43/11/12
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الفعل الإلهي وعالم الأسماء والعوالم
كنا في البحث عن الجبر الاشعري أو الجبر الفلسفي العلية والمعلولية ومر بنا: من اعتراضات الفلاسفة علی المتكلمين أن المتكلمين يصورون فاعلية الباري تعالی ناقصة وأن لا تتم الفاعلية إلا بضميمة أمور اخری، سواء مصلحة الوقت او غيرها والوقت أيضا مخلوق. فهذا إشكالية الفلاسفة علی المتكلمين.
هذا الاشكال بما تقدم بنا أمس اجمالا يمكن دفعه من المتكلمين في الجملة لا بالجملة بأن هذه الشرائط ليست تراجع الی فاعلية الفاعل بل راجعة الی قابلية المخلوق وإذا بنينا أنها راجعة الی قابلية المخلوق مثل الأمور التي تحدث بنحو التغير باستمرار في عالم الزمان وعالم المادة أو عالم الدنيا ولم تحدث في الازل وحدثت الان وكجواب الفلاسفة أنها ليست لنقص فاعلية الباري وإنما لنقص قابلية القابل.
فيض الله عميم «يا دائم الفضل علی البرية» لكن المقصود أن هذه المتغيرات التي تحدث سببها ليس النقص في فاعلية الباري بل سببها في القابل، إذاً ليس كل ما يهيئ شرطا وإعدادا يكون نقصا في فاعلية الباري بل نقص في قابلية القابل. ففي الجملة أو إجمالا يمكن دفع الاشكال عن المتكلمين.
انما الكلام في ان هذا الجواب لا يتم في كل المخلوقات، مثلا في عالم الأسماء وهو إلی عوالم بعد عالم الأسماء وتوابع عالم الأسماء هذه موجودات ليست جسمانية ولا روحية حسب بيانات الوحي بل نور. الحياة في النور أشد من الحياة في الروح والروح قد يتصور لها ثبات «فأماته الله مأة عام ثم بعثه قال كم لبثت قال لبثت يوما او بعض يوم قال بل لبثت مأة عام» تصويرها كيف بحث آخر لكن كأنما هناك ثبات في الروح. المقصود هذا المطلب وهو أن الروح يتصور لها ثبات يعني حياتها ليست عنفوان الحيوية والحياة مثل النور والنور شيء آخر حسب بيانات الوحي وهذا بحث صعب في تراث الحديث بلغة عقلية وتكوينية ويحتاج الی جهد جهيد.
عالم الأسماء إلی اول عالم جسماني وفي الروايات أول عالم جسماني فوق فوق فوق العرش. وهو أول عالم روحاني. نذكرها فهرسة. فالمقصود أول عالم جسماني وهو أول عالم الأرواح وبينه وبين العرش عوالم عجيبة وغريبة. تقسيم عوالم الخلقة حسب بيان الوحي من عالم العرش الی عالم الجنة عوالم عجيبة ثم من عالم الجنة الی سدرة المنتهی ثم منها الی السماء السابعة ثم ثم ثم. المهم هذا تقسيم بيانات الوحي حسب ما استطعنا أن نقف عليه بتتبع محدود. فبحسب هذه البيانات هناك عالم من المخلوقات ليس جسمانيا ويكون مجردا عن الجسمانية ومجرد عن المقدار. في أصول الكافي موجود وفي غيره من التراث العظيمة التي هي فوق عقل البشر وكتب البشر.
علی كل هناك هذه العوالم ليست جسمانية وليست لها لون وزمان، هذا الكلام في قابلية القابل تقريبا يمكن أن يقال في العوالم الجسمانية صحيح كما حرر ذلك فلسفيا عقليا لكن عالم المجردات لا يحتاج الی الاستعداد ولا قابلية. فيه تكامل بحث آخر لكن لا يحتاج الی الاستعداد والقابلية لاسيما عالم الأسماء ولاسيما الطبقات الأولی من الأسماء.
كلمة «كن فيكون» من عالم الأمر الذي بنوا فلاسفة الامامية وعرفاء الامامية والصوفية وكثير من المدارس حتی الشيخ احمد الاحسائي أن «كن فيكون» من عالم المجردات. هذا خطأ. عالم المجردات ليس بنحو «كن فيكون» عالم «كن فيكون» عالم جسماني لطيف. عالم الامر وعالم الأرواح الجسمانية خلافا لما بنی عليه العلامة الطباطبائي وكثير. لم أجد من نبه عليه لكن بيانات الوحي شيء آخر. عالم الأمر بعظمته وخطورته من عالم الجسمانيات والأرواح وإشارة الی مقادير. هذه فهرسة.
أما عالم المجردات ليس «كن فيكون» بل إبداع وإنشاء. ما يقال «علم وشاء وأراد وقدر وقضی وأمضی» الإرادة والمشيئة كلها في عالم الأرواح والأجسمام أما عالم الأسماء لا المشيئة لها درب ولا الإرادة لها درب ولا التقدير ولا القضاء. هذه كلها في الأشياء الكائنة في عالم الأرواح والاجسام أما عالم المجردات ليس فيها كن فيكون بل فيها إنشاء إبداعي وليس فيها المشيئة والإرادة. فتعبير الأعلام والميرزا النائيني والسيد الخوئي ليس في محله هنا. هذا العالم ليست فيه الإرادة والمشيئة.
طبعا ليس الله تعالی فيه مجبورا وإنما عن علم وقدرة ينشئ الأسماء في هذا العالم فتصوير كلام المتكلمين ليس لها معنی. هو تعالی تام الفاعلية وبالتالي الأسماء تامة القابلية لكن مع ذلك عالم الأسماء الذي هو عالم مهول هو عالم من عوالم المخلوقات مع أنه مخلوق لكن خلوصه وإخلاصه عن أنانية المخلوق صار إسما محضا وليس يشير الی مخلوق. حاشا الاسم الإلهي أن يشرك، هو فان حكاية في الذات الإلهية. إذاً في عالم الأسماء لا يحتاج الی استعداد. نعم هو مخلوق بمعنی أنها أسماء وصفات قائمة بالذات وله الأسماء الحسنی. «له» واضح أنها مملوكة وحادثة لكن ليس كحدوث بقية المخلوقات هذا الحدوث فقط يشير الی حدوثها ومخلوقيتها، أما زيادة علی ذلك ليس فيها شرك المخلوقية «وما يؤمن أكثرهم بالله الا وهم مشركون» هذا محض التوحيد محض الاخلاص والتسبيح الأعظم فيها والتنزيه الأعظم فيها والاسماء طبقات حينئذ لم يزل الله عالما وهذه الأسماء خلق الله لها أزلي والخلق رتبي وتجلي الله بها أزلي وإن كانت هي مخلوقة وأزليتها بأزلية الله وليست الأزلية لها. الازلية ملك لله فهي أزلية بأزلية الله يعني يشير الی حدوثها.
فالمقصود هذا الذي ذكره المتكلمون أنا نحتاج الی فترة وهمية ليس فيها الخلق الامام الصادق عليه السلام يعالج هذا المطلب في أصول الكافي ببيان عقلي آخر أنها نفس الكثرة دالة علی مخلوقيتها لأن الكثرة فيها التناهي وفيها رائحة من التناهي، لكن أزيد من هذا في عالم الأسماء ليس فيها رائحة المخلوقية. لا التناهي الذي يصوره المتكلمون هذا الذي يصوره المتكلمون يناسب لعالم الاجسام لا عالم الأسماء بل الذي يصوره الفلاسفة مناسب لعالم الأسماء وهذه ليست بمعنی الجبر علی الله وإنما واجب عن الله وليس واجب علی الله. هنا بين الذات الإلهية وعالم الأسماء حاشا للاسماء ان يتوسط بينها وبين الذات الإلهية عالم المشيئة او عالم الإرادة بل هي منزهة عنهما، هي فوق المشيئة وفوق الإرادة وفوق عالم القدر وعالم القضا. لذلك «هو الله الذي لا اله الا هو عالم الغيب والشهادة هو الرحمن الرحيم» لم تكرار «هو» فيه نكات. «هو الله الذي لا اله الا هو الملك...» هذه هي الطبقة الثانية « هو الله الخالق البارئ المصور...» هذا عالم الجسمانيات والأسماء في العالم الجسمانيات بخلاف الملك القدوس فهو الأسماء في عالم الصفات بخلاف العالم في الطبقة الاولی هي الأسماء المنزهة.
فالمقصود إذاً طعن المتكلمين علی الفلاسفة ليس في محله لأن صدور هذه الأشياء عن الله تعالی صدور وبالتالي افتقار من المخلوق من الأسماء للمسمی وهي قائمة به فكيف الله مجبور عليه. من هنا نلتفت ان الاختيار ليس قائما بالمشيئة، هذا في عالم الجسميات أما في عالم المجردات إيجاد وخلق الله للمجردات والأسماء لا تتوقف علي الإرادة والمشيئة. إن شاء فعل وإن شاء لم يفعل او إن لم يشأ لم يفعل هذا في عالم الجسمانيات لا في عالم الأسماء هو مالك لها و قادر عليها وعالم بها في عالم الأسماء وهذا كاف في صدورها عن الاختيار و الصدور عن الاختيار ليس معناه الوجوب. أشكل المتكلون علي الفلاسفة لو كان الوجوب مطلقا منافيا للاختيار لكان حتی الوجوب الذي انتم أقررتم أيها المتكلمون بين المشيئة والفعل هذا نوع من الإلزام والجبر والحال أنها ليس إلزاما لأن الوجوب الصادر عن المشيئة وجوب عن المشيئة فالفرق بين الجبر والاختيار أن الاختيار فيه الوجوب لكن الوجوب عن الاختيار وليس قاهرا علی الاختيار. هذا اجمال بحث الاختيار في الأفعال الإلهية حسب فعلنا القاصر هناك ما هو صح عند المتكلمين وعند الفلاسفة وهناك ما هو خطأ عند المتكلمين والفلاسفة.
كما ذكرنا ومر بنا امس وقبل امس غالبا في القواعد الفوقية الوحيانية والفطرية التي اقتبسها الفلاسفة او الصوفية او المتكلمون عندما تنتظم وترتبط في الاستنتاجات تحصل أخطاء في التطبيق والانتظام والنظم. غالبا هكذا وان كان المنطلقات الفوقية صحيحة. هذا إجمال ما نعلق علي ما قرره الفلاسفة والمتكلمون وخلافا لما قرره النائيني والسيد الخوئي والشهيد الصدر وغيرهم فلسنا متكلمين محض ولسنا فلاسفة محضا ولسنا مع العرفا محضا بل نحن مع ما حققنا من الوحي وربما تسجل علينا مؤاخذات علمية
أما قضية الحكمة في نقاط عالقة أخری يجب أن نواصلها في المؤاخذة علی الاشعرية ولو بنحو الفتاوی يعني التتمة من هذا البحث