الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/18

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

 

الحسن والصدق الفاعلي والفعلي

مر بنا انه عند الدوران بين معاني التعبدي والتوصلي أن الاطلاق اللفظي يقتضي التعبدية. طبعا هذا الاطلاق مع عدم وجود القرائن الخاصة لمادة الفعل أو المورد أو موضوع الحكم. مقتضى الاطلاق اللفظي هو التعبدية بشكل أضيق.

كان استدل الميرزا النائيني في معنى التعبدية بمعنى الارادي الاختياري في قبال غير الاختياري بدليلين: يعني لابد ان يكون الفعل الواجب المأمور به إراديا واختياريا ولو صدر من المكلف من دون الإرادة والاختيار لا يشمله الوجوب والأمر وإن لم يكن تعبديا بالمعنى الأول أي قصد الامر مثل رد السلام لو صدر من الشخص عفويا وبدون الإرادة لا يجزئ لأن الأصل هو التعبدية يعني أن يصدر إراديا واختياريا.

استدل الميرزا بدليلين؛ الدليل الأول أن الحسن الفعلي في الوجوب لا يكفي ولابد من الحسن الفاعلي والحسن الفاعلي متقوم بالإرادة والاختيار من الفاعل. يعني بعبارة أخرى أن الأمر متعلق بحصة ضيقة من عنوان الفعل وهو الفعل الصادر عن الإرادة والاختيار مع الحسن الفاعلي لا بدون الحسن الفاعلي. الاستدلال الثاني أن الغرض من الأمر التحريك والمحركية والباعثية ولايمكن أن يبعث الأمر نحو الحصة غير المقدورة. هناك جوابان من السيد الخوئي.

الكلام في خلفية هذا البحث أخطر من هذا البحث. خلفيته أهم من نفس هذا البحث وبغض النظر عن أن القاعدتين هنا تامتان أو غير تامتين نفس القاعدتين لهما آفاق واسعة في أبواب علم الأصول والفقه والكلام فمن ثم تحرير نفس القاعدتين او الدليلين مهم.

ما هو معنى الحسن الفعلي والفاعلي؟ ما هو دورهما في تحديد متعلق الامر؟ هذا بحث مهم جدا. من هذا القبيل لدينا الصدق الفعلي والصدق الفاعلي. الصدق الفعلي يختلف عن الصدق الفاعلي ومبحث مهم في مبحث حجية خبر الواحد أو مثلا في باب القضاء يوجد هذا البحث. حقانية الحكم القضائي الذي يصدره القاضي هل هو بمطابقة الحكم القضائي للواقع أو هو بكون صدور الحكم القضائي على الموازين القضائية؟ هذا مبحث في باب القضاء من الجهة الفاعلية و الحكم القضائي. ثلاثة من القضاء وواحد منهم ينجو، من قضى بالحق وهو يعلم. وهو يعلم يعني الصدور الفاعلي عن العلم والإرادة والاختيار. نظير قول النبي إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان ولعلّي أقضي عليكم بقطعة أرض وله في يوم القيامة قطعة من النار. يعني يريد النبي أن يبلغ الناس أني مأمور بالموازين الظاهرة لا أن الموازين الظاهرة واقعية بل الواقع شيء آخر. إذاً نفس الحكم في نفسه كيف ماهيته والصدور الفاعلي في الحكم الظاهري ووجود الحكم الواقعي. ماهية الحكم الواقعي والجهة الفاعلية للصدور والحكم الظاهري ثلاث أبعاد.

في بحث حجية خبر الواحد الاعتماد على الوثوق والوثاقة في الراوي أو أن الوثوق في الصدور؟ كالاعتماد على صحة المتن كما هي عند مشهور فقهاء الشيعة الأصوليين ومتقدمي الأخباريين كالصدوق كما مر بنا مرارا. إطلاق الصحة على الطريق لم يكن معهودا بين الفريقين الى القرن السابع وفجأة تغير الاصطلاح متزامنا عندنا وعندهم لذلك يخطأ الذهبي او الحاكم النيسابوري من يقول صحيح على شرط الشيخ. أصلا الصحاح الستة المسلم والبخاري والترمزي وغيرها ليس بمعنى صحة الطريق بل الصحاح بالمعنى القدمائي عندنا وعندهم بمعنى صحة المتن كما أن الكليني لما يقول هذه الآثار الصحيحة مقصوده المتن وليس مقصوده السند كما توهمه متأخروا الأخباريين كما أن الشيخ الطوسي في ديباجة التذهيب والاستبصار لما يقول الصحة ليس مرادهم صحة الطريق والصدوق أيضا في بداية ديباجة كتاب من لا يحضر الفقيه لما يقول الصحة ليس مراده صحة الطريق. هذا الاصطلاح أيضا هو اصطلاح المفيد والمرتضى وابن براج وابن زهرة ابن حمزة وكل القدما بما فيهم النجاشي تلميذ المفيد وبما فيهم الغضائري. أصلا اصطلاحهم في الصحة هو صحة المتن وليس صحة الطريق.

ابن الغضائري يذكر أحد الرواة يقول طعن عليه القميون بأنه الغالي ورأيت له كتابا في الصلاة كله صحيح. يقصد صحة المضمون. لو يتتبع الانسان في كتاب النجاشي وفهرس الشيخ الطوسي وابن الغضائري لم يجد موضعا يطلقون الصحة على الطريق. كلمة الصحة يطلقونها على المضمون او على الكتاب أما الطريق فلم أقف على مورد. والاستقصاء سيد الموقف.

اجمالا الصحة في الكتب الأربعة او ابن قولويه مراده ليس صحة الطرق بل مراده صحة المضمون. كما أن مراد القمي خلافا لما استظهره السيد الخوئي من الصحة في كتاب تفسير القمي هو صحة المضمون كذلك الخزار القمي في كتاب كفاية الأثر. لمَ تبدل الاصطلاح من الصحة في المتن الى الصحة في الطريق؟ رغم أنه تبدل إلا أنه ظل ديدن المشهور على ان المراد من الصحة هي الصحة في المضمون ولا الطريق بدليل أن السيد الخوئي و أمثاله من الكبار يعترفون بأن لمشهور بنى على أن الشهرة جابرة وكاسرة. جابرة يعني أن الخبر الذي طريقه ليس بصحيح عمل المشهور يجبره يعني المشهور ليس المدار عندهم على الطريق بل المدار عندهم على المضمون. كما أن الشهرة عندهم كاسرة يعني الأخبار الصحيحة إذا المضمون عند المشهور لم يصح ليست بحجة فمن ثم يعتبرون الشهرة كاسرة وموهنة للخبر الصحيح. ولو أراد المتتبع أن يستقصع في التهذيب والاستبصار والفقيه من كلمة الشاذ والشاذ وصف للخبر طريقه صحيح لكن متنه معرض عنه لرأى مآت الروايات وليس عشرات. هذا واضح أن مسلك المشهور على مدارية ومركزية المتن وليس الطريق. هذا الاصطلاح جار في كل العلوم الدينية. صحة متن الخبر في نفسه تختلف عن صحة فاعلية المخبر. ضوابط صدق المخبر غير ضوابط صدق الخبر. ضوابط صدق الخبر وموازينه تختلف عن ضوابط صدق المخبر. ضوابط حجية الخبر تختلف عن ضوابط المخبر والراوي.

لايخفى عليكم ان الصحة يعني الحجية ليست الصحة تدور مدار الطريق يعني ليس الحجية بلحاظ الطريق. الصحة بلحاظ حجية المضمون. القدماء عندهم أن الصحة الخبرية غير صحة شرائط المخبر نعم شرائط المخبر لها دور لكن لا انها مركزية. الصحة الخبرية يعبرون عنها القدماء بالصحة العلمية بينما صحة الخبر بلحاظ الطريق يعبرون عنها بالصحة الإخبارية. إذاً عندنا صحتان الصحة الإخبارية بلحاظ صحة الطريق والصحة العلمية بلحاظ المضمون. لم يعبرون عنها بالصحة العلمية؟ لأنها تعتمد على العلم وملكة الاجتهاد سواء في الكلام او الفقه او التفسير او أي علم من العلوم الدينية. أحد إشكالات المتأخرين على القدماء أنهم يقولون لا يعمل بذاك حتى يفيد العلم. ليس مرادهم من العلم هو اليقين والجزم والقطع. مرادهم أن نثبت بالموازين العلمية متانته ومطابقته لأصول المذهب والقواعد المرسومة ولو القواعد في ذلك الباب الفقهي. هذه الاصطلاحات يجب أن نلتفت اليه. ضبط الاصطلاحات جدا مهم. إذاً هنا مر بنا ان الحسن الفعلي اقرب إلى العقل النظري والحسن الفاعلي أقرب الى العقل العملي، يكذب المخبر او لا يكذب وهو فعله أما الصدق الخبري لا ربط بالارادة والاختيار ولا بفاعلية الفاعل. الصدق هنا بمعنى مطابقة الواقع وفي ايات القرآن أن الرسل يصدق بعضهم بعضها والكتب يصدق بعضهم بعضها لا يبعد ان يكون مراده التطابق والتطابق برهان إعجازي على الصدق بمعنى العقل النظري وليس الصدق معنى العقل العملي. في علم التفسير من اوله الى اخره إذا ما يضبط واحد أن الصدق في العقل النظري ما هو والصدق في العقل العملي ما هو يصير تفسيره عشوائيا، صدق الأنبياء أي صدق وصدق الكتب السماوية أي صدق؟ نفس مبنى الميرزا النائيني أهم من تطبيقه في المقام.