الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/10/21

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ الوجوب واقسام الحكم التكليفي

طبعا أحد الشواهد سابقا ذكرناها في أقسام الحكم الشرعي ما ورد من استعمال الشارع الكراهة في الحرمة والتفرقة بينها وبين الكراهة الاستعمالية. عن أبي عبدالله علیه‌السلام قال: كان رسول الله عزوف النفس وكان يكره الشيء ولا يحرمه فأتي بالارنب فكرهها ولم يحرمها. [1]

كما مر، المقصود هو تفاوت درجة الإلزام، لأن المتفق عليه أن الإرنب من المسوخات «كالاتفاق عند الأعلام» وهو محرم باصطلاح المتأخرين لكن باصطلاح البيان الشرعي هناك فرق بين الحرمة والكراهة.

أيضا شاهد آخر مضافا للشواهد التي مرت بنا أمس لأقسام الحكم التكليفي زيادتها عن الخمسة ما ورد من الروايات الكثيرة في عقوبة تارك قضاء حاجة أخيه المؤمن ولم تذكر في الروايات العقوبة الأخروية الأبدية إنما ذكرت عقوبة البرزخ وعقوبة القيامة والمعروف الفتوى بالاستحباب مع أن العقوبة مخيفة. هذا نموذج من الموارد التي أفتى فيها المتأخرون بالاستحباب بينما فيها ضرر العقوبة في البرزخ والقيامة.

شاهد آخر: إن الأعلام في موارد اختلفوا في اللزوم مثلا في غسل الجمعة أو خصوص الإقامة السيد الروحاني ذهب الي الاحتياط الوجوبي. إذا يلاحظ لسان الروايات سنرى أن سبب الاختلاف هو إذا جعلنا المعيار العقوبة الأبدية لا محالة يفتى بالاستحباب أما إذا جعلنا اللسان أعم في بيان معنى اللزوم فيفتى بالوجوب وسنرى أن هذه الموارد سبب الاختلاف فيها هو تشويش تعريف ماهية الوجوب لدى الأعلام في غسل الجمعة أو الإقامة من الموارد التي فيها الاختلاف بين المتأخرين

من الموارد التي تدل على تشويش تعريف الوجوب عند المتأخرين ما يقولون أن الأقوى كذا أو الأظهر كذا، وإذا نراجع الأدلة سنرى أن السبب هو التشويش في تعريف ماهية وحدود الوجوب.

بنقل آخر عن الأحناف المكروه عندهم ينقسم الى كراهة تنزيهية وكراهة حزازة أو غضاضة وكراهة شديدة يعبرون عن مرتكب الكراهة الشديدة بالمسيء وإن لم يرتكب المعصية وهذا في كلمات المتقدمين عندنا موجود هو مسيء وإن لم يكن عاصيا. فيه مسيء وفيه عاصي وفيه آثم هذه درجات شدة الحكم التكليفي أو ارتكب خطيئة موبقة تدل على درجات الشدة لديهم.

أحد التعاريف التي ذكرت في الوجوب هو الفعل الذي فرضه الله تعالى على العباد ولم يرخص لهم في تركه ولم يأخذ فيه العقاب اللأبدية.

نقل آخر عن الأحناف أنهم ذهبوا إلى أن الوجوب أقل الفرض وهو ما ثبت بدليل فيه شبهة يقصدون بذلك الدليل الظني ويسمونه فرضا عمليا والتارك له لا يعاقب بالنار وإنما يحرم من شفاعة الرسول .

طبعا المحروم من شفاعة الرسول لا ينجو من عقوبات يوم القيامة لأن الأهوال في القيامة لا ينجى منها لا بالأعمال الصالحة ولا بالايمان بل حصرا بشفاعة النبي وآله صلوات الله عليهم وهذه موجود في عدة بيانات. هنا تعبير وتقسيم لا بأس به وموجود عند الأعلام الامامية المتقدمين.

السنة المؤكدة لا يعاقب بالنار الابدي لكن يعاقب يوم القيامة ويكون واجبا بمعنى السنة المؤكدة والتارك لا يعاقب بالنار وإنما يحرم من شفاعة الرسول. أصلا بعض الروايات عندنا في النار البرزخية. «أغرقوا وأدخلوا نارا» في جملة من الاحكام لا يعاقب بالنار الأبدية لكن يعاقب عليه بالنار البرزخية أو الأهوال في يوم القيامة أو الألوان الأخرى من العذاب.

عبارتهم هكذا: إن الوجوب وهو أقل الفرض يكون فيه الدليل الظني ويكون الواجب بمعنى السنة المؤكدة والتارك له لا يعاقب بالنار وإنما يحرم من شفاعة الرسول والبعض ذكر في تعريف الواجب انه ما يستحق بالنار.

فيه تقسيم اخر عندهم في المندوب عند القدماء أو العامة أن المندوب فيه ثلاثة تقسيمات: ما يكون مكمّلا للواجبات الدينية كالأذان بالنسبة للصلاة وهذا النوع لا يوجب تركه العقاب ولكن يوجب اللؤم والعتاب والقسم الثاني السنة المؤكدة هي ما واظب عليه النبي مع نقل الترك أحيانا ومر بنا الكراهة التحريمية والكراهة التنزيهية عند الاحناف الكراهة التحريمية فيها زجر شديد قريب الحرمة بخلاف الكراهة التنزيهية التي ليس فيها ذلك المستوى من الزجر.

في رواية يونس بن عمار قال: سمعت أبا عبد الله عليه السلام يقول: تحرم الزكاة على من عنده قوت السنة، وتجب الفطرة على من عنده قوت السنة وهي « أي الزكاة» سنة مؤكدة على من قبل الزكاة لفقره، « يعني ليست واجبة باعتبار ان شرط زكاة الفطرة عدم الفقر» وفضيلة لمن قبل الفطرة لمسكنته، « بالنسبة للمسكين دون السنة المؤكدة» دون السنة المؤكدة والفريضة. [2]

نفس الرواية فرق بين السنة المؤكدة و الوجوب والفضيلة.

أيضا رواية أخرى مروية في الاحتجاج من التوقيعات الناحية المقدسة عن الحميري من فقهاء الشيعة في الغيبة الصغرى ترجمة علماء غيبة الصغرى مهم جدا لانهم كثيرا منهم تشرفوا بمشاهدة صاحب الزمان وكثير منهم ادركوا الامام الحسن العسكري علیه‌السلام وهو قام بتشريف علماء الامامية لصاحب الزمان بدفعات فترجمة هؤلاء العلماء مهمة وفعلا كانوا أطواد وكبار، منهم أحمد بن إسحاق الاشعري وعبدالله الحميري وابنه وكلهم فقهاء عظيمون وسعد بن عبدالله مات في وسط الغيبة الصغرى ويعتبر محطة لطبقات الرواة وأستاذه كان الصفار صاحب بصائر الدرجات. المقصود علماء الغيبة الصغرى ضروري أن يكون فيهم دراسة خاصة لأن هؤلاء عينة العلماء الامامية وهم حلقة الوصل بين فترة ظهور الائمة وفترة غيبة صاحب الزمان فالحلقة مهمة. منها الصدوق الاب وابن قولوية الاب وكلهم كبار واشعريون.

هنا علم الرجال ليس علم الرجال بل يصير بنية مهمة لبحوث العقائد فليس علما روتينيا بل برهانا على مذهب الامامية. هارون أبو موسى التلعكبري زعيم الطائفة ادرك أواخر الغيبة الصغرى وأوائل الغيبة الكبرى كان فقيها وبحرا في الحديث وأغلب مدن الشيعة ارتحل ليجمع الحديث والتراث. على كل، وجوه كبيرة من علماء الامامية في أوائل أو أواسط أو أواخر الغيبة الصغرى وهؤلاء كانوا مسلمين ومنقادين للنواب الأربعة. هم يلقون بالأسئة على الامام العسكري والإمام الهادي علیهما‌السلام وأيضا لتميم الاطمئنان في معرفتهم بالائمة والائمة ربوا شيعتهم على ان يمتحنوا معرفتهم بهم بدوام السؤال والاسئلة العلمية وليس عمياوية. إذا كان سيرة تلامذة أتباع الائمة هكذا مع الائمة فما بالهم مع النواب الأربعة. إذاً القضية ليست كما يحاول البعض أن يصوّروا أنها تلاعب أعوذ بالله بل كانوا نجوما من العلماء والجسر الواصل بين الأئمة وعموم المؤمنين.

هذا التوقيع الصادر من الناحية المقدسة الى الحميري وفيه : فأجاب عليه السلام التوجه كله ليس بفريضة والسنة المؤكدة فيه التي هي كالاجماع الذي لا خلاف فيه: وجهت وجهي للذي فطر السماوات والأرض حنيفا مسلما على ملة إبراهيم، ودين محمد، وهدى أمير المؤمنين ... [3]

على هذا التعبير في السنة المؤكدة تقريبا تعريف الحنفية مأخوذ من الروايات كما ذكرنا. ان شاء الله بقية الشواهد نواصلها.


[1] تهذيب الاحكام 9 / 43.
[2] الوسائل، ج6، الباب2 من أبواب زكاة الفطرة، ح11، ص224.
[3] البحار الانوار: 53 / 160.