الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

محاور أربعة في مراحل الحكم وقيوده

كنا في الدوران بين التعبدي والتوصلي بالمعنى الخامس وهو صدور الفعل عن الإرادة والاختيار الذي بنى الميرزا النائيني على أن الأصل فيه التعبدية عكس السيد الخوئي الذي بنى على أن الأصل فيه التوصلي. عند الميرزا النائيني انطلاق من خصوصيات تعلق الأمر، كالباعثية والتحركية فلامحالة يكون الفعل الذي يحرّكه الامر إراديا واختياريا.

هذه البحوث قيود الأمر وقيود الوجوب بحوث مرتبطة بقيود الوجوب أو قيود الواجب فمن ثم التعرف على أنواع وتنوع القيود أمر في غاية الأهمية فمر بنا أن هنا القيود العقلية والقيود الشرعية في الوجوب والواجب ومر تعريفها لكن زيادة على ما ذكره الميزرا النائيني كما مر بنا امس إن القيود الشرعية ليس من الضروري ان تكون دخيلة في الملاك أي ليس من الضروري أن تكون قيدا في أصل الفعلية بل ربما تكون قيدا في الفاعلية أو قيدا في التنجيز او الامتثال او إحراز الامتثال، نظير التجاوز إذا شككت في شيء وتجاوزت الى غيره فشكك ليس بشيء فهنا في باب الإحراز قيّد الشارع أن رفع اليد عن إحراز امتثال الجزء إذا دخلت في غيره هذا قيد في احراز الامتثال أو في مقام الامتثال لا تعاد الصلاة الا يعني بقيد عدم الخلل العمدي وبقيد غير الخمسة تصح الصلاة هذه قيود شرعية لكن في مراحل أخرى، فإذاً الصحيح ما بنى عليه مشهور طبقات الفقهاء والأصوليين أن القيد الشرعي ليس من الضروري أن يكون دوما دخيلا في الملاك. من ثم آية الاستطاعة لما بيناه من الشواهد والقرائن هي قيد في تنجيز الحج لأن الآية فيه حرفي الجر «لله» و «على الناس» اللام يعني اصل التشريع و «على» للتنجيز فالاستطاعة قيد التنجيز وليس قيدا لأصل الوجوب. فالقيود الشرعية إذًا على انواع ويمكن ان تكون في كل مراحل الحكم الشرعي وإن كان الغالب فيها كما ذكره النائيني لكن ليس من الضروري ان تكون كذلك. كما ان هناك تدقيقات اكثر تفصيلية الان ليس مقام الخوض فيها كأن ما هو الفرق بين القيد الشرعي في أصل الفعلية والقيد الشرعي في الفعلية التامة؟ هذا بحث دقيق لكن نعرض عنها.

مر بنا أمس أيضا ولم نكمله أسماء الحكم وصفاته بلحاظ كل مرحلة. فهنا سبب للالتباس حتى على الاعلام الكبار. مثلا كلمة التكليف إسم لأي مرحلة والتشريع او الحكم الاقتضائي اسم لاي مرحلة؟ التكليف اسم للتنجيز والتشريع اسم للحكم في مرحلة الانشاء والاقتضاء اسم للفعلية الناقصة، وكذلك الفعلي من قبل المولى يعني الناقصة والفعلي من قبل العبد يعني الفعلية التامة والباعثية والزاجرية للحكم اسم للمرحلة الفاعلية التامة والناقصة. الحكم اسم لأي مرحلة ومن هذا القبيل وكذلك الوجوب والامر كلها أسماء والخلط بين مراحل الحكم بسبب أسمائه ينجب منه التباس عظيم. يعني بكل صراحة مع كل التعظيم أن الميرزا النائيني في بحث التكليف وشرائطه سحب هذه الشرائط في مرحلة التكليف والتنجيز إلى اصل الفعلية والحال انها ليست كذلك. طبعا السيد الخوئي بتبع استاذه هكذا وأكثر تلاميذ السيد الخوئي. مثلامن هذا الباب السيد الخوئي قال: إن الوضوء الضرري مع جهل المكلف بضررية الوضوء باطل والمشهور يقولون صحيح والفرق في القيود ومن هذا القبيل مآت الفروع التي تتفرع على التدقيق في القيود. هو العصب اليومي لمباحث الاستنباط. تشخيص مراحل الحكم وقيود كل مرحلة وأسماء كل مرحلة.

مثلا القانونيون عندهم إسم للحكم بالنسبة الى الحرمة يعبرون عنه الحذر وكلمة التكليف ما عندهم والحذر يعني الممنوع وكذلك عنوان «اللابد منه» يعني الوجوب. غالبا في القانون يبحثون عن الأحكام الوضعية ولا يركزون على الاحكام التكليفية. فالضروري أن الانسان يلتفت الى أسماء الحكم سواء بالصفات وتسميات القانون الوضعية او الشرعي. هذه امور مهمة.

هنا نأتي الى المقام: الميرزا النائيني في مراحل التعبدي والتوصلي قال: إذا أمكننا أن نجري الاطلاق في عنوان الفعل وعنوان المادة التي هي مأمور به والفعل الذي تعلق به الامر والوجوب فهنا في مرحالة الملاك يكون الفعل ذو ملاك أوسع من الفعل الذي يتعلق به الامر. هذا البحث مهم. أن نحرز دائرة الفعل او دائرة الملاك او دائرة الفعل الحاوي للملاك، حتى لو كان هناك مانع عن فعلية الامر لا عن أصل تشريع الامر. فهنا الميرزا النائيني نفسه يتابع ارتكازه التي هو ارتكاز المشهور ويخالف بلورته في عمره الأخير العلمي ويتابع المشهور أن الحكم له مراحل وأن مرحلة الملاك قبل مرحلة الفعلية وأحد أسماء مرحلة الملاك يعبر عنه بالحكم الاقتضائي والحكم الاقتضائي إسم لعدة مراحل الحكم الشرعي.

نأتي هنا لدعوة الميرزا النائيني: قال: إذا يكون الأمر له الباعثية والمحركية للمكلف يجب أن يحركه نحو الشيء بإرادته واختياره. يعني هذه قيود دخيلة في الملاك أو في أصل الفعلية لكن قد يقال أنها في مرحلة الفاعلية او مرحلة التنجيز مع انه في مرحلة الفاعلية والتنجيز أيضا قد يتاتى اشكال ورد السيد الخوئي. افترض أن الرد وجواب السيد الخوئي غير تام لكن هذا القيد قيد لأي مرحلة؟ ليس قيدا لأصل فعلية الحكم بل قيد لمرحلة الفاعلية ومرحلة الفاعلية التامة او الناقصة غير مرحلة أصل الفعلية وأصل التشريع. فلاحظ تمييز القيود العقلي او الشرعي أنها لأي مرحلة مهم جدا.

مر بنا ثلاث محاور؛ قيود الحكم ومراحل الحكم وأسماء مراحل الحكم، المحور الرابع في هذا البحث وذكرناها فهرسيا ولم نذكرها تفصيلا الارتباط بين الحكمين، الحرمة والوجوب او الحرمة والحرمة او الوجوب والوجوب. الارتباط يعني التجاذب او التدافع او التنافي بين الحكمين او بين الأدلة وأدلة الحكمين. أحد مراحل الحكم أدلة الحكم يعني الحكم على صعيد الاثباتي يختلف عن مراحل الحكم على صعيد الثبوتي. فالتنافي بين الحكمين على صعيد دليلي الحكمين أو التنافي بين ثبوتي الحكمين هذا محور رابع وهذا المحور الرابع هو التدقيق في أن التنافي بين الحكمين أن الحكمين يتدافعان او يتلائمان ويرتبطان نفيا او إيجابا في أي مرحلة؟ هذا التدافع والشوط الكهربائي بينهم في أي مرحلة؟ هذا جدا مهم. هل في مرحلة التنجيز او مرحلة الامتثال او غيرها؟ هذا البحث هو لب اللباب وهي زبدة المحاور الثلاث تشخيص منطقة ومرحلة الترابط بين الحكمين او دليلي الحكمين. الحكومة ولورود التخصيص والنسخ في أي مرحلة؟ التخصيص عند القدماء يختلف سنخه عن التخصيص عند المتاخرين وسببه أن مرحلة التخصيص عند القدماء تختلف عن مرحلة التخصيص عند المتأخرين في المراحل الانشائي. النسخ عند القدماء هو النسخ الذي يتبناه السيد الخوئي في كتاب البيان. السيد الخوئي يستعرض خمسين اية او ستين آية وفي كلها ينفي النسخ لكن ينفي النسخ عند المتاخرين ويثبت النسخ عند القدماء وسببه أن حقيقة النسخ في مرحلة من مراحل الحكم الانشائي عن حقيقة النسخ عند المتاخرين. فالنسخ والتقييد والورود والحكومة والتزاحم والتعارض وغيرها أسماء لمراحل الحكم عند تجاذبه مع الحكم الآخر. التزاحم أنواع وليس نوعا واحدا عند مشهور الفقهاء والاصوليين. عند النائيني واحد لكن عند المشهور ان التزاحم أنواع مثلا التزاحم الملاكي وهو اسم لنوعين او ثلاثة. تزاحم امتثالي والتزاحم في التنجيز والتزاحم في الاقتضاء هذه أسماء لعلاقة حكم بحكم آخر بسبب مراحل الحكم. هذا المحور الرابع زبدة المحاور الثلاثة. ويحتاج الى الاجتهاد والمجتهدين الفحول وهي في الحقيقة مجموع أماكن مبعثرة عند الأصوليين وإذا تجمع يعقد لها فصل مستقل في مراحل الحكم وقيود الحكم وأسماء مراحل الحكم والعلاقة بين الحكمين ومراحل الحكمين. نحن ذكرنا الفهرسة الاجمالية ولم نخوض في الفهرسة التفصيلية. الرفع والمرفوع دليلان أين يتلاقيان؟ هكذا التدقيق المجهري. هذه فائدة نضطر في تفصيلها في الأجزاء اكثر ونضطر الى بسطها كاملا في مقدمة الواجب. بحث حساس.

بعد ذلك الأعلام في دوران الأمر بين التعبدي والتوصلي بلحاظ الأصول العملية هل مقتضاها التعبدية او التوصلية؟ هنا تدقيق الميرزا النائيني دقيق. يقول: هذه الأنواع في التعبدي إذا صورتها الشك في التكليف تجري البرائة وإذا صورتها الشك في المكلف به يجري الاشتغال. هذه الاية الأصولية دوّنها الميرزا النائيني أن الشك في التكليف برائة عقلية او شرعية والشك في المكلف به يعني المتعلق في التكليف يجري الاشتغال. الشك في المكلف به يعني ان التكليف محرز ومتيقن والفراغ عن المكلف به والامتثال مشكوك. دائما إذا كان الشك في الامتثال والمكلف مجري الاشتغال. الاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ الييقيني والاحتياط. أما إذا شككت في أصل التكليف فمجرى البرائة. هذه ضابطة علمية يركز عليه النائيني. بعبارة أكثر تدقيقا تارة يرجع الشك الى الوجوب التعييني والتخييري فمجرى الاشتغال او مثل الوجوب العيني والكفائي وتارة ليس هكذا. هذا البحث نفسه يذكرها الأعلام في الأصول العملية. الأعلام في تصوير ماهية التخييري يقولون إذا صورنا ماهية الواجب التخييري تكثرا في المكلف به لا في التكليف لأن تصوير الواجب التخييري عند الاعلام فيه أربع نظريات رئيسية ان لم تكن اكثر. بعض النظريات إن الخصال هو التكثر في المكلف به لا في التكليف فيصير مجرى الاشتغال لأن هذه الموارد من دوران الامر بين التعبدي والتوصلي بالمعاني الخمسة ترجع الى التعيين والتخيير إذا رجعت الى التخيير والتعيين ورجعت التخيير الى التنوع في المكلف يصير الشك في المكلف وهو مجرى الاشتغال. بعض نظريات التعييني والتخييري يرجع الى قيود الوجوب لا الواجب على هذه النظريات يصير الشك في التكليف. ولا أفصل فيه لأن هذا البحث يكرر في بحث التعييني والتخييري. هذا بحث تحليلي يقوم به الاستنباط وليس استحسانا ولا هلوسة. بحث ماهوي تكويني لمعنى الواجب التخييري كما ان هناك نظريات أربع او خمس لتحليل حقيقة وماهية الواجب الكفائي. الكفائي إذا رجع الى المكلف به مجرى الاشتغال واذا رجع الى قيود الوجوب فمجرى البرائة. هذا خلاصة البحث في الأصل العملي.

نبدأ في المعنى الأول في التعبدي والتوصلي وهو الاصطلاح المتبادر في العبادات مقابل المعاملات يعني ما أخذ فيه قصد الامر وهذا البحث طويل وسنذكر فهرسة اجمالية لمسيرة البحث عند متاخري الاعصار وسنذكر فهرسة اجمالية عند القدماء والسديد كلام القدماء. كلام متاخري الاعصار هو تنظير البحث لا واقع عملي له ولابد أن نبين. فهرسة البحث عند متأخري البحث نوع بعيد عن الواقع بخلاف مبنى القدماء. خارطة البحث عندهم تختلف عن متأخري الاعصار. ان شاء الله نستعرض ونقتصر ببيان اجمالي لكلام متأخري الأعصار وسنبين بيانا تفصيليا لخارطة البحث عندالمتقدمين