الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/25

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

عبادية العبادات عند القدماء

کنا فی التعبدی والتوصلی مر أن أعلام متأخری هذا العصر جعلوه من قبیل أخذ قصد الامر فی متعلق الامر ثم دخلوا فی کیفیة تصویر أخذ قصد الأمر وسندخل فیه إجمالا. أما المرحوم الاخوند فبنى على أنه ليس القيد الشرعية للواجب وانما هو قيد عقلي في الواجب لكن هذ القيد العقلي بدونه لا يتحقق سقوط الواجب او أداء الواجب او ملاك الواجب. من الأمور التي يدركه العقل. كما مر بنا أن مبنى القدماء وشرح الشيخ جعفر كاشف الغطاء سليم الى حد ما، أن التعبدي ليس هو بقصد الأمر وانما التعبدي في الحقيقة سنخ الامر فيه يختلف عن سنخ الامر التوصلي وربما كلام الاخوند قريب القدماء لكنه يختلف وكما مر أنك لا تجد في كتب القدماء عنوان مستقل مثلا لشرطية او جزئية قصد الأمر وهو مما يدل على أن هذه الصياغة أنه بنحو الجزء أو الشرط فيها تأمل وليس من قبيل الطهارة أو الاستقبال او الساتر وإلا لذكره القدماء.

مبحث النية في عموم العبادات بحث فيه القدماء حول المقصود وليس حول الداعي. لأن الينة العبادية لها ثلاثة أركان؛ المنوي المقصود ونفس النية كمصدر والفعل ودواعي النية. الان بحثنا في قصد الامر في هذه الرتبة الثالثة في النية وليس في المقصود او المنوي او في نفس النية.

ليس الكلام في الركن الأول من النية لأن الركن الأول في النية له فصل في النية ومبحث طويل الذيل، مثلا قصد الظهر بدل أن يقصد العصر أو قصد النافلة بدل أن يقصد الفريضة وهلم جرا هذا كلها يدخل في البحث الأول من النية وهو المقصود او المنوي. وفيه أبحاث في الاحكام الوضعية دقيقة وفيه قواعد شرعية مستقلة كقاعدة «الصلاة على ما افتتحت عليه» كذلك البحث في العدول عن النية من صلاة إلى صلاة أو فرض الى فرض او نفل الى فرض هلم جرا كلها يبحث في البحث الأول من النية فيها بحوث صناعية في الاحكام الوضعية في المنوي. هذا بالنسبة الى البحث الأول في النية الذي هو بحث فقهي لا صلة له هنا.

المبحث الثاني في النية نفس فعل النية كمصدر مقابل الفعل أو الفعل هل الخطور يكفي أو الارتكاز يكفي أو لابدية الخطور؟ منها نية القاطع في الصوم هذه كلها في البحث الثاني وليس المقام فيه. مباحث المبحث الأول ليست عين مباحث المبحث الثاني في النية وان اشتبهت في البحوث وأبواب العبادات والمعاملات عند جملة من الاعلام. هذا المبحث الأول او الثاني عام للعبادات والمعاملات لأن المعاملات فيها القصد يعني النية.

المبحث الثالث وهو الداعي والدواعي للنية وهو مبحث أصولي. دواعي النية وبواعث النية. هذا مبحث أصولي وهو الذي نحن فيه. هذا إجمالا بحث النية وتقسيمها الى المباحث الثلاثة. الكلام في التعبدي والتوصلي في البحث الثالث.

الكلام أن خارطة بحث التعبدي والتوصلي عند القدماء أن قصد الأمر ليس من الأجزاء والشرائط يعني ليست شرطا شرعيا وقيدا شرعيا. إذاً ما هي الخارطة عندهم؟ سنخ الأمر يختلف. تعبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء أن النية فصل مقوم ومنوّع وليست النية مثل بقية الأجزاء والشرائط في عرض ورتبة بقية الأجزاء بل النية هي تلوّن بلون نوعي كل المركب. غير الحيثية التعليلية والتقييدية بل هي مثل الصورة النوعية. هذا تعبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء.

يمكن لنا التعبير عن مبنى القدماء ببيان آخر. إن الفعل العبادي إذا دققنا فيه قبل أن يتعلق به الأمر لابد أن يكون له إضافة اليه تعالى في نفسه والأمر يتعلق به مثل الركوع. كل أجزاء الصلاة إذا دققنا فيها كلها فيها إضافة اليه تعالى قبل أن يفرض تعلق الأمر بها. مثلا أذكار الصلاة واضحة أنها مضافة اليها تعالى. الإضافة يعني العبادي أن الفعل في نفسه مضاف اليه تعالى. الركوع خضوع له تعالى والسجود خضوع وفي كلمات متأخري العصر ان أجزاء الصلاة فقط الركوع والسجود عباديتهما ذاتية هذا الذي ذكره متاخروا العصر في القرن الأخير في الركوع والسجود. القدماء عندهم كل العبادات عباديتها ذاتية في الأجزاء والشرائط. طبعا عندنا شرائط توصّلية في العبادات مثل الساتر. هذه نكتة لطيفة هذا بحث آخر. الطهارة من الخبث لا الحدث شرط توصلي في الصلاة. عندنا شرائط توصلية لكن الشرائط التعبدية أو الأجزاء التعبدية من أي شيء تعبدي في المركب العبادي في الحقيقة عباديتها ذاتية قبل تعلق الامر. نحن في صدد شرح مبنى القدماء الذي هو الخارطة الثالثة في البحث لأنه قديما تبنيناه وهو الصحيح. فالعبادي في الحقيقة ليست عباديته بسبب تعلق الأمر به بل هو في نفسه له إضافة ذاتية اليه تعالى فلما يأتي الامر فتلقائيا يعني أن هذا الذي إضافيته الى الله تعالى ذاتية إئت به باضافيته الذاتية اليه تعالى.

نشرح كيف يصير الامر عباديا؟ هذا هو الذي فرضه كاشف الغطاء سنخ العبادي يختلف عن غير العبادي وسنشرحه ان شاء الله.

فليس فقط الركوع والسجود اضافيتهما ذاتية بل الوقوف ذليلا بين يدي المولا يعبر عنه في الآيات والروايات القنوت نفس وقوف العبد مثولا بين يدي المولى خضوع و قنوت يعني آلية أخرى من الخضوع والتذلل ليس فقط خصوص حركة السجود والركوع. هذا واقف ذليل خاضع راهب هذا نفسه عبودية. بالتالي كل أقوال الصلاة اضافيتها ذاتية لانها مقالات عقائدية من ثم الشهادة الثالثة اضافتها عبادية. الشهادة الثالثة في موطن من المواطن غير الصلاة اضافتها ذاتية الى الله هي خضوع وإقرار الى الله. أقررت لكن ربي أنك نصبت عليا خليفة لرسولك. هذا إضافة الى الله. فتوهم أنها كلام آدمي لا محصل له ابدا. يعني احتمال علمي أن يحتمل فيه ابدا ما موجود. كيف خطر في ذهن الأعلام ما أدري. أصلا لا وجه له. كل مقالات الصلاة أفعال لله. أفعال الصلاة هي إضافتها ذاتية والصوم ليس إمساكا فقط. بل هو إمساك عن الملذات والشهوات بالإضافة اليه تعالى إمساك عن غير الله. بتعبير الامام الصادق علیه‌السلام أعلى مراتب الصوم الصوم القلبي أعلى من الصوم اللساني والبدني ستة درجات من الصوم يذكرها الامام الصادق في نوادر احمد بن محمد بن عيسى الاشعر القمي وذكر هذه الرواية صاحب الوسائل في أبواب الصوم. أعلى أنواع الصوم أن يصوم الإنسان من أي هوى وأي لذة لله تعالى. في روايات الائمة يستغفرون عن كل لذة لغير الله. فالصوم هو بالدقة إعراض عن غير الله الى الله وإضافة ذاتية فيه موجود والجهاد في سبيل الله أيضا. نكتة لطيفة في علم الاخلاق وعلم الفقه والكلام وعلم الرياضات الروحية أن الإخلاص ليس صرف النية التنظيرية مع أنه في النية لكن فيه ينعكس تكوينا وذاتيا على برمجة العمل. من حيث يشعر الانسان او لا يشعر. الذي يجاهد في سبيل الله وسبيل أهل البيت علیهم‌السلام في الاية موجود صراط الله اتبعوه ما قال اسلكوه يعني أنه حي ويأتم به وامام. فالجهاد في سبيل الله ليس جهادا شعارا بل برنامج واتباع السبيل. أيا ما كان فالجهاد يضاف اليه تعالى إضافة ذاتية والنية الخالصة تلقائيا يعود الى الله تعالى. فالإخلاص ليس نية فقط بل هو تلقائيا ينعكس على برنامج العمل والسير والحركة للإنسان في كل سكراته. المهم أن الجهاد إضافته ذاتية والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضا هكذا ويضاف اليه تعالى والمنكر ما يعادي الله عزوجل. أيضا الزكاة في سبيل الله كل أنواع الثمانية المذكورة انها صدقات بما هي في سبيل الله لا أن نعين الفقراء والمساكين من بعد انساني او مدني او علماني هذه ليست تربية دينية بل هذه تربية علمانية وليس توجها دينيا أبدا. بخلاف ما إذا كان الإعطاء للفقراء والمساكين في عنوان سبيل الله يعني تعطيهم بسياسة الجذب الى الله وتربوية لا أن نعطيهم بما هم فقراء. هذا بعد إنساني ومدني ولدار الدنيا وللانسان في الأرض وهذه منشأ العدوات في فلسفة القرآن وليس منشأ للحب والحب الصادق أن يصب في سبيل الله وإلا البقية اهبطوا الى الأرض وبعضكم لبعض عدو. منشأ العداوة وهذا هو الذي تحتار فيه الحضارة العلمانية. إذا تجعله إضافة الى الله يصير الحب والأمان والسلام. جعل الله محبتنا نظاما للملة باعتبار ان فيه الخلوص. فلاحظ بالدقة أبواب العبادات بتحليلات فلسفة التشريع تجدها كلها إضافة اليه تعالى. هنا يخدم الاخلاق علم الفقه. بعلم الاخلاق والبعد المعنوي والرياضة الروحية طبعا باصطلاحات وحيانية لا البشرية هنا كثير من المباحث الفقهية تتضح لأنها مبنية على بحوث مرتبطة بمباحث اخلاقية وروحية. بالتالي إذاً خلاصة مبنى القدماء كل المركبات بالدقة عباديتها اتت من إضافتها الذاتية في ماهيتها. هنا الامر الذي يتعلق بها سنخه يختلف عن سنخ الامر الذي يتعلق بالتوصلي. سنشرحه أيضا في الجلسة القادمة وسنرى الحال في المسلكين الأول والثاني.