43/10/23
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الوجوب واقسام الحكم التكليفي
في صحيحة الحلبي قال أبو عبد الله علیهالسلام في الوتر: إنما كتب الله الخمسة وليس الوتر مكتوبة وإن شئت صليتها وتركها قبيح.
وموثقة الحسن بن موسى الحناط قال: خرجنا أنا و جميل بن دراج و عائذ الأحمسي حجاجا، فكان عائذ كثيرا ما يقول لنا في الطريق: إن لي إلى أبي عبد الله عليه السلام حاجة أريد أن أسأله عنها. فأقول له حتى نلقاه فلما دخلنا عليه سلمنا و جلسنا، فأقبل علينا بوجهه مبتدئا، فقال: من أتى الله بما افترض عليه لم يسأله عما سوى ذلك.
فغمزنا عائذ فلما قمنا قلنا ما كانت حاجتك قال الذي سمعتم، قلنا كيف كانت هذه حاجتك فقال أنا رجل لا أطيق القيام بالليل فخفت أن أكون مأخوذا به فأهلك .. [1]
فعرّف علیهالسلام الفريضة بالسؤال وعدم السؤال، فالذي يساؤل عنه الإنسان هو الفريضة وغير الفريضة ما لا يساؤل عنه، بغض النظر عن العقوبة مع أن المشهور في موارد أفتوا بالإستحباب مع أن المساؤلة موجودة.
هذه موثقة الحسن بن موسى الحناط وفيها طريق آخر عن ضريح المحاربي وصحيحة أخرى بنفس المضمون عن عائذ الأحمسي فهذا يكون تعريفا خامسا.
وموثقة عمار الساباطي قَالَ: كُنَّا جُلُوساً عِنْدَ أَبِي عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ بِمِنًى ، فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مَا تَقُولُ فِي اَلنَّوَافِلِ قَالَ فَرِيضَةٌ قَالَ فَفَزِعْنَا وَ فَزِعَ اَلرَّجُلُ فَقَالَ أَبُو عَبْدِ اَللَّهِ عَلَيْهِ اَلسَّلاَمُ ، إِنَّمَا أَعْنِي صَلاَةَ اَللَّيْلِ عَلَى رَسُولِ اَللَّهِ صَلَّى اَللَّهُ عَلَيْهِ وَ آلِهِ.[2]
هذه التأويلات التي لا تخطر على بال فقهاء آنذاك مما يدلّ على أن تأويل الروايات باب واسع طبعا بشواهد لا عبطا وإنما قاعدة الجمع مهما أمكن أولى من الطرح بهذا اللحاظ وربما ذكرناها في باب التعارض.
طبعا أول فريضة فرضها الله عزوجل على المسلمين في مكة المكرمة كانت صلاة الليل لا صلاة النهار وصلاة النهار افترضت في المدينة المنورة فنسخ وجوب صلاة الليل وبقي استحبابها وبتعبير السيد الخويي ملاك الوجوب لازالت موجودة فيها، لأن السيد الخويي مبناه في النسخ مبنى القدماء أن النسخ ليس إلقاء صفحة التشريع من رأس بل إنما هو نوع من التجميد أو التعطيل شيئاما وهذا لا بأس به ومما يدل على أن صلاة الليل لها عظمة خاصة.
وورد في الروايات أن نوافل الظهر بعد الزوال ثمان ركعات وهي أعظم النوافل اليومية وسميت صلاة الأوّابين وتعدل نوافل الليل وجدّا أكد عليها ولا أقل ركعتين منها.
في نافلة الفجر صاحب الجواهر يقول لا يبعد أن الروايات الدالة على فضيلتها دالة على أنها أفضل من صلاة الليل والعهدة عليه رحمهالله. لا أقل يدل على أهمية صلاة نافلة الصبح.
صحيحة أخرى من محمد بن مسلم وهو كان فقيها ومرجعا آنذاك في كوفة وعمار الساباطي أيضا كان مرجعا أيام حياة الامام الصادق علیهالسلام. ثمان فقهاء كانوا مراجع من تلاميذ الباقر والصادق علیهماالسلام في كوفة، ذكر ذلك الكشي والطبري في تاريخه في عهد الامام الصادق علیهالسلام من فقهاء تلاميذ الامام الصادق وهم ربما يعد الى تسعة آلاف.
المقصود أن المتصدرين والطبقة العليا كانوا ثمانية، منهم زرارة ومحمد بن مسلم وهشام بن حكم وبريد العجلي وأبو بصير وهذا هو تعددية جهاز المرجعية والفقاهة في مدينة واحدة في عهد الامام الصادق علیهالسلام وهذه سيرة في مرئى من المعصوم ويدل على أن الرواية الشريفة «انظروا الى رجل عرف أحكامنا ... فاجعلوه» عموم استغراقي وليس بدليا في صلاحيات الفقيه وفي سيرة المعصومين أن تلاميذهم الفقهاء كانوا متعددين أمام مرئى المعصوم وما كان فقيها واحدا.
لاحظوا أصحاب الرضا والجواد والهادي علیهمالسلام كلها من تعددية جهاز المرجعية والفقهاء، أبان بن تغلب كان وفضيل بن يسار كان وكلّها كانوا في كوفة فما كان انحصارا. هذه ظواهر مهمة في مفاد العمومات.
في صحيحة محمد بن مسلم قلت لأبي عبد الله علیهالسلام إن عمار الساباطي روى عنك رواية. قال: و ما هي؟ قلت روى أن السنة فريضة. فقال: أين يذهب أين يذهب ليس هكذا حدثته.
«هنا الإمام علیهالسلام بيّن أنه ليس الكذب الفاعلي بل اشتبه وإنما الكذب الخبري. فهنا الصدق الفاعلي والكذب الفاعلي والصدق الخبري والكذب الخبري. الكذب الفاعلي يعني يتعمد الكذب وقد يكون صادقا فاعليا لكن خبره كذبا و قد يكون كاذبا فاعليا وخبره صدق خبري.
إذاً هناك تفكيك بين الصدق الفاعلي والصدق الخبري. هنا الامام ما كذّب فاعليا بل قال أين يذهب، يعني أن الفهم له دور في خزن المعلومة فيخزن المعلومة بشكل اشتباه ثم ينقله. من ثمّ علماء الرجال لا يعتمدون على أنه ثقة فقط ولايكذب بل أيضا يؤكدون على ضبط الراوي.
أصلا كلمة الضعيف في الرواة ليس بمعنى تعمد الكذب وهذا يصر عليه البهبهاني والمحقق البحراني في الرجال وهو زعيم الأصوليين في زمن الشيخ سليمان الماحوزي وأستاذ والد صاحب الحدائق، هؤلاء الكبار ولعل الميرداماد يصرون على أن معنى الضعيف عند النجاشي أو الطوسي أو ابن الغضائري يعني عدم الإتقان والضبط العلمي يعني أنه ضعيف في الضبط العلمي والوحيد البهبهاني عنده فوائد رجالية في مقدمة تعليقته على كتاب منهج الرجال للميرزا محمد الاسترابادي الأصولي وطبعت الان مع التعليقة وفيها فوائد رجالية كثيرة، هي بمثابة قواعد رجالية في علم الرجال. هناك يؤكّد على ذلك أن الضعيف بمعنى أنه ليس متقنا خبرويا في علم الحديث بل كان متساهلا بمستوى ضعيف وهذه ملحمة علمية في علم الرجال ملحمة كبرى ولا تأخذوها إرسال المسلمات.
اصطلاح علم الرجال مهم هل هي كما يدعونها المتأخرون أو لا. مثل كلمة الصحيح في وصف الخبر أنه وصف للخبر فعلي لا فاعلي بمعنى الطريق ولم أجد كلمة الصحيح في كتاب النجاشي بمعنى الصحة الفاعلي بل في موارد كثيرة صريحة أن الصحة بلحاظ الصدق الفعلي يعني المضمون في نفسه. وابن الغضائري كل كتابه هكذا و الطوسي في الفهرست أو التهذيبين. فهناك عندنا صدق خبري وصدق فاعلي أو مخبري.
حجية الخبر بأي لحاظ؟ الصدق الخبري أو الصدق المخبري؟ أيهما أهم؟ بلحاظ مطابقة التفاصيل للأسس الدستورية المهم التطابق الخبري. ما هو القانون الدستوري؟ لأن الجريدة الرسمية أو الناطق الرسمي باسم البرلمان الوزارة المعينة لا يقرر دستورية القانون بل دستورية القانون بتطابق المتن القانون الدستوري للأسس القوانين الاجمالية الدستورية تطابق خبري وليس تطابقا فاعليا هذه نكتة مهمة. حجية الخبر أين؟ فاعلي أو فعلي؟ عندما يقول القرآن «هو الذي أنزل عليك الكتاب مصدقا لما بين يديه» هذا التصديق فعلي وليس فاعليا. يعني الكتب السماوية متطابقة مع بعضها البعض. يعني الدين واحد متطابق بين الأنبياء تطابق المتن والمتون والكتب السماوية مع بعضها البعض.
«لو كان من عند غير الله لوجدوا فيه اختلافا كثيرا» هذا بلحاظ المضمون والمتن. إذا كان المدار هذا يكون نفس آية النبأ «فتبينوا أن تصيبوا قوما بجهالة» اكثر الأصوليين اعترفوا بان هذه الاية تمنع حتى من حجية خبر العادل لأن الاحتمال موجود في خبر العادل بخلاف تبين المضمون فالمدار على المضمون والراوي واعتبار الراوي هامشي فالصدق الخبري هو المدار وهو يتوقف على الفقاهة وليس يتوقف على راوية الراوي ووثاقة الراوي. عدم التعمد في الكذب ليس كل شيء.
على اية حال هذه نكات تحليلية صناعية في معنى حجية الخبر بين مدرسة القدماء من الصدوق والمفيد والمرتضى والكليني الى الشهيد الأول والوحيد البهبهاني ومدرسته هذه نكات مهمة. «أين يذهب» يعني أنه لم يكذّبه فاعليا بل خبريا.
نرجع الى الرواية. «إنما قلت له من صلى فأقبل على صلاته لم يحدث نفسه فيها «لم يتكلم مع نفسه المحادثة مع النفس» أو لم يسه فيها أقبل الله عليه ما أقبل عليها فربما رفع نصفها أو ربعها أو ثلثها أو خمسها و إنما أمرنا بالسنة «النوافل» ليكمل بها ما ذهب من المكتوبة.
فهم العمار ان النوافل فريضة كما أن المكتوبة فريضة واستنتج ان السنة مكمل لنقص المكتوبة والمكتوبة فريضة فالمكمل لنقصها فريضة فنصب ذلك الى الامام الصادق علیهالسلام.
علم الراوي وضبط الراوي العلمي يؤثر في صدق الراوي الخبري لا المخبري.
هذا شاهد على أن السنة بمعنى الندب تتقابل مع الفريضة.