43/07/20
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث المشتق/ الزمان والمشتق والرتبة في الاحكام الشرعية
مر بنا في مبحث المشتق أن مطابقة استعمال المشتق في حال التلبس حقيقة وإذا كان استعماله في ما انقضى عنه المبدأ محل اختلاف وإذا كان في ما لم يتلبس فهو محل اتفاق أنه مجاز.
إجمالا حال التلبس الأصل فيه زمان أصل المادة المسندة الى الذات والنسبة المطوية في المشتق، هذا لو كان المشتق مفردا إما إذا كان مركبا فالإسناد في المركب. أما الإسناد بين المشتق والمسند اليه فهو ليس المدار إنما هو كاشف عن الزمان المطوي في المفردة وكذلك زمان التكلم أو زمان المسند اليه كل هذه الأطراف الأخرى بالدقة ليست هي زمان التلبس وإنما هي كواشف وكما مر، الأصل الأولي هو التطابق إن لم يكن هناك قرينة على التغاير. هذا بلحاظ زمن التلبس. فالنكتة هذه مهمة ومر أيضا أن تلبس كل مادة بحسبها وهناك اختلاف في المواد في كيفية التلبس.
نقطة أخرى أن الزمان في الأفعال لم يأخذ بحسب المعنى الوضعي للفعل الماضي والمضارع أو المستقبل. وما يذكر من زمان فهو في الحقيقة من باب التلازم أو ما شابه ذلك لا أنه مأخوذ في أصل المعنى.
قالوا: لأن استعمال الأفعال بالنسبة الى أفعال الله تعالى التي هي فوق الزمان في عالم فوق الزمان لا نلمس من تلك الاستعمالات أي رائحة مجاز. سبق في علمه أو يتجدد فيضه على خلقه تعبيرات مختلفة «يمحو ما يشاء ويثبت وعنده ام الكتاب» إنها ليست في زمان وليست مجازا.
من ثم تنبه جملة من اللغويين وكثير من الأصوليين الى أن الزمان غير مأخوذ في الأفعال، إذًا ما الذي يميز الماضوية والمضارع والمستقبلية؟ هذا شبيه ما يقال الأزلي والأبدي والأول والأخر. ليس المراد الأول الزماني والأخر الزماني. والأزلي والأبدي أيضا نفس الكلام مع ذلك بينهما فوارق. يعني تحقق المتقدم ولو رتبتا واستمرار التحقق وبقاء التحقق ثم ما يتجدد من فيض أو ما شابه ذلك. بالتالي الميز ليس التقدم الزماني بل قد يكون التقدم والتأخر الرتبي أو السرمدي أو الدهري أنواع التقدم والتأخر، ربما استقصي في علوم المعقول الى عشرة أحدها الزمان وإلا فيها التقدم و التأخر بمناشئ مختلفة مثل ما يقول الانسان: حركت يدي فتحرك المفتاح فانفتح القفل زمانا واحدا لكن بينها تقدم وتأخر تحركت يدي فتحرك المفتاح فانفتح القفل. هناك تأخر وتقدم ليس زمانيا، هذا مما ينبه على أن التقدم والتاخر أنواع مختلفة بالشرف بالقوة وغيرها. هذا هو الفاصل بين الماضوية والمضارع والمستقبل هكذا إذا كان الحال في الأفعال فكيف بك في المشتقات. هذه نقطة أخرى ذكروها في المشتق ولابأس بها.
نقطة أذكرها: من المباحث التي عليها لغط عند متأخري هذا العصر هو أنه هل الأحكام الشرعية التكليفية أو الوضعية يراعى فيها الرتبة أو لابد من ملاحظة الزمان فقط؟ الأحكام الشرعية زمانية أو رتبية؟ تتحقق في الرتبة ما شابه ذلك. هذا ليس من نمط وسنخ الأحكام الشرعية. المرحوم الاصفهاني ربما الناييني في موارد أو العراقي أو صاحب الكفاية يبنون على مباحث الرتبة العقلية والمقصود أن يدركها العقل لا أن العقل يحكم به وإلا الحاكم عليه الشارع كتقدم الموضوع على المحمول. هم بنوا على أن الاحكام الشرعية يراعى فيها الرتبة. بينما في الطرف الاخر السيد الخويي أشكل على أساتذته على أن اللحكام الشرعية التكليفية أو الوضعية لابد أن تكون زمانية.
فرض النزاع اين؟ لاحظ صاحب الجواهر التزم إذا اشترى المشتري أبويه ينعتقان والعتق لابد أن يكون في الملك. من جانب ثاني لا يملك الانسان أو الشخص عموديه ومن جانب ثالث الشارع صحح بيع الانسان لعموديه لكن ينعتقان. كيف يجمع بين هذه القواعد؟ صاحب الجواهر التزم أنه يمكن الجمع بين هذه القواعد بأن نلتزم بحصول ملك الشخص لعموديه آنا ما رتبيا فبالتالي تنحل المشكلة. هنا استشكل السيد الخويي ماذا معنى آنا ما رتبيا؟ الأحكام يجب ان تتحقق في ظرف زماني. هذا ليس وجه الجمع لابد من وجه آخر كالتخصيص. صاحب الجواهر لايخصص بل يريد أن يجمع بين الأدلة كالتوفيقية نوع من التوفيقية بنظام الورود. هذا مثال والأمثلة كثيرة.
مثلا الإجازة في الفضولي من التزم بأن الأحكام زماني ولا يعقل أن تكون الاحكام رتبيا قال في الاجازة المتأخرة عن العقد قال الان الإجازة تأخرت فيتحقق البيع فعليته أو العقد حين الإجازة فمقتضى الاجازة أن تكون ناقلة لأنه زماني، أما الذي يقول الاجازة كاشفة على نظريات وأطوار منها أي من الكشف كشف حكمي أو كشف برزخي أو كشف انقلابي الذي يلتزم بأن الاجازة كاشفة لامحالة هو يراعي الرتبة وهذا بحث مسيري في عقد الفضولي. لماذا يلتزم بالرتبة لأنه يقول الاجازة تتعلق بمتعلق هو سابق. إما يتلزم بالكشف المطلق أو الكشف بينا بين. إذا لاحظ آثار الاجازة فحين الاجازة وإذا لاحظ آثار المجاز فحين المجاز. لسنا في صدد الخوض فيها وفي تفاصيلها. فقط في صدد هذا المطلب أن الذي يبني على رعاية الرتبة في الاحكام لا يلاحظ زمان المحمول فقط بل يلاحظ زمان الموضوع أو المتعلق لأن المحمول متأخر رتبتا على الموضوع لا أنه يأخذ المجموع بشكل ركامي عشوائي في زمن واحد من دون ملاحظة الرتبة.
كيف تراعى الرتبة؟ يحتاج تدقيقات صناعية. إجمالا أصل النظريات المعقدة في البيع الفضولي ناشئة من بحث الرتبة. الاحكام زمانية محضة أو رتبية محضة أو بينا بين.
كل الاعلام دائما يتمسكون بنغمة الرتبة وظاهر الحال عند السيد الخويي أنه لا يراعي لكنه ارتكازا في موارد متعددة بنى على الرتبة. المهم هذا بحث تعرضنا اليه الان بمناسبة أن الزمان ما مأخوذة في الأفعال في أصل الوضع، فتغاير الماضوية عن المضارعية أو المستقبلية يمكن أن يكون التقدم والتأخر بلحاظ الرتبة أو مناشئ أخرى. هنا شيئا فشيء البحث الاصولي والقانوني حاول يعبر الزمان والزمانيات الى نظام المجردات ونظام الرتبة ونظام ما وراء الزمان. هذا نكتة لطيفة ليست في بحث المشتق بل هي عموما في نظام الرتبة في الأحكام.
كمثال آخر الان مثلا حجية خبر الواحد لمن يقول بحجية خبر الواحد. الشيخ المفيد والسيد المرتضى لايقولان بحجيته لكن الطوسي يقول وإن كان يوافق استاذه المفيد في جانب لكنه يضم اليه خبر الواحد لكن ابن براج وابن حمزة وابن زهرة وابن ادريس الاعلام القدماء طرا لايقولون بحجية خبر الواحد ولو كان صيحيحا. ليس حجة هو بمفردة لابد أن ينضم اليه القواعد في الباب وضوابط أخرى وروايات أخرى تنضم اليها. أوحادية الخبر ولو كان صحيحا أعلائيا لايعملون به حتى تعبير الشيخ المفيد يقول بدعة في الدين. مقصودهم ليس ترك الأخبار والتراث بل مقصودهم أن الاعتماد على الخبر الواحد من أنها هي الركن ليس من الدين بل لابد أن يكون حجية خبر الواحد تحت ظل خيمة محكمات الكتاب والسنة وليس المراد محكمات فوقية عالية بل حتى المحكمات المتنزلة في شرائط الصلاة أو خلل الصلاة أو خلل الصوم والخمس وكل باب على حدة. لابد أن يكون في البين شاهد من الكتاب ومن السنة الثابتة. المقصود أنهم يذهبون الى أن الخبر الواحد ليس بحجة. هذا الذي يذهبون اليه لا نظن أنه غريب مع مبنى متأخري الاعصار لانهم يريدون حجية خبر الواحد لاسيما الصدور، هذا الصدور ممتنع أن يكون مستقلا لابد ان تضم اليه جهة الصدور وجهة الدلالة والمخصصات والمعارضات.
إذاً طبيعة حجية الخبر من الخيال أن يكون مفردة بل انضمامية وهذا الانضمام بالدقة ترابط رتبي فإذاً ليس لدينا حجية خبر الواحد ولو كان صحيحا من جهة الصدور. الشيخ الأنصاري نقل كلام الشيخ المفيد بالتالي الصدور ليس هو حجة مستقلة بل هو يحتاج أن ينضم ويستند الى حجج أخرى.
طبيعة الحجج منظومية، طبيعة متون الدين شبكية وجعلها بشكل منثور موزع خاطئة وباطلة وكلام ومن ثم جعل أنه ركن الأركان هو وثاقة الرواة غلط. نعم، هذه قرينة من القرائن حلقة من الحلقات تنضم مع بعضها البعض. هذا مسار الشيخ المفيد ومن يريد أن يغمض ولا يلتفت الى مبنى القدماء فهو وشأنه لكن هذا مبنى القدماء وهم أصوليون وزعماء المذهب.
مبحث نظام الحجج مرتبطة بالرتبة. فلابد الفارق بين الماضوية والمضارعية والمستقبلية هو الرتبة أو المناشئ الأخرى غير الزمانية مثلا الأقوائية والأشرفية وكذا. هذه نقطة
نقطة أخرى قضية الأصل العملي؛ لو شككنا أن المشتق حقيقة في ما انقضى عنه التلبس أو مجاز ولم نقف على الشواهد المعينة لأحد القولين ماذا نصنع؟ ما هو مقتضى الأصل العملي؟ هذا المبحث مهم جدا. بغض النظر عن بحث المشتق. بل هذا المبحث محل ابتلاء في الأبواب الفقهية الكثيرة. ونذكر خلاصة المطلب والتفصيل في الجلسة القادمة ان شاء الله.
الضابطة الأولى: الأعلام قالوا بأن الأصل العملي لا يخلق لنا ظهورا في الأدلة. أي أصل عملي لا يكوّن لنا الظهور أو قل بعبارة أخرى مدعى الاعلام الأصل العملي لا ينقح الظهور هذا المبحث في نفسه مهم جدا.
المبحث الآخر: هل تجري البرائة أو الاستصحاب؟
هذا البحث مثال لشيء ابتلائي في كثير من الأبواب الفقهية ماء الشعير الذي يباع في الأسواق هذا بيرة فقاع حرام أو لا. هذا إجمال في المفهوم هل ينقحه أصل عملي أو أي أصل ينقحه؟
إن شاء الله في الجلسة القادمة.