43/07/17
الموضوع:باب الالفاظ/ مبحث المشتق/ المشتق الأصولي وتوسعته للأفعال والمصادر
كان الكلام في المشتق ومر بنا أن الأعلام ذكروا أن المشتق عند الأصوليين عام وخاص من وجه مع المشتق اللغوي وذكرنا جملة من النقاط سابقا لتوسعة محل البحث.
فالأعلام قالوا أن المصدر والأفعال مع أنها مشتقة لغة لكنها ليست داخلة في محل البحث ومحل البحث هو المشتق الخاص، المادة العرضية التي تجري على الذات بحيث أن الذات تكون باقية بعد انقضاء مبدأ المادة أو التلبس بالمادة فإذاً يشترط ثنائية، الذات والمبدأ والشرط الثاني أن تبقى الذات بعد انقضاء التلبس بالمبدأ والمادة.
فمن ثم لا يكون المبحث عاما في كل المشتقات اللغوية باصطلاح علوم اللغة بل حتى الجوامد باصطلاح علوم اللغة إذا توفر فيها هذان الشرطان أيضا داخل في البحث. فإذاً من هذه الجهة البحث في المشتق الاصولي بينه و بين المشتق اللغوي عموم وخصوص من وجه ومر بنا أنه يقارب المشتق العقلي باصطلاح العلوم المعقول وهنا يصرح جملة من الاعلام أن هذا المبحث بحث معنوي وعقلي الى حد ما ومن ثم صرحوا جملة من الأعلام ان البحث في المشتق لا يختص باللغة العربية.
بالدقة من أول ما بدأنا من بحوث الأصول الى يومنا، هذه البحوث ليست مختصة باللغة العربية بل هذه البحوث تعم كل اللغات لأنها في الحقيقة بحث في المعاني وذكر الألفاظ والحقيقة والمجاز من باب نموذج يذكر العربية والا هو أعم وسبق أن أشرنا اليه في الدورتين السابقتين أن البلاغة و المعاني والبيان هو بحث في اللغة المشتركة بين البشر و هو علم المعاني. من ثم الإنجازات التي أنجزت في اللغة العربية أخذتها اللغة الفارسية أو الإنجليزية أو أكثر لغات العالم، لأنها ليست مختصة باللغة العربية. كثير من البحوث اللسانية هي سرقات من بحوث البلاغة أو بحث الألفاظ في أصول الفقه وغالبها مأخوذة ومقتبسة، لأنها بحوث ليست مختصة باللغة العربية بل بحوث في تحديد المعاني ومعاني المعاني وهلم جرا في ترامي المعاني.
من ثم هنا ذكر الأعلام أن هذا البحث في المشتق ليس خاصا باللغة العربية لأنه بالدقة هو بحث في معنى الموضوع له. فهو لغة مشتركة وتستطيع أن تقول أنها لغة الجن ولغة الملائكة لأن هذه المعاني لغة مشتركة بين من يتعقل. فإذاً مبحث المشتق أو مباحث الألفاظ في أصول الفقه ومباحث البلاغة كلها مباحث غير مختصة باللغة العربية. لذلك عبر عن علم المعاني بعلم المعاني لا للغة خاصة وكذلك علم البيان وهو فنون في الدلالة. إذاً المشتق في ما نحن فيه هو بحث عالمي بل حتى كما مر عابر للبشر الى الجن الملائكة وهلم جرا.
في الحقيقة علم التأويل بطبقاته الإشاري والتنبيهي والايمائي كلها في الحقيقة نظام المعاني والطبقات في الدلالة كأنما المعنى بينها مناسبات ونظام مناسبات أو قل شفرات ما شئت فعبر وفي كثير من العلوم في التفسير وعلوم التأويل له دور. فمن ثم هي لغة مشتركة وليست خاصة بالبشر.
لاحظ كلام القرآن «ولو نزّلناه على بعض الأعجميين فقرأه عليهم ما كانوا به مؤمنين» لأن النظام البلاغي في القرآن في اللغة العجمية هو نفسه غاية الامر بصوت عربي أو بصوت غيره. نعم الصوت العربي له جزالة من بين اللغات ومتفوقة وهذا مسلم في بحوث المراكز الاستراجية لكن إجمالا هذا النظام البلاغي الموجود في القرآن بلحاظ المعاني وليس فقط جزالة الألفاظ. من ثم القرآن الكريم يقول «ما كانوا به مؤمنين» في سورة الشعراء مما يدل على أن عمدة حقيقة القرآن باقية.
لذلك هذه ترجمات القرآن بلغات أخرى ليس المهم أنهم يصطادون لفظها ويترجمون لفظها بل المهم ان يدركوا نظام المعنى الاستعمالي هذا هو المهم في القرآن الكريم ويعتمد على مدى قدرة المترجم وأكثر الترجمات لا تصطاد النظام الاستعمالي في القرآن الكريم مع أنه شيء موحد، ومن ثم ترجمة القرآن الكريم تحتاج الى تطوير أكثر فأكثر لا سيما المفسرين المبتعدين عن بيانات أهل البيت لاسيما الطرف الاخر يغيب عنهم نظام تركيب المعاني الاستعمالي للقرآن فضلا عن التفهيمي والجدي. كما مر بنا مرارا أن روايات أهل البيت ذيل الايات في الدرجة الاولى تعالج الظهور لا أنها تعالج التأويل كما تخيل ذلك أكثر علماء الامامية أو الكثير منهم وهذا توهم خاطئ. هذا مبحث لطيف ذكره الأصوليين. إذاً المبحث هنا المشتق الأصولي أقرب الى المشتق العقلي منه الى المشتق اللغوي.
في هذه النقطة لنا تعليق عليها أن دعوى خروج الأفعال والمصادر وخروج الأسماء الجامدة مثل زيد لأنه في الأسماء الجامدة الذاتية لا تبقى الذات وليس هناك ثلاثية التفكيك بين المبدأ والتلبس والذات وبالتالي لايتحقق شرطان لبحث المشتق. هذا يمكن التأمل فيه.
لسنا في صدد أن المشتق الأصولي له جنبة معنوية عقلية أكثر مما فيه جنبة لغوية. هذا صحيح ونوافق الاعلام في ذلك لكن خروج هذه الأمور عن مبحث المشتق فيها تأمل. الأفعال والمصادر ليس فيها ذات أو الأسماء الجوامدة التي وضعت للذوات فإذا ذهبت الذات لا بقاء للذات فليس هناك ثنائية بين المبدأ والذات كي إذا ينقضي المبدأ تبقى الذات. فما الإشكالية مما ذكروه الأعلام.
لأن المبحث عقلي وليس لغويا فبالدقة ليس خاصا لمفردة من المعاني. أن هذه المفردة من المعنى كالضارب والمضروب لها ذات ينقضي عنها المبدأ الذي تلبس به. هذه مفردة لكنه ينسحب البحث نحو جملة «ضرب زيد».
لأن المفردة في الحقيقة كالضارب والمضروب سيما على التركب وعلى أن المشتق ليس بسيطا بل مركب سواء بني على أن المشتق بسيط أو ومركب، بالتالي هنا نسبة داخلة ومنطوية في المشتق ومعنى المشتق.
فعندنا جملة وهذه المفردة بمثابة الجملة. مر بكم في بحث المنطق مبحث عقد الوضع وعقد الحمل. لماذا عبروا عنها: يعني مفردة الموضوع ظاهرها البدوي مفردة لكنها بالتحليل يصير جملة. فنفس الموضوع هو عقد الوضع يعني جملة، ونفس المحمول جملة وبالتالي هذه المفردة التي هي قوبلت دمجية أو فعلي دمجي من عقد الانسان بين الموضوع والمحمول والنسبة جعلت صيغة مفردة لكن هي بالدقة جملة. ذلك البحث قائم في المفردة، كذلك البحث في تركيب الجملة هل النسبة في الجملة أعم ممن يتلبس بالفعل أو سيتلبس أو انقضى عنه التلبس. نفس الكلام. غاية الامر هذه نسبة مصرحة في الجملة وفي المفردة نسبة مطوية ولا فارق معنوي في البحث. لذلك في البحث العقلي يقولون أن بسيط يعني ليس مركبا وفي الشرع يعبر الشارع عن البسيط بالأحد أو الصمد في مقاب المركب.
صمدية أو البسيط بقول مطلق ما موجودة إلا في الباري وبقية المعاني والمركبات كلها مركب ظاهرها أوحادي لكنها مركب. إذاً هذه مسامحة. فالنسبة التي تلازم المصدر وضعت للأعم أو الفعل. الفعل ينسب الى الفاعل أو المفعول أعم من المتلبس بالفعل و من انقضى أو لا. هل يصح اسناد الفعل لمن سيأتي مجازا الكلام الكلام.
في الكتب المطولة مثل كتاب الفصول والقوانين حتى في الكتب المختصرة يوضحون المفردة انها حقيقة في المتلبس بالفعل أو من انقضى عنه المبدأ ويفكّكون المفردة الى الجملة ويبدأون يحللون هذه الجملة. فالمشتق الأصولي بالدقة هو ليس مفردة بل المشتق الاصولي هو بحث في النسبة، أن المبدأ ضرب ويضرب وضارب ومضروب ينسب بالمتلبس بالفعل أو من انقضى أو من سيتلبس، سواء أتيت بها بصيغة الضارب أو المضروب أو ضرب أو يضرب، هي نسبة إما نسبة مصرحة أو مطوية.
أيضا فعلا البحث عند الأصوليين في الفقه ما مختصة بالمفردات كما يقال في رجل سافر ونوى غاية مباحة. هذه مدارها الاسناد. الصحيح في البحث أنه ليس مقتصرا بالأسماء بل يشمل الأفعال والمصادر تماما.
بحث في النسبة نسبة مبدأ الاشتقاق الى الذات سواء في صورة المفردة أو المركب بحث عام. بحثهم في المفردة بلحاظ النسبة المطوية فيها إما ذاتا أو تلازما وسياتي أن شاء الله أحد النقاط هو البحث عن إسناد المشتق بلحاظ حال التلبس أو من انقضى عنه التلبس. أحد شرائط البحث في المفردات أن يكون البحث هل المشتق خاصا بإسناده بحال التلبس أو لمن انقضى كلهم اتفقوا على هذا في البحث. حال المشتق هو الزمان أو المكان حال التلبس المراد به زمان، أي نسبة نسبة مصرحة أو نسبة مطوية. فيه اختلاف عندهم ان المراد به النسبة المطوية والنسبة المصرحة. فالبحث هو في الإسناد. أن النسبة وضعت للأعم أو الأخص. على كل هذه نكتة يجب الالتفات اليه و بحث المشتق غير خارجة عن الأفعال والمصادر. وعملا في الأبواب الفقهية بحثوا في توسعة الإسناد في الجمل والمفردات. فهذا التحديد والتضييق لا يوافقه عليهم ارتكازهم ومشيهم في أبواب الفقه ولا أبواب البحث المعقول.
الصفة الإلهية أعم من أن تكون «الله عالم» أو «الله يعلم» كذلك في الإعراب زيد يضرب بمثابة صفة وخبر. أو زيد مضروب أو ضارب. من ثم يقول أن المحمول وإن كان جملة إلا أنه يعول بالمفرد.
هذا المبحث منهجي وقبل أن نغادر الى نقطة الجلسة اللاحقة هنا مبحث كلي أخطر من المشتق وإن كان المشتق بحث خطير؛ أن من خاصية العقل الإنساني أو العقل الجن الملائكة أن يركب ويدمج ويفكك ويحلل مثلا زيد يضرب هذه مفردة وجملة باستطاعته أن يقول زيد ضارب. طبيعة العقل البشري أي عقل كل ذي عاقل يقدر أن يدمجه و يركب و يقدر أن يحلل و يفكك. وهذه صناعة منطقية ذكرنا في الدورتين السابقتين أنها اخطر منهج منطقي في المناهج المنطقية. كل باب البرهان حتى باب القياس الاقتراني كله قائم على صناعة التحليل والتركيب التي هجرت الان في علم المنطق . هذا المنهج قام به جملة من الفقهاء في الفقه والعقائد والتفسير. من تميز في هذا المنهج المحقق الحلي والمحقق الكركي. .
نواصله في الجلسة اللاحقة.