الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/04/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

حلول أربعة لدفع الدور في أخذ قصد الأمر

من ضمن تقسيمات الواجب أو الوجوب تقسيمه الى الوجوب الضمني والوجوب المجموعي يعني الأمر الذي يتعلق بمجموع الصلاة أمر مجموعي والأمر الذي يتعلق بأبعاض الصلاة يعبر عنه أمرا ضمنيا بالتحليل العقلي للأمر المجموعي للصلاة وليس سرابا بقيعة بل له واقعية. فهذا الامر المجموعي الذي ينبسط على الأجزاء والمركب في الواجب العقل ينتزع من انبساطه حصصا بالوجوب الضمني. فالوجوب او الواجب ينقسم بوجوب الكل وبوجوب ضمني يتعلق بالأجزاء. بل الميرزا النائيني حاول أن يصور تعلق الوجوب وانبساط الوجوب ليس فقط بالأجزاء «لا في المقام بل تعرض له الاعلام في مقدمة الواجب» بل يتعلق بالشرط أيضا. تعلقه بالأجزاء تعلق إسمي او نفسي وتعلقه بالشروط تعلق حرفي وهذا التفصيل استثمره الميرزا النائيني في أبحاث أصولية عديدة. لسنا في صدده إنما نلتفت لاصطلاح الوجوب الضمني ووجوب الكل.

هنا لما يقال أن قصد الأمر مأخوذ في الصلاة، فهل الامر يتعلق به أم لا؟ المفروض أنه يتعلق لأن الأمر ينبسط كما يتعلق بالتكبير والقرائة والسجود والركوع أيضا يتعلق بقصد الامر. هنا قالوا بإشكال الدور والخلف، كيف يتعلق بنفسه؟

المرحوم الاصفهاني أبدى حلا وعلاجا ثانيا: قال إن قصد الأمر يعني أن تأتي ببقية الأجزاء بقصد الأمر الضمني الذي تعلق بالبقية. بعبارة أخرى الأمر المجموعي لما يتعلق بالكل ويكون أبعاضا فيتعدد الامر المجموعي الذي يتعلق بالأجزاء وينبسط على الأجزاء تلقائيا ويتعدد بتعدد الأجزاء، فحقيقة عندنا أوامر ضمنية وليس أمرا واحدا. ففي الحقيقة عندنا مجموع أوامر ضمنية. حينئذ قصد الامر يعني أن تأتي ببقية الأجزاء بقصد أمرها الضمني، ما فيه دور. الامر المجموعي ارتبط بالكل ولكن قصد الامر المراد ليس قصد الأمر المجموعي بل قصد الأمر الذي هو جزء هو قصد الامر بالابعاض. الأوامر الضمنية البعضية الأخرى اختلف.

بعبارة أخرى على كل أعيد شرحه: الأمر بالكل ينبسط على الأجزاء ومن ضمن الأجزاء التي ينبسط الامر الكل قصد الأمر لكن قصد أي أمر؟ قصد الأمر الضمني في بقية الحصص، قصد تلك الأوامر الضمنية حين المجيء ببقية الأبعاض، فاختلف.

نعم يمكن أن يسجل على حل المرحوم الاصفهاني وتبناه السيد الخوئي أن الكلام ليس بين الأمر الضمني الأول والأوامر الضمنية البقية على أساس التعدد والتغاير بل الكلام بين الامر المجموعي وهذا القصد لأن الأمر بقصد الامر وليد الأمر بالكل فكيف يؤخذ قبله؟ الأمر بالكل كيف يتعلق بكل الصلاة والصلاة بعضها قصد الأمر؟ ليس الكلام بين حصص الأوامر الضمنية كي يحل الدور. لو كان الدور والخلف بين الأوامر الضمنية هذه الحلحلة جيدة لكن الإشكالية بين الأمر المجموعي الذي يتعلق بالكل وقصد الأمر سواء قولب قصد الامر بين بقية الأوامر الضمنية او الامر بالكل بالتالي الأوامر الضمنية أيضا هي عين الواجب الكل او قل معلول له فكيف تكون متقدمة عليه. فالأفضل هو الحل الأول الوجود الذهني والوجود الخارجي الذي ذكره الاعلام.

حل ثالث ذكره الاعلام قالوا: يمكن أخذ الجامع في العبادية لا خصوص قصد الأمر والجامع هو الإضافة اليه تعالى. هذه نكتة لطيفة يصر عليه السيد الخوئي هنا وفي بحوث الفقه إذا كان بعض أفراد الجامع ممتنعا وفيه محذور لطبيعة الفعل المعين لا يسبب أن الامر الذي يتعلق بالطبيعة يتعلق بها بنحو أن تكون هي ضيقة وغير كلية. كليته شامل حتى للفرد الممتنع. نفترض أن الأمر بصلاة الظهر بالنسبة الى المكان البعيد ممتنع وغير مقدور بلحاظ الظرف الفعلي يعني بالفعل الان الصلاة في مكة المكرمة غير مقدورة بالنسبة الينا ممتنع وقوعا بحسب الظروف. هل اقم الصلاة لدلوك الشمس غير شاملة للصلاة في المكة المكرمة بالنسبة الينا؟ شامل، لأن الامر بالطبيعة بما لها من سعة وسيعة شاملة للافراد غير المقدورة بسعتها. وهذه السعة ليس فيها محذور. جملة من الاعلام قديما وحديثا إذا كان بعض أفراد الطبيعة فيه محذور كانما يقولون الأمر بالطبيعة بما عدا الافراد المحذورة كانما يقيدون ويخصصون الطبيعة. بأي موجب تقيدون الطبيعة؟ الطبيعة عامة. فليس هناك موجب لتقييد الطبيعة. لأنه لو كان الأمر بخصوص ذلك الفرد الممتنع نعم لا يمكن أما إذا كان الأمر بالجامع ما المانع فيه أن يكون الامر بالجامع بما له سعة واسعة وشاملة للفرد الممتنع لا انها منحصرة بالفرد الممتنع. هذه نكتة مهمة بغض النظر عن المبحث في المقام وتفيد في الأبواب الفقهية الكثيرة ولها ثمرة كثيرة في بنية الظهور. شامل لها لا يعني انه مخصص بها فلانخلط كما وقع الوهم لبعض الاعلام. هنا يبين السيد الخوئي هكذا أنا لنفترض أن قصد الامر كفرد ممتنع للعبادية. ائت بها بما انه محبوب لله او ائت بها بما هو مثاب او ائت بها بما هو مضاف الى الله تعالى أي آلية من آليات الدواعي القربي. ما المانع فيه. الجامع بين الدواعي القربية هو الاضافة الى الله تعالى وشامل لقصد الامر واذا كان شاملا يؤخذ الجامع ثم في مقام الامتثال نأتي بقصد الأمر لأنه شامل له. انصافا لا باس وما فيه محذور وبيان لطيف. إذاً هذا الحل بغض النظر عن كونها حلا في المقام نفس النكتة مهمة في بحوث الاطلاق والعام أن الإطلاق والعام شامل لكل الافراد حتى الافراد الممتنعة لا أنه مخصص بالافراد ممتنعة. الثمرة كثيرة. مثلا أحد الثمرات نستكشف ان الملاك موجود حتى في الفرد الممتنع او الفرد المحذور او الفرد المتأخر رتبتا. فاذا طريق العلاج أن نقول الأمر يتعلق بطبيعة الصلاة التي فيها إضافة اليه تعالى بداعي قربي بدون ان يخصص بقصد الامر.

هذا الحل اشكل عليه المرحوم الاخوند قال: نحن نعلم جزما أن الدواعي الأخرى القربية غير مأخوذة بخصوصها. الكل يفتي أن قصد الامر كاف في التعبدية فإذاً خصوصية بقية الدواعي القربية غير مأخوذ قطعا. فالكل بالتسالم والضرورة ينبه على أن بقية الدواعي بخصوصها غير مأخوذة. والمجيء بقصد الأمر مجزئ فإذاً الجامع غير مأخوذ. هكذا استدل الاخوند.

اعيد: قال نحن نجزم أن الدواعي القربية بخصوصها غير مأخوذة ولو كان مأخوذة بخصوصياته لما اجزأ قصد الامر والحال أنه يجزئ قصد الامر بضرورة الفقه فحينئذ يثبت من ذلك أن الجامع غير مأخوذ. أشكل عليه السيد الخوئي وغيره من الأعلام عندنا شقق وخيارات عديدة. فرض المرحوم الاخوند أن خصوص بقية الدواعي غير مأخوذ قطعا بدليل أنه لو أتيت بقصد الامر في العبادات لأجزأ فهذا غاية ما يثبت عدم اخذ خصوصية الدواعي الأخرى لكن لا ينفي الجامع. خصوصيات الافراد لم تأخذ قطعا وإجزاء قصد الامر قطعي لكن كيف يثبت ان الجامع غير مأخوذ بل عندنا خيار ثالث. بقية الدواعي غير مأخوذة بخصوصها لا يعني أنه لو أتيت بها غير مجزئ. هي لم تأخذ بخصوصها لكي لا يستلزم عدم إجزاء قصد الأمر لكن من قال أنها غير مجزئة أيضا. أو قل من قال أن الجامع لم يأخذ. هذا الاستدلال ناقص ولا يثبت المدعى. غايت ما في استدلال المرحوم الاخوند ان خصوصيات بقية الدواعي غير مأخوذة اذا ربما مأخوذة بالجامع او قصد الامر مأخوذة. هذه أهميته في بحوث الظهور كلها. نوع من الغفلات تقع عند الاعلام.

عندنا خيارات ثلاث: إما الجامع او خصوص قصد الأمر او بقية الدواعي بخصوصها. بعضهم فرضوا ان الخيارات اثنان. ففي بحث الظهور ضروري التأني والتروي خطوة خطوة في كيفية بناء وتكوين واستكشاف بنية الظهور ووظيفة علم المعاني في البلاغة او علم البيان ان يمرس الباحث كيف يأخذ عنصر عنصر في بنية الظهور كانما مثل الأجزاء لبنة لبنة في المبنى.

مثل ما ذكر السيد الخوئي ضابطة أخرى في الظهور ومحذورية بعض أفراد الطبيعة لا يزوي الطبيعة المأمور بها عن الفرد المحذور لا يضيق الطبيعة لأنه يكفي في الامر بالطبيعة القدرة على بعض افرادها. لا أن الطبيعة تتضيق وتتحصص للافراد المقدورة. هنا أيضا هكذا انه عندنا خصوصيات الدواعي القربية وخصوصية قصد الأمر وعندنا خيار ثالث وهو الجامع ونفي أحد الشقين لا ينفي الشق الثاني إذا كان هناك شق ثالث. إذاً طعن المرحوم الاخوند في الحل الثالث غير تامة.

الحل الرابع: انه يمكن الاستعاذة بطريقة تقييد أخرى. هذه نكتة لطيفة في الظهور. تارة الشارع يقول ائت بالطبيعة في هذا الفرد الخاص وهو قصد الأمر وتارة فيه محذور ان يقول بقصد الامر محذورا ثبوتيا او اثباتيا فيأتي بتعبير كنائي. يقول: امنعك ان تأتي بالطبيعة في كل أفرادها. لا يأتي بالفرد المراد وهو قصد الأمر لكن ينهاك أن تأتي بالطبيعة بالدواعي الأخرى. لا تأت بالطبيعة في الصلاة بداعي الرياء او لا تأتها بدون الداعي. فينحصر الفعل بداعي قربي.

هذه الفذلكة يمكن تسميتها بالكناية او الاستلزامات. اللطيف يشكل هنا اشكالا عقليا والسيد الخوئي يجيب نحن لسنا في الدقة العقلية بل نحن في بحث العرفيات والظهور عرفي. يكفي فيه استظهار عرفي. الكلام صحيح لكن يرد على السيد الخوئي في اشكالاته علي مشهور الرجاليين بنفس الاشكال طبيعة إشكالات السيد الخوئي على مشهور الرجاليين هي عبارة عن إمكانات عقلية دقيقة نادرة الوقوع. جملة إشكالات السيد الخوئي في المباني الرجالية التي خالف فيها المشهور مداقات عقلية ناظرة في الوقوع العرفي. إذاً هذه نكتة لطيفة احد اليات العلاج ان يأتي الشارع بظهور ليس فيه تصريح بالجزء ولا بالشرط ولا بالشهادة الثالثة ولا بقصد الامر. يأتي بتعبيرات كنائية لكن المراد منه شيء آخر. إما بمحذور إثباتي كالتقية او محذور ثبوتي. هذا العلاج جزم به السيد الخوئي وغيره. هذا الحل ليس فيه رائحة مصرحة بالجزء والشرط لكن تعبيرات كنائية في أخذ الجزء. فيا أيها الباحث اذا لم تر في الدليل عنوان المطلوب إثباته لا تقل ان الدليل لا ربط له بالاستدلال لعله كنائي والتفت وتدبر. وهذه تبناه الاعلام في المقام ليس من باب تفلسفات احتمالية بل يعتمدونها حتى في يوميات الظهور. أنا لم أجد الشهادة الثالثة مصرحا بها. لا يلزم التصريح. يقول أدنى ما يجزئ يعني فيه أكثر وأي شيء في المقالة الاعتقادية عندنا في الدين بضرورة المذهب أعظم من الشهادة الثالثة لا المعاد ولا أي شيء آخر. بتعبير كاشف الغطاء ان المعاد ما عد بدرجة الشهادة الثالثة. فالكناية واضحة والحر تكفيه الإشارة.