الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/11/15

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ هيئة الأمر وأبعادها في الوجوب

مر بنا إجمالا بحث العقوبة لأنها بحث تصوير العقاب والعقوبة ومرتبط بالوجوب والإلزام، من ثم يضطر علم الأصول للبحث في العقوبة وتصويرها.

يقع الكلام في هيئة الأمر سواء افعل او ليفعل او جملة خبرية تأتي لام الأمر عليها او بقية الهيئات التي تستعمل في الامر، ما هو مفادها وضعا أولا وما هو مفاد استعمالها ثانيا و كيفية استفادة الوجوب ثالثا. تقريبا مراحل البحث فيها عين مراحل البحث في مادة الامر وعندما ينتهون في هذا المقام عن هذا البحث يدخلون في استعمال الجملة الخبرية في الانشاء يعني الجملة التي هي في الأساس وضعت للإخبار وضعا واستعملت في الانشاء، كيف يتم هذا الاستعمال وكيف يتم الدلالة علی الوجوب؟ محل بحث عند الاعلام لأن النراقي عنده مبنی أن الجمل الخبرية التي تستعمل في مقام الانشاء لا تدل علی الوجوب إلا إذا كانت هناك قرينة خاصة وإنما تدل علی مجرد الطلب. هذا بحث حساس لورود الجملة الخبرية في مقام الانشاء في أكثر أبواب الفقه معهود ويلزم من ذلك ثمرات كثيرة أو نتائج حساسة.

أما بالنسبة الي البحث الأول والمقام الأول في معاني هيئات صيغة الامر وضعا: ذكرت معاني كثيرة جدا لهيئة الطلب او هيئة فعل الأمر تقريبا تسعة معاني ذكرت لها بحسب أنواع الإنشاء كالدعاء والتمني والاستهزاء والطلب وغيرها من أنواع الانشاء المعروفة في علم المعاني.

بعدد هذه المعاني ذكرت أنها معاني لهيئة الأمر. المرحوم الآخوند قال: في الحقيقة هذه دواعي ليست معاني لهيئة الامر وإنما المعنی واحد وهذه من قبيل دواعي الطلب وليست من قبيل المعاني لهيئة الامر أو هيئات الأمر وهيئات الامر غير مستعملة في الدواعي ولا مستعملة في الطلب بقيد أحد هذه الدواعي. فالمقصود أنه يقول ليس هذه المعاني مستعملة فيها ولا المستعمل فيها الطلب المقيد بقيدها لأن التقييد قد يكون بنحو القضية الحينية او القضية الدائمية او عنوان المشير او ضيق الملاك أربع وجوه أو أنحاء ذكرها الأعلام ويشير اليه صاحب الكفاية لأن القضية الحينية تختلف عن القضية الشرطية. فيقول ليس مأخوذا بهذا النحو هذه الدواعي. هذا مسلك الاخوند والأكثر ربما يقولون بهذا الشيء او الكثير ان لم يكن اكثر.

يبقی المعنی الاستعمالي والمعنی التفهيمي والجدي. في المعنی الاستعمالي: يكون دعاء إذا كان من الداني الی العالي ومن المساوي للمساوي يعبر عنه الالتماس و من العالي الی الداني يسمی الأمر، فهيئة الامر وهيئات الطلب تأخذ عناوين ومصاديق وهل الهيئة وضعت للنسبة الطلبية او للنسبة الباعثية او الباعثة او المحركة الكلام الكلام في ما مر بنا في مادة الامر والصحيح أنها وضعت للنسبة الباعثة والمحركة وهي مصداق الطلب ونوع من التصدي. هذا أيضا جانب

وإن كان بعض الأصوليين وبعض البلاغيين وبعض اللغويين قالوا إن هيئات الطلب تستخدم في هيئة الترجي ونسبة التمني ونسبة الدعاء ونسبة الاستهزاء ونسبة التهديد و التحدي أنواع الانشاء لكن الصحيح أن هذه المعاني لم تستعمل فيها هيئة الطلب او الهيئة الباعثة، بل هذه دواعي.

زاوية ثالثة بحثها الأعلام في المقام قالوا هذه الدواعي المختلفة اذا استعملها الباري تعالی وهو ليست له نفس او روح تنزه الباري عن أن يقال له روح او له نفس. هو خالق النفوس فتعبير القدماء من الفلاسفة بأن الله روح الأرواح هذا ليس مدحا، يظنونه مدحا لكنه نقص والله تعالی فوق ذلك لأن الروح فيها نواقص وفيها العجز. فبالتالي هذه الدواعي التسعة كيف تتصور في الباري تعالی؟ في القرآن الكريم استعملت هذه الحالات النفسية «فلما اسفونا» «غضب الله عليهم» «انتقمنا منهم» من هذا القبيل. فهذا تفسيره ماذا؟ لاأن الله تعالی ليس له نفس فكيف يوصف بحالات نفسية؟ هو منزه عن الحالات النفسية فكيف يمكن تفسيره؟

فيجاب في علم الكلام والعلوم الأخری أن عباد الله المكرمون والمصطفون هؤلاء خلفاء الله نفوسهم بمثابة نفس الله كما يقال عيسی روح الله يعني روح مضاف اليه إضافة التشرف الی الذات الإلهية مثل ما يقال وجه الله وإنما وجه لشرافته يضاف الی الله تعالی كبيت الله تعالی إضافة تشريفية. روح الله عين الله يد الله و أعيننا هذه عناوين كلها ذكرت في القرآن والله تعالی منزه عن الروح والنفس والعين واليد والوجه وهلم جرا.

هذه الاوصاف كوجه الله وعين الله وروح الله وجنب الله دون الأسماء الإلهية وفوق العرش أو دون العرش. طبعا الأسماء الإلهية طبقات حتی المجرد منها طبقات. ما بين العرش وعالم الأسماء عوالم وهذه العوالم تسمی من حيثية أسماء الهية مثلا نفس العرش من جهة هو عرش الله كتعبير القرآن رب العرش العظيم ومن جهة اسم الله.

هناك عالم في الأسماء متمحض في الاسمية. هذا هو مجرد في تقسيم عالم الأسماء ما بين هذا العالم المتمحض في الإسمية والعرش عوالم وأقسام عوالم، هذه الأقسام من العوالم كل ما تتنزل يكون لها حيثيات متعددة. ما بعد الأسماء المجردة المتمحضة في الاسمية يأتي عوالم وجه الله وعين الله ويد الله وجنب الله وروح الله ونفس الله وإذا يأتي الی عالم الأرواح أول عالم جسماني خلقه الله حسب بيانات الوحي ولايدرك ذلك بشر قط وفوق عالم العقل وهو فوق العرش وهو أول عالم روحاني. كيف بحث آخر. بحثه في مكانه المهم أنه فوق العرش وبينه وبين العرش عوالم المهم هذه أسماء الله تطلق علی العوالم المادون حتی ما دون العرش يطلق عليه أسماء الله إسم من أسماء الله لكن أسماء متنزلة. فالعرش يسمی العرش ويسمی اسم الله وهلم جرا. فإذاً طبقات الأسماء بهذا اللحاظ. فلا نظنن أن أي موجود ومخلوق هو اسم الله يعني يراد من ذلك أنه الاسم الممحض في الاسمية. بعبارة أخری لا يراد من الأسماء الإلهية والاسم الإلهي طبقة واحدة وأنه خصوص الاسم المتمحض في الاسمية بل الأسماء طبقات ودرجات. الأسماء المتمحضة في الاسمية مجردة وإلا أول جسم خلقه الله هو أول روح خلقه الله أيضا اسم الهي ولكنها ليس اسما متمحضا في الاسمية هذه فائدة يلتفت اليه ومباحث العوالم في بيانات الوحي للأسف يراد لها جهد الأجيال وقليل العمل فيه. وهذا دليل إعجاز الوحي وإعجاز هذا التراث الذي بين أيدينا.

نرجع الی ما كنا فيه: العبارات في القرآن كآسفونا وغضب الله ورضي الله كيف تسند الی الله؟ إسنادها الي جنب الله وجه الله ونفس الله كإسنادها مضافة الی الله تعالی. فانظر الی الاعجاز الموچود عند اهل البيت لم يدركه الفلاسفة والعرفاء ولا الصوفية وهذا دليل علی أن اهل البيت هم بحار غيوب علم الله لا ترديد في ذلك ولكن من لا يعي هذه المباحث أين يقيّم تراث الحديث. والا تراث الحديث معجز وهناك من لا يشم رائحة منه لأنه ليس متخصصا في المعارف بل مترجل. والازمة هنا.

إذًا رضي الله عنهم ورضوا عنه هذه الحالات من الأوصاف النفسية تسند الی روح الله ونفس الله ووجه الله وعين الله فإسنادها كإسنادها اليه تعالی، كما يقول اهل البيت إن الله لا يغضب لكن له أولياء غضبهم بمثابة غضبه ولا تطرأ عليه حالات الغضب والرضا والتغيرات.

فإذاً تفسيرها في بيان أهل البيت استعمال هيئات الطلب في التحدي والتهديد والدواعي المختلفة النفسانية بلحاظ العباد المكرمون لا بلحاظ الله تعالي فهذه المراحل للإنشاء بلحاظ أوصياء الله وخلفاء الله لا بلحاظ ذات لله تعالی. فإجراء الانشاء علی يدهم يعبر له هذه المراحل.

كما أن استعمال «كلم الله موسی» يوجد الله تعالی الكلام علی يد ملك او نبي أعلی من النبي موسی او روح أعلی من مرتبة روح النبي موسی، فإصدار الكلام منه كإصدار الكلام من الله ويسند اليه تعالی. باعتبار ان الروح من الأرواح المقدسة العظيمة من عالم الامر كلم النبي موسی فمن ثم يسند هذا الی الله تعالی لا ان الله عزوجل له كذا.

والعجب انه إذا يقال هذا الروح عظيمة ومقدسة ليس مانعا لكن لما يقال انها روح علي بن ابي طالب لا يقبلون مع انه قال عليه السلام انا الذي كلم النبي موسی ونوح.

فإذاً هذه الحالات أو الإنشاء تتصور في نفوس الأنبياء ونفوس الملائكة والاوصياء وتسند اليه تعالی.

الزاوية الرابعة: كيف يستفاد منه الوجوب؟ الكلام الكلام هل يستفاد وضعا او استعمالا او اطلاقا او بحكم العقل أربعة اقوال في مادة الامر كما مربنا. الوجوب لا يستفاد وضعا لأن هيئات الطلب يمكن أن يستخدم من الداني للعالي استعمالا حقيقيا ولا استعمالا لأن دواعي الاستعمال تختلف.

نعم مع كون المستعمل عاليا له الولاية وحق الطاعة الأصل في هذا الاستعمال أن ينتزع العقل منه الوجوب فإذا قيل أن الوجوب معنی استعمالي بهذا المعنی صحيح.

مر بنا أننا نوفّق بين القول بأنه معنی استعمالي ومعنی اطلاقي جدي ومعنی حكم العقل. يعني منشأ حكم العقل موجود وهو استعمال العالي للداني ومنشأ الاطلاق أيضا موجود لأن الاطلاق بعدم الترخيص يفيد الوجوب، حكم العقل أيضا صحيح لان العقل يحكم أن طلب العالي للداني ممن له حق الطاعة والولاية الوجوب. فالأقوال الثلاثة نصححها.

في مادة الامر كنا نصحح الاقوال الأربعة لكن في هيئات الطلب لا نصحح الوضع باعتبار أن الهيئات لم توضع لخصوص نمطية من الاستعمال. فإذاً كما مر بنا برمته يتأتي هنا أيضا لا حاجة للإعادة وكما مر أن المشهور عندهم الانشاء مراحل وان لم نستعرضها تفصيلا وقد تأتي بحث مقدمة الواجب.

يقع الكلام في هيئة الجملة الخبرية كيف تستخدم في الانشاء والطلب.

قبل ان ندخل في هذا المبحث نعاود التذكير علی ان الانشاء قديم او حادث؟ قديم يعني القديم قبل البعثة والتفصيل بين دائرة الدين ودائرة الشريعة أن الدين إنشاءه ليس في بعثة سيد الأنبياء. فأحكام الدين أحكام بلا شك قديمة يعني قبل بعثات الأنبياء أما الشريعة فإنشاءها حادث في بعثة سيد الأنبياء. هذه النقطة مرت بنا سابقا. تؤثر علی جميع العلوم الدينية.

يبقی الكلام الان في جملة خبرية كيف تستعمل في الانشاء وهذا البحث فيه زوايا. يقع الكلام في المعنی الذي استعملت فيه الجملة الخبرية بعد الاتفاق علی المعنی الوضعي. بعد ذلك بأتي البحث عن كيفية استفادة الوجوب من هذا الاستعمال. هذه ثلاث ابعاد في الجملة الخبرية التي تستعمل في الانشاء.