43/10/08
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ دلالة الأمر على الوجوب
كان الكلام في الجهة الثالثة أو الرابعة من جهات دلالة مادة الأمر؛ كيفية دلالتها على الوجوب.
طبعا مادة الأمر تختلف عن هيئة الأمر لكن الكلام نفس الكلام في هيئة الأمر بل هذه الجهة نفسها تتكرر في مادة النهي وهيئة النهي.
هناك لدى الاعلام تقريبا ثلاثة أقوال رئيسية؛ قول بأنه الدلالة بمقتضى الوضع أو بمقتضى الاستعمال وقول بمقتضى الإطلاق يعني الدلالة الجدية أو التفهيمية وقول بأنه بمقتضى حكم العقل، هذا أيضا نوع من الدلالة الجدية لكن ليس الدلالة الجدية الأولى بل الجدية الثانية أو يمكن أن يقال الدلالة الجدية النهائية، لأنه مر بنا أن دلالة الكلام على مراتب؛ دلالة على المعنى الوضعي بنحو التصور ودلالة الكلمة والكلام على المعنى الاستعمالي والمعنى التفهيمي والمعنى الجدي الأول والجدي الثاني والثالث وهلم جرا، باعتبار أن الجدية عند جملة من الأعلام أيضا مراتب وليست مرتبة واحدة.
فإذاً هذا الاختلاف في الحقيقة في أن الوجوب هل يستفاد من مادة الأمر في مرحلة الوضع أو مرحلة الاستعمال أو مرحلة التفهيم أو مرحلة الجد الأول أو مرحلة الجد النهائي؟ وفي الحقيقة هذه المراحل لكل منها خصوصية، أي مادة من مواد الظهور ومواد المدلول تارة تعتبرها بمقتضى الوضع وتارة تعتبرها بمقتضى الاستعمال تارة تعتبرها بمقتضى التفهيم أو مرحلة الجد الأول أو الجد النهائي، هناك فرق بين هذه المراتب لأنه كما ذكروا أن الترتيب بين هذه المراحل بنحو الوارد والمورود، بمعنى أن المرحلة المتقدمة تكون واردة على المرحلة المتأخرة أو بعبارة أخرى أن عناصر الدلالة للمرحلة المتأخرة مورودة لعناصر الدلالة في المرحلة المتقدمة كتقدم الموضوع على الحكم أن الدليل الذي يتصرف في الموضوع يكون واردا على الدليل الذي يتصرف في الحكم، كذلك مراتب الدلالة لها أهمية لأنها وارد ومورود والورود أقوى في الدلالة من الحكومة.
فمراحل الإثبات هكذا؛ الوضعي والاستعمالي والتفهيمي والجدي الأول والجدي النهائي أو الجدي الثاني ربما مراحل الجد تتكثر وفي الثبوت عكسها.
المتكلم أولا عنده الجد النهائي ثم الجد غير النهائي ثم التفهيمي ثم الاستعمالي ثم التصوري، فمن ناحية الثبوت عند المتكلم الأمر متعاكس عن ناحية الاثبات عند المخاطب أو عند السامع وهو يعبر عنه بالثبوت. أما عند السامع أو المخاطب فالمراتب بحسب الإثبات. هذه أيضا نكتة لازم ان نلتفت اليها.
إذاً هذا الاختلاف بين الأعلام ليس اختلافا عبطا بل له ثمرة، ما هو المتقدم والمتاخر والمعروف لديهم، هل الوجوب بمفاد الوضع أو الاستعمال أو هو بمفاد الاطلاق أو هو بمفاد حكم العقل؟
إذا كان الوجوب من حكم العقل لماذا يكون من باب الدلالة ولم لا يقال أنه من حكم العقل؟ لم قالوا انه من باب الدلالة مع أنه حكم العقل مع ذلك من باب الدلالة وهل الأحكام العقلية طرا من شئون الدلالة أم لا؟ هذه نكتة مهمة ملحمية في بحث دلالة الأدلة.
يمكن ان يصاغ هذا التساؤل الأخير: أن القرينة العقلية قرينة الظهور أو أن القرائن العقلية أحكام عقلية مغايرة لبنية الظهور والمدلول أو يقال بالتفصيل؟ هذا البحث ملحمي ونكتة مهمة.
القرائن العقلية متى تكون من أجزاء الظهور ومتى تكون خارجة من الظهور؟ بحث محل ملحمة بين الأعلام.
إجمالا فإذاً إما بمقتضى الوضع والتصور أو بمقتضى الاطلاق أو بمقتضى الحكم العقل.
الاطلاق يعتبرونه من عناصر الدلالة الجدية، الاطلاق في مقابل التقييد وفي مقابل العام. العام دلالته وضعية أما الإطلاق من بنية الظهور الجدي، من ثم إذا تعارض الدليل العام والدليل المطلق يقدم الدليل العام على الدليل المطلق في التعارض لأن العموم دلالته في مرتبة الوضع بينما الإطلاق دلالته في مرتبة الجد والجد متأخر عن الدلالة الوضعية.
إجمالا من بنى على انه من باب الاطلاق يعبر عن هذا القول أن الوجوب دلالة اطلاقية ومن بنى على انه من حكم العقل يعبر عنه أن الوجوب دلالة عقلية لفظية ومر بنا التساؤل بالفرق بين الدلالة العقلية البحطة والدلالة العقلية اللفظية في مورد يكون العقل قرينة من قرائن الألفاظ. فالتساؤل هكذا: ما الثمرة بين اأ نجعله من الدلالة العقلية البحطة أو نجعله من الدلالة اللفظية العقلية؟ تارة العقل يتدخل في بنية الظهور وتارة لا يتدخل في بينة الظهور بل النتيجة النهائية للمفاد و الظهور يترتب عليه أحكام عقلية كما يترتب على الأحكام الشرعية ثواب وعقاب. لان هناك فرقا بين الأحكام العقلية المترتبة على مفاد الظهور وبين الحكم العقلي الذي يتدخل في بنية الظهور والعنصر من عناصر الظهور. الأعلام فرقوا بينهم.
طبعا جملة من الأعلام ذهبوا الى أن دلالة مادة الأمر أو هيئة الأمر أو مادة النهي أو هيئة النهي على اللزوم الوجوب والحرمة بحكم العقل. جملة أخرى من الأعلام مثل صاحب الفصول والمحقق العراقي ذهبوا الى ان دلالته بالاطلاق والقدماء جملة منهم ذهبوا الى ان دلالتها بالوضع أو الاستعمال.
هذا المبحث حساس يعني هي بداية مباحث حساسة معقدة يومية في يوميات الاستنباط. مر بنا فيه بحث الإثبات وبحث الثبوت. بالتالي عالم الدلالة عالم الإثبات وفيه عالم الثبوت ماذا فرق الثبوت عن الاثبات؟ هذا مبحث مهم. أصل التفرقة بين الاثبات والثبوت. أو افترض الحكم الظاهري والحكم الواقعي هل هذا نفس المبحث أو أن الإثبات على أقسام وليس منحصرا في الحكم الظاهري.
إجمالا في عالم القانون والأحكام ماهو معنى الثبوت؟ هنا في الحقيقة بشكل أبرز موجود. علم الأصول ينشق على مسارين مسار البحوث الثبوتية ومسار البحوث الاثباتية وهذا مبحث جدا مهم. علم القانون في نفسه ومنظومة القانون في نفسها وقد يقال لوح المحفوظ بحوث ثبوتية ولهانظام ومنظومة معينة ويجب أن نخلط بينها وبين منظومة الإثبات والان مر بنا ان الاثبات لا ينحصر بعالم الدلالة مثلا الحكم الظاهري يعبر عنه بعالم الاثبات وليس بالضرورة المراد من الحكم الظاهري الدلالة. الجمع بين الحكم الظاهري والحكم الواقعي ما المراد به الدلالة أو الأعم؟ فالإثبات ليس مختصا بالدلالة بل الاثبات أعم. أحد عوالم الدلالة هو الاثبات. الثبوت أيضا أنواع وأقسام لكن عموما هو متن القانون وواقع الأحكام بغض النظر عن الدلالة وبغض النظر عن الإثبات.
هنا شيء مهم يجب ان لا يخلط الباحث بين مباحث الاثبات ومباحث الثبوت. غالبا مباحث الثبوت في علم الأصول من أوله الى اخرها متوازية مع مباحث الإثبات. فرسان رهانان. لكن يجب أن يميز بين كل مسئلة اثباتية ومسئة ثبوتية أو حيثية ثبوتية وحيثية اثباتية فتعريف علم الأصول بأنه علم باحث عن دليلية الأدلة تعريف جعل علم الأصول فقط في الاثبات وهذا خطأ وغفلة من الأعلام المتاخرين. أما التعريف القديم تعريف متين هو علم باحث عن القواعد الممهدة للاستنباط استنباط حكم فرعي أو حكم اصولي أو حكم تفسيري اوحكم أخلاقي أو حكم درايي لأن علم الأصول هو منطق يمنهج كل العلوم الدينية علم الأصول منطق العلوم الدينية. فهذه المنطق والمنهج العلمي للعلوم الدينية لا يختص بفقه الفروع بل الاخلاق والتفسير التاريخ الدينية وعلم الرياضة الروحية الدينية وعلم الرجال وكل العلوم
فإذاً علم الأصول منفتح على العلوم كلها وفيه مساران مسار اثباتي ومسار ثبوتي. هذا العالم الثبوت اصطلاحا في علم القانون وعلم القوانين يعبر عنه بأصول القانون في مقابل مدرسة فقه المقاصد أو مدرسة روح الشريعة مدارس متعددة. بخلاف عالم الاثبات مسار آخر.
فالوجوب هو من بحوث ثبوتية نفس الوجوب، أما الدلالة على الوجوب بحث إثباتي. هل الدلالة وضعية أو الاستعمالية أو التفهيمية أو الاطلاقية في الجد أو العقلية؟ هذا التقسيم بين الاثبات والثبوت هل هو موجود بين الاحكام العقلية أو لا؟ موجود. عندنا احكام عقلية في المعارف وعندنا احكام عقلية في فروع الدين والعقل شريعة من الشرائع فبالتالي بحث نفس الوجوب هو بحث ثبوتي والدليل على الوجوب بحث اثباتي.
لا بأس كفهرسة الاثبات طبقات في واقع الامر والثبوت طبقات أيضا. أنواع وطبقات ومراتب. هذه المراتب في الإثبات كل مرتبة متغايرة مع المرتبة الأخرى فالمرتبة الأخرى قد تعد ثبوتا نسبيا للاثبات الفوقي وهلم جرا. هذا لابد أن لا يشوش البحث عندنا. نظم هذه المباحث والتفسيمات يتقن لدى المستنبط استنباطاته اليومية في العلوم الدينية.
إذًا الوجوب بحث ثبوتي ماهو معنى الوجوب بغض النظر عن الدليل الدال على الوجوب. فرق بين الأمر والوجوب. الأمر من سنخ الدلالة والوجوب من سنخ الحكم. ما هو معنى الوجوب كي نبحث عن الدلالة عليه هل هو وضعية أو اطلاقية أو عقلية؟ يهتم الأصوليون بماهية عنوان الوجوب في مقابل الاستحباب. وطبعا هذا الوجوب وجوب تكليفي أو وضعي؟ الوجوب ينقسم الى الوضعي والتكليفي. وما هي خاصية الوجوب الوضعي وماهي خاصية الوجوب التكليفي؟ حتى الكراهة فيها كراهة تكليفية وفيها كراهة وضعية عند المشهور لا عند السيد الخويي. حرمة تكليفية وحرمة وضعية. وكذلك الاباحة والاستحباب. الاحكام الخمسة يمكن ان تعنون تكليفية ويمكن ان تعنون وضعية. طبعا هذا المبحث بحث ثبوتي وليس اثباتيا.
على كل هذا المبحث ذكره الاعلام بشكل ملخص لكنه بوابة الانفتاح على أعماق علم الأصول واتقان التقسيمات والتنويعات يتقن يوميات الاستنباط.
وان شاء الله نتابع البحث.