الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/10/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الألفاظ/ مبحث الأوامر/ الوجوب وأقسام الحكم التكليفي

كنا في جملة من الروايات

صحيحة محمد بن فضيل وهو ثقة سواء من اليسار أو الصيرفي. قال سألت عبدا صالحا عن قول الله عزوجل «الذين هم عن صلاتهم ساهون» قال هو التضييع.

الاية في سورة الماعون والوعيد بالعذاب. هذا بالنسبة الى الاستخفاف بالصلاة.

هذه الروايات في ان السنة المؤكدة تضييعها أو الاستخفاف بها فيها العقوبة

موثقة السكوني عن ابي عبدالله علیه‌السلام قال قال رسول الله لا يزال الشيطان ذعرا من المؤمن ما حافظ على الصلوات الخمس (مع انه أداء) فإذا ضيعهن تجرأ عليه وأوقعه في العظائم.[1]

هذا ضرر ملكوتي أخروي خطير ولو هو تمكين الشيطان للانسان. هذا من ضمن الموارد التي يحملها الأعلام على الاستحباب من أنها من آثار وضعية وليست لزومية بينما ضرر دنيوي أدنى من ذلك بكثير محتمل يعتبرونها ملزما.

وجه الاستشهاد بهذه الرواية بلحاظ فضيلة الوقت والصلاة بعد فضيلة الوقت.

قضية إضرار الشيطان والمعرضية للمهلكات الأعلام لايعتبرونها ملزومة بل يعتبرونها آثار وضعية لأحكام ندبية والحال أنهم يعتبرون أضرار مادية دون ذلك ملزمة، هذا محل تأمل. هذا اعتراض النراقي. كيف ضرر مادي ملزم وضرر معنوي أو ملكوتي خطير ليس بملزم.

موثقة مسعدة بن صدقة قال: سمعت أبا عبد الله (عليه السلام) - وسئل ما بال الزاني لا تسميه كافرا وتارك الصلاة قد سميته كافرا وما الحجة في ذلك؟ - فقال: لأن الزاني وما أشبهه إنما يفعل ذلك لمكان الشهوة لأنها تغلبه وتارك الصلاة لا يتركها إلا استخفافا بها وذلك لأنك لا تجد الزاني يأتي المرأة إلا وهو مستلذ لاتيانه إياها قاصدا إليها، وكل من ترك الصلاة قاصدا إليها فليس يكون قصده لتركها اللذة، فإذا نفيت اللذة وقع الاستخفاف وإذا وقع الاستخفاف وقع الكفر.[2] (يعني درجة من درجات الكفر لا الكفر الاصطلاحي والوهابية يحملونها على الكفر الاصطلاحي بل هو بمعنى درجة من درجات الكفر من الكبائر)

رواية ابان بن تغلب قال: كنت صليت خلف أبي عبد الله (عليه السلام) بالمزدلفة (2) فلما انصرف التفت إلي فقال: يا أبان الصلوات الخمس المفروضات من أقام حدودهن وحافظ على مواقيتهن لقى الله يوم القيامة وله عنده عهد يدخله به الجنة ومن لم يقم حدودهن ولم يحافظ على مواقيتهن لقى الله ولا عهد له إن شاء عذبه وإن شاء غفر له. [3]

قد يقولون ان «مواقيتهن» بمعنى أداءهن لكن الظاهر يشمل أوقات الفضيلة لأنها أيضا وقتت

أيضا موثقة ابي بصير قال: سمعت أبا جعفر (عليه السلام) يقول: كل سهو (يعني عدم التوجه القلبي) في الصلاة يطرح منها (يعني تنقص من الصلاة) غير أن الله تعالى يتم بالنوافل، إن أول ما يحاسب به العبد الصلاة فإن قبلت قبل ما سواها، إن الصلاة إذا ارتفعت في أول وقتها (لا الأداء) رجعت إلى صاحبها (هذه نكتة، لماذا الاعمال تصعد وتنزل؟) وهي بيضاء مشرقة تقول: حفظتني حفظك الله وإذا ارتفعت في غير وقتها بغير حدودها رجعت إلى صاحبها وهي سوداء مظلمة تقول: ضيعتني ضيعك الله.[4]

فالتضييع صادق هنا على الخروج عن وقت الفضيلة

عن عبدالله ابن سنان عن أبي عبد الله عليه السلام قال: لكل صلاة وقتان وأول الوقتين أفضلهما، (يعني حتي وقت الفضيلة وقتان غير وقت الأداء. فيه تارة وقتان يعني وقت الفضيلة وغير وقت الفضيلة وهناك اطلاق في باب الفرائض اليومية يعني نفس الفضيلة لها وقتان يعني مع غير الفضيلة يصير ثلاثة في صلاة الصبح صريحا ورد هذا ان الفضيلة لها وقتان حتي الظهر ورد هكذا) و وقت صلاة الفجر حين ينشق الفجر إلى أن يتجلل الصبح السماء ولا ينبغي تأخير ذلك عمدا لكنه وقت من شغل أو نسي أو سها أو نام، ووقت المغرب حين تجب الشمس إلى أن تشتبك النجوم وليس لاحد أن يجعل آخر الوقتين وقتا إلا من عذر أو علة. [5]

هذه كلها شواهد على ان السنة المؤكدة فيها حيثية الزام ولأجل تثبيت البرزخية بين الندب واللزوم وهي السنة المؤكدة.

موثقة عمار بن موسى عن أبي عبد الله جعفر بن محمد الصادق (عليه السلام)، قال: من صلى الصلوات المفروضات في أول وقتها فأقام حدودها، رفعها الملك إلى السماء بيضاء نقية، وهي تهتف به: حفظك الله كما حفظتني، واستودعك الله كما استودعتني ملكا كريما، ومن صلاها بعد وقتها (وقت الفضيلة) من غير علة فلم يقم حدودها رفعها الملك سوداء مظلمة، وهي تهتف به: ضيعتني ضيعك الله كما ضيعتني، ولا رعاك الله كما لم ترعني. [6]

معتبرة ابي بصير قال قال ابوعبدالله علیه‌السلام ان الموتور اهله وماله من ضيع صلاة العصر قلت وما الموتور؟ قال من لا يكون له اهل و لا مال في الجنة. قلت وما تضييعها؟ قال يدعها حتى يصفر وتغيب.

هذه عقوبات في الجنة وطبعا الأعلام يقولون هذا مستحب وليس واجبا، مع أن تضييع المال في الدنيا يعتبرونها ملزمة وعجيب.

في رواية أبي بصير عن ابي جعفر علیه‌السلام ما خدعوك فيه من شىء، فلا يخدعونك في العصر صلها والشمس بيضاء نقية، فان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم قال الموتور اهله وماله من ضيع صلاة العصر، قيل وما الموتور اهله وماله؟ قال: لا يكون له عهد ولا مال في الجنة. قيل وما تضييعها، قال: يدعها والله حتى تصفر أو تغيب الشمس.

مع أن الاعلام لا يعتبرونها ضررا ملزما، مع أن هذه الروايات توسعة للضرر حتى في الجنة.

وقرأنا في رواية إبراهيم الكرخي عن الكاظم علیه‌السلام من رغب عن سنة من سننه الموجبات كان مثل من رغب عن فرائض الله.

هذه كبرى في بيان حدود اللزوم وحدود الوجوب وهنا طبقت على فضيلة الوقت مع أن الاعلام لم يعملوا بها.

نكتة ولو هذه معاضدة وهي في نفسها مهمة لعل المرحوم الكمباني لا يرتضيها ولا يتبناها و من ثم السيد الخويي لا يتبناها وهي أنه هل في الحكم التكليفي أو الاعتباري درجات في الشدة والضعف؟ السيد الخويي ينكرها أشد الإنكار لانها أمر اعتباري إما موجود أو غير موجود أما أنه متفاوت فلا يتصور في الأمر الاعتباري، لكن الصحيح كما ذهب اليه المشهور في طبقات المتقدمين أن الأمر الاعتباري قابل فيه التفاوت سواء في الطهارة أو النجاسة أو الملكية أو الحكم التكليفي ولو بلحاظ الاثار أو بلحاظ المناشئ والملاكات. ولو سلمنا أن نفترض هو في نفسه غير قابل للتصور لكن بلحاظ الاثار والمناشئ قابل للتصوير.

هذه قاعدة عامة في باب الأحكام الشرعية، أما التكليفية واضح فيه الشدة والضعف والاحكام الوضعية كذلك. هذه قاعدة عامة لم يرتضيها السيد الخويي. مثلا الحديد نجس في الروايات والشيخ الطوسي كان يرى النجاسة الإلزامية والمتأخرون بنوا على النجاسة الكراهية. حتى النجاسة ذات درجات الزامية وغير الزامية.

الوضوء أطلق في الروايات وإن لم يتعرض له كثير من الاعلام فيه غسل اليدين ومسح الوجه كان يمارسه سيد الأنبياء كثيرا، اطلق على هذا أيضا درجة من الوضوء وسنة النبي . لا أقول يجزئ لكن هو درجة من درجات الوضوء ومستحبة. لأن نفس الاكل يقلل من وضائة الوضوء في الروايات.

على كل هذه جملة من الشواهد ليست كلها كاملة يمكن التتبع أكثر دالة على أن أقسام الأحكام التكليفية ليست على خمسة بل أقسام عديدة ويمكن أن تحد بحدود أضبط وأكثر وبنى عليه المشهور. ما هو الدليل على ان الاحكام خمسة؟ من ثم اختلفت الاحكام بين المتقدمين والمتأخرين. خمسة عشر قسما في الأحكام التكليفية أو اثناعشر أو عشرة في كتاب الذريعة أو غيره. هذا التقسيم في الأحكام عند المتاخرين شبيه تقسيم الروايات بتقسيم السيد احمد بن طاووس وهو متزامنة مع هذا الاحداث عند العامة وهو تبديل معنى الصحة من المضمون الى الطريق. هذا امر آخر هنا في الاحكام التكليفية من تعداد اكثر الى تعداد خماسي بلاشك حادث ولازال يحتاج الى استدراكات واذا وقفنا الى بعد المواد.

ملخص ما مر بنا أن الوجوب الصحيح فيه انه بمعنى اللابدية وليس الوجوب بالذات تسجيل العقوبة الأبدية الاخروية بل اعم. درجات التكليف تختلف في القيامة والقبر والبرزخ وعقلا آثار الاخرة أشد من اثار الدنيا. راجعوا كلام النراقي في كتاب عوائد الأيام في قاعدة لا ضرر وهو يعترض على مشهور المتاخرين كيف يعتبرون الضرر الدنيوي اليسير ملزما مراعاته والاضرار الاخروية لا يعتبرونها ملزمة إلا إذا سجل فيه النار. هذه الفرضية أخذت ارسال المسلمات ومحل تأمل في تعريف الوجوب.

نكتة أخرى لابأس أن نذكرها وهي ان الوجوب بهذا المعنى اللابدية شامل للحكم الوضعي والتكليفي وشامل للحكم الوضعي في النوافل. مثلا قرائة سورة الحمد في النوافل واجبة يعني وضعا يعني لابد منها في صحة النافلة فالوجوب له معنى شمولي للوضعي وهذا شامل للحكم الوضعي في النوافل. هي نوافل من جهة التكليف لكن من جهة الوضعي وجوب يعني لابد منها في الصحة فإذاً هذا المعنى في الوجوب هو اللابدية معنى شامل للوضعي كذلك في النهي والتحريم

نذكر هذا المطلب في معنى الوجوب وأنه عام لأن القدماء يستظهرون من الأدلة «حرمت عليكم الميتة» أحكاما وضعية وتكليفية معا، لأن معنى الحرمة معنى شامل وجامع للتكليفي والوضعي وكذلك الوجوب وكذلك الحل «أحل الله البيع» والاستباحة. هذه نكات مهمة أنه حتى النراقي يستفيد من قاعدة الحل الحل التكليفي والحل الوضعي. الحل والإباحة والوجوب والحرمة والكراهة والندب يشمل الحكم الوضعي والحكم التكليفي وليس خاصا بالتكليفي.

بالتالي إذا تصورنا أن الاحكام التكليفية أعم من الخمس فهذا البحث عام في الوضعي والتكليفي. هذه النكات يجب ان لا نغفل عنها. مشهور القدماء كما ذكر العلامة الحلي استفادوا من حرمت عليكم الميتة خمسة أحكام وكذلك احل الله البيع استفادوا منها الحكمين. فهناك معنى جامع للوجوب أو الحرمة.

اجمالا أننا لا نتابع مشهور متأخري الاعصار في حصر الاحكام التكليفية الخمسة. مثل ما مر بنا الخطيئة والموبقة والحرمة والسيئة والمعصية والاثم والذنب والذنوب كلها موجودة في بيانات القرآن لكنه لا المفسرون استطاعوا ان يحللوها ولا المحدثون.

من هنا ندخل في بعد آخر في الوجوب فهرسة وندخل فيه غدا أبعادا أثارها الفلاسفة والاشاعرة والمعتزلة أبعادا كلامية ولها صلة بالاصول والفقه ولكننا لا ندخل فيها بالبسط بل بالمرور الفهرسي. هي مهمة لكن ليس موردها علم الأصول بل علم الكلام والفلسفة. سنستعرضها فهرسيا بما لها الجبر والإرادة والاختيار والكلام النفسي وصلتها بعلم الأصول.


[1] وسائل الشيعة، الشيخ الحر العاملي، ج6، ص433، أبواب باب تأكّد استحباب جلوس الإمام بعد التسليم تاركاً للكلام حتى يتمّ، باب2، ح8365، ط آل البيت.
[2] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج2، ص386.
[3] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص267.
[4] الكافي- ط الاسلامية، الشيخ الكليني، ج3، ص268.
[5] تهذيب الأحكام، شيخ الطائفة، ج2، ص39.
[6] الأمالي، الشيخ الصدوق، ج1، ص328.