44/03/28
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي
المركب الشرعي بين الأدلة الخاصة والأدلة الأخرى
مر بنا كلام القدماء بالنسبة الى التعبدي والتوصلي بالمعنى الأول وقصد الأمر أن الفعل فيه إضافة ذاتية زيادة على ذلك إن الأمر الذي يتعلق بالفعل العبادي الذاتي يكون عباديا فلما يكون عباديا يستحق قصده والانقياد له فقصد الامر لابد منه. فعندهم غير متصور أن العبادية في الأصل والاساس آتية من قصد الامر بل العبادية في الأساس لابد ان تكون ذاتية والفعل الذي تكون عباديته ذاتية وفيه إضافة ذاتية اليه تعالى يقصد الأمر فيه فتكون عباديا مضاعفا.
مبنى المتأخرين في القرنين الأخيرين بغض النظر عن المؤاخذة عليه بصحة مبنى القدماء ربما عندهم خمسة او ستة او سبعة وجوه في كيفية تصوير قصد الأمر في العبادات. طبعا هذه الوجوه تعددت لديهم انطلاقا من استحالة اخذ قصد الأمر في المتعلق والاستحالة عللت بتعاليل كثيرة كالدور او الخلف وهلم جرا. طبعا هناك من لا يبني على الاستحالة وسنبين أنه ما فيه الاستحالة لكن عند مشهور متأخري الأعصار أخذ قصد الامر فيه الاستحالة كالدور او الخلف باعتبار أن قصد الأمر متفرع ومتأخر عن الأمر فكيف يأخذ في المتعلق قبل الأمر فيصير دورا او خلفا.
طبعا تقدم متعلق الأمر عن الأمر ليس تقدما شرعيا بل تقدم عقلي. بخلاف تقدم الموضوع الأصولي على الأمر أو على الوجوب فهو تقدم شرعي. هذا المصطلح له مرادفات أخرى ومن الضروري ان يتقنه الباحث في الاستنباط وهو ان تقدم شيء على شيء تارة تكويني وعقلي وتارة شرعي والتقدم الشرعي يختلف عن التقدم العقلي او التكويني. هذا المصطلح له اصطلاح آخر مرادف له ويجب الالتفات والتركيز عليه. يعبر الفقهاء والاصوليون عنه أن ترتب شيء على شيء تارة شرعي وتارة عقلي تكويني، سواء عبرنا عنه الترتب او التقدم. الترتب يعني تأخر المتأخر عن المتقدم فسواء أن عبرنا عن هذه العلاقة بالتقدم أو التأخر او الترتب ثلاث عناوين مترادفة. فتارة التقدم بين شيئين في القوانين الشرعية ترتب وتقدم وتأخر شرعي وتارة عقلي تكويني. وتختلف الآثار الشرعية بين العقلي والشرعي. إذا كانت علاقة الترتب أو التاخر او التقدم شرعيا لها آثار في أبواب الأصول او أبواب الفقه او في الحكم الظاهر أو الشبهة الموضوعية او الحكمية وإذا كان الترتب عقليا فله آثار أخرى. فالقضية الشرعية موضوعها شرعي يعني الترتب الشرعي والتاخر الشرعي والتقدم الشرعي بين قيود الوجود أو قيود الحكم كالحرمة او الاستحباب والكراهة والحكم الوضعي. العلاقة بين قيود الحكم الشرعي والحكم الشرعي علاقة الترتب الشرعي والتأخر الشرعي والتقدم الشرعي. هذه العلاقة الشرعية والارتباط الشرعي والنسبة الشرعية آثارها في الأبواب كثيرة جدا فيجب التركيز على هذا البحث. هذه جملة معترضة على توضيح مدعاهم هنا. هذا المصطلح مؤثر في الأبواب كثيرة. معروف في الروضة البهية للشهيد الثاني وذكره الشيخ الانصاري في تنبهيات القطع يقول: دأب الشارع في الحكم الشرعي التفكيك بين المتلازمات والجمع بين المتنافرات. هذا البحث بحث معين في نظام الحكم الظاهري وليس فيه تناقض. هذا البحث قاعدة أخرى في الحكم الظاهري وليدة لهذه النكتة والمصطلح الترتب الشرعي أو الترتب العقلي. مثل أن الشارع يقول «ابن على طهارة اللحم المشكوك وحرمته». يفتي كثيرون، منهم السيد الخوئي وقبله من العلماء بأن اللحم المشكوك الذي ليس دليل على تزكيته طاهر لأن كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه نجس ومن جهة حرام لأصالة عدم التزكية مع أن الطهارة والحلية او الحرمة والنجاسة متلازمان لكن ليسا متلازمين شرعا بل متلازمان عقلا. هذا ما مر بنا الترتب العقلي يعني التلازم اذا كان عقليا الشارع يتصرف فيما يحكم به العقل ويفكك بين المتلازمات عقلا او تكوينا لكن لو كان الترتب شرعيا لا يختلف. الكثير يتوهمون أن الطهارة أو النجاسة موضوعة الحلية أو حرمة اللحم والحال أن موضوع حرمة اللحم وحليته هو التزكية وعدم التزكية لا النجاسة والطهارة. لاحظ هذا البحث من نخاعيات البحوث الصناعية في الأصول والفقه والعلوم الدينية. فعندنا في القضية الشرعية موضوع شرعي وموضوع عقلي. نفس المصطلح الترتب العقلي او الترتب الشرعي. الموضوع الشرعي يعني القيود التي أخذها الشارع ورتب عليها وقيود الواجب كالصلاة ليس علاقتها بالأمر والحكم علاقة شرعية بل علاقة عقلية وتكوينية. فلاحظ عندنا في القضية القانونية او الشرعية ثلاثة اضلاع. ضلع قيود الحكم وضلع الحكم وضلع المتعلق او الواجب او الفعل. علاقة قيود الحكم مع الحكم علاقة الترتب الشرعي والتلازم الشرعي والتقدم الشرعي والتأخر الشرعي أربعة عناوين. هذا ناموس الصناعة الأصولية أما العلاقة بين المتعلق والحكم فليست علاقة شرعية بل عقلية ليس التلازم او الترتب او التقدم الشرعي بل عقلي. هذه المباحث ان القضية الشرعية لها ثلاثة اضلاع إن لم يكن أربع هندستها وألوانها ونمطها إذا لم يتقنها الانسان لايلتفت إلى أبجديات الصناعة في الأصول أو الفقه. هذه الهندسة تجري في كل الفقه وكل الأبواب وإن كان هذا البحث بلوره بشكل مبسوط الميرزا النائيني في مقدمة الواجب ويترتب عليه آثار كثيرة يعني إذا لا يلتفت المجتهد الى هذه النكتة ليس مجتهدا. وهذه ليست من اختراعات الأصوليين بل نكات حقيقية لذلك في موارد كثيرة الشارع يفكك بين المتلازمات لأنها ليست متلازمات شرعية بل متلازمات عقلية وتكوينة. أما بين المتلازمات الشرعية لا يفكك. إذًا المحذور عند الاعلام في ان قصد الامر يتقدم عقلا «لأن تقدم المتعلق على الوجوب تقدم عقلي وليس تقدما شرعيا»
هنا صناعة جديدة وربما كثير من الأعلام في غفلة عنها لكن رواد الأصول ابتكروا فذلكة صناعية ماهرة. فعلا اريد ان أركز على الفهرس لهذه الفذلكة. ما بسطنا الكلام في علة عدم أخذ قصد الأمر في المتعلق وفيه محذور. في روايات سيدالانبياء وأئمة اهل البيت علیهمالسلام هذه الهندسة موجودة أن الفهم والفقه درجات وليس درجة واحدة «رب حامل فقه الى من هو أفقه منه» هذه رواها كلا الفريقين في خطبة الوداع. وذكر النبي أن الفهم للدين درجات وليس درجة واحدة. لا يمكن لك أن تقول ان معانيك هلوسة لأن المهم ان تكون عبر الشواهد ولا تكون مخالفة الضرورة. الفهم السطحي موت للاستنباط والاجتهاد.
هنا ابتكر الاصوليون فذلكات ست او سبع. قال الأصوليون والفقهاء ليس المركبات الشرعية العبادية او المعاملية او أي مركب شرعية «الكلام في المتعلق او الموضوع الشرعي» هل عندنا مركبات شرعية غير الصلاة والصوم والبيع؟ نعم عندنا مركبات شرعية في قيود الوجوب. الاستطاعة مركبة من ثلاث او ستة وليس فعلا واجبا بل قيود موضوع الوجوب. فالمركب الشرعي قد يكون في موضوع الوجوب وقد يكون في المتعلق وكل من المركبين يقال له مركب شرعي وهذا البحث نادى به النائيني في رسالته اللباس المشكوك بلغة معقدة. إذاً المركب الشرعي أعم من الفعل الواجب او قيود الوجوب مثل الصلا المسافر الموضوع للقصر فيها ثمان قيود أو أكثر وتركيبها معقد فالمركب الشرعي ليس خاصا بالفعل الواجب بل أيضا يرتبط بقيود الوجوب. الفذلكة التي هنا ابتكرها الأصوليون أو اكتشفوها قالوا إن المركب الشرعي لا ينحصر بالجزء والشرط. قالوا: عندنا خمس او ست بدائل عن الجزء و الشرط. الأدلة ما مشتملة على قصد الأمر ولم يرد في الأدلة قصد الامر لا جزء ولا شرطا كيف تدخلون قصد الامر في العباديات مع أنها توقيفية؟ لاينحصر اخذ شيء في المركبات الشرعية التوقيفية بالجزء والشرط بأدلة المركب الخاصة. ما قرأته في الحقيقة الشرعية نعطيك درجة أخرى من التدقيق الصناعي. أبين لكم أنه كيف جملة من المعاصرين غفلوا عن هذه الفذلكة في الأبواب الفقهية الأخرى بظنهم أن اخذ شيء في المركب العبادي منحصر بأدلة الجزئية او أدلة الشرطية وهذا اشتباه وما أحاطوا بأبواب الأصول. في باب التعبدي والتوصلي الاصوليون ابتكروا ست أو سبع طرق في التصرف في المركب الشرعي من دون أدلة خاصة في المركب الشرعي لأن قصد الامر في أخذه محذور جزء او شرطا. قالوا وسيلة ثانية هي متمم الجعل والثالثة هي الارشاد والرابعة عبارة عن قيود ملازمة. القيد فيه محذور أن يأخذه الشارع فيستعين بقيود ملازمة مثل إياك أعني واسمعي يا جارة. لا في البيان بل في أصل السبك الثبوتي في عالم التقنين. هذا ليس تفننا في البيان هذه الوجوه التي يذكرها الاصوليون ليست وجوها ودلالة في أنواع البيان. هذه الوجوه في السبك الثبوتي مع ان المركب الشرعي توقيفي لكن فيه محذور أن الشارع يأخذ قصد الامر فيستعين بدليل الارشاد وهو غير المولوية او يأخذ عناوين ملازمة او يحفظ العقل بالإدراك او غيرها.
هنا الأصوليون لم ينفوا بأن المركب الشرعي توقيفي لكن قالوا ليس ينحصر تشكيلة المركب الشرعي سواء في الواجب او موضوع الوجوب في القيود التي تأخذ في الأدلة الخاصة جزء وشرطا بل فيه أنواع من الأدلة الأخرى لا يهتدي اليها الا ذو عارضة فقهية نابعة.
يقولون: حتى لا يمكنك التمسك بالاطلاق في الأدلة الخاصة على نفي هذا الشيء لأن فيه محذور من الاخذ محذورا إثباتيا أو ثبوتيا، مع ذلك لا يمكن التمسك بالاطلاق لنفي قصد الأمر. أن نجمد على الأدلة الخاصة والنص الخاص دليل على عدم الاجتهاد. المجتهد هو الذي يلتفت الى الوجوه التي ذكرها الاصوليون في قصد الامر. إن قصد الامر الذي ليس جزء ولا شرطا مع ذلك هو صميمي ونخاعي في المركب الشرعي بالأدلة.
مثال غير قصد الامر لماذا قال الاصوليون ان الواجب لاسيما العبادي إذا اجتمع مع النهي يقتضي الفساد؟ لمسألة اجتماع الامر والنهي ومن مسألة أن النهي يقتضي الفساد. هذه المسألة ليست أدلتها خاصة بل ادلتها عامة عقلية. كيف ادخلتموها في العبادات لأن العقل يدرك ان الانسان لا يمكن أن يأتي بالعبادة التي مصداق للحرام ومبغوض الى الله. هذا لا ينافي توقيفية العبادة وأدركها العقل بالأدلة العامة. ربما مانع ثبوتي وربما مانع اثباتي وانت لازم ان تتمسك بكل الأدلة هل متمم الجعل موجود هل الارشاد موجود.
هنا لطيف كلام الأصوليين في شرح هذا المطلب. هذه النكتة جدا ثمينة أن المركب الشرعي لا ينحصر دليله بالادلة الخاصة في الجزء والشرط ولا يمكن ان تتمسك بخلو الأدلة الخاصة على نفي الأجزاء والشرائط. النائيني هنا يقول ان لم نأت بمتمم الجعل هذا المأمور به بالامر الأول غير صحيح. مع أن أدلة الأمر الأول ما موجود. إن الامرين والجعلين بينها ربط ولازم أن تحلل وتدبر لكي تفهم الربط بين الأمرين هل هو متمم الجعل او متمم المجعول؟ الأدلة الارشادية لها ربط بالدليل ومتمم الجعل له ربط وحكم العقل له ربط والأدلة العامة لها ربط.
ذكرت هذه الأمور لأن ما يبحث في قصد الامر بعينه في الشهادة الثالثة في التشهد مع ان الأدلة الخاصة وافية. فتنة الكاظمية قبل سبعين سنة قالوا الأدلة الخاصة ما موجودة في الأذان مع ان الأدلة الخاصة موجودة فيها. من قال لك ان المركب الشرعي كالاذان والإقامة والتشهد عندما يكون توقيفيا يعالج فقط بالأدلة الخاصة؟ بل الأدلة العامة والأدلة العقلية والأدلة الارشادية وستة وجوه او سبعة وجوه. كلام الأصوليين في معالجة المركب الشرعي. هذا البحث ليس منحصرا بقصد الامر. بل هذا في الفذلكات في المركب الشرعي. وللكلام تتمة.