43/08/12
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المشتق/ المنهج التحليلي في الظهور والمشتق
البحث اللاحق بحث بساطة المشتق وتركبه وقد أطال الأعلام فيه وليس الكلام في إطالتهم وإنما في اقتباس المنهجية التي يمارسونها في هذا الموضع من التحليل للمعنى وملاحقة الشواهد تلو الشواهد وتعقب القرائن والملاحظات لأجل الوصول الى المعنى التحليلي للمشتق، أنه بسيط يعني المادة بدون الذات أو مركب مع الذات.
سنخوض في التفاصيل إجمالا لكن مغذى هذه التفاصيل انتباه الباحثين لنمط منهجية التحليل في المعنى الذي يمارسه الأعلام وهذا اذا كان صحيحا و منهجيا في الاستظهار والاستنباط وتفسير المعنى الوارد للألفاظ فلا يختص لبحث المشتق بل هذا يجري في كل معنى انفرادي وارد في لسان الأدلة بإمكاننا أن نفكك المعنى الى معاني عديدة بتفكيك دقيق مجهري لنستخرج زوايا مطوية في المعنى، فالكلام ليس في خصوص المشتق يعني هنا الأعلام بسطوا الكلام بشكل مطول حتى السيد الخويي رحمهالله أكثر مما بسط الكلام في كون المشتق موضوعا للأخص أو الأعم على أي تقدير هذا المنهج لم يتناكر الأعلام وسنرى كيف دقائق التحليلات والتفصيلات والتدقيقات في المعنى وأنماط المعنى وأسناخ المعنى وأنواع المعنى.
ليس كلامنا في أن هذا نوع من التضخم و الترامي في التفاصيل المترامية البعيدة في البحث. بغض النظر عن هذه المؤاخذة التي قد يسجلها البعض لكن على أي تقدير هذا المنهج من التحليل في المعنى يرونها الأعلام منهجا صناعيا ارتكازيا هو كفيل بالاستدلال و تقرير وضبط الظهور. كلامنا في هذا المطلب وهذا لم يمارسه الأصوليون هنا في المشتق فقط بل في المعنى الحرفي كذلك. دقائق دقيقة رائقة رائعة وبديعة. كلامنا في هذا المنهج الذي مارسه الأعلام في المشتق أو المعنى الحرفي كما بينوا دقائق المعنى الحرفي ورتبوا عليها الاثار وهذا حتى ممارسة علماء البلاغة في علم المعاني في علم البلاغة كلها عبارة عن معاني بالتحليل يستخرجه البلاغي عن المعاني، كيف يتركب المسند والمسند والاسناد في ثمان أبواب. مسند والاسناد والمسند اليه وأدوات الحصر وأربعة أبواب أخرى كلها تحليلات للمعنى.
هذا ليس خارجا عن الاستظهار والظهور العرفي. من الخطأ الشايع بعض الأحيان في ذهن بعض الأكابر أيضا أن الظهور العرفي أن يستظهره العرف الساذج. هذا عجيب. إما تقول هو مرهون بما لدى العرف من علوم اللغة وقواعد علوم اللغة فصحيح لا أنه مرهون بقدرة العرف الساذج العامي في الاستظهار. فأين بلاغة القرآن؟ هل العرف العامي يقدر أن يستخرجها ويدرك دقائقها؟ فما بال النقد الادبي والنقاد الادب في كل لغة و هذا عملية النقد الادبي كان موجودا قبل الإسلام في موسم منى في سوق عكاظ كانوا يحكّمون وهذا الناقد الادبي قد لم يكن شاعرا أو أديبا عظيما بل إنما عنده قدرة في التحليل. قد يدرك الشاعر شيئا اجمالا لكن لم يدركها تفصيلا. لأن هذا يعتمد على التحليل بينما ذلك يعتمد على الارتكاز الإجمالي. ليس هكذا ان يقال إذا عجز الأديب الاريب عن تحليل المعنى إذاُ ليس أديبا، ربما اكثر الشعراء شعرا أقوياء لكن لا يقدر ان يحلل المعاني ويمكن أن يكون شخص قويا في التحليل لكن ليس عنده قدرة في الادب والشعر والنثر والفصاحة. ليس منافاة بين البعدين. في كل العلوم. فيه قوة إجمالية ارتكازية وقوة تفصيلية.
زمخشري وإن لم يكن من أبناء العرب لكن قوته التحليلية أقوى من أبناء العرب لأن أبناء العرب يكتفي بصريح الاجمال. بل في اللغات الأخرى ربما شخص ليس من أبناء اللغة وعنده قدرة لتحليل المعنى أكثر من أبناء ذلك اللغة، لأنه لا يعتمد على الجانب الإجمالي بل يعتمد على الجانب التحليلي. هذا شيء طبيعي. فالمقصود هنا مسارات في العلوم المختلفة. جانب تحليلي وجانب اجمالي أو إدراك اجمالي أو استنتاج اجمالي. المقصود ان الاستظهار التحليلي غير خاطئ وعلى الموازين.
صاحب الفصول عنده نظرية يقول لابد من تطابق النظريتين قوة الارتكاز الإجمالي وقوة التحليل وتحكيم أحدهما على الاخر. هذا لا بأس به لكن اجمالا الاستظهار التفصيلي دأب الأصوليين والفقهاء كما ذكره الصوليون في مقدمة الواجب، هذه المعاني من أين أتوا بها. اعتق رقبة أو صم ستين يوما أو أطعم ستين مسكينا. خصوصيات الواجب الكفايي والتعييني والعيني و المقدمي والنفسي من أين أتوا بهذه المعاني، اصطادوها من التحليل ورتبوا عليها الاثار. أحكام الواجب التخييري والتعييني وغيرها. من أين أتوا بمراحل الحكم؟ هذه كلها معاني في الحقيقة فكّكوها من المعاني المدمجة. أصلا الاستنباط هذا هو غايته لأنه يفكك المعاني. بحث اجتماع الامر والنهي وبحث الضد وأن النهي يقتضي الفساد ومعني الفساد التكليفي والفساد الوضعي كما يقول الله عزوجل «أحل الله البيع وحرم الربا» أي حرام؟ العلامة الحلي يستفيد من حرمت عليكم الميتة خمس حرمات. كذلك تقسيم الأحكام بالأحكام الوضعية والتكليفية. العام والخاص وطبقات العام كل هذا بالتحليل واستظهار تحليلي ضمن الشواهد والموازين. سنخ الحكم الظاهري غير الحكم الواقعي. تقدم الدليل الحجة الظنية على الأصل العملي. تعبير الشيخ الأنصاري ربما كثير من القدماء يخلطون بين الأصل العملي والدليل الاجتهادي. من أين أتوا بها؟ من الشواهد و الضوابط بالتحليل.
لا نقول هذا وحي لا يخطأ لكن استظهار وقد يخطئ. الاستصحاب والشك في المقتضي أو الشك في الرافع أو الشك في المانع وبحوث في الأصول أو الفقه. كذلك «لا ضرر» لا ناهية أو نافية أو تكليفية أو رافعة من الحكم أي مرتبة من الحكم يرفعها وهلم جرا بحوث ونعم بها، سيما هذه الاستظهارات لم يصرح بهذه المعاني ولم يأت في سطح اللفظ وإنما استخرجها الأعلام بموازين وشواهد. إذاً الاستنباط هذه طبق الموازين ولا نقول هذه المسيرة معصوم.
كما يقول «إنما أقضي بينكم بالأيمان والبينات وقد أقضي لاحدكم قطعة أرض في عنقه يوم القيامة تجره الي النار». موازين ظاهرية يعمل بها . فالمقصود هذه النكتة مهمة أن بحث الظهور إنما يقال الظهور عرفي ليس يعني بقدرة العرف بل بالقواعد المرتكزة عند العرف المراد به هذا. هو العلماء يتفاوتون في الاستظهار كما قد نبه عليها سيد الأنبياء «رحم الله امرء سمع مقالتي ... وربما حامل فقه وليس بفقيه وربما حامل فقه الى من هو أفقه منه.» إذاً عملية الفهم بحسب بيان سيد الأنبياء له حدود. كلام الوحي والقرآن له ما لا يتناهى من البطون. كلام البشر العادي يقولون لا يتناهى يمكن ان تستكشف اسرار المتكلم من كلامه فكيف بك بالوحي. المقصود الكلام في هذا المطلب أنه في حالة منتشرة أن لاتغص في التحليل بل أجمد على المعنى الأولي المتبادر هذا في الحقيقة رواة ينقل بالمعنى الأولي ومسلك الرواة والمحدثين. الاجتهاد يعني ان تحلل والنكات وتربط بين الشبكة المترابطة.
ندخل في كلمات الأعلام في المركب والبسيط. جماعة كثيرون ربما أكثر الفلاسفة وجملة من المتكلمين ذهبوا الى أن المشتق بسيط وليس مركبا من ذات ونسبة ومبدأ. بينما ذهب اخرون سواء من اللغويين أو علماء علوم اللغة أو الأصوليين ذهبوا الى أنه مركب.
موضع البحث اين؟ لا يخفى أن موضع البحث أولا: ما الذي يراد من المشتق؟ مثلا المادة «ض ر ب» لها وضع مستقل. الهيئة لها وضع مستقل آخر غاية الأمر يتركب الاستعمال. مثلا يضرب أو ضارب مركب وليس مفردا. نقول كلمة مفردة لكنه حقيقة ليس مفردة. زيد كلمة مفردة أما يضرب وضارب ليست مفردة في الحقيقة شيئان وضعت لمعنى. أي مشتق مراد منه؟ معنى الهيئة أو معنى الهيئة والمادة؟ الكلام الان ما المراد من البسيط والمركب؟ لماذا نثير هذا التفصيل في موضع البحث لأنه قد يسبب التناسي يعني بعض الاعلام قالوا أن المشتق ليس فيه النسبة بل فقط مادة. كيف؟ مادة متشكلة أو مادة متهيكلة أو مادة متفصلة بزين معين يمكن تصويرها، أما نفس المادة ض ر ب ليس الكلام فيه . الكلام في دور الهيئة. ما الذي تأتي به الهيئة مع المادة. هل تأتي بذات والنسبة أو تأتي بالنسبة فقط أو تأتي بشيء غير النسبة ولا الذات. تأتي الهيئة بهيكلة وتفصيل هيئة معينة في المادة. هذا احتمال اخر.
إذاً المهم أن الأعلام سواء من اللغويين أو من علماء المعارف أو المفسيرين أو الفقهاء والاصوليين قسم منهم ذهبوا الى البساطة يعني الذات ما موجودة وليس يعني أن النسبة ما موجودة. طبعا سبق أن نقلنا عن اللغويين وعلماء العلوم اللغوية أن المشتق سواء اسم المصدر أو اسم الفاعل في بعض الموارد لعل اسم الفاعل أو اسم المفعول هنا ضمير مستتر وإذا كانوا يقدرون الضمير المستتر يعني أن هذا المشتق له نسبة مع الضمير المستتر وهما يشكلان العقد الوضع أو العقد الحمل بحسب وقوع المشتق في طرف الموضوع أو طرف المحمول فهم يقدرون أن المشتق عقد وجملة. لا أقول هو وضع لجملة بل هو كمفردة وكهيئة ومادة إذا استتر فيها الضمير فيكون مثل التركيب الناقص. مثلا ضارب هو هكذا يدعون وهذا نفسه جملة. هو طرف وضارب طرف ولما يقول زيد ضارب يعني زيد ضارب هو المقصود هذا بنى عليه كثير من علماء اللغة. وجود الضمير المستتر يعني مثل المضاف والمضاف اليه والإسناد موجود. القائلون بأن المشتق بسيط أقاموا أدلة والقائلون بالتركب أيضا أقاموا أدلة.
الدليل الأول الذي ذكر ونسب الى الشريف الجرجاني من علماء اللغة أنه لو أخذ لفظ الشيء في المشتق فضارب يعني شيء له الضرب والمضروب شيء وقع عليه الضرب وهلم جرا إذا أخذ عنوان مفهوم الشيء يقول يلزم من ذلك أن الفصل مثل ما يقال الانسان ناطق يتبدل من فصل جوهري في الذات في الجواهر الى عرض عام لأن مفهوم الشيء عرض عام. فإذًا خلاصة استدلاله أنه إذا أخذ مفهوم الشيء سوف ينقلب الفصل الى عرض عام.
وإن اخذ مصداق الشيء هنا صاحب الفصول أخذ هذا الشق كدليل ثان فحينئذ سوف ينقلب القضية الممكنة الى قضية ضرورية. يعني لن نستطيع أن نقف على قضية ممكنة وتلقائيا تكون القضايا ضرورية. لأن الشيء المأخوذ مصداقا يعود الى زيد أو الانسان. الانسان واقع مصداق الشيء الذي ثبت له النطق ثبوت الشيء لنفسه. الانسان ناطق أو الحيوان ناطق. أخذ مصداق الشيء في المشتق والمشتق هو الفصل من الفصول . إذا أخذ مصداق الشيء شيئان صادق على الجنس أو النوع و ثبوت الشيء لنفسه ضروري وليس ممكنا فيستلزم انقلاب القضية الممكنة الي قضية ضرورية. هذا هو الشق الثاني من الشريف وبلوره صاحب الفصول وتمسك به.
طبعا فيه استدلال ما ورد في الأصول بل أورده الفلاسفة أن التركب في ذات الباري كيف يمكن؟ كما يقال الباري عالم. الفلاسفة ادعوا البساطة بهذه الإشكالية أن الباري ليس في معانيه التركب. أصل الباعث عند الفلاسفة هذا الدليل ربما الكمباني ذكره. الذي ادعى الفلاسفة وكثير من المتكلمين بلحاظ صفات الباري لأن العالم الذي نستعمله في الباري كما نستعمله في غير الباري عزوجل. فلم يمكن أن يكون في الممكنات مركبا وفي الباري بسيطا. معنى واحد. فلامحالة يكون المشتق بسيطا. الدليل الأساس عند الفلاسفة والعرفاء والمتكلمين هذا الدليل. من ثم بحثوا فلسفيا ما الفرق بين العلم والعالم. ما الفرق بين أن نقول من صفات الباري هو العلم وبين الأسماء الالهية العالم ما الفرق بين الحياة وحي وما الفرق بين السميع والسمع والبصير والبصر. القدرة والقادر والقوة والقوي. في صفات الله تعالى
هذا تحليل كلمة واحدة بقرائن و نكات ليس خلاف الاستظهار العرف يموازين الظهور والاستظهار.