44/04/18
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ اقسام الوجوب
حقيقة الواجب الكفائي والمسؤوليات العامة.
كنا في تنقيح أو تصوير المختار في الواجب الكفائي وذكرنا زوايا عديدة فيه تمهيدا لبيان حقيقته والمدعى كان هكذا أن الواجب الكفائي في الحقيقة يعني المسؤولية الجماعية. المقصود من الجماعية هو أن المجموع مسؤول فهنا مسؤولية في مرحلة التنجيز وصدور الفعل مرحلة الامتثال مرتبطة بمرحلة الفعلية. الامتثال بعد التنجيز مرتبط بالفعلية التي هي قبل التنجيز أو مرحلة الغرض بالتالي لحاظات متعددة قد يكون صدور الفعل لا يمكن أن يصدر من الجميع مع ذلك هو مسؤولية على الجميع أو المجموع فكيف يلائم بين كون المسؤولية على الجميع او المجموع؟ هذا هو الذي ربما انشأ الاضطراب في كلمات الاعلام أنه كيف يتصور أن المسؤولية على الجميع والصدور لا يمكن ان يكون الا من البعض؟ ولكن هذا ليس بعض معين بل بعض غير معين والغرض واحد وليس كثيرا. هنا أصبح نوع من التشويش والاضطراب.
لكن إذا لاحظنا المسألة ليس هنا ما يدعو الى الاضطراب لأن كون المسؤولية على الجميع لا ينافي أن الصدور لا يمكن إلا من البعض لأن الصدور في مرحلة الفعلية او الامتثال بنحو الاستغراق او البدلي لكن المسؤولية تبقى على الجميع، فلا مانع من ذلك.
أول زاوية وهي أن العموم في كل مرحلة من مراحل الحكم يتخذ قالبا ونوعا ونمطا وليس من الضروري أن يكون بنمط العموم في المرحلة اللاحقة. مثلا العموم في الغرض بنمط وفي الموضوع الانشائي بنمط وفي مرحلة الفعلية بنمط ومرحلة لفاعلية بنمط وهذه نكتة جديدة يلتفت اليها وهو أن العموم ليس من الضروري أن يكون على نسق واحد في كل مرحلة الحكم الواحد. فنعم، في المسؤولية يكون استغراقيا وليس مانعا في ذلك. وهذا لا يعني ان العموم في الفعلية استغراقي بل العموم في الفعلية صرف الوجود لكن في المسؤولية يكون استغراقيا او مجموعيا. بالتالي نحن نفكك في العموم في الواجب الكفائي بلحاظ مراحل الواجب الكفائي، العموم في الغرض بنمط وفي مرحلة الانشاء والفعلية بنمط وفي الفاعلية بنمط معين وقد يكون نمط مركب بين الجميع والمجموع كما ممر بنا أن العموم ليس بصورة بسيطة من الأنواع الأربعة بالضرورة والعموم في مرحلة المسؤولية بنمط معين ولا تكون هناك ضرورة أن يقال أن العموم المعين في مرحلة التنجيز يراد بذلك كما يراد في المرحلة العفلية ومرحلة الغرض. بل يراد العموم الاستغراقي في مرحلة التنجيز.
فالغرض واحد وهو تغسيل الميت لكن المسؤولية استغراقية، فهو صرف الوجود بلحاظ الغرض وبدلي لكن هذا لا يعني صرف الوجود في المسؤولية وقد يكون مركبا من البدلي والاستغراقي. هذا من جانب العموم والكفائي.
طبعا العموم يؤثر في ماهية الواجب الكفائي ومن جانب ماهيته أن الصحيح هو المسؤولية العامة وهي تعني ما تعم الجميع وان كان الغرض ليس استغراقيا كالصلاة بل الغرض وحداني لكن هذا الغرض الوحداني من الأهمية بمكان ان الاعلام قالوا صدور هذا الغرض وايجاده يجب من أي من المكلفين، ومن ثم الشارع عم المسؤولية. فسروا الكفائي بهذا التفسير. صدور هذا الفعل وإيجاد هذا الغرض ليس هناك خصوصية في صدوره من أي من المكلفين من ثم الشارع جعله كفائيا هذا ربما تفسير لكن فيه تفسير آخر للكفائي وهو أن الشارع نظرا لأهمية الكفائي وغرضه عمم المسؤولية ولم يخص المسؤولية بخصوص فئة معينة مثل الميت في حين أن الواجب يقع على ذويه ولكن لأهمية حرمة المومن الشارع قال حتى بقية المؤمنين مسؤولون عن تجهيز هذا الميت. ففي لحقيقة بعد آخر في الوجوب الكفائي وهو أهمية الملاك فيه لا سيما في الواجبات الكفائية التي ترجع الى الواجبات النظامية أهميته اكثر بكثير من الواجبات العينية. لا ان المسؤولية انطلق من جهة عدم الخصوصية في الصدور. هذه زاوية ثانية غير الزوايا الأربع التي قلناها سابقا. وهي ان الشارع في الواجب الكفائي لأهميته عمم المسؤولية.
زاوية أخرى ان الواجب الكفائي في الحقيقة نمط ماهيته ماهية الفعل التعاوني، بدل ما نسميه الفعل الجماعي الأفضل ان نسميه الفعل التعاوني. بعض الأفعال الشارع يحمل المسؤولية على الجميع إرادة منهم لتحريك وبعث الجميع للتعاون لصدور هذا الفعل. التعاون في صدور الفعل يختلف عما حبس الأعلام تصوير الواجب الكفائي في الصدور فقط. قالوا: الصدور لا يمكن من الجميع أو لا حاجة للصدور من الجميع. المفروض أن نفسر الواجب الكفائي انه واجب تعاوني وإذا كان هكذا إيجاد الواجب التعاوني تعاوني وإيجاده هو ليس بأن يكون المكلف يوجده مباشرة صدورا منه، لأن المسؤولية لا تنحصر بصدور المباشري للفعل من المكلف بل مسؤولية في الحقيقة في هذا الواجب المهم انه يصدر بشكل تعاوني. الان فئة تصدر هذا الفعل مباشرة والفئة تهيئ مقدمات وإعدادات وفئة ترعى بعدا آخر في حث الهمم وفئة تنبه الفئات الأخرى على وجود موضوع الواجب الكفائي. بالتالي أدوار الجميع تختلف في إصدار الفعل المباشري أو التسبيب او التحفيظ او وجود المعدات. مثلا في الجهاد او الحرب واحد يأخذ موقع مباشر جندي وواحد يأخذ موقع العين واحد يأخذ موقع الحارس وهلم جرا. طبيعة الفعل هو تعاوني وفيه جهات عديدة. كل هذا في الحقيقة واجب كفائي كالجهاد يصدر بالتعاون والمشاركة. فالواجب الكفائي عبارة عن واجبات وأفعال فيها بعد المشاركة أكثر من البعد الفردي. فمعنى الواجب الكفائي لا نحصره بالصدور مباشرة وكل يصدق عليه انه امتثل الواجب الكفائي. لأن طبيعته يحتاج الى مقدمات واعدادات بعيدة وقريبة ففي الحقيقة تعريف الواجب الكفائي انه واجب مطلوب فيه أن يكون تعاونيا.
من ثم أمس مر بنا أن قوله تعالى «وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الاثم والعدوان» يعني المشاركة في المسؤولية العامة على البر والتقوى في المجتمع من الضرورات بخلاف ذلك هوالتعاون على الاثم والعدوان. إفساد المجتمع وفاسد الأرض مسار أعداء الله وابليس وبالعكس مسار اصلاح الأرض والقيام بالمسؤوليات العامة مسار الله عزوجل. هذه الاية في الحقيقة شارحة لمعنى الواجب الكفائي أن هناك نمطا من الواجب طبيعته تعاونية ومشاركية. أيضا قوله تعالى «ولتكن منكم أمة يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» باب الامر بالمعروف والنهي عن المنكر باب المشاركة يعني أن أحد مساحات هذا الباب مسؤوليات عامة. طبيعه أنه مسؤولية عامة. وكذلك قول النبي «كلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته» فإذاً الواجبات الكفائية بالدقة واجبات ذات أهمية وصح من قيل في باب المكاسب المحرمة في شرح الواجب الكفائي في حرمة الإعانة على الاثم. وجوب التعاون على البر والتقوى. مثل قوله تعالى «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض يأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر» يشرح الواجبات الكفائية. تحصل بالتالي ان الواجب الكفائي بالدقة هو مسؤولية عامة وله أبعاد وزوايا عديدة ومن الخطأ أن نصور الواجب الكفائي ان المسؤولية فيه الصدور فقط بل المسؤولية مختلفة.
إذا طرح هذا المطلب فكثير من البحوث في الفقه السياسي وفقه الدولة او فقه العقائد تنحل. مثلا العامة استدلوا على عموم الولاية للأمة وأن الولاية القيادية هي في الأصل للامة ولعموم المسلمين استدلوا وقالوا: إن الحق للاصالة للامة فالأمة تقلد هذا الحق لمن تشاء فالأصل في قيادة الامة الإسلامية حسب الأدلة الوحيانية الأصل هو حق الامة. طبعا القانون الوضعي يقرر هذه النظرية لكن في مذهب اهل البيت يقولون أن الحق الأصلي في قيادة الامة هي لله. وهو يعطيه من يشاء. «الله يخلق ما يشاء ويختار ما كان لهم الخيرة من أمرهم» و «إنما وليكم الله ورسوله وعلي بين ابيطالب علیهالسلام لا انفسهم . فالآيات حصرت الولاية لله ورسوله «أطيعوا الله وأطيعوا الرسول» آيات حصر الولاية بالسماء لله ومن يخلفه الله كثيرة كيف نجمعها مع ما استدل به الطرف الاخر وهم استدلوا «السارق والسارقة فاقطعوا» الامر للجميع «الزانية والزاني فاجلدوا» و «كونوا قوامين» و «يقوم الناس بالقسط». وظائف الدولة وأنشطة الدولة كلها يخاطب به الناس هكذا استدل العامة. هذه الوظائف في الأنشطة السياسية كلها مخاطب به الامة. هم راجعوا هذه العمومات. كيف يجمع بين هذه العمومات وبين حصر الولاية لله ورسوله واهل البيت؟ ليس بين الطائفتين تنافي. مثل «المؤمنون والمؤمنات بعضهم أولياء بعض» قالوا إن هذه دلالة على الولاية القيادية حق الامة وهي تقلد من تشاء. وقعوا في لغط في تفسير هذا التقليد هل هو في فترة معينة أو أبد الاباد وغيرها من التعقيدات.
لكن الصحيح ان الوظائف العامة والمسؤوليات العامة يخاطب بها الله الجميع كفائيا ومعنى الكفائي ليس السقوط. تعريف الكفائي فقط بلحاظ الغرض غلط. أنه يسقط بأداء البعض هذه زاوية ضيقة في الكفائي. الكفائي يعني ان الغرض فيها وإن يصدر من بعض إلا أن مسؤولية إنجاز هذا الغرض وهذا الفعل حمله الشارع على الكل وحينئذ كل يأخذ موقع غير موقع الاخر. فيه جماعة أخرى قد ترى أن الذي حصل في السقيفة نظام غير صالح فلازم يزعزع هذا النظام ثم يأتي بالفرد الصالح كما حصل في عهد الثالث. فعلى أي تقدير دور الامة دور المعاونة لما هو نظام شرعي لا أن هي وليه في النظام وليس بيد الامة. النبي أولى بالمؤمنين من انفسهم. أيات الولاية بالله وبالرسول في القرآن كثيرة وهذه لا تتنافى تحميل الولاية على جميع الامة في إقامة وتمكين المعصومين ونظام المعصومين. دور الأمة أن تراقب الجهاز الديني والجهاز الديني تراقب الأمة «كلكم راع» المؤمنون بعضهم أولياء بعض هذه المراقبة موجودة والمحاسبة موجودة. «بالمؤمنين رؤوف رحيم» أحد خصال النبي هكذا في القرآن الكريم الذين معه أشداء على الكفار وليس أشداء على الداخل بل أذلاء بين بعضهم البعض ورحماء بينهم. ذل الرحمة وليس ذل الهوان.فاخفض لهما جناح الذل من الرحمة. من أعظم صفات النبي أنه أشهد انك رؤفت بالمؤمنين وغلضت على الكفار. هذه سياسة عظيمة. هذه واجبات نحن نستهين به ولكن هي اعظم عند الله من كل شيء. الواجب الكفائي تحقيقه عظيمة جدا لتفسير كثير من الأمور في فقه الدولة وفقه القضاء وتفسير الاحكام العقائدية وللأسف الكبار ربما غفلوا من هذه المطالب الغفلة عن حقيقة الواجب الكفائي.