44/03/07
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ التعبدي والتوصلي
معنى التعبدي المشدد والتوصلي
كان الكلام في معاني التعبدي والتوصلي وفي مقتضى القاعدة عند الدوران بين التعبدي والتوصلي.
المعنى الأول للتعبدي هو أخذ قصد الأمر وسيأتي البحث عنه أخيرا وهو المعنى المعهود في التعبدي والتوصلي.
المعنى الثاني هو أخذ عدم فعل الغير وأخذ المباشرة والتوصلي بمعنى أنه يؤدّى بالمباشرة وبفعل الغير والمعنى الثالث هو الدوران بين المباشرة والنيابة والاستنابة والمعنى الرابع هو الإتيان به إراديا واختياريا أو اعم من الإرادة والاختيار والمعنى الخامس هو أن لا يأتى به في مصداق الحرام والتوصلي أعم من أن يأتى به في مصداق الحرام والحلال. فهذه جملة من معاني التعبدي وفي مقابلها معاني التوصلي.
مر بنا أن الميرزا النائيني أثار نكتة لطيفة وهي أن المصلحة الكاملة في الواجب هل هي خاصة بالتعبدي أو التوصلي لو شك في ذلك؟
كما مر معاني التعبدي في مقابل التوصلي تجتمع مع التوصلي بالمعنى الأول. التوصلي بالمعنى الأول يعني أن لا يؤخذ فيه قصد الأمر فهذا المعنى الأول في التوصلي يمكن أن يكون تعبديا أو توصليا بالمعاني الأخرى.
يعني أن البحث في المقام هو البحث عن دوران المأمور به بين التعبدي والتوصلي بالمعنى الثاني أو الثالث وهلم جرا. فماذا عن دوران مسقط الواجب؟ لأنه فرق بين الواجب وبين المسقط للواجب. فهنا تساؤل في مقام آخر، المسقط للواجب قد يكون دائرته أعم من المأمور به. هذه نكتة مهمة. نفس هذه الاثارة مبحث صناعي مهم.
بعبارة؛ لدينا اربع عناوين؛ أداء الواجب والمسقط له وامتثاله وانتفاء الموضوع. يعني يزول الواجب والوجوب أو الأمر أو المأمور بعدة خيارات إما بانتفاء الموضوع فيزول وجوب الواجب أو بالمسقط او بالأداء أو بالامتثال. مبحث الإجزاء تعرضنا اليه بمناسبة هو هذا المبحث. في مبحث الإجزاء هناك أيضا يبحثون عن المزيل للوجوب والواجب أنه إما بانتفاء الموضوع او المسقط او الأداء او الامتثال وهذه نكتة مهمة أن الانسان يفرّق بين هذه الأربعة.
الامتثال هو أن ينبعث المكلف في أداء الواجب من الأمر والأداء أن لا ينبعث المكلف في إتيان المأمور به من الأمر الخاص الذي تعلق بالمأمور به، لأنه لم ينبعث انقيادا من الامر الذي تعلق بالمأمور به. هذا معنى آخر للتعبدي والتوصلي الذي لم يذكره الاعلام ولابد أن نذكرها بعد.
لنفترض أن الواجب تعبدي بالمعنى الأول بمعنى أخذ قصد الأمر فيه، لكن هذا الواجب الذي أخذ فيه قصد الأمر قد يأتي به الانسان بداعي أمر إلهي آخر، فهل يسقط أم لا؟ إذا سقط فهو توصلي وإذا لم يسقط فهو تعبدي بتعبدية مضاعفة أو تعبدية متشددة. مثلا إن الصلاة هي عبادة بمعنى أخذ قصد الأمر فيها، إذا لا يسقط الامر بالصلاة إلا بقصد الامر الذي تعلق بها حصرا فيسمّونها تعبدية مشددة بالمعنى الأول يعني لابد أن يأتى بها بداعي الأمر الذي تعلق بها حصراً، أما إذا يصح في الصلاة أن يأتى بها بداعي أمر الهي آخر فهو توصلي بهذا المعنى.
مثلا في صيام الاعتكاف بدل أن يأتى به بالأمر الذي تعلق به يأتى به بالأمر الذي تعلق بالاعتكاف أو كما هو فتوى القدماء أو مشهور القدماء إن الوضوء يأتى به بقصد أمر الصلاة لا بقصد الامر الذي تعلق بالوضوء نفسه او الغسل يأتى به بقصد الأمر بذي المقدمة كالزيارة أو قراءة القرآن أو الصلاة او أي شيء آخر. فيأتى بالغسل بداعي الأمر بذي المقدمة وليس بالأمر الذي تعلق بالغسل نفسه.
أصلا طبقات كثيرة من الفقهاء الذين عالجوا مباحث علم الكلام والمعارف في الطهارات الثلاث كأنما عندهم مفروغ عنه أن يأتى بالطهارات الثلاث بداعي الأمر الذي تعلق بذي المقدمة لا بذات المقدمة. فيأتى بالطهارات الثلاث التي هي عبادية لا بداعي الأمر الذي تعلق بها بل بداعي أمر آخر كالأمر بقراءة القران أو الطواف لأن الأمر بذي المقدمة أمر آخر غير الأمر بالمقدمة.
أحد معاني التعبدي والتوصلي الذي له لصيق بالمعنى الأول هو هذا المعنى، أن التعبدي هو أن يأتى بالعبادة بقصد الأمر حصرا بالأمر الذي تعلق بالمأمور به نفسه، لا بأمر آخر ولو أمر إلهي. فلابد أن ينبعث من الامر الذي تعلق بالمأمور به حصرا ولو أتي بها بداعي الأمر الذي تعلق بالغاية لا تصح عبادة.
هناك لَغط سيأتي في مبحث مقدمة الواجب؛ هل عبادية الطهارات الثلاث نابعة من الأمر بغاياتها يعني ذي المقدمة أو عباديتها ناشئة من الأمر الذي تعلق بذاتها؟ تقريبا التحقيقات الأخيرة للأصوليين وصلت الى أن العبادية نابعة من الأمر المتعلق بذات الطهارات الثلاث.
ألخص الكلام: إن العمل العبادي يعني ما أخذ فيه قصد الأمر، لكن هل هو أخذ قصد الأمر بنحو مشدد يعني أنما ينبعث من الامر الذي تعلق بنفس الفعل والعبادة أو يمكن أن ينبعث من الامر الذي تعلق بالغاية؟ فتصح عبادية الوضوء إذا غفل المكلف عن الأمر الخاص والمتعلق بالوضوء وأتى به بداعي الأمر المتعلق بالغاية وهي الصلاة أو الزيارة او الطواف او شيء آخر. فيقال هذا ليس امتثالا للأمر بالوضوء بل أداء له وامتثال للأمر بالغاية كالصلاة مثلا.
لماذا هذا ليس امتثالا للأمر بالوضوء؟ لأن المكلف لم ينبعث من الأمر الخاص بالوضوء وليس خضوعا وانقيادا وانبعاثا منه. فيقال هنا أنه امتثل أمر الصلاة وأدّى أمر الوضوء. وفرق في باب الإجزاء بين أداء الأمر والمأمور به والواجب وبين امتثاله.
إذاً هناك نكتة نفيسة بين الأصوليين وهي الفرق بين الأداء والامتثال. إذا كان الواجب العبادي لا يسقط بالأداء يقال هذا تعبدي مشدد أي المضاعف، يعني لابد أن ينبعث من الأمر الخاص بالفعل نفسه بخلاف الأداء.
مثال آخر: في مبحث الإجارة في العبادات لو أتى بالصلاة الاستيجارية لا بداعي الأمر المتوجه الى الميت بل أتاه بداعي الأمر الايجاري فهل تصح الصلاة؟ فيه كلام عند الأعلام. تارة يأتي بالحج نيابة أو الصلاة بداعي الامر الذي تعلق بذمة الميت والمنوب عنه هذا امتثال وتارة يأتي بداعي امتثال الأمر الايجاري هل تصح عبادته أم لا؟ فيكون امتثالا للأمر الايجاري وأداءً للأمر الذي تعلق بذمة الميت. فنلاحظ حتى العبادة التي هي بالمعنى الأول تتقوم بقصد الأمر هي قابلة لأن تمتزج بمعنى من معاني التوصلي او التعبدي المشدد. هذا مبحث أثاره الاعلام.
طبعا من باب الفائدة في هذه الأمثلة لابأس أن أذكرها. هذا التدقيق له ثمار كثيرة لا فقط في سقوط الواجب بل في الإجزاء وأنواع الإجزاء في الأبواب الفقهية فنكتة مهمة. إذاً سقوط وزوال الواجب إما بانتفاء موضوع الوجوب أو بالمسقط او الأداء او الامتثال فأربعة أمور مزيلة للوجوب والواجب أو ربما هي اكثر. لها ثمرة في بحث الإجزاء.
الإخوة مستحضرون في أذهانهم أن مشروعية الغسل بماذا؟ إذا كانت مشروعية الغسل آتية من الأمر بالغاية كالزيارة وقراءة القرآن والطواف فأنت تبحث عن الغاية هل هي موجودة او لا. أما إذا كانت مشروعيته وعبادية ناشئة من الأمر الخاص به فهذا الأمر الخاص لا يختلف بالغايات. لطيف أن متأخروا هذا العصر نقحوا هذا المطلب في الأصول لكن ليس كلهم التزموا به في الفقه. ببالي السيد الخوئي رحمهالله التزم به في الأصول بل حتى في بحث الفقه الاستدلالي التزم به أن مشروعية الغسل غير آتية من الغاية بل آتية من الأمر بنفسه. إذا بنينا أن مشروعية الغسل لم تأت من الغاية فما مانع من ذلك. في الاستدلال العلمي اعترف السيد الخوئي بذلك أن الغسل في نفسه راجح كالوضوء وهذا هو الصحيح، أن لا نحتاج في مشروعية الغسل الى وجود الغايات بل المشروعية اتية من الأمر الخاص بالغسل. هذا هو الصحيح.
طبعا في الطهارات الثلاث عباديتها بمعنى قصد الأمر ليست عبادية مشددة بل توصلي بهذا المعنى، يمكن أن يأتى بالعبادة لا بالأمر الذي تعلق بذات العبادة بل بأمر آخر شرعي. في الطهارات الثلاث تسالم عندهم على أنها توصلي بهذا المعنى.
مثال آخر ذكره الاعلام: لو كان مكلف مستطيعا للحج لكنه كان غافلا عن استطاعته للحج فأتى بالحج بداعي الاستحباب أو كان عبدا وأتى بالحج الندبي وكان المولى أعتقه وهو لا يعلم أو هو صبي أتى بالحج بداعي الاستحباب وغفل عن أنه بلغ بحسب السن وإن لم يبلغ بحسب كذا. فهذا الحج الذي اتى به بداعي الاستحباب عن نفسه هل يجزيه عن حجة الإسلام؟ فيه خلاف. وإن كان كثير من محشي العروة يقولون أنه يجزئ وهو الصحيح مع أنه لم ينبعث في إتيان حجة الإسلام عن الأمر المتعلق بحجة الإسلام بل انبعث من أمر ندبي اشتباها. هذا الأمر الندبي موجود او غير موجود بحث آخر فهل يحقق عبادية الحج؟ هل تجزي عن حجة الإسلام؟ فمن أمثال هذه الموارد كثيرة. كمن اتى أحد أنواع الحج او العمرة ثم انكشف انه أتى بحجة الإسلام او العكس، أتى به بداعي حجة الإسلام وبدا له انه ليس مستطيعا. هل يقع ندبيا أم لا؟