44/04/03
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي
التعبد ونتيجة التقييد في المركبات.
مر بنا أن الأعلام يبنون على محذورية قصد الأمر في الأمر الأول لأجل التوصل الى العبادية فبالتالي يتوصّلون الى التقييد ولكن عن طريق غير الجزئية وغير الشرطية. مثلا متمم الجعل عند الميرزا النائيني، يعبر عنه أنه ليس تقييدا بل إنه نتيجة التقييد ثبوتا وإثباتا. وعدم التقييد بهذه الطريقة يعبر عنه أنه ليس إطلاقا بل نتيجة الإطلاق. هذه نكتة مهمة أنه بديل عن التقييد بالجزئية والشرطية وهو نتيجة التقييد سواء في مقام الاثبات او الثبوت لأن الاعلام هنا مقامهم في مقام الثبوت فضلا عن مقام الإثبات. أصل كلامهم في محذورية أخذ قصد الأمر ثبوتا فضلا عن المحذور الإثباتي. بالتالي فما الطريق البديل الى نتيجة التقييد مع أنه ليس تقييدا؟ ليس صياغة قانونية للتقييد والجزئية والشرطية لكن نتيجته نتيجة التقييد.
كذلك مسلك صاحب الكفاية أنه ليس متمم الجعل بل مسلكه حكم العقل غير المستقل التابع لجعل الشارع. هذا الحكم ليس تقييدا اصطلاحيا لكن نتيجته نتيجة التقييد. عدم الحكم نتيجته الاطلاق وان لم يكن الاطلاق الاصطلاحي. إذاً البديل الثاني في الأبواب الفقهية لاسيما أن كلام الأعلام في العباديات والمعروف أنها توقفية والتوقيتية وأشد التشريعات والمجعولات الشرعية التوقيفية هي العبادات مع ذلك هنا بديل ثالث يذهب اليه المرحوم الاخوند وهي حكم العقل بحصول الغرض وعدم حصول الغرض. مع أنه ليس الحكم المستقل كي يقال أن دين الله لا يصاب باالعقول الناقصة بل حكم عقلي غير مستقل تابع للحكم الشرعي. فإذاً لاحظ هناك حكم للعقل ناشئ من منشأ شرعي معين يحكم العقل بأن هذا المركب الشرعي لا يمكن أن يسقط بمجرد مراعاة صرف الأجزاء والشرائط الفعلية بل لابد من شيء آخر ينضم اليها وإلا لا تسقط ولا تفرغ ذمة المكلف من العبادة التي هي توقيفية. هذا يدل على ان الأعلام ليس عندهم التوقيفية بمجرد الأدلة الخاصة المتعرضة صريحا الى الجزئية والشرطية. بل قد يأخذ الشيء في الصلاة وان لم يرد في أدلة الصلاة إما بمتمم الجعل وليس لسانه كلا صلاة الا بطهور. أمران يفهم منهما ان غرضهما واحد ولا يمكن أداء الجعل الأول الا بالمجعول الثاني. هذا متمم الجعل الثبوتي الذي يذكره الميرزا في التعبدي والتوصلي. مر بنا خمسة أنواع من متمم الجعل يلتزم بها الميرزا في أبواب الأصول بعضها اثباتي وبعضها ثبوتي. هذا المتمم ثبوتي. إذاً لا يستغرب أحد أن الأدلة ليس لسانها كالادلة الخاصة بل لسانها لسان آخر. مع ذلك يلتفت ان الجعل الثاني متمم لغرض الجعل الأول. الغرض الذهبي والجوهري في هذا البحث أن الأصوليين لا يلتزمون في الاستنباط الفقهي أن يكون الدليل خاصا وصريحا بل لابد أن تنظر الى متممات الجعل أو الاحكام العقلية من مناشئ شرعية أو بديل ثالث. وهو الارشاد أو الإخبار وهذه نكتة مهمة أن الدليل ليس مولويا ولا هو دليل خاص ولا صريح كلا صلواة الا بطهور.
قبل أن ادخل في البديل الثالث نرجع الى الحكم العقلي ان المسائل الخمس العقلية غير المستقلة التي بحثها الأصوليون مثل اجتماع الامر والنهي قال الاصوليون ان النهي والحرام او المحرم اذا اجتمع اتحاديا مع الواجب فلايتعدى ولا يسقط الواجب لا سيما عباديا بمصداق الحرام. ليس في الأدلة الخاصة لا صلاة الا بمصداق حلال. كيف حكمتم بأن الصلاة من شرائطها أو موانعها هكذا؟ بحكم العقل. كذلك مسألة الضد والتزاحم او حكم العقل في مسألة الإجزاء او مسألة مقدمة الواجب او أن النهي يقتضي الفساد. إسمها خمس مسائل والان توسعت وهي أكثر من خمسة أبواب عقلية غير مستقلة كما يذكر المظفر تبيانا لبيان استاذه الميزرا النائيني. خمسة مناشئ عامة عقلية نتيجتها نتيجة التقييد. ولا تنافي التعبدية والتوقيفية. هذا هو البديل الثاني وهو حكم العقل والامثلة له كثيرة. بعض إشكالات سطحي الاخباريين لا الاعلام منهم أنها بدعة ولابد من نص خاص غير واردة لهذا.
البديل الثالث الاخبار او الإرشاد. الدليل هو الإخبار وليس إنشاء. نتيجته نتيجة التقييد او الاطلاق. ليس جملة خبرية في مقام الانشاء هذا انشاء وغير ما نحن فيه. هذا البديل الثالث يريدون أن يقولوا أنها ليست إنشاء صورة ولبا. «الذين لفروجهم حافظون» جملة خبرية لكن في مقام الإنشاء يعني حافظوا أيها المومنون على فروجكم. هذا ليس خبرا حقيقيا بل صورة خبر في مقام الاستعمال لكن المراد التفهيمي او الجدي انشاء. هذا ليس محل كلامنا. محل كلامنا أنه خبر حقيقتا والى نهاية المطاف. مثل الإرشاد. طبعا الارشاد أنواع؛ تارة الأمر إنشاء إرشادي وليس فيه مولوية وتارة إخبار إرشادي . الإرشاد إما إخبار أو إنشاء أيا منهما ليس فيه مولوية كما التزم الأصوليون في قوله تعالى اطيعوا الله واطيعوا الرسول. إذا كان موردها الأبواب التشريعية الأولية قالوا هذا أمر إرشادي. على القول بأن هذا إرشاد وليس في مقام ولاية الله وولاية الرسول وأولي الأمر. فالإرشاد بديل ثالث وليس فيه مولوية حتى بلحاظ المراد الجدي. في البحث السابق تعرضنا إلى أقسام الإرشاد أنه تعتني به تصورا والعمدة في التصديق هو المرشد اليه وإلا الحجية ليست للارشاد ولا للامر الارشادي ولا للاخبار. نعم بعض المصادر كما مر بنا مثل القياس لا يعتبره الشارع حتى بالقيمة الارشادية والتصورية.
لطيف أن علم الأصول والفقه لا يتكفل فقط المصادر التصديقية بل أيضا يتكفل نظم المصادر التصورية. وهذا غاب عن كثير من متاخري العصر. أي غاب عنهم بلورته والا تلقائيا يمشون ممشى المشهور. ذكروا هذا الأمر أن مبحث الألفاظ ليس حجة، يعني تصورات مبحث الالفاظ ولو مزجت بمباحث عقلية وإلا هو مباحث تصورية. فعلم الأصول يتكفل نظم التصور ونظم التصديق. لأن مصنع التصورات تتوالد التصديقات وتتناظم التصديقات. علم الأصول ليس فقط هو العلم الباحث عن دليلية الدليل والتصديق بل هو علم باحث عن التصور او التصديقات لاستنباط الحكم الشرعي. من ثم تكفل علماء الأصول في الكتب القديمة الأصولية مثل القوانين والفصول ومعالم الأصول حتى الكفاية والرسالة عقدوا بحثا في عدم حجية القياس حتى بدرجة التصور يعني حتى لا يمكن أن تجعله مؤيدا. إذا استعملت القياس تصورا فغير معذور عن النتيجة. السحر هكذا والكهانة وإدعاء الاتصالات الغيبية والجن والشياطين هذه كلها محذورة في الشرع.
إذاً في بعض المصادر الشارع ردع عنها تصورا. من مشى الى ساحر خرج من دين محمد. هذه الدردشة تشكل مجموعة من التصورات تنتج تصديقات خاطئة. من تكهن او تكهن له فقد برء من دين محمد رواية مسندة ومعتبرة وافتى على ضوءها بنص اللفظ والقالب العلامة الحلي وكثير من الأعلام. بعض المصادر التصورية ينهى عنها الشارع. كثرة الظن مع التعامل مع الاخرين أيضا ينهى عنها الشارع. إن بعض الظن إثم. سيما لا سمح الله مع العلاقة للطرف الأنثى سواء الزوجة او الأخت او البنت الانسان اذا يتعامل مع الظن لا يسوغ. لابد من الموازين. بعض المصادر ينهى عنه الشارع حتى تصورا. النكتة مهمة طبعا كما مر عدم اعتبار الظن تصديقا لا يعني عدم اعتباره تماما. الاعتبار درجات وعدم الاعتبار درجات. هذه خارطة علم الأصول. والعلوم الدينية ويجب إحداث تقييد في علم الأصول لأنها منهج في كل الخطوات العلمية والتصورية للإنسان. الاعتبار درجات وعدم الاعتبار درجات. ظن غير المعتبر ليس كالصفر. ربما يقول الشارع الظن غير المعتبر يعني إذا تريد أن تعتبره تصديقا لكن تصورا لا يمنعك. إنما ردع الشارع عن التصديق ولا يمنع عن التصور. أتى الامام الصادق شخص وبنى على ان يدرس عنده علیهالسلام من المقدمات الى الاجتهاد مع انه لا وقت للامام. فاحاله الى فقهاء المدينة. هذه المقدمات علم الصرف و النحو والبلاغة وغيرها بعض الأعلام درسوا عند العامة كما ان العامة درسوا عند الخاصة. كثير من تلامذة المفيد والمرتضى والشيخ الطوسي وخواجة نصير الدين طوسي كانوا من أعلام الجمهور. والعكس هكذا. هذا في مجال التصور. والتصور يريد للدراسة في مقام التصديق بحث آخر أو علوم مقدماتية. نكتة مهمة. درجات للاعتبار وعدم الاعتبار. بتعبير الشيخ الانصاري مثلا ظن معين ليس بحجة يعني ليس بحجة مستقلة أما غير مستقلة كمؤيد او مرجح يعتمد عليه. لا هو تصور محض ولا هو تصديق مستقل. المرجح يعني ضميمي. المرجح في نفسه ليس حجة مستقلة لكن كضميمة دخيلة في التصديق. كيف تخرج المرجح بغالب صناعي؟ لم بحث الأصوليون عن تحديد المرجحات في باب التعارض. لأن لها دور في الاعتبار. الاعتبار درجات والتصديق انواع. لماذا يفرق الفقهاء بين المؤيد والمعاضد؟ طيلة عشرة قرون إشارة الى درجات في الاعتبار. ما هو الفرق الصناعي بين المؤيد والمعاضد. فلاحظ علم الأصول ينظم كل درجات التصديق وأنواع التصديق كما أنه ينظم درجات التصور وأنواع التصور. فيه تصور استعمالي وفيه تصور تفهيمي وغيرها. هذا البحث جدا مهم. أنواع التصور كيف وأنواع التصديق كيف؟
إذًا احد المؤاخذات الكبيرة علي منهج ومباني السيد الخوئي التي ذكره في معجم الرجال وخالف فيها المشهور بتصريح نفسه في ثمانية عشر مورد وقواعد. هو يذكر أن هذه المباني مباني مشهور الأصوليين وأنا أخالفها. كما هو في مبحث الشهرة يصرح ان مبناه خلاف مبنى مشهور الأصوليين. المؤاخذة في طعن السيد الخوئي على المشهور او نقض السيد الخوئي على المشهور أن المشهور ذكروا هذه القواعد في علم الرجال لا كحجية مستقلة بل كجزء الحجة يعني نوعا آخر من التصديق والاعتبار. نسئل سؤالا علميا عن السيد الخوئي ونعظمه ونقبل أقدامه لماذا بحثت في باب المرجحات عن المرجحات مع أنها ليست حجج مستقلة؟ لأن جزء الحجة لها الاعتبار. هذا الذي نريد أن نقوله ان هناك ليس الحجة مستقلة بل جزء الحجة لابد ان تنضم الى قرائن أخرى. هذا مسلك مشهور الأصوليين. حتى الشهرة لم يدّع مشهور الأصوليين أنها حجة مستقلة بل ادّعوا انها جزء الحجة. عندنا مرجح وعندنا موهن. ما هو معنى الموهن؟ المعارض حجة مستقلة لكن ما هو الموهن؟ الموهن ليس حجة مستقلة لكن وجوده يسبب في ضعف الحجة المستقلة. أنواع الحجج. ما هو موهن حجية الخبر الصحيح؟ المانع تارة معارض وتارة عنصر يسبب ارباك نظام الحجية في جة مستقلة. اذا سلبا وايجابا التصديق درجات. هذه النكتة جدا مهمة الشيخ الانصاري بعد ما يبحث حجية خبر الواحد يبحث عن أن هذا الخبر حجة إذا ضم اليه ظن أو نقول حجية خبر الواحد إذا لم يمانعه ظن غير معتبر؟ لماذا لم يعتبر الظن غير المعتبر كالعدم؟ لان الاعتبار درجات. قد يكون معتبرا من جهة المعاضدة او الوهن. المرجحات والموهنات في بحث التعارض خلاف الكتاب وموافقة العامة. خلاف الكتاب ليس الخلاف تماما. هذه من اسرار علم الأصول.