43/11/22
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ القضية القانونية والتعبدي والتوصلي
كان الكلام في ما قرره الميرزا النائيني رحمه الله عند دوران الأمر في كون الفعل مباشرا إراديا او يمكن تصوير أن يكون مباشرا غير إرادي او بفعل الغير من دون تسبيب، فاستدل الميرزا النائيني بلزوم حسن الواجب فعليا وفاعليا والحسن الفاعلي لا يتقرر ولا يتصور إلا إذا صدر إراديا واختياريا، أما إذا صدر بنمط غير ارادي فالحسن الفاعلي غير موجود وإن كان الحسن الفعلي مقررا ولا يختلف ولا يتخلف وهذا أيضا لو فعل الغير من دون تسبيب كذلك الحسن الفاعلي غير موجود. هذا استدلال أول للميرزا النائيني ولكن هذا الاستدلال تمت المناقشة فيه كما سيأتي.
واستدل باستدلال آخر للتعبدية مقابل التوصلي وهو أن هيئة الطلب والهيئة المحركة والباعثة من قبل الشارع إنما تحرك الإرادة للمكلف فإذا افترض عدم الإرادة فكيف يتعلق الأمر بفعل غير إرادي أو كيف يتعلق بفعل الغير من دون تسبيب؟ كيف تحرك النسبة الباعثة او الطلبية المكلف من غير إرادة ومن غير نسبة المكلف الی ذلك الفعل؟ فإذاً طبيعة النسبة الطلبية لا تتعلق بغير الفعل الارادي المباشري أو التسبيبي لا أقل أما فعل الغير من دون التسبيب او فعل الانسان نفسه من دون إرادة قهرا جبرا أو من دون الالتفات لا تتعلق النسبة الطلبية بهذا الفعل.
طبعا هذا الكلام، البحث فيه حساس جدا وكذلك الشاهد الأول الذي ذكره فالبحث فيهما حساس وليس في خصوص المقام بل في كل أبواب الأصول وفي كل أبواب الفقه. لماذا؟ حساس لأنه ليس في تقرير كون الفعل الواجب توصليا بمعاني عديدة منه او التعبدي بمعاني عديدة منه بل له ثمرة مهمة عظيمة في تحديد قالب الفعل ودائرة الفعل وسعة الفعل الذي تعلق به الوجوب وتعلق به الحكم. تحديد دائرة الفعل الذي تعلق به الحكم الوضعي او التكليفي تترتب عليه آثار في الأبواب الأصولية جلها والابواب الفقهية آثارا كثيرة جدا.
لابأس أذكر مبنی النائيني: هو يعتمد هذين الوجهين لتضييق دائرة الفعل. طبعا كلام الميرزا النائيني ليس ان الفعل الواجب دوما ودائما حدود دائرته هكذا وإنما قال فيما إذا لم يكن قرينة وشاهد خاص في البين وعنده مبنی آخر سيأتي في باب الضد وباب اجتماع الأمر والنهي وأن النهي يقتضي الفساد يوافق مشهور القدماء أن الفعل الواجب الذي يتعلق به الحكم بلحاظ الغرض أوسع دائرة من دائرة الحكم التنجيزي أو الفعلي. هذا مبنی تقريبا يتبناه. تحديد دائرة الفعل الواجب بحسب الغرض الشرعي وبحسب الملاك والمصلحة ويتبنی أن دائرته أوسع.
في مبحث اجتماع الامر والنهي ومبحث الضد ومبحث أن النهي يقتضي الفساد، تحديد دائرة الفعل الذي تعلق به الحكم مؤثر لتنقيح أبحاث تلك الأبواب لذلك هذا المبحث في نفسه مهم.
طبعا كلامنا في الحكم أو هيئة الطلب وكلامنا في الفعل الذي يتعلق به الحكم أو تتعلق به هيئة الطلب، الفعل يعبر عنه في قضية القانونية في علم الأصول او علم الفقه او علم القانون الوضعي يعبر عنه بمتعلق الحكم لأن عندهم تقسيما ثلاثيا لأضلاع القضية الشرعية أو القضية القانونية سواء الحكم التكليفي أو الحكم الوضعي. عندهم تثليث أو تربيع للقضية، الضلع الأول هو الحكم نفسه وضلع آخر متعلق الحكم وضلع آخر هو الموضوع الأصولي للحكم. الموضوع الاصولي يختلف اصطلاحا عن الموضوع اللغوي أخص مطلقا ويختلف عن الموضوع المنطقي أخص مطلقا. الموضوع الأصولي يراد به خصوص قيود الحكم الوضعي أو التكليفي فالقضية تتشكل عن ثلاثة أضلاع. هذه هندسة القضية القانونية في علم الأصول أو علم الفقه. فضلع هو الحكم والضلع الثاني هو المتعلق وليس هو موضوع الحكم بل هو الواجب والفعل الذي يتعلق به الحكم. هذا المتعلق لا له خصائص موضوع الحكم ولا له خصائص نفس الحكم بل هو بعد برأسه.
هذا التثليث إن اشتبه فيه الفقيه أو المجتهد اختلط في كل الأبواب الفقهية واختلط البحث لديه في كل الأبواب الأصولية، يعني أن أبجديات الاستنباط والاجتهاد هذا التثليث في القضية القانونية. يعني من اوليات وابجديات والف باء او مراهقة الاجتهاد أن يعرف الفاضل والباحث كيف يميز بين الحكم ومتعلق الحكم وقيود الحكم أي الموضوع الاصولي. قيود الواجب ترجع الی نفس الواجب يعني نفس المتعلق وقيود الوجوب ترجع الی نفس الوجوب. الوجوب مثال والا المراد هو الحكم التكليفي او الوضعي. عادة إذا تصل الأبحاث الی الاحكام الوضعية تصير أغمض.
مثلا أحل الله البيع صحة البيع أو الملكية في البيع ما هو موضوعها وما هو المتعلق؟ يصير الغموض اكثر. عندنا صحة البيع الحكم وملكية مسببة عن البيع حكم آخر. وليس من الضروري أن تكون القضية القانونية في صحة البيع هي نفس القضية القانونية في الملكية المتولدة من البيع. أين الأبعاد الثلاثة؛ الحكم ومتعلق الحكم وموضوع الحكم. لكل بعد شئون تختلف سنخا عن البعد الاخر وكل مبحث في الالفاظ والحجج قائم علی هذه البنية وهذه البنية هي اس الأسس وعمود الاعمدة. في الحكم الوضعي الامر يصير أكثر غموضا وقد يشتبه عند الفقيه ويسري شئون المتعلق الی الموضوع وشئون الموضوع الی المتعلق. الطهارة الخبثية أو الطهارة المعنوية هذا حكم وضعي ما هو موضوعها وما هو متعلقها؟ فمن ثم اليقظة والتنبه في الاستنباط الی القيود أمر مهم. المجتهد او الفقيه او ما يتعاطی في القضية القانونية يفرز ملف موضوع الحكم وملف متعلق الحكم ولوابسه وما يرتبط به. هذه النكات مهمة كيف تستنطق الدليل في أي باب وتميز بين هذه الابعاد. إذاً أبعاد ثلاثة.
كثير ممن يخلط في أبحاث الخمس سببه هذا وخلل الصلاة وخلل الحج وخلل البيع هذه هندسة صناعية أمّ الهندسات والف باء وأول خارطة الصناعة. الميرزا النائيني في اللباس المشكوك من جهد المركّز المركزي علی تمييز هذه الابعاد وفيه بحوث غامضة جدا تطرق به النائيني. ومر خصوصا الأحكام الوضعية يصير الغموض فيه أكثر وجملة من الاحكام التكليفية في جملة من الأبواب. طبعا مع احترامنا للقانونيين الاكادميين كثير في غفلة من هذه الأبحاث. الدمج بينها خطأ كبير.
سيأتي كلام الميرزا النائيني البديع وهو يذكر خلاصات جهود الأصوليين في كيفية تمييز هذه الابعاد الثلاثة وآثارها
البعد الرابع يذكره الأصوليون في القضية القانونية قد يكون موجودا وقد لا يكون هو بعد متعلق المتعلق وترامي المتعلق. مثلا المتعلق الصلاة الواجبة والوجوب تعلق بالصلاة وذات الصلاة ليست وجوبا بل هي واجبة وتعلق الوجوب بها. دلوك الشمس قيد الوجوب وغسق الليل وقرآن الفجر قيود الوجوب. الموضوع الأصولي أخص مطلقا من الموضوع اللغوي والموضوع المنطقي. البعد الرابع متعلق المتعلق. مثل عين القبلة وعين الكعبة الشريفة يعبرون عنه متعلق المتعلق. أو نفس ذات الوقت.
الوقت أو الأوقات؟ اليس مر بنا ان الوقت من قيود الوجوب؟ كيف يصير متعلق المتعلق؟ هنا بحث الاصوليون في خلل الصلاة أن عندنا وقتا هو قيد الوجوب وعندنا وقتا هو قيد الواجب. إذا لم يميز الباحث في خلل الصلاة وخلل الحج بين الوقت الذي هو قيد الوجوب والوقت الذي هو قيد الواجب يشكل عليه كثير من أبحاث الخلل فالوقت له شاكلتان شاكلة مأخوذة قيد الوجوب وشاكلة مأخوذة قيد الواجب. هذه الأبحاث من الان الی آخر الدورة الأصولية كلها تدور مدار هذا البحث. هذا البحث يتدخل في كل الأبحاث. فنحن الان في البعد الرابع متعلق المتعلق.
الوقت إن أريد به أصل حدوث الزوال يكون قيد الوجوب وكذلك أصل حدوث الغسق وأصل حدوث الفجر يكون قيد الوجوب وموضوعا. أما إذا أريد منها ظرف زماني مستمر الی حد معين فيكون قيد الواجب، لأن صلاة الظهر والعصر مرهونة صحتها بين الحدين هذا قيد الواجب وليس قيد الوجوب. كذلك صلاة الصبح بين الطلوعين ظرف ممتد ومحدود قيد الواجب أما أصل حدوث الفجر قيد الوجوب. إذاً وقتان وشاكلتان من الوقت. كذلك المغربان أصل حدوث غسق الليل قيد الوجوب والظرف الممتد من غسق الليل الی الزوال قيد الواجب وليس قيد الوجوب. خذ وميز في وقت الحج؛ الحج أشهر معلومات. أي قيد هو قيد الوجوب وأي قيد هو قيد الواجب؟ إذاً حتی البعد الرابع في القضية متعلق المتعلق يجب التمييز بين المتعلق وبين متعلق المتعلق. هذه الأبحاث أوليات ضرورية أساسية لبناء أي منظومة فقهية. الان ذكرنا خارطة إجمالية نقلناها عن الأصوليين.
نرجع الی كلام الميرزا النائيني وانصافا هو في هذا المجال أدق الاعلام والبقية استفادوا من مداقته. الميرزا النائيني نقلنا عنها بغض النظر عن صحة أمتثلته يقول حدود الفعل يعني المتعلق بلحاظ الغرض أوسع من المتعلق بلحاظ تعلق الحكم به. كيف معناه في ضوء الابعاد الثلاثة؟ يعني هذه القضية التي مرت بنا تارة نرسمها علی صعيد الملاك وتارة علی صعيد الحكم الإنشائي وتارة علی صعيد الحكم الفعلي لأن الحكم الشرعي له مراحل. هل هذه هندسة واحدة في كل مرحلة أم تختلف. نكتة جدا حساسة ومهمة وإذا خلط الباحث في الاجتهاد فيها خبط وخلط.