الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/11/01

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الابعاد الكلامية والاصولية للوجوب

 

هناك رواية لملف أقسام الحكم التكليفي في عيون أخبار الرضا علیه‌السلام معروفة بشرح الامام الرضا لمحض الإسلام، يشرح فيها الامام علیه‌السلام جملة من أبواب الدين وأبواب الفقه وهي في الجزء الثاني صفحة 123 والتعبير: «القنوت سنة واجبة» ومر بنا أن كلمة الواجبة يستعمل بمعنى الثابتة. فسنة واجبة في الصلوات الخمس والفريضة وهي ألزم منها في النوافل.

أما بحث الوجوب مر بنا أن الأعلام أثاروا الأبعاد الكلامية في الوجوب والفائدة فيها بغض النظر عن إثارات الاشاعرة والمعتزلة في هذا المقام أن الحكم له مبادئ وله آثار أو لوازم، فربما يمانع الحكم عن التحقق الفعلي بسبب أو بآخر إلا أن اللوازم أو المبادئ موجودة. فمعرفة لوازم الحكم الإلزامي ومبادئه أثبت في معرفة الحكم الإلزامي من الاقتصار على معرفته بماهيته وهويته.

منه تمّ التطرق الى مدرسة المرحوم الاصفهاني في ملازمة الحكم العقلي للحكم الشرعي. هو يلتزم أن كلما حكم به العقل ليس حكم به الشرع بمعنى ينشأه وإنما بمعنى وجود مبادئ الحكم الإلزامي ولوازمه وآثاره وإن لم يكن الحكم الشرعي منشأ موجودا بنحو إنشائي أو فعلي، كما هو المعتاد في الحكم الشرعي، فكأنما روح الحكم ومبادئه وآثاره موجودة.

يلتزم المرحوم الاصفهاني بهذه الملازمة وهل هي صحيحة أو غير صحيحة بحث آخر لكن نفس هذه النظرية المطروحة عند المرحوم الاصفهاني في الحقيقة هي مدرسة رابعة في استكشاف ثبوت الحكم أو أصول القانون. هذا اجمالا أهمية الابعاد الكلامية في أصول القانون مع أنها بحوث كلامية لكن وجه المناسبة لجريانها في أبحاث الأصول هو هذا المطلب.

بداية إثارة هذه الابعاد الكلامية التي لا نخوض فيها تفصيلا أن الأشاعرة حسب استدلالهم التزموا بالحكم الشرعي أو الشيء قبل الإنشاء وأن الحكم الشرعي أزلي وليس حادثا ينوجد بالإنشاء. بأي دليل؟ الذي دعاهم الى هذه الدعوى أنهم لاحظوا موارد للإنشاء والأمر الانشاءي التي ليس هناك إرادة أو قد لا يكون هناك حكم، أي أن الإنشاء موجود والحكم ليس بموجود أو الإرادة ليس بموجود.

فلاحظوا في هذه الموارد لابد أن يلتزموا بأمر قبل الحكم المنشأ وقبل الإنشاء وهو إما طلب أو المعاني في النفس. هذه المعاني في النفس أطلقوا عليه الكلام النفسي أو النفساني.

ففي موارد الأوامر الامتحانية يلاحظ أن الإرادة التشريعية للحكم غير موجودة ربما يقال أن الحكم غير موجود لأن هدف الشارع استكشاف انقياد المكلف وليس طاعة المكلف بإتيان الفعل نفسه فبالتالي في موارد الأوامر الامتحانية قد يقال أنه ليس هناك حكم منشأ ولكن الموجود هو المعاني في النفس أو الطلب أو قل إن الطلب ما موجودة لكن المعاني موجودة فهنا تخلف الحكم أو الإرادة التشريعية لكن المعاني موجودة. فالإنشاء موجود والمنشأ غير موجود أو إذا بني على أنه موجود ليس كوتيرة الأحكام الأخرى. الطلب قد يقال موجود لكن الإرادة ليس موجودة فالمعاني موجودة في النفس.

فمنه حاولوا أن يوسّعوا في هذا البحث بالنسبة الى إنشاء الباري تعالى: أن إنشائه فعله لكن المعاني لدى الباري قبل الإنشاء هي حقيقة الحكم أو حقيقة الطلب وهي غير الإرادة وغير النسبة. هنا حيث حاولوا أن يغايروا بين الطلب وبين الإرادة تصدى صاحب الكفاية للرد عليهم أن الإرادة هي الطلب.

بحث عند علماء الأصول أن الإرادة والطلب قبل الإنشاء يعبر عنها في كتب أصول الفقه القديمة بمبادئ الحكم يعني المبادئ للإنشاء الذي يوجد الحكم، فالارادة والطلب يعبر عنها بمبادئ الحكم المنشأ. فهل الإرادة هي الطلب؟ صارت هناك بين الأصوليين فيما بينهم وبين المتكلمين فيما بينهم لغط، هل الإرادة هي الطلب؟ والإرادة كم قسم؟ مثل ما مر بنا في بداية هذا البحث في الأبعاد الكلامية في الحكم أن البحث في الابعاد الكلامية في الحكم عبارة عن البحث في مبادئ الحكم ولوازم الحكم والبحث عن مبادئ الحكم و آثار الحكم وهي الوجود الحقيقي للحكم وإن لم يوجد الحكم بماهيته المصطلحة المعتادة الاعتبارية.

من ثم بدى ان يفكر الأصوليون أن الأحكام التشريعية هي الأزلية أو حادثة؟ وتترتب عليها آثار وأن الانشاء صورة إنشاء لكنه إخبار عن وجود سابق وتترتب عليها آثار الى درجة أن جملة من الأصوليين مثل المحقق النهاوندي والمرحوم آغا ضياء «وان كان آغا ضياء يتبنى مباني مختلفة في نفس أبواب الأصول ولا يسير على مبنى واحد عكس الناييني أو الاصفهاني» ففي جملة من أبواب الأصول تبنى المحقق العراقي والنهاوندي أن الاحكام الشرعية قديمة يعني في اللوح المحفوظ ولو قبل الخلق وكذا و الإرادة التشريعية في الأحكام موجودة قديمة وفعلية، فما عندنا مرحلة إنشائية في الحكم. هذه الأبحاث أبحاث كلامية لكنها افرزت انعكاسات في المباحث الأصولية. لأن الاصولي مهم عنده ان الحكم هل فيه المراحل الانشائية والفعلية والتنجيز أو لا فقط مرحلة واحدة.

على هذا المبني أصبح الحكم قديما في اللوح المحفوظ قبل الإنشاء وهو إرادة فعلية، إرادة الهية تشريعية فعلية وليست انشائية فالاحكام إذاً قبل أن يولد ويخلق المكلف فعلية والمقصود حتى الأحكام الجزئية وإرادات جزئية وتفصيلية.

هذا إنما أخذهم هذا المسار بسبب توسع الأصوليين في مباحث الأبعاد الكلامية أو التكوينية للحكم والإنشاء. فإذاً إثارة الأشاعرة أن الحكم حقيقته معنى نفساني وكلام نفساني قبل الانشاء في اللفظ. أخذ الاشاعرة هذا المسار الى درجة أنهم يقولون أن الكلام النفسي عند الله قديم وليس حادثا لأن الكلام صفة لله تعالى غير الكلام الصوتي، فالقرآن بما هو كلام الله ليس المصحف أو النقوش أو الأصوات بل القرآن كمعاني وجوده قديم.

فتنة أن القرآن حادث أو قديم من ههنا نشأت. الحنابلة فتنتهم معروفة حتى في زمن المأمون كانوا يكفّرون من يقول ان القرآن حادث ويخلطون بين لفظة مخلوق لأن المخلوق لا يستعمل فقط بمعنى حادث بل المخلوق أيضا يعني باليا بينما القرآن دائما طري وجديد وليس فيه مثل الثمرة التي تصبح بالية فهم خلطوا بينه وبين أنه ليس حادثا. الحنابلة كانوا سطحيين في البحوث الكلامية بينما الأشاعرة ذهبوا الى هذا المطلب أن كلام الله صفة لله وصفة ذاتية وليست صفة فعلية. الله متكلم أنه لم يزل الله متكلما فكلام الله قديم بقدم الله. هنا دخل الامامية والعدلية والمعتزلة في نقاشهم ولا نريد أن نخوض في التفاصيل. المهم ان نركز في الابعاد الأصولية في هذا البحث.

فقبل أن أدخل في فهرسة هذا البحث الكلامية أقصد تداعيات هذا البحث الأصولية مهمة كبحث أصولي يعني بعبارة أخرى هذه الأبحاث أثارت عند الأصوليين والفقهاء والمتكلمين أن الحكم الشرعي حقيقته اعتباري يوجد بالإنشاء أو هو موجود بوجود الإرادة الإلهية والمشيئة الإلهية وبالتالي يلزم من ذلك أن الحكم ليس حادثا بزمن حدوث الأرض أو المكلفين أو أو أو. بل قبل الخلق في اللوح المحفوظ ولو لم يكن قديما لكن عالمه أقدم نسبيا. فهذه بحوث مهمة. فإذا كانت إرادة موجودة فالحكم فعليا لأن حقيقة الحكم هي الإرادة الإلهية ودخلوا في بحث حساس ان الإرادة في الأحكام الشرعية إذا بني على أنها ليس مبدأ للحكم الشرعي بل هي الحكم الشرعي تعدد الآراء لدى الأصوليين ان الحكم الشرعي هو الإرادة أو ان الإرادة هي مبدأ للحكم الشرعي؟ وعلى ضوء هذه الثمرة يأتي البحث أن الحكم الشرعي ليس انشائيا واعتباريا ثم يكون فعليا بل الحكم الشرعي فعلي منذ القدم ولو نسبيا.

أيا ما كان إذا التزم بأن الإرادة موجودة أقدم وليست معلقة فعلية بالتالي مبادئ الحكم فعلية يعني قبل الحكم وقديمة ومبادئ الحكم كما مر بنا ولوازم الحكم المترتبة على مبادئ الحكم هي نازلة منزلة حقيقة الحكم فإذاً هذا البحث يستدعي الانتباه.

الميرزا الناييني وغيرها وجملة من المتكلمين بنوا على الإرادة التشريعية والإرادة التكوينية. يقول إن الإرادة هي تكوينية دائما وإنما تقسم بالارادة التكوينية أو التشريعية بلحاظ المراد «هذا البحث أصولي» لا بلحاظ نفس الإرادة. بلحاظ المراد يمكن التقسيم بأنها تكوينية أو تشريعية. فالمراد إذا لم يكن هناك توسط اختيار المكلف فيسمون تكوينية وإذا كانت الإرادة بتوسط اختيار المكلف تكون الإرادة تشريعية وهذا البحث الأصولي دخل فيه حتى الفلاسفة والمتكلمون والمفسرون أن حقيقة تنويع الإرادة الى التشريعة والتكوينية هل يمكن أو لا؟ وجر البحث منهم طويل. من هنا دخل الفلاسفة في هذه الأبحاث بحث الإرادة. أيا ما كان فلاحظ هذه الأبحاث كيف لها تداعيات معرفية وتداعيات فقهية أصولية.

مثلا في قوله تعالى «إنما يريد الله ليذهب عنكم الرجس أهل البيت» هذه إرادة خاصة لأهل البيت دون عموم المسلمين والمؤمنين بل دون عموم الأنبياء والمرسلين بل خاصة لأهل البيت. هذه الإرادة ماهي؟ تشريعية أو تكوينية؟ وكيف هي فضيلة؟ دخلوا في هذه الأبحاث.

جملة ناقشوا أن الإرادة تشريعية فإرادة الله المتعلقة بالأمور التكوينية تتم بوسائط ووساطات الملائكة ام لا؟ مثلا أراد الله أن يقبض الأرواح فتوفاهم ملك الموت الذي وكل بهم. ملك الموت هل هو مجبور؟ لا، الصحيح أن الملائكة يفعلون فعلا اختياريا. عباد مكرمون لا يعصون الله ولا يسبقونه بالقول وهم بأمره يعملون.

مثلا ما يقوم به الملائكة من خلق الأمور وليست مجبورة فهذه الإرادة تكوينية أو تشريعية؟ فبالتالي نظام الكون خلاف لما يتوهم الفلاسفة سيما بوساطات الملائكة فما هو المائز بين الإرادة التشريعية والتكوينية. كلامنا في التركيز على فهرسة البحث وكيف هي ارتباطه بالابحاث الأصولية. هذا هو المهم. لا أن يخوض في الأبحاث الكلامية والفلسفية بعيد عن الوعي الاصولي

هنا دخل الأصوليون مع الاشاعرة في نقاش فلسفي وكلامي ومعارفي. وفي الحقيقة نظريتهم مسروقة من قاعدة من قواعد أهل البيت لكنهم فهموها خطأ ومعكوسة. وكثير من الأمور حتى الحنابلة عندما يقولون ان القرآن ليس مخلوقا سمعوها من أهل البيت وظنوا أنه بمعنى أن القرآن ليس بحادث. هم يسمعون العلم من أهل البيت أو من النبي لكنهم يأخذ بهم التيه لعدم فهم مغز حاق علم اهل البيت وإلا القواعد هذه من اهل البيت مثل جملة من القواعد عند الصوفية والعرفاء سمعوها من أهل البيت لكنها اشتبه عندهم في ملائمتها وفهمها مع منظومة القواعد أصل مسارنا في هذا الجانب وهذا هو نخاع البحث.