44/04/12
الموضوع: باب الالفاظ، مباحث الأوامر، اقسام الوجوب
كان الكلام في تغاير النفسي والغيري والواجب التعييني والتخييري والواجب العيني والكفايي ومر أن هذه التقاسيم معاني غير مصرحة ومعاني تحليلية في الأدلة ولكن هذه المعاني يترتب عليه آثار كثيرة ومر بنا ان حقيقة الاستنباط والاجتهاد ان يستخرج الفقيه المعاني المطوية في الأدلة والظهور وبالتالي يرتب عليه الآثار والخواص. بالتالي هذا التقسيم مهم.
من ثم مر بنا في مبحث الأوامر أن الارتكاز بأن الأحكام التكليفية خمسة، قناعة مسبقة يراد لها الإثبات لأن القدماء من الفريقين عندهم قد تبلغ الأحكام التكليفية خمسة عشر وفيه قناعات تحليلية قد يحمل دليل على المعنى لكن هي قناعة مسبقة وقد تتدخل في الاستنباط. فهذه القناعات لابد أن تكون ثابتة كي يحمل عليه الدليل فالتقسيم القديم كان تقسيما آخر ويؤثر في أقسام الواجب او الوجوب. شبيه ما قسّم السيد احمد بن طاووس وتبعه العلامة الحلي في اعتبار الخبر بالصحيح والموثق والحسن والقوي وما شابه ذلك. والحال أنه من يراجع كلمات النجاشي وبن غضائري او الشيخ الطوسي في التهذيب والاستبصار والصدوق في الفقيه يرى ان الخبر المعتبر عندهم لا ينحصر بالاربعة هذا التقسيم الرباعي يختذل كثيرا من مراتب الطرق وأنواع الطرق بل حتى غير المعتبر عندهم أنواع كثيرة والسر في ذلك ان مراتب الضعف عندهم تنجبر، فمن ثم يدق مشهور الفقهاء قبل السيد بن طاووس في درجة الضعف ودرجة الاعتبار وليست محصورة بالأربعة لا من جانب الاعتبار ولا من جانب الضعف والتقسيم الموجود عند القدماء أدق بكثير من التقسيم عند ابن طاووس. هذا التقسيم كمبحث أصلي يعبر عنه بالأصل الموضوع في علم المنطق يعني قناعة مسبقة ثابتة تحمل على الأدلة تلقائيا او يؤثر في الاستظهار من الأدلة.
نرجع الى تقسيم الواجب الى نفسي وغيري. إذاً النفسي ليس تقسيمه بلحاظ الغرض بل الأصل عند المتاخرين النفسي هو ما عوقب عليه المكلف لنفسه وان كان ملاكه التهيئة والاعداد والتقديم لغيره واما الغيري هو ما لا يعاقب عليه المكلف في نفسه. وقد يجتمع النفسي والغيري كما في الطهارات الثلاث. الوضوء في نفسه راجح وكذلك الغسل على الأصح كما ذهب اليه المفيد في نفسه مستحب ذاتاويجتمع مع الواجب الغيري ويجتمعان من جهتين على محل واحد. نفسي استحبابي وغيري لزومي. والمهم أن الحيثية الغيرية شيء والحيثية النفسية شيء آخر.
مر بنا أن فيه تعبيرا صناعيا عند الاعلام في الواجب النفسي أو الحرام النفسي وفيه الحرام الذاتي. ما المقصود بالحرام ذاتا في قبال الحرام النفسي ؟؟ ولو هو قسم من أقسام الحرام النفسي. هكذا يعبرون في الفقه ان الحرام الذاتي يعني أن الذات المحرمة من الفعل لا تتخلف الحرمة عنها. هي في نفسها حرام. يعني لا يمكن أن يأتي الدليل ويخصص الحرمة في قبال الحرمة النفسية يعني يمكن أن يأتي الدليل ويخصص عموم الحرمة. فإذاً في نفس الحرام النفسي او الواجب النفسي غير ذاتي وذاتي. شبيه ما ذكر في الحسن والقبح؛ عندنا حسن وقبح اقتضائي وفيها الحسن والقبح العلّي. الظلم لا يمكن ان يفارقه القبح والعدل لا يمكن ان يفارقه الحسن بخلاف الكذب او الرذائل الأخرى فالعلي يعبر عنه في التشريع الحرام الذاتي بخلاف الحرام الاقتضائي، وهذا تقسيم آخر لا بأس به. طبعا هذا مع التثبت صغرى وكبرى من الشيء الذاتي مثل العدل والا لدينا أن الوفاء مع أهل الغدر سيما الغدر في العقيدة غدر عند الله. والغدر مع أهل الغدر وفاء عند الله. فصغرى الوفاء وصغرى العدل فيه كلام. ربما الشيء والعدل علة للحسن ولكن صغرى العدل لابد من التثبت لها. أو الظلم عنوان حرمته ذاتية لكن صغرى الظلم لابد من المعرفة. قد يتخيل الانسان هذا ظلم واستثني من الحرام لكن هذا استثناء صغروي يعني تخصص وليس تخصيصا. جملة من اعتراضات النبي موسى على الخضر كان أنه يبني على ان هذا تخصيص من دون دليل والحال انه كان تخصصا وليس تخصيصا ما بينه الخضر للنبي موسى. إجمالا هذا بحث الحرام النفسي والحرام الذاتي.
هذا الحرام النفسي القابل للتخصيص قد يعبرون عن الحكم بدرجة الحرام الذاتي الحكم فيه فعلي بقول مطلق بينما الحرام النفسي القابل للتخصيص يعبرون عنه الحكم الاقتضائي يعني قابل أن يمنعه مانع. أحد معاني الحكم الاقتضائي هو هذه. والا الحكم الاقتضائي له اصطلاحات متعددة عند الأصوليين.
أيضا الأصوليون والفقهاء والمتكلمون عندهم اصطلاح آخر وهو الحكم الطبعي يعني بحسب طبيعة الشيء كأن الماء حلال. فالحرمة الفعلية لا تتناقض ولاتتعارض دليلها مع دليل الحلية الطبعية للماء. وهذا أحد وجوه الجمع بين الدليلين. لأن المراد من حلية الماء حلية الماء بما هو هو في قبال الخمر وغيره أما الحرمة حرمة من جهة خاصة. «أحل الله البيع» هذه حلية طبعية يعني يريد أن يبيّن الشارع في التقنين أن البيع طبيعتها الحلية. شروط المتعاقدين والعوضين ليس في صددها. دليل أحل الله البيع يختلف عن دليل حرم عليكم الميتة هي حرمة فعلية بقول مطلق. احل الله البيع حلية طبعية. الأدلة مراتب في أنواع الحكم ودلالتها وهذه نكتة لازم ان نلتفت اليه. قد يقال في أحل الله البيع حكم حيثي وليس بقول مطلق. هل الحكم مطلق من كل الحيثيات أو هو حكم من حيثية واحدة لا من جهة بقية الحيثيات. مثل الحرام الذاتي والحرام النفسي. الحرام النفسي قد يقال أنه حكم حيثي وطبعي بخلاف الحرام الذاتي انه حكم بقول مطلق. مر بنا اعتراضات نبي من اولي العزم على الخضر ولي الله الاصطفائي كان سببه عدم التفرقة بين الحرمة الفعلية بقول مطلق والحرمة الاقتضائية.
ويذّكّرون الاخوان مرارا مر بنا في الدورات أن التخصيص عند القدماء كنهه وسنخه وحقيقته تختلف عن التخصيص عند متاخري العصر. التخصيص عند متاخري العصر هو أن الخاص يقلع العام من جذورها ولا وجود للعام في منطقة الخاص أما التخصيص عند القدماء أن العام موجود إلا انه اقتضائي مجمد بوجود المانع وهو الخاص. الخاص مانع في الجعل عن فعلية العام ويجمده. فالعام عند القدما اقتضائي بينما عند متاخري الأعصار هو علة غاية حدود علية العام في غير الخاص.
طبعا هنا معنى آخر للحكم الاقتضائي للعام تارة ما يمانعه في مقام الجعل والتشريع وتارة ما يمانعه في مقام الفعلية الخارجية يقال عن الحكم الاقتضائي المزاحم بمانع فعلية خارجية باصطلاح صاحب الكفاية الفعلية الناقص. هذا حكم اقتضائي باصطلاح اخر. منظومة تقسيم الواجبات والوجوبات والاحكام مهمة في يوميات الفقيه. ولا يقع التعارض بين الأدلة إذا وقف المجتهد على التوازن في الجهات. هناك حكم اقتضائي باصطلاح ثالث في مقام الامتثال او هو فعلي وليس فعليا ناقصا لكن في مقام الامتثال الغلبة للاهم ويقدم على المهم.
فيه اصطلاح رابع وهو يشار به الى الملاك قبل التشريع. نفس اقتضاء الملاك. اصطلاحات عديدة واردة في الأدلة الشرعية او كلمات الفقهاء والاصوليين يجب الالتفات اليه. مباحث الالفاظ من الأوامر الى العام وا لخاص كلها عبارة عن التعرف الى أنواع الأحكام وأقسامها ودرجاتها وكيف تتؤالف وكيف تتنافر وكيف تتدافع وتتناقض. ليست وحيا منزلا بل مستنبطا لكن يجب التنقيح
طبعا مر بنا الان مقتضى الاطلاق إذا دار وشك في الاستنباط أن هذا الواجب نفسي او غيري ان يكون نفسي لان الغيري يتوقف على بيان القيد أنه مقدمة فكون الارتباطي وتعلقي ومعلق على ذي المقدمة يحتاج الى الدليل. فاطلاق اللفظة يقتضي كونه نفسيا.
أما التعييني والتخييري. يراد به المتعلق تعيينا مثل الصلاة اليومية صلاة الظهر في مواضع التعيين وهي في مواضع التخيير تكون تخييريا. السيد المرتضى ذهب الى أنه في مواضع التخيير يتعين الاتمام وابن الجنيد ذهب الى ذلك. ففتوى المتأخرين أن الإتمام أفضل والتقصير أحوط ليس صحيحا. الاتمام أفضل صوابا والجمع أحوط لا أن القصر احوط لانه اذا أراد ان يحتاط بين كلمات الفقهاء سيد المرتضى قوله بوجوب التعييني. فهذه غفلة من المتاخري. الصدوق ذهب الى عدم التخيير. ربما ثلاثون راويا من فقهاء الرواة أنكروا التخيير حتى في الأماكن الأربع لكن مشهور طبقات الفقهاء والرواة او الاعلام ذهبوا الى التخيير. فثلاثة أقوال: قول بتعيين القصر وقول بتعيين الاتمام وقول بالتخيير فالأحوط هو الجمع ولا منافاة بين الأفضلية والاحتياط الأفضل شيء والاحوط شيء آخر. فما هو التعييني والتخييري وهل مقتضى الأصل اللفظي ان يكون الواجب تعيينيا او تخيريا.
طبعا هناك نظريات كثيرة عند الأصوليين والفقهاء في حقيقة التخييري. كما ان عند الفقهاء نظريات كثيرة في حقيقة الكفائي وكلمات ومبانيهم متخالفة وتصوير التخييري له اثار في الأبواب الفقهية كما ان تصوير الكفائي له آثار كثيرة في الأبواب الفقهية.
نقطة أن هنا التقسيم بالواجب النفسي والواجب الغيري صفة للواجب ومتعلق الأمر أو صفة للوجوب؟ كما في التعييني والتخييري صفة للواجب أو صفة للوجوب أو احتمال ثالث؟