الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/29

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

لا ينحصر الارتباط بالمركب الشرعي بالجزء او الأشرطة الخاصة

كان الكلام في مبنى متأخري العصر في تصوير تعبدية العبادة حيث أنهم يبنون على أن العبادية والتعبدية بالمعنى المعهود هو بقصد الأمر وليس بشيء آخر. وحيث أنهم لاحظوا هناك محذورا في أخذ قصد الأمر في الأدلة في المركب الشرعي فمن ثم لابد لهم أن يتوصلوا إلى أخذ قصد الأمر بوجوه أخرى وبصياغات أخرى وهذا هو البديع الصناعي الذي نبهوا عليه متأخرو العصر؛ أنه ليس الجزء أو الشرط هو الصيغة الوحيدة لدخالة شيء في المركب الشرعي، سواء فرضنا المركب الشرعي الفعل الواجب أو فرضناه قيود الوجوب. وهذا ربما تعرضنا اليه في الصحيح والاعم أو تعرضنا اليه في الحقيقة الشرعية أن هناك صياغات عديدة صناعية لتصوير المركب الشرعي؛ منها ما يقال واجب في ظرف واجب او مستحب آخر كما بنى جماعة من الفقهاء على أن القنوت مستحب ظرفه الصلاة و هي واجبة والعلاقة بين القنوت والصلاة من قبيل العلاقة بين الظرف والمظروف وليس الجزء والشرط.

طبعا عندهم تقسيم في الأجزاء؛ جزء الماهية وجزء الوجود وجزء الأداء ومنها الجزء العام والشرائط أيضا اقسام منها الشرط العام يعني ليس شرطا في خصوص هذه الماهية ولا جزء في خصوص هذه الماهية بل هو جزء في مركبات عديدة. مثلا الأدلة ليست أدلة خاصة بعنوان الصلاة مثل أن الرياء يبطل العبادة، فهذه مانعية يبطل العبادة ولا يرد في الأدلة الخاصة وكذلك نمط آخر وهو المقارن سواء المستحب المقارن او الواجب المقارن، يقترن بأجزاء الصلاة أو شرائط الصلاة وأيضا لديهم تقسيم آخر وهو جزء الفرد وهو مشخصات فردية غير مأخوذة في الماهية وبعضهم يعتبر المشخصات الفردية كالمرحوم الكمباني وتلميذه الروحاني أنها ليست بجزء وإنما هي مقارنات في فرد معين لكن المشهور يعتبرونها جزء الفرد وليس جزء الماهية. ونمط آخر من أحوال المركبات وشئون المركبات هو الشعائرية يعني الشيء إذا كان مشروعا. طبعا شرط الشعائرية هو أن يكون الشيء في نفسه مشروعا وبالتالي يتعنون. كما التزم طبقات الفقهاء عموما أن الشهادة الثالثة ليست جزءا في الأذان ولا جزءا في الإقامة ولا جزءا في التشهد لكنها شعائر الايمان. لذا التزموا بجوازه وذكره في أي موطن وهذا أمر لا منع فيه. فهو يذكر ظرفه الأذان او الإقامة او التشهد شبيه ما ورد من نصوص كثيرة أنه إذا ذكر النبي فيصلى عليه، سواء كنت في صلاة أو غيرها. مع أن الصلاة على النبي وآله «غير الصلاة في التشهد» التزموا بأنها ليست جزء الصلاة بل يأتي بعنوان الشعيرة لأنها اتخذت شعائر للايمان. من ثم صرح المشهور أن الشهادة الثالثة من أحكام الايمان. المهم إذاً تصوير دخالة شيء في شيء أو ارتباط شيء بشيء في المركب الشرعي كما مر بنا في بحث الصحيح والاعم او بحث الحقيقة الشرعية لا ينحصر بالجزء والشرط من ثم شذ من استشكل في ذكر الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة لأن ذكر شيء في شيء لا ينحصر بأدلة الأجزاء والشرائط. طبعا نفس الكلام في الشهادة الثالثة في الاذان هكذا لذلك السيد الخوئي لم يفت بالمنع وكثير منهم لم يفتوا بالمنع هذا الذي ذكرنا في الصحيح والاعم والحقيقة الشرعية.

هنا في المقام وجوه أخرى غير هذه الوجوه الستة او السبعة وجوه أخرى خمسة أو ستة. مشهور متأخرى الأعصار ذكروا أن مجيء شيء في شيء غير منحصر في الجزء والشرط وهذا المبحث مبحث صناعي له شواهد كثيرة. منها متمم الجعل وهو أمران وتقنينان وتشريعان ليسا في صياغة مركب واحد لكنهما من جهة الغرض وتحقيق الغرض من مثابة الشرط يعني لابد في إتيان الغرض من إتيانهما مع بعضهما البعض. وبنى عليه الميرزا النائيني واللطيف أن متمم الجعل الذي التزمه الميرزا النائيني خمسة أنواع منه وليس نوعا واحدا. متمم الجعل في بحث التعارض ومتمم الجعل في الحكم الظاهري ومتمم الجعل في التعبدي والتوصلي ومتمم الجعل في إحراز الامتثال. وهذه الخمسة ليس حصرا لانه يقول كل مورد هناك قصور في الأدلة الخاصة بل كلما كان هناك قصور في التقنين ثبوتا فضلا عن الإثبات. القصور يعني إذا كان مانع موجود لابد للشارع من تقنين وتشريع آخر. كأنهما متباينان لكنهما لبا وغرضا مرتبطان. ولطيف أن هذا المتمم للجعل للميرزا النائيني قبله الاخوند ذكره وإذا أشكل عليه ما أشكل في نفسه بل أشكل إلى أنه لا حاجة عليه أو غيره لا أنه غير ممكن في نفسه فهذا يبين أن الأدلة الخاصة إذا لم ترد في المركب كالصلاة او الحج او الطواف لا يعني أنه إذا أتى دليل آخر وارتبط به هذا الارتباط خلاف التوقيفية والتعبدية. بالعكس هو وفاق لتوقيف الشارع. الذي يلتفت أن هذين الجعلين غرضا واحدان هو العقل. طبعا حكم العقل هنا من الاحكام غير المستقلة يعني لا يحكم ابتداء بل بعد وجود الدليل والحكم الشرعي يحكم. فإذاً متمم الجعل باب واسع مع أنه لم يرد في الأدلة الخاصة في الصلاة ولم يرد في الادلة الخاصة في الاذان والإقامة والأدلة الخاصة في تشهد الصلاة. إذا كان عندنا متمم الجعل وهي طوائف عديدة كثيرة واردة في الاقتران كما في فتنة الكاظمية ردّ علماء النجف عن بكرة أبيهم وعلماء قم بردود وطبعت هذه الردود حين ذكر هؤلاء الأعلام كلهم أن الروايات الواردة في رجحان اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين أمر مستفيض وقد يفتي واحد من هذه الأدلة في الاقتران في كل الأبواب أن الشارع يكتشف عنها لا فقط كمعتقد بل ما وراء الاعتقاد إياك اعني واسمعي يا جارة. يعني أنه قد يفهم واحد أن هذا متمم الجعل. يعني أنه في باب الصلاة مانع إثباتي وهو التقية أو مانع ثبوتي والشارع يبينها وكثير يستفادون الارتباط بينها. من ثم الفقهاء في فتنة الكاظمية قالوا أن مفاد الروايات أن أرجح أفراد الشهادتين وأكملها وأتمها حتى بضرورة الآية الكريمة «أكملت لكم دينكم» وأكمل صياغات الشهادتين أن تقترن بالشهادة الثالثة. المقصود كثير منهم استفادوا من متمم الجعل. هذه صياغة ثانية

الصياغة الأخرى هي الارشاد. التزم الفقهاء أن الشارع قد يكون لديه مانع إثباتي أو ثبوتي عن أن يبين جزء أو شرطا في المركب الشرعي. عندنا مانع اثباتي في الشهادة الثالثة وهو التقية. إنما نذكر لم يرد الأدلة الخاصة ماشيا مع المشهور والا الصدوق رحمه‌الله اعترف ان هناك طوائف روائية ثلاث وليست ثلاث روايات. فرق بين أن يعبر ثلاث روايات وبين أن يقول ثلاث طوائف وكل طائفة فيها روايات. أورد متن هذه الطوائف وحصلت غفلة عند عشرة قرون من العلماء الامامية يقولون أن هذه الروايات لم تصل الينا، كيف لم تصل اليكم والصدوق أورد متنها. المجلسي الأول يقول اتعجب من الأعلام كيف يبنون على قول الاخر ولا يراجعون المصادر. العصمة لأهلها والغفلة لأهلها. الصدوق روى هذه الطوائف الثلاث. الان في ظاهر كلام الصدوق أورد الطعن عليها بحث آخر لكنه أورد المتن. رأي الصدوق اجتهادي كيف تقول جزما ويقينا الشهادة الثالثة غير واردة في الاذان والإقامة. الميزان علمي بحسب الموازين وشذوذ عجيبة. كذلك الحال في الشهادة الثالثة في التشهد أيضا الصحيحة الحلبي موجودة. نحن نقول مماشاة مع الاعلام لو لم يكن عندنا الأدلة الخاصة من قال اننا نحتاج الأدلة الخاصة فقط. بل هناك متمم الجعل وهناك الارشاد.

الارشاد التزم به السيد الخوئي والنائيني والاخوند. ليس دخالة شيء في الشيء منحصرا في الجزء والشرط ومتمم الجزء. الإرشاد يعني يأتيك دليل وليس في مقام التشريع والتقنين بل في مقام الإخبار عن كيفية خلق الأشياء من أولها الى اخرها بالشهادات الثلاث. ظاهرا ليست مولوية بل ظاهرها عن أمور غيبية ومعتقدية. هذا الدليل ليس لسانه متمم الجعل ولا جعل الجزء والشرط بل لسانه أنه في ناموس دين الله وتكوين الله وتشريع الله اقتران الشهادات الثلث. ناموسه في الجنة وناموسه في العوالم كلها. فبالتالي هذا ارشاد. مثل قصد الأمر افترض ما ممكن أخذه في قصد الأمر وما ممكن أخذه بنحو متمم الجعل لكنه يمكن أخذه بنحو الارشاد. ذكر الأصوليون أن الإرشاد لا حجية فيه لكن تلاحظ المرشد اليه. مثلا الأصوليون ذكروا أن التشرف ضروري الوقوع وأخباريون أيضا. ليس ممكنا بل ضروري. لكن كلهم قالوا بانه ليس بحجة. لانه ليس اتصالا رسميا. كل من يدعي الاتصال الرسمي فهو باطل والاتصال الباطني ليس بحجة. مثل المكاشفات التي تحصل لدى أصحاب الصلاح والتقوى طبعا المكاشفات الرحمانية لا المكاشفات الشيطانية. وقوعها ضروري في بيانات اهل البيت. لكن لا حجية لها. كيف يجمع؟ كذلك الرؤيا ليست فيها الحجية لكن فلسفة تكوينية لخلق عالم الرؤيا فلسفة عظيمة مذكورة في بيانات الوحي. سورة كاملة عقدها الله لبحث الرؤيا سورة يوسف. مع أنها ليست بحجة. مع أن الوحي يقول قسم من الرؤى صادقة. وهي نوع من المكاشفة يعني كشف الأمر الغيبي. إذاً ما الفائدة فيها؟ فائدتها فائدة تصورية وليست فائدة تصديقية. الفائدة التصورية تعني تزيل الجهل المركب. في علم المنطق التصور يزيل الجهل المركب والغفلة. التصور خطوة الى الأمام. لذلك قيل أن حسن السؤال نصف الجواب. ثمرة التصور في العلوم الدينية او غير الدينية عظيمة لانه خطوة ومنطقة وسط بين الجهل المركب او النيام او الغفلة والعلم هي التصور. قالوا أن الاهتمام بها درجة ضعيفة من العلم. ليس علما حجة لكنه درجة من العلم. الارشاد أيضا هكذا. الارشاد ليس له حجية لكنه تصور ويجب ان تلاحظ المتصور في نفسه هل فيه مقومات البرهان أم لا. ويقال المرشد اليه او الملفت اليه والرؤيا في نفسها ليست بحجة بل انت تلحظ المرئي فيه الحجية ام لا. يعني ارجع الى محكمات القرآن والسنة والعقل هل المرئي او التشرف هل المضمون منها يطابق او لا؟ ينبهك الى وجود قواعد في الدين أنت كنت غافلا عن وجودها أو كنت غافلا عن تطبيقها. الحجية رجعت الى الكتاب والسنة وبداهة العقل. شبيه أقوال العلماء أنها ليست بحجة لكن لماذا يدأب العلماء على الاعتناء بأقوال بعضهم البعض. لأنها فائدة تصورية فيها. حتى لو كان شخص مجتهد أو محتاط لا يقلّد أو يطعن بالعلماء أو أي شيء آخر لكنه من باب التصور يجب ان ترجع اليهم . يعني يجب أن تنفتح عليهم وإلا تعيش في الجهل المركب. العالم لا يقلّد العالم الاخر. ان المجتهد والفقيه إذا استنبط مسألة ولم يراجع كلام الفقهاء سيما في المسائل الام او في العقائد في أي مبحث مع ان العقائد لا تقليد فيها لكن اذا لم يراجع جهود العلماء استنباطها العلمي واستنتاجه العلمي غير مجزئ وخلل فيه. اعقل الناس من جمع عقول الناس الى عقله. شبيه المشورة والاستشارة كلها داخلة في هذا الباب باب الارشاد باب التصور وباب الالفات. لاحظ المرشد اليه والملفت اليه. باب الاستشارة وردت فيها ربما مأة رواية استحباب الاستشارة اكثر من مأة رواية وفي بعض الروايات الاستشارة بركتها أعظم من أنواع الاستخارة. صاحب الجواهر ينقل اتفاق العلماء ان الاستشارة أبرك من أنواع الاستخارة حتى الاستخارة بالقرآن الكريم. القرآن عظيم لكن الاستخارة بالقرآن ليست بعظمة الاستشارة وفي جملة من الروايات سرها جمع عقول الناس الى عقله وعلوم الناس الى علمه. نفس النكتة والا المشيرون ليست لهم الحجية. لكن يلفتون وينبهون. وهذه البحوث ما وراء علم الأصول واسرار علم الأصول. لاحظ من باب المثال ما هو الفرق الصناعي بين حرمة رد الخبر الضعيف اتفق عليه كافة علماء الأصوليين وعلماء الاخباريين وبين عدم حجية الخبر الضعيف بمفرده؟ يحرم رده يعني إعتن به تصورا وإن لم تعتن به تصورا ففيها الخلل مع أنها ليست بحجة بمفردها. أمر بين الأمرين. معنى حرمة رد الخبر الضعيف هو هذا. مع أن الخبر الضعيف له خمسة عشر فائدة صناعية ذكرناها في كتب الرجال. لازم أن تعرف خفايا علم الأصول. ما أشار اليه علماء الأصول من مصادر التصور تعتبر مصدرا معتبرا في التصور لا في التصديق. في بعض المصادر عند الفقهاء لا معتبرة تصورا ولا تصديقا. مثل السحر او اخبار الجن او الكهانة والعلوم الغريبة المحرمة هذه العلوم حتى ترتيب الأثر التصوري عليها حرام. يا أيها الذين آمنوا اجتنبوا كثيرا من الظن. كذلك القياس. ذكر علماء الأصول أنه غير معتبر حتى تصورا. لا ترتب عليه نسبة مأوية احتمالية. القياس باطل في الدين. من تكهن او تكهن له فقد برئ من دين محمد . المقصود بعض المصادر لا تعتبرها حتى تصورا. اجتنبوا كثيرا من الظن يعني الظن السوء. إن بعض الظن إثم. كحكم ظاهري اجتنب كثيرا من الظن السيء وكحكم واقعي بعضها إثم. الشريعة قسم مصادر المعرفة الى مصدر ممنوع وغير حجت تصورا وتصديقا كالسحر والشعبذة والكهانة وهلم جرا وقسم ليس بممنوع تصورا. لا الافراط في التصديق ولا التفريط في عدم التصور. هذا بحث أصولي صعب وهو من ورائيات الأصول وبحث كلامي أيضا.