحد بلحاظ جزء آخر من الموضوع وهو المكلف. فلاحظ هذه كثرة على صعيد الحكم الانشائي وليس كثرة على صعيد الحكم الفعلي او الامتثال إما من زاوية جزء الموضوع الدلوك او زاوية المكلف والمكلف أيضا من قيود الوجوب.
نعم فيه كثرة أخرى مثل «لا تشرب الخمر» فيه كثرة على صعيد الحكم الانشائي من زاويتين من زاوية بتعداد الخمور فيه لا تشرب الخمر. (لا تشرب البيرة باسم ماء الشعير. الفقاع خمر استصغره الناس ماء الشعير اذا يبقى يومين او ثلاثة يصير بيرة تماما) هذه قيود الوجوب. وهناك كثرة في الوجوب بلحاظ الجرعة الأولى من الكأس والجرعة الثانية والجرعة الثالثة والرابعة والجرعات في نفس الشرب كفعل. هذه الزوايا من الكثرة مهمة وهي غير مرتبطة بالمرة والتكرار. في الاستنباط والفتوى لابد من الالتفات والدقة في كل هذه الزوايا. طبيعة علم القانون علم رياضي وهندسي.
تتمة ان شاء الله نواصل أين المرة والتكرار في زوايا الحكم؟ مثلا من باب المثال راجعوا كلام السيد الخوئي في كتاب البيان في إشكاله على ما ادعي من موارد النسخ وهو يناقش المشهور في أن النسخ في أي مرحلة من مراحل الحكم وهذا بحث يحتاج الى ممارسة في موارد عديدة.