الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/27

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

التعبدية الذاتية وتداعياتها الفقهية

مر بنا أنه على مبنى المتقدمين عبادية العبادة متقومة بأن الأفعال المركبة بل كل جزء جزء منه فيه إضافة ذاتية اليه تعالى وهذه الإضافة الذاتية هي في الحقيقة مقومة ومكونة لعبادية العبادة، فإذاً ليس فقط الركوع و السجود عباديتهما ذاتية بل كل أجزاء الصلاة وكل أجزاء الصوم والزكاة والجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر كل ما يفرض انه عبادي لابد أن تكون الإضافة في ذات ماهيته اليه تعالى. فمن ثم يكون عباديا.

هذه نكتة لطيفة أن عبادية العبادة عند القدماء ليست فقط ناشئة متولدة من الداعي لأنه مر بنا أن في مبحث النية ثلاثة مباحث ويعبر عنه في المعاملات بالقصد. فلدينا المقصود والقصد ودواعي القصد والعبادات أيضا هكذا النية والمنوي ودواعي النية ثلاثة مباحث. على كلام المشهور ليست العبادية آتية من الداعي فقط بل هي آتية من نفس المنوي والمقصود، هو فيه إضافة ذاتية اليه تعالى. نعم لابد من الداعي كما مر بنا بيانهم لتأكيد العبادية.

هذا المطلب في بحث العبادية يؤكد هذه القاعدة الأخلاقية او المعنوية التي سبق أن أشرنا إليها كفائدة استطرادية ان الخلوص ليس مجرد النية يعني ليس مجرد الدواعي بل هو ينعكس على الفعل المقصود او المنوي كنظام وبرنامج فالخلوص والخلاص بالدقة يرجع الى انه برنامج ويبرمج الفعل. بناء على العبادية الموجودة عند القدماء ان النية والعبادية ليست مجرد دواعي بل هي لون كما يقول الشيخ جعفر كاشف الغطاء لون وصورة نوعية في نفس العمل وتعطيه هوية. فإذاً الإخلاص في العمل لا نظن أنه يقتصر على الدواعي والجانب الروحي والنفسي. لامحالة ان الإخلاص يضفي بهندسته وببرمجته على نفس العمل ويحدد قبلة العمل واتجاه العمل ومسير العمل. هذا البحث مفيد في العلوم الدينية الكثيرة، الإخلاص في الروايات درجات والنية درجات. هذا البحث من تنبيهات بحث النية العبادية. النية ليست فقط الدواعي. يقول كاشف الغطاء صحيح أنها تبدأ من الروح والنفس لكن تلقائيا تعطي صورة نوعية للعمل البدني وتبرمج. هذه نكتة مهمة في بحث العبادية والإخلاص. نعم غرفة التحكم هي الدواعي لكن المقصود والعمل له مقامان مقام في الخارج ومقام في أفق النفس. مثلا نريد أن نتوجه الى الصلاة. هناك صلاة في مقام النية يعني المنوي والمقصود والصلاة في مقام الوجود العيني في البدن. فالصلاة لها مقامان مقام في افق الذهن والنفس ومقام في افق الخارج. بالتالي الداعي ليس مجرد الداعي بل هي يبرمج ويضفي صورة الى العمل في نفسه. هذه نكتة لطيفة في بحث النية. على مبنى القدماء النية ليست صرف الداعي وإنما هي إضافة ذاتية في نفس المقصود ونفس المنوي. هذا جانب.

أيضا في تنبيهات النية أنها تشتد إما بلحاظ الدواعي كالخوف من النار وطمع الجنة وشكر الله وحب الله وكذلك بلحاظ نفس ماهية العمل فيشتد الإخلاص أو العبادية بلحاظ كلا الطرفين الدواعي ونفس العمل. هذه الأبحاث تفيد في علم الفقه وعلم الاخلاق وغيره.

فإذاً تحصل عند مشهور القدماء أن العبادية عبادة ذاتية في نفس المقصود وأيضا تدعم وتتأكد بالداعي العبادي.

هنا نكتة لطيفة ما هي الإضافة الذاتية؟ هذا مبحث روحي معرفي بامتياز. ماذا الإضافة الذاتية؟ مبحث من مباحث علم المعنى لا من علم الفلسفة وربما يخوض فيه الفلاسفة او علم الاخلاق او علماء الفقه لكنه مبحث من العلوم المعنوية والروحية لأنه فعل الروح فإذاً يختص بفقه القلوب أو علم المعنى او علم العرفان. بغض النظر عن المدارس المختلفة. كلامنا بما هو من مصدر الوحي.

ما هي الإضافة لله؟ الاصوليون قالوا هذه الاضافة لله عنوان جامع لكل دواعي العبادية. هذا مبحث كما ذكرت لكم في الأساس مبحث معنوي. ثلاث مجلدات من كتاب الغزالي إحياء العلوم من باب المعنى التصوري لاحظته يروي عن الائمة الاثني عشر ويخالف مسار مشهور السنة بما يرويه وتبناه من بيانات اهل البيت علیهم‌السلام. بمناسبة الإضافة الذاتية طالعت ثلاث مجلدات كلغة تصورية بدل أن اراجع كتب اللغة. وجدته يكثر الرواية عن الائمة اثني عشر حتى اكثر من ابن عربي. يقول: قال بعضهم وروي عن بعضهم والمراد الأئمة علیهم‌السلام شبيه الالوسي. مع أن هذه النسخة من كتاب روح المعاني في تفسير القرآن للالوسي حسب بيان واحد خبير في الكتب إن النسخة الأصلية منه في استانبول والنسخة الموجودة المطبوعة الان محذوف منها فضائل من اهل البيت كثيرة. لأن حفيد الالوسي أشرف على طباعة كتابه وكان وهابيا وحذف كثيرا من مقاطع صاخبة في فضائل اهل البيت. حتى فيه خضوع وتسليم لائمة اهل البيت كثيرا. الغزالي وجدت شبيها له وهذا ليس ترويجا للغزالي و الالوسي وانما بيان عظمة اهل البيت. الان مناجاة التي تذكر في فضائية مكة المكرمة بعد الصلاة وقبل الصلاة او في المدينة المنورة مقتبسة من أدعية زين العابدين. يغيرون الجملة الفعلية الى الجملة الاسمية وهذا دليل على أن رواد عالم الروح وفقه القلوب هم أئمة اهل البيت علیهم‌السلام وهذا تسليم تلقائي وقهري من حيث يشعرون او لايشعرون

قضية الإضافة الى الله ليس مبحثا اصوليا ومبحث فقهيا بامتياز بل مبحث مرتبط بفقه القلوب. علم واحد يستعين بعلوم أخرى شبيه أوقات الصلاة او الهلال باللغة التصورية. فعند الأصوليين أن الجامع بين الدواعي العبادية الإضافة لله والنسبة الى الله هي المحققة للعبادية. في تعبير اميرالمؤمنين عليه السلام يقول: «كفى بي عزا ان تكون لي ربا» هذا باب يفتح منه قواعد معنوية «وكفى بي فخرا ان أكون لك عبدا.» فعلى أي تقدير العنوان الجامع للدواعي العبادية هو الإضافة الى الله هذه الإضافة الى الله تتحقق في قصد الأمر وإذا قصدت الامر اضفته الى الله. وتتحقق إذا قصدت بالفعل انه محبوب لله و تتحقق اذا قصدت الفعل خضوعا لله وتتحقق اذا قصدت الملاك والمصلحة التي كشف عنها الشارع وتتحق أيضا إذا اتيت به خوفا من النار او طمعا للجنة او العناوين التي فيها إضافة وارتباط مع الله. علماء الروح شرحوها بشكل كثير وأكثر عمدتا بيانات الوحي في ذلك. فالمقصود أيا ما كان إذاً الجامع للعبادية في الدواعي الإلهية هي الإضافة الى الله عند الاصوليين وهذا هو الذي عند القدماء ان العبادية في الفعل إضافة ذاتية على صعيد الفعل والمنوي والنية كالفعل. هذا تتميم كلام المتقدمين

عند متأخري العصر ليس الأفعال كلها عبادية. عندهم الركوع والسجود فقط ذاتية مع أن قرائة القرآن عبادية ذاتية وكذلك تكبيرة الاحرام والاذكار. فعندهم من أجزاء الصلاة الركوع والسجود عباديتهما ذاتية. وغيرها ليست عباديتها ذاتية. التصدق مشروع تربوي ديني لابد أن يكون لها صبغة دينية. ليس فقط جهة مدنية وإنسانية. هذا البحث مهم في سياسة إدارة دينية. من باب المثال افترض حزبا سياسية معينة لما تعطي نفقات تروج مصالح سياسية ومعناها انها ليست مجرد صدقة خلو من الدواعي أو البرنامج بل عندهم برنامج، فإذا كان الأحزاب السياسية في افق بشرية هكذا فكيف تكون السياسية الدينية بدون الدواعي التربوية. أفق الدين أفق عظيم. كلها سبيل الله لا سبيل الدنيا وسبيل الإنسانية غير الملتزمة بالله. سواء في الزكوات او الاخماس او الأوقاف او الولايات العامة الأخرى هذا امر لابد من الالتفات اليه. الزكاة كما يقول كثير من الفقهاء في عباديتها أهم من الصوم حتى من الحج بمعنى، لانه دائما يقول اقيموا الصلاة واتوا الزكاة. فكيف تكون الزكاة مشروع عبادة كبرى تعدل الصلاة إذا لا تكون ضريبة دينية لأجل مشروع ديني وليكن في حاجات الناس لكن لابد من ترويج الجانب الديني هذه سياسة دينية والا لا تكون إضافة لله.

أما التعبدي على مبنى المتأخري الاعصار بغض النظر عن المؤاخذات كان فيه فقط الداعي هو الذي يكسب العمل عبادية والحال أن القدماء العمل قبل الداعي فيه العبادية ويتأكد باحتسابه من الداعي عبادية مضاعفة فايضا على مبنى المتاخرين لابد أن يكون العمل عباديا الزكاة لابد أن تكون مشروعا عباديا دينيا لا المشروع الدنيوي. الفيء مشروع ديني وليس مشروعا دنيويا بحطا كإحياء الموات. هذا البحث الاصولي ذو تطبيقات في أبواب الفقه. فما هو مسلك المتأخرين يقولون بلحاظ الدواعي هل الدواعي هي قصد الامر او غيره؟ ذكروا في قصد الامر محاذير فماذا عن بقية الدواعي المذكورة؟ لاينحصر الإضافة الى الله بقصد الامر فلم لم يلتزموا بذلك؟ السيد الخوئي يعترض على الاصوليين باعتراضات شديدة على الاخوند والنائيني لماذا لم تتبنوا الدواعي الاخرى وحبستم أنفسكم في مبحث قصد الامر؟ فما الذريعة في حبسهم في قصد الامر؟ اخوند ذكر وجها والنائيني ذكر وجها آخر والوجوه لحصر بحث الدواعي في قصد الامر. إن الأصوليين اعترفوا ان الدواعي الأخرى عبادية وجه مر بنا أمس ذكره مشهور الأصوليين والمتأخرين ان الدواعي الأخرى هي علل أو معلولات لقصد الامر. هذا ما ذكره مشهور الأصوليين. وجه ذكره الاخوند ووجه ذكره النائيني والاغا ضياء متقاربا. وفيه وجه رابع او خامس ذكرناه أمس عند القدماء. لا بأس ان اذكرها عنوانا. أمس ذكرنا ان آمرية الآمر لها عبودية من طرف المكلف يجب ان ينقاد ويخضع مقابل علو المولا. آمرية المولا تعني أنه لابد ان يخضع العبد مقابل هذا الامر او أمر آخر. هذا الوجه لا بأس به وبنى عليه القدماء. إنو الدواعي الأخرى لكن لابد أن تنوي قصد الامر لان نفس آمرية الامر تحتاج الى الخضوع لأن الفرض أن الأمر عبادي ويتطلب منك العبودية والخضوع والانقياد مقابل خصوص هذا الاستعلاء المولوي وارادته ومشيته ولابد ان تخضع لها. هذا الوجه متين. بقي كلام الاخوند وكلام العراقي والنائني. كلام الاخوند هكذا يستدل في الكفاية يقول صحيح الكل يقر بأن بقية الإضافات والدواعي العبادية تحقق العبادية ولا أحد يتردد في ذلك لكن نحصر في قصد الامر لأن فيه اجماع وتسالم من الفقهاء والمفسرين والمتكلمين وعلماء الاخلاق إجماع منهم اننا غير مطالبين بخصوصيات العبادية الأخرى ويجزي قصد الامر، فلما لم نطالب بها هذا يعني أنها غير مأمور بها والمأمور به هو قصد الامر. اعيد ان شاء الله غدا.