43/08/13
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المشتق/ تحليل المفردة في الظهور
كان الكلام في أدلة القول بالبساطة وهناك أدلة على التركب.
القائلون بالبساطة منهم المحقق الشريف الجرجاني، استدلوا: لو أخذ مفهوم الشيء في المشتق لتنقلب الفصول الى عرض عام لأن مفهوم الشيء عرض عام فأخذ هذا في مادة الفصول أو معنى الفصول يستلزم اخذ العرض العام في الفصل بالتالي يكون النتيجة عرضا عاما. هذا إذا أخذ مفهوم الشيء أما إذا أخذ مصداق الشيء فهو الذي استدل به صاحب الفصول ويلزم من ذلك انقلاب القضية الممكنة الى قضية ضرورية دائما باعتبار أن الشيء ثبوته للاشياء ثبوت الشيء لنفسه وضروري. مصداق الشيء هو نفس مصداق الشيء. زيد قائم يعني زيد زيد له القيام. هكذا الاستدلال عند المحقق الشريف.
استعرضنا أن الفلاسفة عمدة استدلالهم أن الأسماء الإلهية بسيطة وليس فيها التركب فالمشتقات التي يصاغ منها اسم الإلهي بسيطة وليست مركبة. القدرة صفة والقادر اسم والقوة صفة والقوي اسم والعلم صفة والعالم اسم. طبعا بينهم الفلاسفة والمتكلمين والعرفاء كلام أنه ما الفرق بين المبدأ يعني الصفات والاسماء؟ عمدة استدلال الفلاسفة دليل آخر أن الأسماء لابد أن تكون بسيطة وليست مركبة.
على كل: رد هذا الاستدلال إنقلاب الفصول الى أعراض عامة بأن الفصول المذكورة في كلمات المناطقة أو غير المناطقة ليست فصول حقيقية وإنما هي فصول مشهورية. هي في الحقيقة أعراض عامة يعبر بها عن الفصول الحقيقية.
لكن هذا الجواب ليس جوابا، فماذا عن الفصول الحقيقية إذا اكتشفناها و عبرنا عنها بالمشتق. هذا المقدار ليس جوابا. طبعا الناييني أجاب بجواب أخرى أن هذه الفصول حقيقية لأنه عبارة عن قدرة النفس لدرك الأمور. على كل هذا استدراك الميرزا الناييني تام فلسفيا أو غير تام بحث آخر، لكن بالتالي هذه فصول مشهورة فماذا لو اكتشفنا عن الفصول الحقيقية.
والحال أن الجواب هكذا: من قال أن مفهوم الشيئية عرض عام؟ مفهوم عرض لكن هذا المفهوم ملحوظ آليا لواقع الشيء. شيئية مشتركة واقعية للأشياء كلها، غاية الامر شيئية الله تعالى عنوان الشيء يبحث فلسفيا عقليا كلاميا أن الله تعالى شيء لكن لا كالأشياء، لأن المخلوقات يثبت لها الشيئية بمعنى أنها فعل المشيئة لله تعالى. كل عناوين الممكن والمخلوق حتى العناوين الذاتية والحقيقية كلها عبارة عن أفعال الله تعالى ولذلك يعني المخلوقات بالدقة لا ذات لها. ذات يعني انا رجل ليس لها. أنا جبل ليس. كلها أفعال الله و لا تستطيع أن تكتشف في المخلوق فصل أو جنس إلا هو فعل الله. غاية الامر هذا الفعل تجوهر وليكن لكن هو فعل الله وإلا الذات المستقلة عن كل شيء ليس إلا الله تعالى أما البقية بغيره يعني فعل الله تعالى بالتالي مفهوم الشيئية الموجودة في الباري تعالى مع الشيئية الموجودة في المخلوقات تختلف. الشيئية الموجودة في المخلوقات يقال لها الأشياء لأنها متعلق لمشيئة الله تعالى فالشيء بمعنى مشاء أما في شيئية الله تعالى أنها بمعنى أنه واقع قائم بذاته. فشيئية الباري له معنى والشيئية للمخلوقات له معنى آخر؛ شيء لا كالاشياء.
بالتالي هذا المفهوم «الشيء» مرآتي لواقع الشيئية لكن في الباري تعالى لذاته و في المخلوقات لغيره متعلق فعل الباري تعالى، على أي تقدير أخذ مفهوم الشيء إذا أخذ مراتية ليس فيه إشكالية تبدل الفصل الحقيقي الى عرض عام.
بعبارة أخرى في البحث العقلي أو الفلسفي أو الكلامي حرروا هذه المباحث؛ العناوين الكمالية مثل الوجود أو الشيء أو الكمال أو العلم أو القدرة والقوة هذه العناوين عبارة عن مفاهيم ينتزعه العقل من كمالات واقعية خارجية. فهي ملحوظة بما هي مرآة لواقعية خارجية لا أنها أخذت في الشيء بما هي هي المفهوم، وإلا نفس الكلام مثلا في الانسان نقول الانسان جوهر جسم المراد مفهوم الجسم أو واقع الجسم؟ بل واقع الجسم وواقع الجوهر، ثم هذا الواقع من الجوهرية وحدة سارية كلية في الخارج في جميع الجواهر وجهة جامعة جهة وجودية وليست جهة ماهوية من مقولات العشر لأن مقولات عشر ليس بينها جامع ماهوي لكن بينها جامع وجودي. فمفهوم الشيء حرروه في المعقول وليس شيء جديدا في هذه النقاشات والتشكيكات عند الاعلام حصلت غفلة عن هذا المطلب وهو المحرر في البحث العقلي عند المتكلمين أو عند الفلاسفة.
انه أخذ مفهوم الشيء ومفهوم الشيء مفهوم كمالي وربما مر بنا هذا المطلب نقلا عنهم اأ العناوين تارة متمحضة في الكمال يعبر عنها المفاهيم الوجودية وليست ماهوية وليست من المقولات العشر مثل العلم والقدرة والشيئية حتى الذات بالمعنى الاخر لا الذات بالمعنى الماهوي يعني واقعيته. هذه يعبر عنه كمالات الوجود عناوين متمحضة في الكمال الوجودي منتزعة عن الكمال الوجودي. هذه طبعا الأشياء الواقعية مشتركة فيها والاشتراك في الكمالات الوجودية مع التفاوت في درجات الكمال تشكيكية وتفاوتية درجات الكمال.
هناك عناوين ماهوية وهي التي تتركب في واقعها من المفاهيم الوجودية الكمالية مع المفاهيم السلبية والحدودية والمحددات. ففرق الماهية والماهيات عن العناوين الوجودية الكمالية هو هذا. ان المفاهيم الوجودية الكمالية ليس فيها مفهوم سلبي عدمي انعدامي وحدود وسلوب بل فيها تمحض في الكمال والوجود، وما أكثرها وقد يتخيل المتخيل والباحث في العقليات أنها ماهيات بل لا صلة له بالماهيات نقحت في مباحث ملاصدرا وغيره من المتكلمين بل قبله لكن بلورها أكثر ملا صدرا.
إذاً لدينا مفاهيم وجودية كمالية متمحض في الوجود وهناك مفاهيم مندمج فيها المعنى الوجودي الكمالي مع المعنى السلبي من ثم تسمى الماهيات فالماهية لا هي سلب محض ولا هي وجود محض بل ممزوج. فالماهية العقل يصطادها من مزج مفاهيم الوجود مع مفاهيم العدم. ثم تصير محدودة وهي مقولات العشر هذا مصطلح مفيد في موارد عديدة.
هنا أيضا كذلك أن مفهوم الشيء ليس بما هو مفهوم بل هو عنوان مشير الى واقعية خارجية لا أنه مصداق. ليس معناه زيد وعمرو وبكر وثبوت الشيء لنفسه بل إنما إشارة الى كمال وجودي خارجي. بهذا المقدار لا مانع.
من ثم استدلال محقق الشريف الاستدلال الثاني أو استدلال المرحوم صاحب الفصول بأن أخذ المصداق يستلزم انقلاب القضية الممكنة الى قضية ضرورية هذا أيضا ليس في محله لأنه ليس المراد زيدية زيد بل المراد شيئية عامة ثم الشيء العام وليس ثبوت هذا الشيء ضروري لأن هذه الشيئية مقيدة بالمبدأ قائم مثلا أو كاتب أو ضارب. فليس شيئية بقول مطلق وليس مصداق بقول مطلق بل بقيد أن له مبدأ وهذا ليس ثبوته ضروري.
هنا بيان لطيف من الأعلام تحليلي لمعنى الضارب أو المشتق ولو أخذنا مصداق الشيء فيه كي لا يكون اثباته ضروري. قالوا مثلا زيد ضارب: زيد شيء مصداق الشيء وله الضرب ينحل المشتق عقد الحمل الى عقدين. عقد زيد شيء وزيد له الضرب، بناء على التركب. يعني نفس عقد الحمل ينحل الى عقدين. إحداهما ضروري حسب دعوى صاحب الفصول والمحقق الشريف والثانية ليس ضروري. ولكن هذين العقدين عندما يحملان على زيد كيف تحمل قضيتان على زيد؟ في المفرد الذي تنحصر وتنمرج فيه القضيتان ليس حمل زيد ضارب بمعنى زيد شيء و زيد له الضرب بنحو يكون كل على حدة بل تندمجان هاتان القضيتان في عنوان مفرد وهو ضارب. هذا الاندماج ما ذا يعني؟ يعني هاتان القضيتان يجب ان يكون ينهما شرط وترابط فيحملان على زيد. وإلا كيف حملا في مفرد. ما هي النكتة اللطيفة؟
إذا قمنا بتحليل عقلي للمحمول الى قضايا أو قمنا بتحليل عقلي الى قضايا كما نقول الانسان يعني جوهر جسم نام حساس بالارادة وكذا فالإنسان عدة قضايا. عندما نقول الانسان عدة قضايا أو المحمول عدة قضايا هل هي بشكل مبعثر و مفكك ومجزء ومستقل أو ماذا؟ هذه نكتة مهمة. يقولون هذا بشرط ترابط القضايا في قالب واحد يلاحظ النسبة بين الموضوع والمحمول فتبقى ممكنة ولا تنقلب الى ضرورية. هذه نكتة صناعية منطقية لغوية أصولية ممتازة وهو أن المعاني التي يحلل اليها عقد الحمل أو عقد الوضع الى قضايا ليس بنحو مبعثرة ومفككة ومتباينة عن بعضه البعض بل بنحو الترابط بين القضايا كما يقال زيد شيء إذا له الضرب. بشرط يعني فتصير القضية الأولى بالثانية والثانية بالثالثة وهلم جرا. وإلا لما اندمجت في مفردة واحدة. فإذاً القضايا التحليلية نعم بها، لكن بهذا الشرط. هذا بحث حساس في تحليل المعاني المفردة إننا إذا نحللها فنحللها الى معاني لكن بشرط ان تكون مترابطة ومتشارطة فيما بينها. لا أن كلا منها بحر مستقل ولا صلة فيما بين بعضها البعض فكيف تصير مفردة.
أبين هذا المطلب لانه حساس يؤثر في مباحث الأصول ولعقليات والمعارف والتفسير ويقوم به علماء البلاغة في علم المعاني. تحليل المفردة الى معان يعني ترابط بين هذه القضايا. برهان آخر على هذا المطلب وبيان آخر. المحقق الشريف كان معروفا بالدقة المنطقية الشديدة وكان متضلعا فيه. وصاحب الفصول وغيره لكنهما وكثير اشتبهوا على هذا المطلب.
المطلب ان المفردة محمولا أو موضوعا إذا تم تحليل العقل لها الى معان ليس بمعنى معان مبعثرة ومفككة عن بعضها البعض بل مترابطة. الدليل على ذلك وبيان آخر: ما هو معنى المفردة؟ إن العقل يقوم بالدمج. تركيب عقلي لا بتركيب عرضي بل بتركيب دمجي في الهوية والماهية. متى يقدر العقل على الدمج؟ متى يقوم العقل على الدمج؟ إنما يقوم العقل على الدمج إذا ثبت له أن المحمول ثابت على الموضوع. إذا سلم العقل بصدق القضية يقوم بعملية الدمج. لذاك قالوا الحكم له المحمول. عند ملاصدرا رسالة في هذا المبحث رسالة قوية عن بحث القضية والتصور والتصديق وطبعت عدة مرات وهي من أرشق ما كتب في هذا المجال.
الحكم في القضية لا هو محمول ولا هو موضوع و لا هو نسبة تركيبية ولا هو نسبة ذهنية ولا هو نسبة خارجية. حتى الطباطبايي رحمهالله في كتاب النهاية بلور وتبنى هذا المطلب في النهاية والكتب الأخرى حتى في حاشيته على الكفاية. الحكم عبارة عن أن العقل يقوم بعملية الدمج يدمج الموضوع في المحمول. إذا دمج الموضوع في المحمول هذ الدمج يعبر عنه الحكم. حينئذ يقال حكم العقل وحكم الذهن. تعرضنا لهذا المطلب لأن المفردة إذا يريد العقل أن يفككها فيفككها لكن لا بتفكيك متباين بل تفكيك بين شيئين بينهما ارتباط وثبوت فالمفردة إذًا ليست معان مبعثرة إنه معان مترابطة. هذا هو الصحيح وهذه نكتة نفيسة جدا تفيد في موارد عجيبة أن المعاني التي تفكك في المفردة سواء مفردة بمفردها أو مفردة هي موضوع أو مفردة هي محمول المفردة عبارة عن معان مترابطة لا أنها عبارة عن معان مبعثرة ومتنافية.
لذلك هذا رد على صاحب الفصول والمحقق الشريف. أصلا هنا سوال منهجي هذه المداقات في التحليل في الظهور والمعاني يرتكبها البلاغيون رجاء صفحوا بعض كتاب المطول في علم المعاني انظر كيف تدقيقاتهم هذه التدقيقات عرفي أو غير عرفي؟ مر بنا ضابطة العرف
هنا سوال طرح بعض الاخوة هل نحن مكلفون في عملية الاستنباط أن نواصل عملية التحليل والتدقيق الى ما لا نهاية له أو فيه ضابطة؟ فيصير تضخم كما نرى في كتب الأصول فيه تضخم و يجيء كتاب آخر يحذف التضخم. التضخم ورم سرطاني ما هي الضابطة في مواصلة التحليل والتدقيق و بين ان لا نواصل التحقيق ابدا كما مارسه الرواة والمحدثون. لا هذا ولا هذا. هذا شرح في بيانات اهل البيت كمنهج منطقي. هناك ذم في منهج الفكري إن كان تعمقا فمذموم مع أن التعمق في ضمنه مدح. وإن كان غور وفحص فمحمود. منهج فكري. ما الفرق بين التعمق المذموم فكريا في بيانات اهل البيت علیهمالسلام. ملا صدرا ظن ان الرواية الواردة سيأتي في آخر الزمان أناس متعمقون فانزل الله قل هو الله أحد وست آيات من آيات الحديد و ثلاث من آخر سورة الحشر. هذا ذم وليس مدحا. هذه الآيات عظيمة لكن لدواء هذا التعمق. كيف أن التعمق داء أما الغور والفحص ليس. ما الفرق بين التعمق وبين الفحص والتدقيق؟ أذكرها بالاختصار.
من صفات سيد الانبياء انه الفاحص عن توحيد الله الفاحص ممدوح والغور ممدوح والتعمق مذموم. كلاهما تدقيق.
التعمق يعني إفراط في متابعة التفاصيل غير الركنية وغير القواعد الأساسية التفصيلية الهامشية وهامش الهامش حتى تركت المدينة العاصمة. هذا مذموم لأنك غفلت عن الأسس. بخلاف الغور والفحص. الغور والفحص تركيز وحصر التدقيق في الأسس ويترك الهامش. دوما يلاحظ بلحاظ مجموعي للأسس والقواعد والاركان. حتى لا يركز على ركن واحد بل يلاحظ مجموع الأركان. ومجموع الأسس. هذا يعبر عنه في بيانات الوحي لباب العلم. عليك بلباب العلم واترك قشوره. القشور هو الهوامش. عليك بالمدن والعواصم. لذا جدا مهم أن الانسان في أي علم من العلوم أن يركز على المدن والعاصمة وعلى الأسس ومجموع الأسس حينئذ يسيطر على لباب العلم. إذًا التدقيق والتحقيق ليس مطلوبا أيا ماكان وعلي أي كيف. في أي علم اذا تعمق الانسان في الهوامش يوجب التضخم.
«هو الذي انزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم» يعني ركز على العمومات و«اخر متشابهات» تفاصيل. إذاً منهج التحقيق في الأسس والقواعد مهم. بشرط أن يكون فحصي وغوري لا أن تكون تعمقي وهامشيا.