44/03/15
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي
تنوع قيود الوجوب والواجب العقلية والشرعية
كان الكلام في الدوران بين التعبدي والتوصلي بحسب الأصول اللفظية هل مقتضاها التعبدي بالمعاني العديدة او التوصلي في قبال تلك المعاني.
وصل الكلام في التعبدي بمعنى صدور الفعل إراديا اختياريا في قبال أن الفعل الذي يأخذ في موضوع الحكم أعم من الاختياري والارادي وغيرها. مثلا في باب الضمان من أتلف مال الغير فهو له ضامن، هل المراد من الاتلاف صدوره عن الإرادة والاختيار أو صدوره ولو بدون الإرادة والاختيار ولو هو نائم. في مورد آخر لصدور الفعل من دون الإرادة والاختيار مثلا لو أتت ريح شديدة وقذفته على انسان آخر ومات الاخر فهل هو ضامن؟ اكثر الأعلام في هذه الصورة لا يقررون الضمان للشخص لأنه في هذا المورد، مورد للفعل وليس فعلا له. تارة هو نائم ويصدر منه فعل فيكون ضامنا وتارة الفعل للقدر وهو ليس إلا موردا للفعل والفعل لا يسند اليه فهنا ليس بضامن. كما لو أتت ريح شديدة وأسقطته على شخص. ههنا يقولون ان الفعل لا يسند اليه، إنما صار الشخص موردا لفعل الريح. هذه النكات بالدقة في بحوث الأبواب الفقهية تبين لنا العرض العريض في درجات اسناد الفعل الى الفاعل.
نرجع: لو أسند الفعل الى الفاعل فإذا كان أعم من الإرادة والاختيار فيسمى توصليا وإذا كان خصوص الإرادة والاختيار وإن لم يكن قصد الامر فيه يسمى تعبديا. هنا الميرزا النائيني يدعي أن الأمر لابد أن يتعلق بالحصة المقدورة وهي مورد الإرادة والاختيار ولا يتعلق الامر والوجوب بالحصة غير المقدورة لدليلين.
الدليل الأول إن الأمر فيه محركية وباعثية وباعثية الأمر أو زاجرية النهي لا يمكن أن تتعلق بالحصة غير المقدورة بل الامر يبعث نحو المقدور. فإذًا نكتة باعثية ومحركية الامر او زاجرية النهي تقتضي أن الأمر والوجوب او النهي والحرمة يتعقل بالحصة المقدورة. هذا بحث حساس ويعتمد على نكتة كلية في مراحل الحكم.
الدليل الثاني: الذي استدل به النائيني للتعبدي بهذا المعنى في الأوامر والوجوبات أنه لا يكفي في الفعل الحسن الفعلي بل لابد ان يكون هناك حسن فاعلي. الحسن الفعلي هو مصلحة الفعل والملاك الموجود في الفعل بناء على القول بالعدلية ومن قال بالعدل أئمة اهل البيت وليس المعتزلة. اهل البيت أصّلوه في الامة الإسلامية لا المعتزلة. المصلحة في الفعل يقال له الحسن الفعلي وهناك حسن فاعلي يعني يراد منه حيثية إسناد الفعل للفاعل فالفعل له ماهية في نفسه وهذا شأن.
هذا البحث سيال في الأبواب الفقهية والاصولية والاعتقادية. الفعل له شأن في نفسه وله شأن بلحاظ اسناده الى الفاعل. من الضروري في علم الكلام والأخلاق والتفسير والأصول والحديث والرواية ان تفرق بين حيثية الفعل في نفسه والحيثية الفاعلية. نظير الصدق الفاعلي والصدق الفعلي، عندنا كذب فاعلي وكذب فعلي ولا تلازم بينهما. قد يكون القائل صادقا فاعليا لكن قوله كذب. صادق لأن علمه واعتقاده بهذا الامر فمن ثم أخبر به فمن جهة الفاعلية هو صادق ولكن من جهة فعلية هو كاذب فقوله كذب لكنه ليس بكاذب. وقد يكون قوله صدقا وهو كاذب لأنه لمّا يخبر يدعي أن لديه علما واعتقادا وهو يكذب في ذلك، فهو ذو صدق قولي ولكنه كاذب فاعلي. هذه نكتة جدا مهمة. التفريق بين الصدق الفاعلي والصدق الفعلي وبين الكذب الفاعلي والكذب الفعلي. هذا البحث أحد نواميس العلم في بطن هذا البحث. التفكيك بين الجهة الفاعلية والجهة الفعلية.
الصدق الفعلي نستطيع أن نقول أنه مرتبط بالعقل النظري والصدق الفاعلي مرتبط بالعقل العملي. احكام العقل النظري وجود وعدم وموجود أو لا موجود ومطابق أو ليس بمطابق. الايمان يمكن تفسيره بتفسير العقل النظري ويمكن تفسيره بتفسير العقل العملي. العدل هكذا يمكن تفسيره بتفسير العقل النظري وكذلك بتفسير العقل العملي. القاضي العادل إذا كان من جهة الفاعلية يراعي الموازين وإن كان الموازين من جهة المتن الميزاني غير مطابقة للواقع لكن هو وظيفته ظاهريا أن يعتمد البينة. كما قال سيد الكائنات إنما أقضي بينكم بالبينات والأيمان. بالتالي العدالة في القضاء او العدل في القاضي من جهة فاعلية وضبط الموازين وإن كان هذا المتن في القضاء غير مطابق للواقع فإذاً هناك فرق بين العدل بحسب حكم العقل النظري والعدل بحسب حكم العقل العملي، يعني الجهة الفاعلية. العقل العملي دائما يرتبط بفاعلية الفاعل وإرادية الفاعل واختيارية الفاعل وصدور الفعل إراديا عن الفاعل. الحسن والقبح لهما معنييان بالعقل النظري ولهما معنيان بالعقل العملي. التفكيك بين المعنيين ضروري جدا. قول القرآن العظيم إن الرسل يصدق بعضهم بعضا والكتب السماوية تصدق بعضها بعضا. أي تصديق؟ تصديق العقل النظري او تصديق العقل العملي؟ أيهما أهم للبرهان على الإعجاز؟ جانب العقل النظري يعني محكمات القرآن مطابقة ماة بالمأة مع محكمات الكتب السماوية. الصدق يعني التطابق في جانب العقل النظري. مع أن القرآن وسع في القصص لما لم يكن في التوراة والانجيل لكن متطابق. هي بحث واحد يثيره الأصوليون لكنه منهج في بحوث العلوم الدينية او الانسانية كلها. عندما يقول القرآن مطابق للتوراة والانجيل والزبور لا يعني أن القرآن غير مهيمن عليها بل في عين أنه مطابق لكنه مهيمن يعني يبلعها يعني فيها زيادة، مع أن التطابق موجود.
مع ان كل رسول يصدق الرسل يعني يتطابق في كلامه ودعواه لأنهم بعثوا بدين واحد والشرائع مختلفة في القوانين العملية وآليات الآداب أما الدين واحد. في حين أن الدين واحد بتطابق العقل النظري لكن ما أتى به سيد الرسل محيطات مع ذلك تطابق في الأسس. فإذًا فيه الصدق النظري والصدق من جهة حكم العقل العملي والجهة الفاعلية. تفكيك الجهة الفاعلية عن الجهة الفعلية.
سؤال لأهل البحث العلمي: الحجية التي يقول بها الأصوليون في قسم الحجج في علم الأصول او علم الكلام أي حجية؟ حجية العقل النظري او حجية العقل العملي أو كلاهما؟ أو في حجية القطع واليقين. للبحث آثار في العلوم الدينية كلها سواء في التفسير أو الكلام او علم الفقه. فإذاً عندنا حسن فاعلي وحسن فعلي والحسن الفاعلي يعني من جهة العقل العملي.
الميرزا النائيني يقول إن الأمر لا يصوغ أن يتعلق بالفعل من جهة الحسن الفعلي فقط بل لابد ان الامر والوجوب يتعلق بالفعل من جهة الحسن الفاعلي أيضا. ولا يكفي الحسن الفعلي بل الحسن الفاعلي انما يتحقق اذا صدر الفعل من الفاعل اراديا واختياريا أما إذا صدر دون الإرادة الاختيار ولو كان هو في نفسه حسنا لكنه لا يكون فيه حسن فاعلي. الحسن الفاعلي متقوم بالارادة والاختيار. فمن ثم لابد أن يتعلق الوجوب والامر بالحصة الاختيارية ولا يمكن ان يتعلق بالحصة غير الاختيارية.
للسيد الخوئي مناقشة لكلا الدليلين: الدليل الأول هو أن الوجوب لأن فيه الامر والمحركية والباعثية للمكلف لابد أن يتعلق بالحصة المقدورة ولا يمكن ان يتعلق بالحصة غير المقدورة. هنا يناقش السيد الخوئي بأنه لو تعلق الوجوب والامر بخصوص الحصة غير المقدورة وغير الارادية لكان هذا ممتنعا. كيف يحرك الامر المكلف نحو الحصة او الفعل غير الارادي. أما إذا تعلق الامر بالماهية والطبيعة الجامعة بين الحصة المقدورة والحصة غير المقدورة ما الامتناع فيه؟ لان المصلحة عامة بالتالي الوجوب والامر يتعلق بالطبيعة الجامعة بين المقدور وغير المقدور. ولا يضيّق متعلق الامر بخصوص الطبيعة والحصة المقدورة. بعبارة أخرى إن الشارع يكلفنا بطبيعة بعض أفرادها مقدور أ لا يصح التكليف؟ لأنه لا يلزم في الطبيعة المكلف بها أن يكون جميع أفرادها مقدورة. يكفي بعض افرادها ويصحح التكليف. فإذاً دعوى الميرزا النائيني في غير محله. هذا نقاش السيد الخوئي.
الأهم لدينا في المقام ليس علاج هذا المطلب بل الأهم أن نلتفت إلى القيود ومراحل الحكم. هذا القيد الذي اتى به الميرزا النائيني والسيد الخوئي قال متوفر وهو قيد القدرة وهو أتى من جهة أن الأمر فيه محركية وباعثية والباعثية والمحركية في الامر او في الوجوب عنوان أي مرحلة من مراحل الحكم؟ هذا شيء مهم. الميرزا النائيني وصاحب الكفاية والشيخ الانصاري في حين بلوروا هذه الأمور لكن تحتاج المزيد من التدقيق. القيود الشرعية للوجوب غير القيود الشرعية للواجب. القيود الشرعية للواجب ك لا صلاة الا بالطهور وقيود الطواف والقيود الشرعية للوجوب كدلوك الشمس للظهرين والغروب للمغربين لدينا قيود عقلية للوجوب كما ذكر الاعلام. ولدينا قيود عقلية للواجب. هذه القيود قسم منها عقلي وقسم منها شرعي. ما هو دور القيود العقلية سواء في الوجوب او الواجب؟ أيضا في القيود الشرعية ما هو الفرق بين القيد الشرعي للوجوب والقيد الشرعي للواجب؟ أيضا فيه تقسيم آخر ذكره صاحب الكفاية وركز عليه العراقي والكمباني وإن أغفله الميرزا النائيني في بعض الأبواب. نفس القيد الشرعي للوجوب ليس على نوع واحد. بل أنواع. ومن عظائم مباني صاحب الكفاية والعراقي ومشهور طبقات الفقهاء. لكن للأسف أغفله الميرزا النائيني وتلاميذه في بعض الأبواب. القيد الشرعي ليس على نوعية واحدة بل على أنماط وأنواع كذلك القيد الشرعي للواجب على أنواع. هذه كلها فهرسة اجمالية ودوما الفهرسة الاجمالية اخطر من الفهرسة التفصيلية والهيمنة على الفهرسة الاجمالية أهم من الغور والغوص في تفاصيل الأبحاث. أيضا القيود العقلية للوجوب على أنواع وكذلك القيود العقلية للواجب على أنواع. هنا سر صناعة علم الأصول عند الاعلام معرفة التقسيمات واختلافها.