الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

44/03/11

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي

معنى التعبدي الثاني ومراحل الحكم

مر بنا البحث عن الذي أثاره الميرزا النائيني في التبدي والتوصلي ومراتب واقسامهما ومر أن من معانيها التعبدي المشدد أي بقصد الأمر وحصرا الأمر الذي توجه الى الفعل ولا يجزئ مطلق العبادية أي لا يجزئ قصد الامر الاخر المتعلق بالفعل ولو تعلقا طارئا ثانويا، والتوصلي في مقابله كما بنى عليه المشهور في الوضوء والغسل والتيمم على انه يجزئ قصد الامر الناشئ من الغاية للطهارات الثلاث. الأمر المقدمي المتولد من الأمر بالغاية كالصلاة وقراءة القران الزيارة او شيء آخر، لأن الطواف مشروط بالوضوء او الغسل فيتولد منه امر مقدمي. التحقيقات الأصولية في القرن الأخير على أن هذا الامر المتولد من الغاية وهو امر مقدمي هذا الامر بمعنى طارئ على الوضوء والمقدمية عنوان طارئ على الوضوء او الغسل فليس حيث المقدمية حيثية ذاتية للوضوء او الغسل بينما الأمر الاستحبابي إن الله يحب المتطهرين ويحب التوابين متعلق بذات الوضوء وذات الغسل.

المشهور شهرة كبيرة في الغسل انه لابد ان يقصد الغاية كرفع الجنابة او رفع الحيض او مس الميت بينما على المبنى الصحيح هذه الأوامر طارئة والأمر للغسل ذاته. المقصود هذا التحليل في بحث التعبدي والتوصلي يثمر في الأبحاث الفقهية يعطي الباحث تحليلا ماهويا بشكل دقيق ومتين.

سابقا في القرن السابع او الثامن او التاسع كانوا يبني الكثير على هذه الفتوى لو توضأ بقصد الصلاة قبل الوقت ما صح الوضوء بل لابد أن يصبر حتى يدخل الوقت او يعنوان التهيؤ ومن هذا القبيل أبحاث حيث انهم استمدوا العبادية او قصد الأمر فقط من الامر الطارئ وليس من الامر الذاتي. الغسل أيضا هكذا فهذه النكات لازم ان يلتفت اليه. إذاً فيه تعبدية مضاعفة ومشددة وتعبدية ممزوجة بالتوصلي. إذا كان عندنا الترديد في التعبدية بمعنى قصد الامر او التوصلي يأتي بحث آخر من التعبدي بالمعنى الثاني هل التعبدي بالمعنى الأول الأصل فيه أن يكون تعبديا بالمعنى الثاني أيضا أو لا، أن التعبدي بالمعنى الأول الذي أخذ فيه قصد الامر ليس الأصل فيه أن يكون تعبديا بالمعنى الثاني بل الأصل فيه أن يكون توصليا بالمعنى الثاني يعني يكفي في عباديته قصد أي أمر. لأنه بحث الاعلام كما سياتي: هل التعبدية والعبادية في المعنى الأول يكفي فيها أي إضافة الى الله تعالى ولا ينحصر قصد الامر الخاص المتوجه للفعل أم لا؟ محل البحث عند الاعلام. التعبدية بالمعنى الأول بين الاعلام فيه اختلاف. هل يكفي في التعبدية بالمعنى الأول قصد المصلحة او قصد أنه راجح او قصد أنه محبوب لله؟ فلاحظ نفس التعبدية بالمعنى الأول بحثوا فيها أنها تعبدية بالمعنى الثاني أو توصلية مع أنها مفروغ عن وجود الأدلة للتعبدية بالمعنى الأول. إذًا للتعبدية بالمعنى الأول شأن والتعبدية بالمعنى الثاني شأن آخر. وهو التشدد في التعبدية بالمعنى الأول أن يكون العبادية والخضوع حصرا منبعثا من الامر الذي تعلق بالفعل، فهل الأصل في الامر العبادي الأول أن يكون هو أمرا تعبديا ثانيا يعني لا تتحقق العبادية إلا بالانبعاث من الامر الى نفسه. هل المعنى التعبدي الأول تعبدي مخفف او تعبدي مشدد.

الشخص الذي يصوم أو يصلي عن الميت مثلا ينوي الصوم او الصلاة بقصد الامر الايجاري مع أن هذا الامر امر معاملي لكن أي امر الهي إذا قصد تتحقق منه العبادية بالمعنى العام الأول وإن لم تتحقق العبادية بالمعنى الثاني. وهذا بحث جرى عند الاعمال أن الصلاة الاستيجارية او الصوم او الحج هل يصوغ للاجير ان يقصد الامر الايجاري ام لا؟ مثلا بعض استشكل ان الامر الايجاري توصلي فكيف يحقق العبادية والبعض أجاب كل امر توصلي يمكن أن يكون باعثا عباديا إذا قصد. مثلا النفقة على الزوجين او الوالدين أمر إلزامي لكنه توصلي ليس من الضروري ان يأتي به الانسان تعبديا لكنه لو أتى به بقصد امتثال امر الله بالنفقة يقع عبادة فهذا الأمر التوصلي ينقلب ويتحول الى التعبدي.

معنى الامر التوصلي ماذا؟ ما هو معنى الامر التوصلي الأول في قبال الامر التعبدي؟ انه في سقوطه لا يحتاج الى الامتثال والخضوع والانقياد بل في سقوطه يسقط بالأداء. ذكر ان المسقطات اربع. وهناك فرق جوهري بين الأداء والامتثال والأداء ليس امتثالا. كل امتثال هو أداء وليس كل أداء هو الامتثال بل الأداء أعم. التوصلي يمكن ان يسقط بأي مسقطات. هذا توصلي بالمعنى الأول ولايشترط فيه الخضوع والانبعاث عن امر الله.

أما التوصلي بالمعنى الثاني في مقابل التعبدي بالمعنى الثاني لابد ان يكون الفعل عباديا ولكن ليس عباديته حصرا منبعثا ومتولدا من نفس الامر بل يمكن من أمر أجنبي آخر. هذا توصلي بالمعنى الثاني، فكثير من الاعلام أفتوا في باب الصلاة الاستيجارية عن الميت او الصوم أنه يصوغ ان ينوي امرا اجنبيا آخر وأي أمر أجنبي آخر إذا امتثل وانقيد به يتحقق العبادية. سيأتي في بحث التعبدي والتوصلي مفصلا هذه فهرسة وأهم من البحوث التفصيلية.

الكثير من الاعلام قالوا: كل تعبدي بالمعنى الأول لابد ان يكون تعبديا بالمعنى الثاني إلا ما دل عليه الدليل. بأي صياغة؟ قال أي امر عبادي لا تتحقق عباديته إلا بالانبعاث من المكلف من نفس الامر الذي تعلق بالفعل كل أمر عبادي بالمعنى الأول له حظ من العبادية والخضوع والانقياد وأن لا يتمرد العبد عليه. على هذا التقريب كل أمر عبادي بالمعنى الأول الذي له حظ من الخضوع والانقياد هذا تقريب أن العبادي بالمعنى الأول لابد أن يكون عباديا بالمعنى الثاني يعني الخضوع والانقياد لابد ان ينبعث منه لا من الامر الأجنبي الشرعي. كأنما هذا المكلف مثول عنده أمام الامر الايجاري لا الأمر الذي تعلق بالصلاة نفسه وعنده نوع من التمرد أمام الامر الذي تعلق بالصلاة نفسها. البعض هكذا قرروا.

فإذاً هذا البحث دقيق أن نلتفت الى ان المعنى الأول التعبدي يختلف عن المعنى الثاني. التوصلية بالمعنى الثاني تجتمع مع العبادية بالمعنى الأول. ليس فقط تجتمع بل هي مع فرض التعبدية بالمعنى الأول فإذاً هناك فرق بين التعبدية بالمعنى الأول او المعنى الثاني او التوصلية بالمعنى الأول او المعنى الثاني. هذا بحث في اقسام التبعدي والتوصلي.

من البحوث الفهرسية أيضا قبل ان ندخل في التفاصيل

أثار الميرزا النائيني رحمه‌الله ربما هو من أكثر الاعلام تفصيلا في البحث بقلم السيد الخوئي في اجود التقريرات. هذه الاثارة حول التعبدي والتوصلي بمعانيها السبعة وفيه معاني أكثر في المعاني التي يستعملها الوحي. من اشتباهات الفلاسفة ضد الأنبياء أنهم لم يفطنوا الى معاني التبعدي. بناؤهم على أن التعبدي معنى واحد. كما ان التفسير لا يسأل عما يفعل وهم يسألون يفسر بمعاني خاطئة نفس السؤال له معاني عديدة. إن سألت مستفهما او مستنكرا او تشكيكا او جحودا دواعي السؤال مختلفة فيتنوع السؤال بحسبه. تارة السؤال متمحض في التعلم فليس فيه ذم. الكلام في الدواعي غير التعلم. ليس الكلام في السؤال بل الكلام في ماوراء السؤال. المقصود ان معاني التعبدي والتوصلي التي اثارها الميرزا كثيرة يجب ان يتلفت اليها. أثار النائيني إثارة مثمرة في أبواب الفقه. وهي أنهم قالوا إن التزمنا بالتعبدية في كل المعاني الستة والسبعة والتزمنا ان الأصل في الواجب والمأمور به والأمر ان يكون تعبديا بالمعاني السبعة او ستة لاجل الظهور الخاص او العام او الأصل العملي، لكن هناك بحث آخر ولو بنينا على التعبدية بالمعاني السبعة هناك بحث آخر يقول ما هو الأصل الأولي في المصلحة الشرعية في الواجب والامر؟ ليس من الضروري التلازم بين التعبدية بكل معانيها وهذا البحث. التعبدية لها شأن والمصلحة لها شأن آخر وهذا بنى عليه المشهور.

مثلا على هذا التصور دائرة المصلحة أوسع من دائرة المامور به والمأمور به شرعا أضيق من دائرة مصلحة الفعل التي انبعث تشريع الأمر منها. هذا البحث حساس لأن له ثمرة في أبواب الفقه إن الاعلام في أبواب الفقه والأصول على أن المصلحة إذا تحققت سقط الامر وإن لم يكن امتثالا للأمر لكنه أداء ففرق بين دائرة المأمور به ودائرة المصلحة. المصلحة حسب هذه الإثارة ليست مناطة بالأمر وشئونه لا الامر الظاهري ولا الامر الواقعي تشريع متن الثبوت. هذا بحث عجيب ومهم. هذه زاوية من زوايا ونافذة من نوافذ مراحل الحكم الواحد والامر الواحد. يقول الميرزا المصلحة تناط بالفعل لا بوصف أنه مأمور به ولا بوصف أنه قد تعلق به الامر. هذا استظهار بديع. الأصل في المصلحة التي ينشأ منها الامر الذي يتعلق بالفعل أن تدور عنوان ماهية الفعل لا بقيد انه قد تعلق به الامر ولا بوصف انه مأمور به بل بوصف أنه صلاة او انه طهارة او انه طواف او انه حج. هو في نفسه فيه المصلحة فمن ثم أمر به الشارع. ثبوتا هكذا. فإذًا المصلحة غير منوطة بالأمر المتعلق بالفعل بل منوطة بنفس الفعل. بنى على هذا المشهور.

اذا أيها الباحث في يوميات الاستنباط في الفقه والأصول انتبه أن مراحل الحكم عديدة. الحكم في مرحلة المصلحة غير منوطة بالامر فعلية الامر او شأنية الامر او انشائية الامر. فإذاً لدينافي الحكم. مصلحة الحكم والامر الانشائي والامر الفعلي والفاعلي والمنجز. الميرزا النائيني في نصف عمره الأول كان مشهوريا وفي النصف الأخير عدل عن المشهور. أيا ما كان فإذًا مراحل الحكم متعددة. مصلحة الحكم شيئ بعد ذلك الامر الانشائي والفعلي والفاعلي والحكم له مراحل وهذه من البحوث النخاعية التي يثيرها الاصوليون في بحث مقدمة الواجب. هنا شيئا ما اثاره النائيني. معاني التعبدية والتوصلي الستة او السبعة هذه المعاني في الامر لا في المصلحة بل المصلحة أوسع.

وللكلام تتمة ان شاء الله تعالى