الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ، مبحث الأوامر

كان الكلام في دوران الواجب بين النفسي والغيري او التعييني والتخييري او العيني والكفائي. طبعا هذا البحث في الدوران يثيره الاعلام مرة أخرى بعد مباحث الإجزاء. هنا في الدوران بلحاظ الإثبات لكن ما سيأتي يبحثون حول الفارق الثبوتي بين هذه الأقسام ومع ذلك يضطرون في الفارق الإثباتي الى استعراض الفارق الثبوتي.

هذا البحث أولا يبيّن أن تحليل معنى الأحكام أو ماهية الأحكام سواء بلحاظ المتعلق او بلحاظ الموضوع او بلحاظ الغرض والملاك هذا التحليل مؤثر في الاستنباط وإلّا كلمة نفسي أو غيري أو آثارهما او العيني والكفائي بعنوانها وبنحو اسمي غير موجود في الأدلة إلّا نادرا. الاسمي يعني مثلا زيد في الدار او زيد رجل زيد مبتدأ ورجل خبر وكلمة خبر ليس موجودا في الجملة بل استنبطها النحاة او البلاغيون من معاني مطوية والمعاني التي يذكرونها النحاة كثيرا ما غير مصرح بها لكنها مطوية ويحللونها حتى الفاعل والمفعول والحال كلها معاني يستنبطها علماء اللغة من الجملة مع انها ليست مصرحة لها. في التحليل واضح لكنه ليس مصرحا به.

هذه نكتة مهمة في منهجية الاستنباط. عادة يعبرون عن المصرح بوجوده الاسمي والوجود الحرفي للمعاني او المعنى الحرفي مطوي فكون المعنى مطويا لا يمكن ان يقال استحسان. فيكون شبيه حشوي الاخباريين او الأصوليين في قبال المحققين. المقصود أن المعني المطوية سيما أنها قد تنطوي في معنى باطن وفيها بطون. أحد اشتباهات جملة من الأخباريين أنهم يقولون ان كل علم الأصول اصطناع وليس كذلك لان طبيعة المعاني هي هذه. مثلا ما يذكره الصدوق من تحليل المعاني في كتاب كمال الدين او بيانات الصدوق في الخصال تحليل المعنى وكون المعنى باطنا ومطويا في الكلام لا يستلزم بطلان المنهج. المهم لابد ان يكون بشواهد ودلائل. هذه المعاني استنبطها الاصوليون من معني مطوية.

فما هو المراد من النفسي او الغيري؟ ربما عرف النفسي بما كان مطلوبا لنفسه لا انه مطلوب لغيره. لكن هذا التعريف ليس منضبطا، لانه كثيرا ما يأمر بواجب نفسي ملاكه الاعداد والتهيئة لواجب آخر لكنه لا يدل على أنه واجب غيري. ملاكه نفسي لكنه واجب تهيئي أو قل كل واجب نفسي أنه من جهة يهيئ لغيره كما يقال ان الاحكام في باب القضاء والحدود لنظم المعاملات والمعاملات معدة أرضية للعبادات و العبادات للاعتقادات كما هو معروف عند الأعلام. هذه التهيئة والإعداد والمقدمية في الملاك لا تستلزم ان تكون هذه الواجبات غيرية بل تطلق عليها واجبات نفسية. بالتالي قالوا النفسي ما كان يعاقب عليه لنفسه بخلاف الغيري لا يعاقب عليه. مثلا وجوب التعلم للاحكام الشرعية في محل الابتلاء نفسي مع أن ملاكه غيري أنه لأجل أن لا يقع في مخالفات الأحكام. «يسئل هلا عملت يقال لم اعلم فيقال هلا تعلمت.» مع ذلك هو نفسي ويعاقب عليه. كونها في معرض مخالفة التكاليف نفسه يعاقب عليه وان لم ينجر. فالضابطة إذاً في النفسي هذه الضابطة. فاذا النفسي والغيري ليس بلحاظ الملاك بل بلحاظ قالب الانشاء والاثار التي تترتب عليه. هذا بحث حساس.

ذكر الأعلام في النفسي والغيري ان بُعد الغرض ليس كل المدار في تشخيص قالب الوجوب والواجب بل لابد ان يلاحظ قالب التقنين للحكم او المتعلق. هذه مرحلة ثانية في الحكم وليس مرحلة الحكم. مرحلة القالب وإطار التقنين الانشائي او الفعلي. في الحكم مراحل كثيرة. مرحلة ثالثة هي مرحلة التنجيز او المسؤولية او المؤاخذة يسمى فيها الحكم بالتكليف والكلفة فالكلفة او التكليف اسم للحكم فقط في مرحلة التنجيز ونفي التكليف نفي هذه المرحلة وليس نفيا لكل المراحل. هذه نكتة مهمة وان كان بنى الميرزا النائيني وكثير من تلاميذه ان نفي التكليف نفي الحكم والحال انه ليس هكذا. التكليف اسم لمرحلة المؤاخذة ومسئولية الحكم.

سبق ان مر بنا إجمالا ان أسماء الحكم بلحاظ المراحل التعرف عليها ضروري جدا لأن لا نخلط بين مراحل الحكم. كثير من الكبار يؤاخذ بعضهم بعضها لخصول الخلط في مراحل الحكم. في باب القانون يخلطون بين مراحل الحكم. كل مرحلة لها إسم وأسماء. انتفاء بعض المراحل او الممانعة في بعض المراحل لايدل على الانتفاء او زوال السابقة بل يدل على انتفاء المراحل اللاحقة وهذا ليس مطردا قد تنتفي مرحلة وسطانية من دون ان تنتفي المراحل السابقة واللاحقة. مع ان اللاحقة كانما معلول السابقة فكيف لا تنتفي سيأتي بيان موارد عديدة في ذلك. هذا مما يدلل على ان معرفة مراحل الحكم وأسماء كل مرحلة لا يخدع الانسان بلحاظ مرحل أخرى سواء في الحكم التكليفي او الوضعي. إجمالا فإذاً بُعد الغرض والملاك وبُعد قالب وإطار تقنين الحكم ويراد من ذلك المحمول والمتعلق وقيود الحكم ثلاث اركان التي تكون بناء القضية القانونية. عمدا أثير هذه الإصلاحات لأنها في كل أبواب الأصول او الفقه وحتى العقائد مهمة.

ما الفرق بين الأمر والوجوب او الامر والاستحباب؟ الامر آلة لإنشاء الحكم وجنبة إثباتية، الأمر الواقعي لا الظاهري. «أقم الصلاة لدلوك الشمس.» مع ذلك هذا الامر بلحاظ الوجوب إثبات وليس ثبوتا. الامر آلة لإنشاء الوجوب والوجوب اعتبار ما وراء الكلام. فعندنا كلام من الشارع يصدر. الكلام أصوات وليس معاني والمعاني الجدية تلك عالم الاعتبار والقوانين. فلابد ان نفرق بين الوجوب والامر او الامر والاستحباب او النهي والحرمة والكراهة او بين لفظة أحل والحلية. اللفظ والإثبات مرحلة من مراحل الحكم لكن يختلف. شجون وشئون او تعقيدات الالفاظ لن ينجر الى المعنى. المعنى شيء آخر نعم ربما يتأثر لكن بالتالي هو غيرها. ألفاظ الانشاء مرحلة إثباتية وان كان لفظة واقعية صدر من الشارع لكن بلحاظ المعنى والحكم مرحلة اثباتية، الامر ليس حكما بل أداة الانشاء للحكم. وكذلك النهي.

هنا في تقسيم الحكم الى نفسي وغيري عندنا بُعد الغرض وبُعد قالب وإطار متن الحكم لا ألفاظ إنشاء الحكم وعندنا التنجيزي ومرحلة المسؤولية. طبعا الحكم له مراحل كثيرة والان التركيز في هذا التقسيم في هذه الابعاد الثلاثة.

لماذا يبحث الأصوليون عن الأغراض وما شأنهم وشأن الأغراض؟ الأغراض بيد الشارع ودين الله لا يصاب بالعقول الناقصة فكيف يبحثون عن الأغراض؟ هذا سؤال قد يطرح من بعض الأصوليين او بعض الاخباريين. الغرض والملاك شيء وراء قالب إطار القضية القانونية يعني وراء الحكم. الوراء يعني المغاير وهو وراء متعلق الحكم. أقم الصلاة لدلوك الشمس. أقم وجوب والصلاة متعلق ودلوك الشمس قيد الوجوب هذا قالب القضية القانونية والملاك اصطلاحا والغرض شيء وراء هذا القالب القانوني. من اين يستكشفه الأصوليون والفقهاء؟ الغرض عادة وإجمالا هو أصول تشريعية صرح بها الشارع وراء القضية القانونية. مثلا حرمة الغيبة «أيحب احدكم لحم أخيه ميتا فكرهتموه» هذا حكم واطار. علل من قبل الشارع بان عورة المؤمن على المؤمن حرام وايذاء المؤمن حرام وكذلك إشاعة الفحشاء حرام هناك أصول تشريعية وراء قضية حرمة الغيبة. أصول تشريعية فوقية لكن ليس فوقية بعيدة جدا. تجهيز الميت متعلق الحكم والوجوب حكم والميت متعلق المتعلق او قيد الحكم. علل لانه كما ذكر في القرآن الكريم «فبعث الله غرابا ليريه كيف يواري سوأة أخيه» بالتالي يسوء عند الناظر والمنظور اليه. من ثم غير المسلم او غير المؤمن لا يجب تجهيزه لأنه من باب الحرمة. نعم من باب المرض والوباء يدفن أما تجهيزه بالكفن و الغسل لا يحتاج. هذا البحث عن الأصول التشريعية ليس قياسا واستحسانا انما هو تتبع وتصيد في الأدلة يصطاد الفقيه كما أن الصيد شيء خفي لابد ان ترصد وتراقب حتى تقدر ان تصيده. بالتالي يتضح الغرض أو في بعض الماهيات واضح «اذا حييتم بتحية فحيوا بأكثر منها او ردوها» التحية احترام من نفس معنى التحية يفهم العقل الغرض بشكل واضح بين. فاذا عندنا بعد الغرض وهذا الغرض ليس ظنيا وانما علم من الأدلة أو قل علم بحكم العقل قطعا باعتبار ماهية المتعلق. الصلاة يعني التعظيم والخضوع لله تعالى وواضح «أقم الصلاة لذكري» هذا ليس أغراض استحسانية. إذاً عندنا بعد الأغراض وبعد قانون القضية وحرمة الغيبة قضية قانونية منشأة. فلاحظ من طبيعة الغرض او طبيعة القضية القانونية او المسئولية تنقسم الواجبات الى نفسي وغيري او تعييني او تخييري او عيني وكفايي. هذه التقسيمات كما مر بنا لم يحدثها الاصوليون من أنفسهم بل من معاني مطوية. الان النفسي والغيري ليس ضابطته كون ملاكه لنفسه وليس مهيئا لغيره كثير من الاحكام النفسية عمدة ملاكها أنها مهيئة ومعدة لكن لا يعني أنها غيرية بل معاقب عليها. حتى الصلاة «ان الصلاة تنهى عن الفحشاء والمنكر» يعني من غايات الصلاة واهداف الصلاة ان تكون ناهية. فالمقصود هذا المطلب ان النفسي والغيرية بعض فرقوا بينهما بلحاظ الملاك وبعض فرقوا بينها بلحاظ المسئولية والبعد الثالث وليس البعد الأول. لانه غير مطرد. وان كان الغيري طبيعته هكذا.

هذه البحوث ما ثمرتها؟ ثمرتها ان نرى الوجوب وجوبا نفسيا او غيريا؟ الخروج للحج غيري او نفسي؟ اذا يكون غيريا فكيف يجب قبل وقت الحج؟ الحج اشهر فكيف يجب قبل الحج؟ لله على الناس حج البيت حج البيت يعني الطواف والسعي او يعني السفر الى البيت؟ ماذا معناه؟ حج البيت يعني السفر. هذه العناوين التدقيق فيها مهم حتى في بحوث الحج والصلاة. اتفاقا هذا البحث محل الابتلاء. الان أقدر أن أسجل اسمي في الحج وبعد ثمان سنوات تصل نوبتي هل واجب علي أن أسجل؟ السيد الخوئي قال قبل سنتين والسيد الكلبايكاني قال وهو الصحيح حتى قبل عشر سنوات واجب عليّ أن أسجل اسمي. لماذا؟ ترجع الى الغيري والنفسي. ومن هذا القبيل أمور كثيرة. ما مصرح في الأدلة والفقهاء استكشفوها من الأدلة. الاستنباط قائمة على التحليل.