43/11/21
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ مقتضی الأصول اللفظية وأنواع التعبدي والتوصلي
كان الكلام في أنواع التعبدي والتوصلي. إذا شك في أخذ الواجب بأي من أنواعهما، قصد القربة او عدم قصد القربة هو المعنی المعهود وسيأتي البحث فيه ان شاء الله تعالی. المعاني الأخری أنه يأتي به مباشرة او يأتي به استنابة او لو فعل له الغير من دون استنابة او أن الفعل صدر منه من غير إرادة واختيار او ان الفعل صدر في فرض محرّم فهذا مجزئ او غير مجزئ فإذاً صور متعددة؛ التعبدي أن لا يقع في محرم و التعبدي أن يكون بإرادة والتعبدي ان يكون فعلا مباشرة ولا يكون فعلا استنابيا وفي مقابل التعبدي التوصلي.
الكلام لو كان هناك ظهور في مادة الفعل والاسناد فيأخذ به وإنما الكلام في ما إذا حصل التردد وليس هناك ظهور خاص للإسناد او للمادة أو لقرائن الحال الملابسة فحينئذ مقتضی الأصول اللفظية هل هو التعبدي او التوصلي وكذلك ما هو مقتضی الأصول العملية؟ وهذا محل الابتلاء في المعاملات والعبادات وباب الطهارة وباب الديات والغرامات وابواب عديدة. فإذاً ليس المقصود من التعبدي والتوصلي بالمعاني الاخری هو التعبدي وا لتوصلي في باب العبادات المعهود بل هذه المعاني تجري في المعاملات والايقاعات وباب الطهارة والقضاء والديات والقصاص بحوث سارية في كل الأبواب لأن هذه المعاني ما عدا قصد القربة وإنما المخصوص بالعبادات المعهودة هو قصد القربة. فإذاً هذه المعاني محل الابتلاء.
نظير ما ذكره الاعلام قد يكون شيئ تعبديا بمعنی قصد القربة ولكنه توصلي بالمعاني الاخری مثل صلاة الميت، صلاة الميت تعبدي بمعني قصد القربة لكنها توصلية بالمعاني الاخری. أولياء الميت يجب عليهم عينا سيما الولد الأكبر تجهيز الميت منه صلاة الميت لكنه لو تبرع متبرع من دون استئذان وأمر وصلی صلاة الميت يسقط التكليف بوجوب صلاة الميت لأنها توصلية بالمعاني الاخری وإن كان بالنسبة الی قصد القربة تعبدية. فيمكن أن يكون العبادة من جهة مأخوذ فيها قصد القربة لكن من جهات أخری توصلي. لابد من الالتفات الی ذلك
بالتالي ما هو مقتضی الأصول اللفظية؟ أمس أشرنا الی منهجين في الاستظهار منهج أن الانسان يستظهر بشكل إجمالي وحدسي ويقول أن الظهور هكذا. إجمالا لا مانع منها لكنه هل يكفي؟ وهناك استظهار تحليلي وفق وجوه الاعراب النحوي والأعاريب النحوية علی طبق الوجوه الصرفية والبلاغية والمعاني وأبواب متعددة من حيث يمشي خطوة خطوة لأن كل قاعدة من قواعد العلوم الأدبية تعطي معنی لمن يتمرس وبالتالي هذه العناصر ينضدها وينظمها ويستنتج معنی مجموعيا إجماليا. هذه يعبر عنه المنهج التحليلي في الظهور وكلا المنهجيان سديدان لكن لابد من توافق المنهجين.
المنهج الأول يقال له العارضة الأدبية والعارضة الفقهية إذا كان عنده استنتاج اجمالي لكنه لابد من توافق النتيجتين والا يكون هناك خلل في الاستنتاج ولابد من التثبت والتحليل والفحص الأكثر
فائدة الاستظهار التحليلي كثيرة أنه يقنع الاخرين إذا أرادوا ان يطلعوا علی الشواهد والأدلة وأيضا الانسان علی بصيرة ويستنتج لا بنحو الإجمال والإبهام والغامض الذي لايعرف المنشأ وإن كان الاستظهار الإجمالي ليس بخطأ لكنه ليس بكل الصحيح، طبعا ليس فقط في العلوم اللغوية والأدبية هذا حتی في الاستنتاج في العلوم الرياضية او الفيزيائية او أي علم من العلوم تارة يستنتج الباحث بشكل إجمالي حدسي يعني بالإبهام.
أحد الفضلاء يريد أن يدخل قناعات علم أصول الفقه في جهاز محاسبي بحيث تستخرج النتيجة. هذا الاستنتاج الذي يتم بالذكاء الصناعي استنتاج اجمالي وتفصيلي، إجمالي لأنه بسرعة وتفصيلي لأنه يتم عبر قواعد طبعا هذا الذكاء الصناعي لايبلغ خلاقية فكر الانسان مهما يكون. هذه فكرة اصلية لحوسبة علوم الحوزة بالذكاء الصناعي. هذا الذي بين أيدينا نظام الفحص ونظام التتبع لكن نظام الاستنتاج لم يدخل بعد ويمكن إدخاله. نرجع الی المنهج الإجمالي والمنهج التفصيلي
هذان المنهجان الإجمالي والتفصيلي ليس في العلوم اللغوية والأدبية فقط بل في كل العلوم الانسان بطبيعته عنده قوة الحدس وعنده قوة الفكر التفصيلي كما يقول صاحب الفصول الانسان عنده هذان المنهجان في كل العلوم. لذلك كنا أمس في تحليل الظهور في المادة نفسها التي هي متعلق الامر وفي إسناد هيئة الطلب للمادة فقد يكون الظهور او المتن وبنية الظهور للجملة والفقرة قد يكون من جانب الدليل ليس فيه اجمال لكن من جانب أخر فيه إجمال وممكن، فالظهور الواحد اجمالي من بعض الحيثيات ومبين من جهات اخری وبالتحليل التفصيلي يمكن للباحث ان يتثبت اين الاجمال وأين التبيان والبيان في الدليل وهذا من عناصر التحليل التفصيلي وطبعا من فوائد التحليلي التفصيلي سواء في العلوم اللغوية او في العلوم الرياضية لأن علم الفقه من العلوم الرياضية بلحاظ المعادلات يعني ما وراء الالفاظ يوجد منظومة المعاني ومنظومة المعاني اشبه بالمعادلات الرياضية التنسيق والتنظيم بينها. علی أي حال البحث التفصيلي من فوائده أن يثبت الانسان خطواته بالبصيرة وإذا دونها الانسان يمكن بعد عشرين سنة او أربعين سنة ان يرجع الی هذه الشواهد فلها فوائد. فهنا أمس في المقام هكذا مر
دعوني اذكر كلام الميرزا النائيني الذي ينقل عنه السيد الخوئي، يقول في معنيين من معاني التوصلي والتعبدي وهو صدور الفعل من دون إرادة وصدور الفعل من الغير من دون امر واستنابة معنيان الميرزا النائيني استدل لهذين القسمين للتعبدي كأصل لفظي بقرينة عقلية وقال يشترط في الفعل المكلف به الانسان ان يكون فيه حسن فعلي وفاعلي سيما في العبادات إذا كان قصد القربة. كلامنا ليس في قصد القربة بل في خصوص الفعل الارادي او غير الارادي وفعل صدر من الغير من دون امر واستنابة، فيستدل الميرزا بقرينتين القرينة الاولی أنه لابد من حسن فعلي وفاعلي في الفعل الواجب لاسيما إذا كان فيه قصد القربة.
ربطه بالمقام أنه إذا لم يكن فعلا اراديا فليس فيه الحسن الفاعلي، الحسن الفاعلي هو الذي صدر بإرادة من الانسان أما إذا لم يحصل الفعل بإرادة من الانسان فليس فيه الحسن الفاعلي. فإذًا مقتضی الصيغة الطلبية والوجوبية او الاستحبابية هو التعبدية بهذا المعني يعني أن يكون فعلا اراديا لا يصدر من الانسان بدون إرادة ومن الغير من دون استنابة وامر. هذا استدلال اول من الميرزا. وهذا الاستدلال استدل به في موارد عديدة.
ولكن هذا الاستشهاد نوقش بأن الحسن الفعلي لابد منه في الواجبات بناء علی العدلية أن الله عزوجل لابد ان يأمر بما هو حسن سواء الفعل كان فيه قصد القربة او لم يكن فيه قصد القربة. أما الحسن الفاعلي فما مراد الميرزا؟ ان كان المراد من الحسن الفاعلي أن يأتي بقصد القربة فنحن كلامنا في المعاني الاخری من التعبدي وإن كان حسن الفاعلي بمعنی أن يكون إراديا ليمتدح الفاعل فأول الكلام، من قال أن الفعل الحسن في الحسن الفعلي لابد ان يحصل من الفاعل اراديا؟ جملة من الأفعال الكثيرة في ذاتها حسنة وان لم تصدر من الانسان اراديا. فلا يتوقف الحسن الفعلي علی الفاعلي فحينئذ لماذا لا يكون الوجوب بلحاظ حسن الفعل في نفسه؟
بعبارة اخری هنا نقطة مهمة لابد أن اوضحها؛ النقطة المهمة التي يجب ان يلتفت اليه في هذين القسمين او الأقسام الاخری او حتی قصد القربة، هذه النقطة ذكرها المتكلمون وذكرها الفقهاء وذكرها المفسرون والاصوليون أن الوجوب والواجب والأمر والمأمور به يسقط بأنحاء وأنواع او بمراتب او بأنماط او بأقسام ما شئت فعبر.
قسم يسقط بالامتثال وقسم يسقط بنحو الأداء وقسم يسقط بحصول الغرض وقسم يسقط بالمعصية وقسم يسقط بزوال الموضوع الأصولي يعني قيود الوجوب خمسة أنحاء لزوال او لسقوط أمد الوجوب. ما الفرق بين هذه الخمسة؟ هذا بحث في كل علم الأصول مؤثر وبحثنا في التعبدي و التوصلي في المسقطات.
في الامتثال يقولون أن المثول يستعمل بمعنی الحضور. اذهب وامتثل وكن ماثلا عند المولی أو عند الرئيس. حضور العبد عند رضی وإرادة المولی يعني يأتي بالفعل بداعي الامر سواء الفعل من العبادات او من التوصليات مثلا وجوب النفقة علی الزوج تارة يعطي الزوج نفقات الزوجة طيلة حيات الزوجية ولا يعلم أن هناك وجوبا من الشارع في هذا المجال فهنا انبعاث الزوج من باب فطرة الخير او العشرة او القانون الوضعي هنا إعطائه النفقة يقولون أنه أداء وليس امتثالا لأنه في الحقيقة لم يكن ماثلا ومنقادا عند آمرية الآمر وإرادة المولی الشرعي. هذا يعبرون عنه الأداء وليس امتثالا فكل التوصليات المعهودة في مقابل العبادات إذا أتي بها لا انبعاثا عن الامر الشرعي تسمی أداء. والأداء في عرف الفقهاء والمتكلمين والفلاسفة والعلوم الاخری يسقط العقوبة ولايستحق به المكلف الثواب. تفضل المولی بحث آخر. عدة ميزات في الأداء أنه لايكون انبعاثا عن أمر المولی لكنه تطابق فعلي للمأمور به وليس تطابقا فاعليا.