43/08/04
الموضوع: مباحث الألفاظ/ مبحث المشتق/ المشتق والازمنة الثلاثة في القضية
كان الكلام في اعتراض السيد الخويي رحمهالله بانعدام الثمرة واستغناء الثمرة عن المشتق بقاعدتين أصوليتين؛ الأولى كون الحيثية تعليلية أو تقييدية، فمع كونها تعليلية لا يضر باختصاص المشتق بمن تلبس بالمبدأ ومع كون الحيثية تقييدية لا ينفع كون المشتق أعم لأنه لابد من بقاء المبدأ والقاعدة الثانية أن فعلية الحكم بفعلية الموضوع خارجيا بالتلبس.
مر أن هذا الاعتراض من السيد على ثمرة المشتق فيه غفلة وهي أن الموضوع هو عنوان المشتق أو الموضوع هو الوجود الخارجي للمبدأ؟ بعبارة أخرى أن مقصودهم هو الوجود الخارجي للعنوان أو الموضوع هو المبدأ نفسه لا بهيئة الاشتقاق؟ فصار في البين خلط بين خارجية العنوان وخارجية المبدأ.
العنوان وإن كان عنوانا، بالتالي هو نوع من التوصيف ونوع من الصفة فإذا كان على الأعم فالصفة لازالت موجودة أما بناء على الأخص فالصفة ليست بموجودة فالعنوان نفسه له وجود خارجي.
فحينئذ بالتالي ولو كان على الحيثية التقييدية فعلى الأعم لازال موجودا. فالعناوين مثل العناوين الاعتبارية غير منشأ العنوان أو المبدأ، فهناك خلط بين خارجية المبدأ وخارجية العنوان فلا يظن أن العنوان فرض كلي. ليس هكذا. مثلا الوصف الخاص الجزئي لزيد ليس عنوانا كليا فرضيا بل جزئي خارجي. فلدينا خارجية العنوان وخارجية المبدأ، إذا افترضنا أن المشتق والعنوان كصفة أو نعت هو موضوع فالموضوع لازال متحققا بالتحقق الجزئي الخارجي.
بعبارة أخرى: بناء على الاعم المبدأ دائما حيثية تعليلية لصدق العنوان وتحققه الخارجي بدون المبدأ. تارة نقول العنوان لم يأخذ و أخذ منشأ العنوان والمبدأ في الدليل بحث آخر، حينئذ هل أخذ بنحو الحيثية التعليلية أو الحيثية التقييدية. أماا اذا كان العنوان مأخوذا بنحو الحيثية التقييدية فأخذ العنوان بنحو الحيثية التقييدية لا يعني أن منشأ العنوان مأخوذ بنحو الحيثية التقييدية بل بناء على الاعم أخذ المنشأ في العنوان بنحو الحيثية التعليلية. فإذاً لدينا منشأ العنوان وهو المبدأ وإن لم يكن بصيغة المشتق ولدينا نفس العنوان والعناوين، بالتالي ليست فرضية كلية بل أيضا لها وجود جزئي خارجي تحققي مثل الفوقية. نحن نرى منشأ الفوقية أو التحتية لكن هذا العنوان صادق ولو بصدق منشأه.
فخلاصة المؤاخذة والتأمل على اعتراض السيد الخويي هو أن المبدأ شيء والعنوان شيء آخر، العنوان أيضا وجود جزئي خارجي ولابد أن لا نخلط.
هناك تنقيح آخر ذكره صاحب الفصول أو كثيرون: يقول محل الكلام في المشتق لابد أن يكون أيضا عند تطابق زمن المشتق وزمن الاسناد في الجملة بين المشتق والمسند اليه. مثلا «زيد» مسند اليه و المشتق مسند ويجب أن يكون زمان المشتق مع زمان إسناد المشتق الى زيد متطابقا. إذا تطابق زمان الاسناد بين المشتق والمسند اليه تطابق هذا الاسناد مع زمان التلبس استعمال حقيقي. المقصود ان التلبس زمان التلبس أو زمان من انقضى عنه التلبس يلاحظ فيه زمان اسناد الجملة وتركيب الجملة.
هنا جماعة من الاعلام سجلوا الاعتراض على هذا الاشتراط في بحث المشتق: قالوا إن استعمال الكلمة في المشتق أو غير المشتق يختلف عن استعمال الاسناد في تركيب الجملة. قالوا: إن استعمال الكلمة المفردة كالمشتق أو غيرها يختلف عن استعمال الاسناد في الجملة من الإبتداء والخبر أو الموضوع والمحمول، لأن المستعمل في الإسناد هو الهيئة أما المستند في المشتق كلمة مفردة وفرق بين الهيئة والكلمة المفردة. ربما ليس هناك مجاز في الكلمة لكن مجاز في الاسناد. مثل ما يقال «زيد أسد» أستعمل الأسد في نفس الأسد لكن إسناد كلمة أسد الى زيد مجازي، لا أنه مجاز في الكلمة والأسد أو تقول «النهر جار أو الميزاب جار» النهر ظرف للماء والماء يجري. هنا اسناد الجريان الى النهر اسناد مجازي مع أن كلمة النهر والجري استعمل في المعنى الحقيقي. كذلك في الميزاب، إسناد الجريان الى الميزاب مجازي فاختلف شأن الحكم والاسناد عن شأن الكلمة. لماذا يخلط بينهما صاحب الفصول؟ كلامنا في استعمال الكلمة في المشتق هل المشتق كمفردة وكلمة وضع للأخص أو وضع للأعم؟ هذا مؤاخذة الاعلام على ما اشترطه صاحب الفصول من أن بحث المشتق لابد فيه من تطابق زمن المشتق مع زمن الاسناد في الجملة.
هنا اصطلاح ذكره الأعلام بغض النظر عن أن اعتراضهم وارد أو غير وارد. قالوا أن الاسناد يعبر عنه تطبيق موردي يعني المحمول كلي والموضوع مورد والاسناد تطبيق للكلي على المورد فالإسناد يعبر عنه تطبيق موردي. فيقولون أن صاحب الفصول خلط بين التطبيق في الموارد مع نفس الكلمة وهي المشتق.
الكلمة والمشتق ليس فيها بحث تطبيقي وموردي. فالنزاع في كلمة المشتق نزاع ليس في التطبيق والمورد بل نزاع في نفس سعة المفهوم. هل هو يسع للأعم ممن تلبس وانقضى أو الأخص. الذات في المشتق التي تتلبس بالمبدأ ليست من التطبيق الموردي إنما هي من قبيل التقرر المفهومي وفرق بين التقرر المفهومي والتطبيق الموردي وإن كان التفكيك قد يصعب.
الذات المأخوذة في المشتق بناء على تركب المشتق «هذا نزاع آخر في المشتق تركب المشتق أو بساطته» هذا بحث مفهومي داخلي في كلمة المشتق وإسناد المبدأ للذات. مر بنا أن المشتق منطوي على الاسناد المطوي في عقد الحمل. فالإسناد المطوي في كلمة المشتق ليس من قبيل التطبيق الموردي بل من قبيل الاستعمال والمفهوم لكن الإسناد الموجود بين المشتق في الجملة والموضوع يسمى تطبيقا مورديا.
بغض النظر عن بحث المشتق؛ عموما الإسناد المطوي في الكلمة ليس تطبيقا مورديا بل هو من قبيل تقرر المفهوم، بينما الاسناد المصرح به في الجملة وتركيب الجملة بين المحمول والموضوع يعبر عنه التطبيق الموردي.
لماذا ركزنا على هذا الاصطلاح؟ بغض النظر عن بحث المشتق. ما الفائدة في التمييز والتفكيك بين التطبيق الموردي وبين السعة وضيق المفهوم؟ فائدة كبيرة جدا كاصطلاح بغض النظر عن بحث المشتق واعتراض الاعلام على صاحب الفصول. التفكيك بينهما مهم.
من باب المثال لثمار هذا الاصطلاح في القواعد الفقهية يقولون خاصية القواعد الفقهية خاصية التطبيق والمورد وتطبيق العام في القواعد الفقهية هو التطبيق الموردي، يعني الإسناد في تركيب الجملة. «هذا الوضوء ضرري وكل ضرري مرخص في تركه فهذا الوضوء مرخص في تركه أو الغسل» طبيعة القواعد الفقهية تطبيق بخلاف القواعد الأصولية ليست من التطبيق الموردي، بل السعة وضيق المفهوم وكشف المفاهيم وكذلك أصول القانون نفس الكلام.
فإذاً هناك في القضية القانونية مقامان: مقام التطبيق الموردي يعني العلاقة بين المحمول والموضوع، يعبر عنه التطبيق الموردي، بينما البحث في المفهوم سعته أو ضيقه هذا عملية التحليل وتفكيك المعاني أو دمج المعاني أو صناعة التحليل والتركيب وهي صناعة تختلف عن القياس الاقتراني من صغرى وكبرى. القياس الاقتراني منهج من مناهج البرهان لكنه تطبيقي وموردي أما صناعة التحليل والتركيب فهي عبارة عن تفتيق المفاهيم التي هي في حالة الدمج والرتق. فلاحظ صناعة التحليل والتركيب أين تستعمل في المفاهيم المفردة وصناعة القياس الاقتراني بأشكاله الأربعة يستعمل ويستخدم في التطبيق الموردي. فهذا اصطلاح مهم. هناك تطبيق موردي و هناك تحليل المفاهيم. اصطلاح في نفسه متين.
الاعلام يقولون أن صاحب الفصول خلط بين بحث التطبيق الموردي و بين بحث السعة وضيق المفهوم. إجمالا كلامهم لا بأس به لكن هل تام الى النهاية أو لا؟
عليهم ملاحظة بما مر بنا أن التطابق بين زمان الإسناد في الجملة وتركيب الجملة مع زمان الإسناد المطوي في المفردة المحمول يعني المحمول نفسه قضية وعقد حمل لما يكون حملا ففيه الاسناد وفيه الزمان. وكذلك عقد الوضع فيه الاسناد وفيه الزمان. فعندنا عقد الوضع وعقد الحمل والإسناد الكبير في الجملة المركبة بين المحمول والموضوع. هذا مر بنا أنه اذا لم تكن قرينة على تغاير زمان الاسناد عن زمان المشتق فالاصل أن نستكشف زمان الاسناد المطوي في الجملة بزمان إسناد الجملة.
بعض الأحيان يقول المتكلم «زيد الأمس أسند إليه الان أنه ضارب غدا» هنا ثلاثة أزمنة. زيد في الامس والاسناد الان والمسند وهو المشتق في المستقبل. كيف يختلف زمان الموضوع عن زمان الاسناد عن زمان المحمول؟ يمكن. والصدق والكذب يدور مدار ماذا؟ تطابق الأزمنة؟ أو الأزمنة المحددة في القضية تطابق الواقع؟ مثلا الان زيد الأمس الذي مات وصيته مستقبلية والشاهد يسند اليه اليوم أنه أوصى، فالإسناد أداء الشهادة في اليوم وزيد كان في الامس والمحمول وصيته مستقبلية. اختلف الزمان زمان الإسناد عن زمان المسند اليه عن زمان المسند. لماذا كتب الأصولية المطولة حاولت تتوغل وتتفصل هذه التفصيلات لأنه انصافا هذا التدقيق منهم جدا مهم وبدونه سنرى أن بحث المشتق يصير عقيما. البحث في الاسناد أو البحث في زمان الموضوع أو البحث في زمان المحمول والمشتق؟ فعلا في الأدلة هكذا قد يغاير الشارع بين الأزمنة الثلاثة وقد يطابق بينها وقد يفصل. لابد من الالتفات اليه.
يجوز للمرأة أن تغسل زوجها ويجوز للزوج ان يغسل زوجته. أي امرأة؟ مرأة الأمس. وإلا الان هذا جسمان وجسم زوجه. الزوجة مشتق ويمكن للشارع أن يغاير بين الأزمنة. فهذه نكات مهمة زمان الموضوع أو زمان المحمول أو زمان الاسناد ولا نظنن أنه في باب تغسيل الميت بل في أبواب عديدة كباب الوصية. الصبيين الذين زوجاهما وليهما إذا بلغا لهما الخيار. لهما الخيار الان والموضوع الصبيين للسابق والاسناد الان أو في السابق. نذكر أمثلة أخرى. التفتوا؛ لسنا في صدد البحث عن الحقيقة أو المجاز. نحن في صدد تعدد الأزمنة في قضية واحدة. الحقيقة والمجاز بحث آخر. الثمرة بين المجاز والحقيقة هي أنه إذا ليست قرينة نحمل على الحقيقة ولا نحمل على المجاز لكن الكلام في أن القضية قابلة لتعدد الأزمنة وهذا مهم. كيف؟ مسئلة عويصة الى الان ستأتي: هل يجوز لوارث قبل موت المورث مثلا أحد الأولاد قبل موت ابيه يقول لوالده اعطني هذا الأرض وأنا أسقط حق الإرث لي. كثير من الأعلام يقولون هذا إسقاط ما لم يجب. هو ليس بوارث في حياة أبيه والأدلة في الإرث بعد موت الأب. هذا مرتبط بالأزمنة. الشيخ الانصاري حاول ان يقربها ويقرب أن يصوغ إسقاط حق الإرث. الإرث مستقبلي والإسقاط حالي والموضوع أمسي وماضوي. تفكيك الأزمنة. مع تفكيك الأزمنة لماذا يمتنع؟ نفس مسألة الإجازة في بيع الفضولي. زمان الاجازة غير زمان المجاز وغير زمان اسناد الاجازة. مثلا لو قال قائل في البيع الفضولي أو العقد الفضولي أجزت غدا العقد الماضي. الان أجيز لكن الاجازة غدا والمجاز سابق واختلفت الأزمنة. الأحكام تتبع زمان الموضوع أو زمان المحمول أو زمان الاسناد؟ بحوث دقية مهمة ويحصل فيها معركة الآراء. أي زمان يأخذ في تركيب الاثار والاحكام. هذه التحليلات في المشتق جدا دقيقة في عناصر بنية الظهور. صدقوني كثير من الأبواب هكذا تعدد الأزمنة وثبت الحكم. إذاً ليس عبطا في علم البلاغة وعلم المنطق عقد الوضع وعقد الحمل. جملة واحدة صنعوها ثلاث جمل. عقد الوضع عقد وفيه موضوع ومحمول يعني فيه عقد الوضع الثاني وعقد الحمل الثاني، يعني جنس الجنس وكذلك عقد الحمل وأزمنة فكيف تتناسب الأزمنة. عجيب. انظر ان علم القانون كيف معقد. أكثر الميزانات القانونية الدولية ترتبط بقيود الزمن في القضية القانونية. صلاة المسافر صعوبة بحث من أبحاثها ترجع الى هذه القيود زمان الاسناد وزمان المسند وزمان المسند اليه. جملة من حل العقد في صلاة المسافر بهذه النكات. خمس مسائل أزلية في صلاة المسافر لاتحل والحمدلله حلحلت بسبب هذه النكات. هذا البحث ربما أخطر من المشتق ومن ابتكارات خاصة للسيد الخويي. مرتبط للعموم. عندنا العموم وفيه عموم في الموضوع وفيه عموم في المحمول.