الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/20

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

خطورة مراحل الحكم في علم الأصول والفقه

مر بنا أن الميرزا النائيني عند دوران الأمر بين التعبدي بالمعنى الخامس الإرادي والاختياري أو التوصلي بنى على التعبدي بدليلين والدليل الثاني كان أن الامر فيه خاصية الباعثية والمحركية وهذه الخصوصية تقتضي أن يكون المكلف قادرا وعن الإرادة والاختيار يفعل. كان رد السيد الخوئي أنه يكفي أن يكون الجامع بعض أفراده مقدورا وعن الإرادة وبالتالي يصدق الواجب على ما هو صدر عن الإرادة والاختيار أو صدر عن غير الإرادة. بالدقة هذا البحث يرتبط بمراحل الحكم وتداعيات أو لوازم مراحل الحكم وهذا من البحوث العمودية في علم الأصول وربما أهم منها وليس في علم الأصول فقط بل في علم الفقه وعلم الكلام والعلوم الدينية. بحث مهم مراحل الحكم وتداعيات كل مرحلة يعني آثارها وخواصها بحث في غاية التأثير والخطورة وكل ما يبحث عنه الانسان يجد نكات ذكرها الاعلام متفرقة في الأبواب وأسائس المسائل. حتى أن الشيخ الأنصاري مع ورعه وتقواه تعدى في العلماء في التعبير في مبحث القيود والورود والحكومة المرتبطة بقيود الحكم وعاتب القدماء بعتاب شديد اللحن لأهمية البحث مع انه في عباراته يراعي كثيرا مع الاخرين من الاعلام لكن في هذا المبحث أخذته ثائرة خطورة البحث في مبحث من مباحث الرسائل لا في هذا الموضع.

من المسائل التي بلورها النائيني وشرحها تلميذه المظفر بقلمه في كتاب المظفر هو الفرق بين القيد الشرعي للوجوب والقيد الشرعي للواجب والفرق بين القيد العقلي للوجوب والقيد الشرعي للوجوب او الفرق بين القيد العقلي للواجب او القيد العقلي للواجب.

أولا كيف يكون القيد عقليا؟ لسنا في صدد الدخول التفصيلي بل الفهرسة. ما المراد بالقيد العقلي؟ كيف للعقل ان يتصرف في أحكام الشارع؟ الجواب أن الحكم الشرعي له آثار عقلية وأحكام عقلية وتلك الاثار والاحكام العقلية يدرك العقل قيودها لأنها آثار عقلية. ففي الحقيقة هذه القيود للوجوب هي قيود للآثار العقلية على الوجوب. لما يقال القيد العقلي لوجوب او الامر بالدقة هو قيد عقلي للآثار العقلية المترتبة على الوجوب او على الامر. العراقي والاصفهاني يصطلحان تسمية لها ويقولان هذه القيود العقلية هي قيود للطور العقلي للوجوب كأنما الوجوب له مراحل وأطوار وله هوية عقلية كما أن له هوية شرعية. عبارات شتى والمعنى واحد. الان كلامنا في الوجود العقلي والطور العقلي ولسنا في صدد التفصيل. فإذاً القيود العقلية هي قيود في الطور العقلي للوجوب أو قل الاثار العقلية.

مثلا من القيود العقلية التي يذكرها الأصوليون أو المتكلمون أو المفسرون أو الفقهاء هي القدرة لتنجيز استحقاق العقوبة فالتنجيز حكم عقلي واثر عقلي، حتى وجوب الطاعة ووجوب الانبعاث ووجوب الحركة والامتثال وجوب عقلي والعقل يأخذ فيه القيود كالعلم والإرادة والالتفات يعني أنه لا ينبعث المكلف بدون العلم والإرادة وكذلك عندنا قيود عقلية في الواجب.

الضابطة هي أن القيود العقلية ليس لها دخالة في الملاك لا من بعيد ولا من قريب بخلاف القيود الشرعية في الوجوب. ليس للقيود العقلية دخالة في أرضية الملاك. هذه الأرض صالحة للزراعة يعني لها القابلية وقيود الوجوب يعني أرضية الملاك والقابلية، أما القيود العقلية لا دخالة لها في الملاك لا من بعيد ولا من قريب.

القيود العقلية للواجب أيضا بالدقة لا دخالة لها في الملاك بخلاف القيود الشرعية كالطهور والاستقبال، أما القيود العقلية للواجب فليس لها دخالة في إيجاد الملاك.

مر بنا ان القيود الشرعية للواجب لها دخالة في إيجاد الملاك كشروط تأثير الدواء في المرض شروط إيجاد المصلحة. القيود العقلية للواجب لا دخالة لها في الملاك وإنما لها الدخالة في أمور أخرى في الواجب واثار أخرى في الواجب. إجمالا هذا هو توضيح النائيني لأربعة اقسام. قيود الوجوب قسمان وقيود الواجب قسمان أيضا.

إضافة على كلام النائيني كلام مشهور طبقات الفقهاء ولو لبلورة مدرسة الوحيد البهبهاني والشيخ الانصاري والاخوند فقالوا إن القيود الشرعية في الوجوب ليس من الضروري أن تكون كما قال النائيني بل قد يكون قيد شرعي في الوجوب ليس له دخل في الملاك. قيد أخذه الشارع يمكن أن يكون له دخل في التنجيز يعني أن يتصرف الشارع في موضوع حكم العقل أو قيد شرعي في كيفية الامتثال وهذه مرحلة عقلية.

بالمناسبة يجب للإخوان أن يستذكروا كاصطلاح الأعلام أن ما بعد مرحلة الفعلية التامة للوجوب مراحل أخرى ومقتضى القاعدة فيها أن تكون أطوار او مراحل عقلية للوجوب. هذه المباحث أساسية في التعبدية والتوصلية والإجزاء ومقدمة الواجب ومباحث الأصول. اصطلح الأعلام على أن ما بعد مرحلة الفعلية التامة هي الفاعلية الناقصة وبعدها الفاعلية التامة وما بعدها التنجيز وما بعدها الامتثال وما بعدها احراز الامتثال. هذه كلها مراحل يعبر عنها مراحل عقلية للحكم الشرعي التكليفي أو الوضعي هو سيان. كيف تصويرها بحث آخر.

اللطيف أن خبراء القانون الوضعي يخلطون بين هذه المراحل ويشتبهون كثيرا ما وعلماء الأصول يخلطون أيضا.

إذاً إلى المرحلة الفعلية التامة مراحل شرعية للحكم وهي الفعلية الناقصة وقبلها ثلاث مراحل في الانشاء كلها مراحل شرعية في متن الحكم الشرعي. فالمشهور خلافا للميرزا النائيني زيادة على ما ذكر الميرزا وإن كان الغالب أن القيود الشرعية دخيلة في الملاك كما ذكره النائيني ولكن ليس من الضروري أن تكون القيود الشرعية كلها دخيلة في الملاك بل بعض القيود الشرعية تتصرف من الشارع في مراحل عقلية للحكم. هذا بحث مهم جدا. فالقيد الشرعي قيد شرعي لكن الشارع له الصلاحية أن يأخذ القيد الشرعي في المراحل العقلية لأن هذه المراحل العقلية ليست احكام عقلية مستقلة بل أحكام عقلية غير مستقلة يعني تابعة للحكم الشرعي والشارع صاحب الحكم وله الصلاحية ان يتصرف في التنجيز والامتثال وإحراز الامتثال. مثل قاعدة الفراغ والتجاوز تصرف من الشارع في المرحلة العقلية وقاعدة لاتعاد على مبنى المشهور لا على مبنى النائيني والسيد الخوئي والسيد الميلاني، قاعدة في الامتثال وثمراته كثيرة أن نلتفت الى انها تصرف في مرحلة الامتثال او في الفعلية او الانشاء. بينها بون كبير وآثار كثيرة.

مثلا مشهور المتأخرين ومتاخر المتأخرين بنوا على أن الاستطاعة في الحج قيد شرعي في الملاك فإذا حج المكلف بلا أن تكون له الاستطاعة تكون حجه مستحبة وليست حجة الإسلام ولا تجزئه عن حجة الإسلام بينما القدماء بنوا على أن الاستطاعة قيد شرعي في التنجيز وليس قيدا شرعيا في الملاك. فإذا حج المكلف بدون الاستطاعة كما حج مع الخوف وبدون المال يجزئه عن حجة الإسلام لأن الاستطاعة أخذوها قيدا في التنجيز والتنجيز ليس له دخل في الملاك. التنجيز في الحج يسمى مديونية المكلف بالحج. عندنا حجة الإسلام وهذا واضح وعندنا مديونية المكلف بحجة الإسلام والتفكيك بين هذين المرحلتين مهم.

المشهور عندهم أن القيد الشرعي ليس من الضروري ان يكون دخيلا في الملاك بل قد يكون دخيلا في المراحل العقلية. هذه زيادة المشهور على كلام النائيني. هذه المباحث السيد محمود الشاهرودي الكبير المدفون في مسجد الرأس مع أنه بواب النائيني إلا انه هنا في هذه القيود ما تبع استاذه النائيني وتبع الشيخ الأنصاري والاخوند

إذًا الزيادة التي ذكرها المشهور هي أن القيود الشرعية ليس من الضروري أن تكون دخيلة في الملاك بل قد يكون دخيلة في الامتثال او احراز الامتثال او التنجيز.

وزيادة عليه أن المشهور أيضا فرقوا بين القيود الشرعية المأخوذة في أصل الفعلية الناقصة «الذي يتبنى الفعلية الناقصة و التامة ليس النائيني والسيد الخوئي بل تبناه الاخوند والشيخ الانصاري والعراقي وهذا حلال المشكلات في بحوث معقدة في أبواب الفقه ان تفكك بين الفعلية التامة والناقصة وهذا لم تأت في قاموس السيد الخوئي ولا قاموس النائيني ولا تلاميذ النائيني ولا تلاميذ السيد الخوئي إلا من تحرر من مدرسة السيد الخوئي لكن الشيخ الانصاري والاخوند والعراقي والكمباني الى حد ما يفكّكون بين الفعلية التامة والناقصة» المشهور قالوا في القيود الشرعية الدخيلة في الفعلية الناقصة وهي أصل الفعلية وقد يعبرون عنه الحكم الاقتضائي أنها تختلف عن القيود الشرعية المأخوذة في الفعلية التامة في الدخالة في الملاك ولست في صدد التفصيل بل في صدد استعراض الفتاوى لأن هذه المدارس أصبحت نسيا منسيا. إذًا فيه فرق بين الفعلية الناقصة والفعلية التامة.

من البحوث المهمة في مراحل الحكم معرفة أن كل مرحلة من مراحل الحكم لها أسماء عديدة. مثلا هذا الاسم في الحكم اسم لاي مرحلة. مثلا كلمة التكيف. الميرزا النائيني رحمه‌الله عظيم ونقبل ترابه لكن هذه المباحث نقاش علمي. الميرزا النائيني يكبس المراحل في مراحل قليلة. لذلك النائيني عنده تعليقتان على العروة تعليقة في بداية عمره العلمي وتعليقة في نهاية عمره العلمي والرائج اكثر التعليقة الثانية كما أن عند السيد الخوئي تعليقتين على العروة التعليقة الأولى للسيد الخوئي كل تلاميذه توفوا منهم السيد الروحاني والسيد علي بهشتي وميرزا يوسف الايرواني والسيد مرتضى خلخالي والتعليقة الثانية للجيل الثانية والثالثة. حتى أن الميرزا علي غروي لما يتكلم في شرح العروة عن تعليقة استاذه السيد الخوئي يكون مراده التعلية الأولى لا الثانية. فصار التعليقة الأولى مصدرا علميا. في التعليقة الثانية كبس المراحل حتى السيد الخوئي.

إن معرفة أسماء المراحل علامة على أن الباحث محققا. معرفتها واتقانها جدا مهم.