43/11/05
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الوجوب والارادة عند الفلاسفة
كنا في الأبعاد الكلامية في الوجوب ومرت المؤاخذة من جهات علی مدعی الأشاعرة علي الكلام النفسي بنحو موجز.
هنا يتعرض الأصوليون الی بعد آخر في الوجوب وهو قضية الإرادة عند الفلاسفة باعتبار أن الوجوب منطلق من الارادة.
البحث الأصولي المحض في الارادة هو أنها إما إرادة تشريعية أو تكوينية، هل هذا التقسيم صحيح أو لا فإذاً يمهد له ببحث الإرادة وما ذهب اليه الفلاسفة في بحث الارادة.
الإرادة فعلية في مقام الفعل لكنهم يسوغون أن هناك ارادة أيضا من صفة الذات كصفة ذاتية للذات وقد يعبر عنها بعضهم بالمشيئة الذاتية والارادة الذاتية أو ماشابه ذلك. بينما في بيانات الوحي العقلية وبالبرهان أن الإرادة ليست من صفات الذات علی أي مبنی يبنی عليه فيها، لكن إجمالا الارادة ليست كالعلم وان كان العلم أيضا صفة ذاتية وصفة فعلية يعني من أفعال الله تعالی ولكن العلم صفة ذاتية وكذا الأول والآخر والأزلي والقيوم والحي كل هذه صفات ذاتية، فالعلم هكذا، هل ياتری أن الإرادة هكذا؟
الفلاسفة يصرون علی ذلك أو عين المشيئة وهي تختلف مرتبة عن الإرادة الفعلية والمشيئة الفعلية لكن بالتدقيق بدون الدخول في التفاصيل يلاحظ الانسان تأويلهم وتحويرهم لمعنى الإرادة الى العلم. عندما يريدون أن يقررون أن الإرادة صفة ذاتية يحورون معنى الإرادة الى العلم وهذا بحث آخر.
العلم صفة ذاتية وصحيح لكن كلامنا في الإرادة. فهم بالدقة إذا تراجعون سواء الاسفار أو الإشارات أو المنظومة أو نهاية الحكمة يتم تحوير الإرادة الى العلم وهذا بحث آخر ليس الكلام في تحوير الإرادة الى العلم. إذا أصبح الإرادة علما فشيء طبيعي أن العلم صفة ذاتية. كلامنا في الإرادة التي تغاير العلم كيف يمكن تصويرها صفة ذاتية؟ مثل أن الله عزوجل عالم بالممتنعات هل يمكن ان يقال ان الله يريد الممتنعات؟ أو يشاء أو يريد الله القبيح ؟ فالإرادة شيء والعلم شيء آخر بل فيه فرق بين الإرادة والمشيئة وفرق بين العلم والمشيئة وإن كانت المشيئة درجة من درجات العلم هذا بحث لعل بعد فترة نعقد له بحث مفصل في شرح اصول الكافي. العلم والمشيئة ثم الارادة ثم القدر ثم القضاء ثم الإبرام سبعة مراحل بينت في الوحي، ما من كائن لا بد أن يطوی له سبع مراحل كي يتم وجوده. فبالتالي كل من يدق النظر في كلمات الفلاسفة يراهم انهم لا يستطيعون أن يتحفظوا علی الارادة بما هي إرادة ويجعلونها صفة ذاتية بل يحورونها الی العلم وهذا بحث آخر ليس كلامنا في العلم بل كلامنا في الإرادة وهناك بيان عقلي وحياني عظيم علی أن الارادة بماذا تتعلق؟ والمشيئة بماذا يتعلق والعلم بماذا يتعلق هذه البحوث قلما نادرا نجدها في بحوث الفلاسفة ثم القدر بماذا يتعلق والقضاء بماذا يتعلق والابرام بماذا يتعلق؟ بيانات وحيانية عقلية تكوينية بديعة سنذكرها في محلها في بحوث العقائد. علی اية حال لم نستطيع أن نستخرج من الفلاسفة برهانا علی الإرادة بما هي إرادة أن تكون صفة ذاتية وإنما الارادة عندهم شيء آخر. فالصحيح انها ليست صفة ذاتية بل صفة فعلية.
لعل سبب ذهابهم إلی أن الارادة صفة ذاتية وليست صفة فعلية ما سيأتي من أن سلسلة الافعال والمخلوقات صدورها عن الباري تعالی لابد ان يكون بنحو الضرورة والوجوب وهذه المعادلة أو هذه القاعدة يشكل عليها غالب المتكلمين أن هذا يلزم عدم اختيارية فاعلية الله وأن الله عزوجل مجبور علی الفعل والخلق هذا بحث سيأتي. حيث عندهم أن نسبة الفعل الی الله نسبة الوجوب والايجاب فلابد ان يكون الصدور عن غير اختيار عن الله فيجعلون الإرادة باعتبار اول فعل يصدر عن الذات الالهية ثم سلسلة الافعال وهو لابد أن يكون بنحو الوجوب علی مبناهم وكونها علي الوجوب لنفي جبرية الفعل في الصدور عن الله لابد ان تفرض الارادة عين الذات كي تقول أن الفعل صدر عن الارادة.
أقول ربما هذه أحد الدواعي عندهم لجعل الارادة عين الذات لأن عندهم الذات تمام الفاعل للفعل وتمام الارادة وتمام العلة والنسبة بين الفاعل والفعل هي الوجوب عندهم فبالتالي لابد أن يفترضوا أن هناك تقرر الارادة في الذات الالهية. هكذا ربما يصور وربما يبرر.
لكن سيأتي أن قضية الضرورة نلتزم بها ولا يلزم منه إشكال المتكلمين علی الفلاسفة ولكن أيضا لايستدعي ولا يتوقف علی جعل الارادة عين الذات وسيأتي بحثه.
إجمالا كون الارادة عين الذات ليس بتام و ليس بسديد بل الارادة فعل من الافعال وليست هي الذات. والعلم كما مر معنی آخر غير الارادة. إذاً هذا ليس بتام ما يبني عليه الفلاسفة.
المشيئة مثل المرحوم الاصفهاني وجملة من الفلاسفة يجعلونها عين الارادة وعين العلم و عين الذات ومر بنا أن العلم يتعلق بالممتنعات. سائل يسئل الامام الرضا هل يعلم الله المستحيل فقال نعم، لو كان فيهما آلهة الا الله لفسدتا. هذا الفساد من ثنوية الالوهية وثنوية الالوهية في نفسها فرض غير مفروض ولا يمكن تصورها اصلا، رغم ان هذا الشيء ممتنع وليس له تصور وفرض لوازمه الی ما لا نهاية يعلم بها الله تعالی ويعبرون عنها لوازم الممتنعات. الممتنع لا تتعلق به المشيئة الالهية . إذاً فرق بين المشيئة والعلم والعلم أوسع. من ثم ورد في بياناتهم العقلية علم شاء أراد قدر وقضی وابرم مراتب.
نكتة قبل أن نغادر بحث الارادة ذكرها الحكيم ملاصدرا ومذكورة في الفلسفة نكتة جيدة تصورية. المعاني الكمالية يعني الارادة والمشيئة والعلم او الحياة او القدرة هذه المعاني ليست لها ماهيات إنما هذه المعاني مفاهيم كمالية ويجب أن نميز بين المفاهيم الكمالية او مفاهيم الكمالات ومعاني الماهيات والفرق ماهو؟
الفرق أن معاني الماهيات كمالات بضميمة المعاني العدمية لأن طبيعة الماهية تتضمن الحدود والتناهي. فالمعنی الذي يندمج علی العدميات او الكمالات الوجودية هذا المعنی يسمی الماهية أما المعاني المتمحضة في الكمالات فيقال عنها المعاني الوجودية أو قد يعبر عنها بالكمالات. هذا مبحث تصوري حساس ومهم وخطير جدا في بحوث المعارف.
سبق أن أحد ثمار الفلسفة او المدارس المختلفة الفلسفية او العرفانية او الصوفية او كذا مع أنا لا ننكر سلبياتهم وأكبر سلبياتهم أن ينحبس الانسان مع نتاجهم البشري لكن البعد الايجابي فيهم قد سئلت عشر مراجع كبار السيد احمد الخونساري والسيد حسن القمي والميرزا هاشم الآملي والكلباكاني وغيرهم من الاعلام الكبار وكانت خلاصة كلامهم أن البعد في المدارس الأخری اذا انحبس الانسان معهم لكن الثمرة الايجابية كمصادر لغوية في اللغة العقلية او القلبية. كما أن تراجعوا قول اللغوي مع أنها ليس بحجة في حين ان الفقهاء والمفسرون يراجعون اليها ويميزون الغص والسمين كذلك البحوث العقلية إثارات تصورية وقد تكون فيه تصور خطأ. اللغة العقلية الموجودة في أذهاننا تختلف عن الروايات. مثلا واحد ينقل الروايات بلغة مادية يريد أن يفسر كل اللاهوت والغيبيات بقرائة اجتماعية ولايمكن هكذا. لايمكن أن تقرأ الغيب بلغة مادية أو اجتماعية او لغة الادباء. فالمقصود أنه كيف اللغويين والنحويين والصرفيون فيهم غص وسمين لكن هذا لايعني عدم الرجوع وعدم تفحص ما قالوا ثم غربلته بشكل دقيق بشواهد من الوحي هكذا لغة الفلاسفة او لغة العرفاء هي اللغة إما عقلية او قلبية فيها غص وسمين لكن لا يعني ان الانسان لا يطلع علی ما قالوا بدون أن يحبس نفسه وبدون أن يلون كلام الوحي بلغتهم. حتی اللغويين. إذا كان اللغوي اشعري يفسر اللغة بلون اشعري واذا كان مفوضة يفسر اللغات بلغة التفويض وكذلك الحنفي فيجب أن يميز الانسان لكن هذا لا يعني عدم التنقيب معهم. الاطلاع علی أقوالهم منهج يقره الوحي، من استقبل وجوه الاراء عرف مواقع الاخطاء وعند مقابلة الاقوال يعرف الخطأ عن الصواب. الاطلاع علی الاقوال لا يحرمه الدين والقرآن يتعرض الی نظرية مدرسة الملاحدة والدهرية ومدارس كثيرة بالعكس يثير القوة الرياضية العقلية لدی الانسان والقوة القلبية لدی الانسان تصورا. وهذا ليس شيئا مذموما بل المذموم ان يتشبث الانسان بما قالوا اأ كل ما قالوه سيمن وأن ينحبس طول عمرهم معهم. يعني المؤاخذة علی فلاسفة الامامية او عرفاء الامامية أنهم عكفوا طول عمرهم علی نتاج البشر ولم يذهبوا الی الاجتهاد والتحقيق في الوحي. حتی المتكلمين إذا يحبس نفسه مع المتكلمين علی اختلاف المدارس المتعددة الكلامية عند الامامية نفس الكلام الكلام. هذا نتاج البشر. مثل الفقيه إذا يحبس نفسه مع الفقهاء حتی الفقهاء الاولين والاخرين بدون ما يسبح في الادلة والايات والروايات فليس بفقيه محقق بل هو مقلد بدون ان يشعر. اذا ان نلغي اللغة العقلية تماما خطير فنسبح في اللغة المادية ونحكم اللغة العلمانية والمادية.
إذاً كون الفلسفة فيها سلبيات ونتاج بشري هذا كلها صحيح لكن لايمكن ان نلغي اللغة العقلية او اللغة القلبية واللغة الروحية. وهي لغات اصلية في القرآن الكريم. لكن عقل وحياني وليس عقلا بشريا. كما انه احد ردود الاصوليين علی الاخباريين هو هذا أنه ما بعد علوم اللغة تأتي العلوم القانونية في فقه الفروع.
إجمالا هذه فائدة أن المعاني تنقسم الی معاني كمالية ومعاني ماهوية. المعاني الماهوية يندمج فيها المعاني العدمية المتناهية مع المعاني الكمالية أما العلم من حيث هو العلم ليس الماهية معنی كمالي وكذلك القدرة و الحياة حتی الارادة إذا فسرت بالماهيات في الحقيقة ليس تفسير العلم او الارادة إنما هو تفسير لمرتبة منها.
المهم يجب ان نميز بشكل دقيق بين المعاني الكمالية المتمحضة في المعاني الكمالية وبين المعاني الماهوية. في بيان الإمام جعفر بن محمد الصادق عليه السلام أن المعاني الكمالية إذا فيها رائحة الكثرة فهي لا تخلو من المعاني المتناهية ومن ثم يقيم البرهان علی أن الاسماء مخلوقة لأنها كثرة والكثير غير الواحد والواحد غير الكثير هذا موجود في اصول الكافي وتوحيد الصدوق.
يقولون ان الكثرة فيها شمة من شمات المخلوق وإن لم تكن ماهية بينة، لكن الجاري عند الفلاسفة ان المعاني الكمالية المتمحضة في الكمال والمعاني الماهية ازدواجية المعنی ومندمجة معنی الكمال والتناهي العدمي. هذه فائدة تحتاج الی التمحيص اكثر فاكثر.
بعد ذلك يذكرون الاصوليون نظرية اخری هي بحث الجبر بمناسبة الارادة والطلب. نتعرض اليها فهرسيا والفتوائيا فتاوی عقلية. وطبعا الاشاعرة يلتزمون نظرية الجبر.
طبعا الفلاسفة يدعون أنهم لا يلتزمون نظرية الجبر بل يلتزمون نظرية اخری العلية والمعلولية فهي نظرية اخری علی اساس. هذه النظرية الاخری عند الفلاسفة مر بنا أنه ينطلق الفلاسفة من أن الفعل او الخلق والمخلوق لا ينشأ من الخالق او الفاعل إلا إذا وصل الأمر الی الضرورة والضرورة يسجل عليه المتكلمون اشكالية أنها نفس الجبر عند الاشاعرة. طبعا هي نظريتان لكن متقاربان او لا؟ لابد من الخوض في التفصيل الفهرسي. في قبال نظرية الاختيار.