43/08/25
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الأوامر/ المعنى الوضعي والعقلي لمادة الأمر
كان الكلام في أن مادة الأمر أخذ في الوضع فيها أن يكون المستعمل فيها، له جهة ولاية وله موقعية عليا والكلام يقع على أن هذا القيد هل هو قيد في الموضوع له أو هو قيد في الاستعمال وشرط الاستعمال لكنه يحصص الموضوع له بالتالي يحصص المستعمل فيه أم ماذا؟
هذا البحث في الحقيقة بحث عنه الأعلام في المعنى الحرفي وكان أحد النظريات في المعنى الحرفي أنه عين المعنى الاسمي إلا أنه أخذ شرط في المعنى الحرفي أن الحرف يستعمل آليا والإسم ليستعمل بنحو اسمي وغير آلي وهناك خلاف بين الأعلام أن هذا الشرط ما هو مغذاه و ما هو حقيقته؟ وبالتالي هي أحد الوجوه التي ذكرت أن هذا الشرط من قبيل «ضيّق فم الركية» يعني المعنى الموضوع له هنا في مادة الامر أو المعنى الحرفي ليس مطلق الظرفية بل حصة منها بنحو تضييق حصة المعنى الموضوع له بحيث لو استعمل في حصة أخرى لما كان من باب الوضع بل من باب آخر، فبالتالي إذاً يمكن تضييق المعنى الموضوع ولو بلحاظ مرحلة الاستعمال ولو أن مرحلة الاستعمال متأخرة عن مرحلة الموضوع له أو حتي لو أخذ القيد في المرحلة الجدية أو التفهيمية أو المرحلة الاستعمالية. فيمكن أن يأخذ في الموضوع له قيود مضيقة أو تضييقات، لأنه مر هناك في المعنى الحرفي بنحو القضية الحينية أو بنحو العنوان المشير أو بنحو ضيق الملاك أنحاء بحيث ينتج نتيجة التقييد من دون وجود القيد، يعني أن القيد غير مأخوذ ماهويا في معنى الموضوع له لكنه يضيق.
هذا مبحث في المعنى الحرفي سبق أن اثير من دون أن نأخذ القيد، لأن القيد فيه محذور، لكن نتيجة التقييد تكون حاصلة من دون قيد. هذا المبحث سبق في المعنى الحرفي ويتكرر في أبواب أصولية عديدة أن الأصوليين يعتمدون أنحاء أربعة في الوصول لنتيجة التقييد من دون قيد وتقييد.
سيأتي في بحث قصد الأمر أن القيد في أخذه محذور فما يمكن التقييد بالقيد لكنهم يضيّقون ويصلون الى نتيجة التقييد من دون قيد وتضيق دائرة الماهية أو دائرة الطبيعة فتكون حصة من دون تحصيص. هذا مبحث سبق في المعنى الحرفي وربما نكرره في بحث قصد الامر.
المهم عدة آليات عند الأصوليين المتأخرين علاجات أربعة يمكن الوصول بها الى تقييد من دون قيد. إذا كان هذا متصورا فههنا هكذا؛ مادة الأمر لم يأخذ فيها قيد في الاستعمال أو الجد أو التفهيم لأن هذه القيود متأخرة فكيف تأخذ في المتقدم، لكن يمكن الوصول الى الضيق هذا من دون أخذ القيد، كأن نقول مادة الامر إنما وضعت لمن يستعملها من موقع الولاية والعلو، أما من يستعملها من موضع مساوي أو داني لم يستعمل مادة الامر في ما وضعت له.
من هذا الباب إذا اتضح إجمالا وفهرستا، ما قاله اللغويون في هيئات الإنشاء؛ أن الإنشاء وضع للتمني والترجي والاستفهام والسؤال والزجر مع أنها دواعٍ فكيف تأخذ في المعنى المستعمل فيه وكيف يقال ان الإنشاء وأدوات الانشاء وهيئات الإنشاء عموما وضعت لتسعة معان؟ من هذا الباب مع أنها دواعي يعني أن الداعي متقدم على المدعو له، فمثلا عندما يقصد في الصلاة والصلاة نوع من الإنشاء، الصلاة مقصودة يتعلق بماهية الصلاة في الذهن أو خاطرة القلب يتعلق بها قصد المكلف، فعندنا المقصود وهو الصلاة والقصد وهو فعل المكلف وعندنا دواعي القصد كقصد القربة والامتثال وهلم جرا.
كيف عندنا ثلاث أمور ومقاطع في بحث العبادة والنية العبادية وما شابه ذلك، كذلك الحال في باب الانشاء، هناك معنى ملتفت اليه وهناك التفات أو النية والقصد وهناك دواعي القصد مثل الترجي والتمني.
التمني والترجي والاستفهام القلبي تكوينية ينشأ بها الاستفهام الانشائي أو التمني الانشائي أو الترجي الانشائي فالدواعي التسعة التي ذكروها للإنشاء هذه الدواعي صفات للنفس أو الروح أو قلب الانسان وأفعال لقلب الانسان وهذه الأفعال ما مأخوذة كقيد في المعنى الموضوع له في هيئة الإنشاء لكنها محصصة بهذه الدواعي، من ثمّ يقال أن هيئة الإنشاء مشتركة لفظية بين هذه المعاني الانشائية وإن كان بينها جامع اشتراك فمن باب الوضع العام والموضوع له الخاص. فإن لم يكن من باب الاشتراك اللفظي لكن من باب الوضع العام والموضوع له الخاص في هيئة الإنشاء، قررها علماء البلاغة وفي محله و متين.
إجمالا هكذا وسيأتي في هيئة الأمر: متى يقال لهيئة الامر أنها هيئة الأمر؟ إذا لم تكن هيئة الترجي أو هيئة الدعاء أو التمني، يعني لم يكن إنشاء في صدد العناوين الأخرى للإنشاء بل إنما في صدد إنشاء الأمر. إذا كان المتكلم يستعمل الهيئة «لا المادة في الأمر» بداعي الأمر فلابد من موقع العلو فتكون دالة على الوجوب. فإذًا متى يقال للهيئة الانشائية افعل أو ليفعل هيئة الامر؟ إذا يستعملها من له موقع العلو أي من مقام الولاية حينئذ يقول أمر. حتى لو استعمل هيئة الأمر «إفعل» يقال «أمر» إذا كان استعملها بداعي الأمر يعني موقع العلو أما إذا لم يستعملها من موقع العلو يقال لها الالتماس والطلب والترجي إذا كان من الداني الى العالي يقول ترجاه وتمناه واستشفعه من هذا القبيل. إذاً هيئة الامر انما تكون أيضا هيئة الأمر إذا كان بداعي الامر أو الداعي من موقع الولاية والعلو من المتكلم. هذه زاوية مشتركة بين مادة الأمر وهيئة الأمر.
إذا هذا البحث والبعد اللغوي صار واضحا وهو يعتمد على ما مر بنا من التوصل الى الضيق في الماهية والمعنى الموضوع له عبر المعالجات الأربعة من دون أن يكون القيد مأخوذة . هذه جهة ثانية في مادة الامر.
هذه البحوث بعينها تأتي في مادة النهي وهيئة النهي. قبل أن ندخل في الجهة الثالثة نكرر ما مر بنا في نهاية الجهة الأولى أن مادة الأمر لم تستعمل في الطلب الانشائي وان اشتهر ذلك. الطلب هو عبارة لغة عن تصدي الطالب لتحصيل المطلوب ومادة الامر ليس فيها الطلب. بل هي مصداق للطلب لا أن المعنى المستعمل فيه في مادة الأمر أو هيئة الأمر كما سيأتي هو الطلب أو نسبة طلبية. بل المستعل فيه والموضوع له في مادة الامر أو هيئة الامر كذلك في مادة النهي وهيئة النهي هي في الحقيقة نسبة باعثية ونسبة محركية ونسبة الإثارة ما شئت فعبر من موقع المولوية فتحريك فيه. طبعا هذه مادة الأمر المعنى الموضوع له في مادة الامر هل يحلل العقل منها معاني أخرى؟ نعم. المعني البارز الأولي هو الباعثية والمحركية. هل فيه الوجوب أو لا؟ لنتدبر سيأتي البحث. المعنى الذي ذكره السيد الخويي وضع الفعل في ذمة المكلف هذا أيضا صحيح لكن بالتحليل والمداقة يستخرج العقل هذه المعاني، لا أنه في الوهلة الأولية هذه المعاني بادئة مرتسمة مثل ان نقول الفرق بين الجنس البعيد والجنس القريب ما هو؟ الجنس القريب بادي النظر والجنس البعيد قد يكون خفيا. كما أن الفرق بين الفصل القريب والفصل البعيد الفصل القريب بيّن وهذه لطيفة يعني عملية التحليل من العقل للمعنى فيها طبقات ظهورا وجلاء وخفاء للعقل وللخاطر وللالتفات.
فالمعنى عندما يقال مادة الأمر وضعت للنسبة الباعثية أو المحركية هذا المعنى بادئ للسطح من المعنى أما هناك معاني أخرى مثل ما ذكره السيد الخويي جعل الفعل في ذمة المكلف فهل هذا تحليلي مطوي أو هو بمعونة حكم العقل أو ماذا سيأتي. بالتالي هناك معاني أخرى ولا تدافع في هذه الأقوال. عادة يكون منهجنا الجمع بين الأقوال مهما أمكن لا من باب الإصرار على الصلح بين الأقوال لكن الأقوال ذات منشأ وشاهد إجمالا صحيح.
إذاً عندما نقرر أن مادة الأمر أو هيئة الأمر هي مصداق الطلب يحدث الخلط بين المصداق والمفهوم، مادة الامر استعملت في المصداق واستعملت في النسبة الباعثية لكنها هي مصداق الطلب، هذا من باب وضع الشيء أو استعمال الشيء في المصداق. عكس ما مر في وضع الأمر لمعنى الأمور لا الأوامر. استعملت في العنوان المفهوم الكلي وظن أنه يستعمل في المصادق. وهذه عملية جدلية ترقصية لازم تلتفت في موارد المصداق هو المستعمل فيه أو في موارد العنوان هو المستعمل. ويأثّر جدا في يوميات الاستنباط باعتبار أن المعنى المستعمل فيه أو التفهيمي أو الجدي هو قالب القضية القانونية التشريعية، فهل أخذ المصداق أو أخذ الكلي المفهوم السابق عليه. يأثّر في كلية الحكم، وإن كان في باب الاستظهار المعنى الاستعمالي ليس هو نهاية المطاف لابد من تحرير المعنى التفهيمي ثم تحرير المعنى الجدي بل عند الأصوليين لاسيما صاحب الكفاية ليس عندنا معنى جدي واحد بل جدي أول وجدي ثاني وجدي ثالث وهلم جرا وهذا صحيح يعني حتى المعنى الجدي مراتب وليس مرتبة واحدة.
«يا مريم اقنتي واركعي مع الراكعين» «إن الله اصطفاك وطهرك» استعمل ويراد جدا للمريم لكن ليست هي الجد النهائي بل هي جدي أولي تمهيدي والمراد الجدي النهائي فاطمة الكبرى سلام الله عليها. إياك أعني واسمعي يا جارة.
القرآن تكلم عن غيبة النبي يوسف وغيبة كثير من الأنبياء ومراده النبي يوسف لكن المراد الجدي ليس يوسف آل يعقوب بل المراد يوسف آل محمد صلوات الله عليهم. إن في قصصهم عبور وجسر العبور. لازم أن تقصد الجسر لكنه جسر وليس المقصد النهائي. هذه قاعدة عظيمة في القرآن الكريم. «ان في قصصهم لعبرة» ولم يكتشفها إلا أهل البيت علیهمالسلام إن كل ما ذكر من حالات الأنبياء والرسل إنما هي شرح لشرح الدائرة الاصطفائية الأولى في أهل البيت أو الدائرة الاصطفائية الثانية، هم اولئك المقصودون.
نرجع الى نفس المطلب وهو أن صاحب الكفاية أن المراد الجدي ما لا يتناهى شريطة أن يكون الانتقال من طبقة الى طبقة بموازين والشواهد وهذا معنى قوله صلى الله عليه وآله رب حامل فقه الى من هو أفقه منه. وهو ليس بفقيه بما يمتلك الأفقه من الفقه. هذه نكتة جدا مهمة في بنيان الظهور من نفس هذا المبحث الأصولي. ننطلق أن التأويل من الظهور. هذه يتبنى عليه صاحب الكفاية تقريبا ولازم كلام صاحب الكفاية تشييد صناعي لدعوى السيد المرتضى يقول: فيه ظهور خفي وظهور جلي. كيف يمكن؟ هذا صحيح، ظهور لكنه خفي .هذا بنيان مهم من نفس هذه البحوث الأولية من أبواب الأصول نلتفت الى أن حجية الظهور وبنيان الظهور، أي مراتب هي وأي بنيان هي. بحث مهم حساس في كل العلوم الدينية سواء في الفروع أو العقائد أو التفسير أو الأخلاق. مسلك واحد.
فبالتالي نعم مراتب من الظهور يجب الالتفات اليها، فهنا عندما يقال مادة الأمر وضعت في باءئ النظر الى نسبة باعثية محركية، بعده معاني دقية عقلية يستخرجها الأصوليون لا مانع منه. نعم تلك المراتب إنما شركت الاستخراج لها العقل وليس العلوم اللغة المفردات، يسخرجها الفقيه لا اللغويين. نهاية لابن اثير لم يستخرج كل ما استخرج الفقهاء والعلماء عموما في العلوم الدينية يستخرجون من الظهور وبنيان الظهور ما لا يستخرجه عالم اللغة. نفس علماء اللغة عالم البلاغة في علم المعاني يستخرج من المعاني ما لا يستخرج عالم اللغة في علم المفردات. لأن عالم اللغة البلاغي يعتمد آلية التحليل الدقي البلاغي. لاحظوا الأبواب الثمانية في علم المعاني. هذا من الظهور. حتى لو تريد أن تتعصب للبعد اللغوي في الظهور فعلوم اللغة أيضا درجات وليست درجة واحدة. قارن بين المعاني التي يستخرجها لسان العرب والمعاني التي يستخرجها علماء البلاغة في علم المعاني. المسند والمسند اليه والإسناد وأداة الحصر، نفس علماء المعاني بينهم طبقات في القوة والضعف، مما يدل على أن الظهور درجات وطبقات. نفس علماء اللغة في المفردات بين كتاب المقاييس أو كتاب العين للخليل والكتب الأخرى فيه تفاوت. خليل ابن احمد رحمهالله حاول أن يستنبط المعنى الواحد من موارد الاستعمال بخلاف غيره. إذاً لا تقول الظهور درجة واحدة بل كما قال السيد الأنبياء وأكد على ذلك أن فقه الظهور طبقات ودرجات، رب حامل فقه الى من هو أفقه منه.
يقع الكلام الجلسة اللاحقة في قضية الوجوب؛ كيف يستنبط الوجوب من مادة الأمر وهيئة الأمر هل هو دلالة وضعية أو استعمالية أو تفهيمية أو جدية أو جدية فوقية؟ أقوال في أن الوجوب من أين يصطاد. معنى تحليلي يراد اصطياده والفقيه صياد ماهر.