الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/07

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

حقيقة الاطلاق المقامي والأدلة

كنا في مبحث التعبدي والتوصلي وأن له بدائل. أيضا من البدائل ما ذكره الميرزا النائيني وهو متمم الجعل وعبر عنه بانه ليس تقييدا حقيقة يعني تارة نعبر أنه ليس تقييدا صورة ولكنه تقييد حقيقة، وتارة يقال لا صورة ولا قالبا لكنه تقييد لبا. يعني نتيجته نتيجة التقييد وليس تقييدا وكما مر أنه كما يقابل نتيجة التقييد التقييد فيقابل الاطلاق نتيجة الاطلاق. فهو نوع من أنواع الاطلاق المقامي

الاطلاق المقامي يعبر به عن مجموع الأدلة أنه تلاحظ كقائمة واحدة ومجموعة واحدة. هذه الملاحظة المجموعية يعبر عنه المقام. من باب المثال مر بنا مرارا في المعاملات «احل الله البيع» هذا الاطلاق ليس اطلاقا مقاميا بل اطلاق لفظي ومختص ببيان ماهية المعاملة وشروط ماهية المعاملة ولكن لا يتعرض لشرائط المتعاقدين. شرائط المتعاقدين يتعرض لها أدلة أخرى «حتى اذا بلغوا عقدة النكاح فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» هذه الاية تتعرض لشرائط المتعاقدين «ولا تؤتوا السفهاء اموالكم» فلاحظ ان «احل الله البيع فيه جهة وهاتان الايتان فيهما بعد ثاني «حرم عليكم الميتة والدم ولحم الخنزير» بعد ثالث في الموضوعات. فنلاحظ ان الأدلة مجموعها ثلاث آيات او ثلاثين دليل أو آية يكون في مقام الصحة الفعلية وإلّا كل بعد وطائفة منها هو مقام الصحة الاقتضائية وهذا يعني ان الصحة الفعلية للبيع او أي عقد آخر لا يتكفلها دليل ولا طائفة واحدة من الأدلة فضلا عن دليل واحد بل مجموع مكوّن يستفاد منه الصحة الفعلية. فالصحة الفعلية تشريعها مقام ومجموع الأدلة إن لم يقيد بشيء يقال الاطلاق المقامي يدل كذا وإن يقيد فيقيّد. فالتقييد بين مجموع الأدلة يختلف عن التقييد الاصطلاحي التقييد الذي يأخذ في الدليل الواحد. طبيعة الصحة الفعلية تتركب من أجزاء وشرائط ونادرا ما يكون دليل واحد في صدد التعرض لكل الشرائط والاجزاء مثل صحيحة حماد بن عيسى يكون الامام علیه‌السلام على صعيد التعرض لكل المركب. قليل في الأدلة. هذه الرواية يعبرون عنه دليل يتعرض الى الاطلاق المقامي مع أنه واحد. وإلّا غالبا الاطلاق المقامي او التقييد المقامي يستخلص من مجموع الأدلة وليس من دليل واحد. اذا كان التقييد المعهود يمكن ان يكون مقيدا منفصلا لا متصلا فكيف بك بالتقييد غير المعهود لا محالة منفصل ومنفصل بنمط يجب للفقيه أن يكون له تصيد في الاستظهار بحيث يعرف ان مجموع الأدلة يكوّن منها كتاب البيع او باب البيع وصحة البيع وإلا من دليل واحد او طائفة لا يمكن. فإذاً الإطلاق المقامي او التقيد المقامي نمطه نمط آخر.

حتى في هذا المثال اليسير فكيف بك بالادلة الأخرى: مثلا «لا تؤتوا السفهاء اموالكم» وقوله تعالى «فان آنستم منهم رشدا فادفعوا اليهم أموالهم» هل نستطيع ان نتمسك بالاية الأولى باطلاقه على نفي مانعية الصغر لان البلوغ من شرائط المتعاقدين؟ لأنها دليل متعرض للبعد الثاني لكن في حيثية في البعد الثاني وليس في كل الحيثيات وهذا مما ينبه أن قضية الاطلاق المقامي لها عرض عريض وأفق واسع. وكما مر أن الأعلام يقولون الاطلاق المقامي كانما في النظرة الأولى أمر يسير لكنه من أصعب الاطلاقات وأعقدها. إجمالا إذًا الاطلاق المقامي الارتباط بين طوائف الأدلة ومجموع تعداد الأدلة ارتباط يتصيده الفقيه ويشمه وغير مسامح فيه. فالاطلاق المقامي ليس بشيء سهل والتقييد المقامي ليس بشيء سهل أن يتفقه الفقيه بوحدة الغرض ووحدة المركب ووحدة الارتباط وهلم جرا. إذاً لا يمكن التمسك بدليل واحد او طائفة واحدة بدعوى أنها يتعرض الى زوايا المركب العبادي او المعاملي بقول مطلق. هذا الإدعاء غير تام بل لابد من المجموع والارتباط في المجموع وهو أمر متصيد وليس مصرحا به. فإذًا عندنا في نظام الأدلة كما مر بنا هنا لا نكتفي بشرائط المتعاقدين بدليل واحد. ليس في هذا الصدد. لا يمكن للفقيه ان يتمسك بادلة خاصة للوصول الى النتيجة النهائية في المركب. بل يضل يجمع كل واردة وشاردة مما يرتبط. كما مر بنا ان الشهادة الأولى والشهادة الثانية والشهادة الثالثة صحيح ان هناك طوائف مستفيضة انها شعار الهي في كل عوالم المخلوقات لكن الكلام ليس في البعد التكويني. الشهادات الثلاث عنوان تشريعي فله صلة بأبواب التشهد. صحيح أن اللسان في التكوين لكن الارتباط ظاهر لأن المولى في كرسي العقائد هو المولى في كرسي الفروع. اجمالا هذا بحث الاطلاق المقامي ونتيجة التقييد كما مر نقله عن الاعلام ظاهره سهل وباطنه يحتاج الى عارضة فقهية قوية او عارضة في أي علوم دينية.

امثلة كثيرة مثل ما نقله الشيخ الانصاري في المعاطاة عن الشيخ جعفر كاشف الغطاء ان الشيخ جعفر قال: لو لم يبنى على ان المعاطاة بيع حقيقي شرعي للزم محاذير او لوازم لا يقبل في سبعة أبواب أخرى من الفقه. فلاحظ كيف ربط وهذا نوع من الاطلاق المقامي ان مبحثا واحدا له شبكة ارتباطات وهذه الشبكة المعادلية يلتفت اليه الفقيه ذو العارضة القوية او المتكلم ذو العارضة القوي. فليس بشيء سهل.

اجمالا الميرزا النائيني يقول لا يمكن بالجعل الأول ولابد للشارع ان يتوصل بالجعل الثاني متمم الجعل وأشكل عليه المرحوم الاخوند لان متمم الجعل كان مذكورا قبل الشيخ الانصاري والاخوند والنائيني وهو وسع وبلوره اكثر. ومر بنا انه يلتزم به في خمسة أو ستة أبواب في أبواب الأصول واتفاقا السيد الخوئي أضاف اليه سابعا في بحث الترتب. اجمالا متمم الجعل شبيه البحث الاطلاق المقامي أن الشارع لا يصل الى منظومة جعله الكامل بالجعل الأول ثبوتا فالجعول متعددة ثبوتا فضلا عن الإثبات. هذا نمط آخر وهو التعدد في الاثبات والبيان، الكثير ربما يتعاطى مع الأدلة بشكل ساذج وسطحي انه لماذا ليست الأدلة على لسان واحد؟ وليكن هل هذا يعني عدم وحدة المضمون فيها؟ هل يعني عدم كونها في مقام ماهية واحدة؟ نفس تعدد البيان ليس دالا على ان الشارع في مقام بيان الشئون المختلفة عن بعضها البعض. ليس من الضروري تعدد صياغة البيان وتعدد اللسان دال على تعدد المفاد والمضمون ومحور كل دليل.

لذلك من باب المثال أن الامامة الإلهية في نقاشات مذهبية ليس ضروريا ان يكون بلفظة إمام. خمسين عنوان في القرآن او أكثر او أقل للإمامة في القرآن والسنة ومتعددة «الملك» و«الاصطفاء» «خليفة الله» هذه من إشكاليات عجيبة في الفقه يعني أن الفقيه يحصر الاستظهار والاستدلال بعنوان واحد. قد يكون العناوين متعددة وألسنة متعددة. بحث الاطلاق المقامي أحد صعوباته وأحد أنماطه هو هذا. يحتاج الى دقية الفقيه وتحقيقاته. إنما هي تعدد صياغات وليس تعدد الجعل. هذه نكات مهمة الالتفات اليه. لا يمكن ان أقول: أنا أفحص نصا صريحا في التشهد وأجزائه. هذا احد أنماط البيان وليس كل البيان قد تختلف الصياغات. «أدنى ما يجزيك» الشيخ جعفر كاشف أسس من هذا البيان قاعدة ان هذا ترخيص لبقية الاذكار الراجحة يعني المقالات الاعتقادية. ومن هذا القبيل طبعا بنى على ذلك صاحب الجواهر. بل هو يقول أن معنى أدنى ليس انه هو الواجب والباقي مستحب بل الأدنى يعني أحد الأعدال والخيارات الواجبة. خيار تخييري آخر الشهادات الثلاث او الأربع. نبه عليه في التسليم من باب الاعدال التخييري وليس الأقل واجبا والأكثر مستحبا. لسان آخر ليس في التشهد شيء موقت. التشهد توقيتية فما معنى ليس فيه شيء موقت؟ المقصود ان التشهد في الصلاة حقيقة واحدة شرعية في كل الأبواب. الضابطة الأولية ان الألسن فيه التعدد. والفقيه اذا لم يكن نبها يشتت الأدلة المتوحدة بخلاف ما إذا يلتفت. بمناسبة ما أقر به الاعلام بمتمم الجعل ان الجعل الأول ليس مرتبطا صورة بالجعل الثاني. هذا يعني نمطا من ارتباطية الأدلة مع بعضها البعض. هذه الضابطة تمشي ومنهج طبعا بالشواهد والقرائن لا بمجرد الاحتمالات. هنا متمم الجعل في الثبوت.

الخيار الآخر هو الذي يذهب اليه صاحب الكفاية أن العقل إذا شكك في أن الفعل تعبدي أو توصلي يحكم بلزوم قصد الامر. فحكم العقل لدخالة الغرض ودخالة قصد الامر في الغرض. يقول صاحب الجواهر: إن حكم العقل غير مستقل وليس مستقلا كحسن العدل كما أن العقل النظري قد يكون لها أحكام عقلية مستقلة لكن الاحكام التي يحكم بها العقل طبعا للمجعولات الشرعية يبعرون عنها الاحكام العقلية غير المستقلة. هنا حكم العقل غير المستقلة ويقول أن العقل يحكم بلزوم قصد الامر فقصد الامر العبادية كيفية ينتزعه العقل ويحكم بها العقل من منشأ في المجعول او الجعل وهذا المنشأ أنه اللون العبادي يستظهر فيه. ربما هذا يعول الى كلام المتقدمين ان العبادية ذاتية في الأفعال وإذا اطلع عليه العقل يحكم بلزوم قصد الامر في الأفعال.

بديل آخر اعتمده الأعلام يقال أنه من قبيل الإرشاد أو الإخبار الحقيقي لا الإخبار الصوري الذي مراده الإنشاء. هذا إنشاء حقيقة لكن هنا المراد الإخبار الحقيقي الى نهاية المطاف. الإخبار في المدلول التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي. لا تقل إخبار أجنبي عن التشريع هذا اشتباه منك أيها الباحث. الإخبار ليس أجنبيا بل مرتبط. لأن هذا الإخبار يتعلق بنقطة وبمحور يتعرض اليه بقية التشريعات فيكون هذا الإخبار المحض كالإرشاد يشير الى نوع من التصرف في المجعول التشريعي. الان للأسف موجود لا فقط في الشهادة الثالثة أن الأدلة التي تتعرض للخواص التكوينية لفعل معين في القبر او القيامة يقولون انه لا ربط له بالتشريع. كيف لا ربط له؟ صحيح أنه إخبار محض لكن لبا يستفاد منه تعبير كنائي تشريعي او إن لم يكن كنائي تشريعي يرجع الى الانشاء فإخبار محض. سلم الاعلام هنا ان الليل إخبار محض لكن مع ذلك مرتبط صميما بالانشاء. طبعا يحتاج الى الشواهد في الارتباط لكن بالتالي لا تقل باستحالة ارتباط الدليل الاخباري المحض بالإنشاء هذه الدعوى غير صحيحة. هناك ملك على شكل الديك إذا اذن مؤذن ينادي بصوت عالي «بمعنى يؤذن لان الاذان بمعنى الإعلان» بالشهادات الثلاث. يقولون هذا بحث ملكوتي ماذا ربطه بالتشريع؟ لم ذكر الاذان وبحث تشريع الاذان ولم ربط بشيء تكويني في بيان هذا الاخبار كيف لا ارتباط له؟ ليس مجرد كون الدليل خبريا محضا واجنبيا عن التشريع والانشاء. هنا يقولون أن قصد الامر يمكن ان ياخذه الشارع من باب الارشاد والاخبار.

أيضا ذاك الدعوى: كل ما يكون ارشاديا فلا يعتنى به، كيف لا يعتنى به؟ قد يكون شيء الزامي. كل شيء ليس حجة فهو عدم محض. هذا غير صحيح. هذه دعوى عجيبة. مر بنا فائدة الارشاد أنه تصور مشروع عقلا ووحيا. بعض التصورات غير مشروعة مثل الاحتمالات الوسواسي. تصورات مريضة عقلا ووحيا. أما الاحتمالات العقلائية المبنية علي الأسس يعبرون عنه الاحتمال الصحيح. صحيح انه ليس حجة تصديقية لكن فيه فائدة تصورية. والفوائد التصورية تتركب وتؤدي الى النتيجة التصديقية. مر بنا ان السيد الخوئي مضطر ان يبحث عن المرجح الشرعي يعني هو بنفسه ليس حجة مستقلة. المرجحات التعبدية يعني الشارع يعبدنا بها. ليس دليلا مستقلا. فعندنا اذا ليست حجج مستقلة بل تتركب مع الحجج الأخرى. كما أن السيد الخوئي في باب التعارض يضطر أن يقبل أن عندنا في الجعل الشرعي موانع عن الحجية ليست دليلا مستقلا عن النهي بل إذا ضم الى شيء يؤثر. فاذ في باب الصناعة الأصولية بضرورة الدين وتسالم علماء الأصوليين التصور له دور. إذا انضم اليه شيء يكون مسعف ومعاضد او يكون موهن. ليس كضم الحجر الى الانسان وليس كالقياس والكهانة والشعبذة والسحر. تلك الأبواب تصورا اغلقها الشارع. مر بنا ان الخبر الضعيف ليس حجة مستقلة لكن يحرم رده يعني اكترس به تصورا. هذه المقولة ان اللاحجة كالعدم ضعيفة. التصور حجة بهذا المعنى اذا انضم ويتراكم يؤثر او التصور له آثار تنجيزية كثيرة وليس فقط عند التراكم. نفس التصور الصحيح العقلائي يمانعك عن الالتزام بالحجة المستقلة قبل ان تفحص. الا يقولون العلماء بضرورة المذهب والدين ان شرط حجية الحجج المستقلة هو الفحص عن المعارض والمقيد و الحاكم والمخصص والوارد. الفحص يجمد الحجة المستقلة. وما الذي يفتح باب لزوم الفحص؟ التصور. باب تنجيزية يجمد الحجة المستقلة. ليس كالعدم. نلتفت الى أن الارشاد والاخبار المحض في علم الأصول اين موقعيته في منظومية الحجج. في علوم المنطق يقسمون العلم الى القسمين. التصور والتصديق. الا يقولون الاصوليون ان العلم حجيته ذاتية. أي حجية ذاتية في التصور؟ هذا البحث يبحث في نهايات الاعلمية. أي حجية ذاتية للتصور؟ سوال نكمله غدا ان شاء الله.