الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/07/14

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ المشتق/ المشتق والاشتقاق عند اللغويين و الأصوليين

المشتق واهمية العناوين في الاحكام

الكلام في المشتق وهو في الحقيقة بحث عن العناوين المأخوذة في موضوعات الأدلة أو في المتعلقات. أيا ما كان، هي عناوين مأخوذة في القضية الشرعية، فباعتبار ان الحكم فعلي بفعلية موضوعه فهو بحث عن كيفية فعلية العناوين بدءً وانتهاءً واستظهارا وهي ليست على وتيرة واحدة ولا على نمط واحد وهذا أمر حساس غاية الحساسية حتى أن الأمر يتعدى بحث الفروع والأحكام الفرعية ويشمل الأحكام العقائدية ويشمل أخطر الأحكام العقائدية مثل قوله تعالى «إني جاعلك للناس إماما قال ومن ذريتي قال لا ينال عهدي الظالمين» في المراد من الظالم. فالمقصود هذه البحوث حساسة ومهمة.

فمن ثم، العناوين المأخوذة في موضوعات الأدلة أو الأحكام أو متعلقات الأحكام لها دور خاص في أصل تحقق الاحكام أو بقاء الأحكام ومن ثم استدعى هذا الأمر بحث الأصوليين في عنوان المشتق وهو تتمة لنقائص البحوث اللغوية لاسيما علم البلاغة.

في الحقيقة نفس مبحث المشتق هي بداية لبحث القيود الشرعية المأخوذة في القضية القانونية أو القضية التشريعية سواء قيود الموضوع أو قيود المتعلق. فإجمالا مبحث حساس ومهم.

عنوان المشتق: إنه عنوان مأخوذ من مادة وذات متلبسة بهذه المادة مثل كلمة «عالم» ذات لها العلم وإذا كان العلم فعليا والتلبس به فعليا فإطلاق العالم عليه صحيح وإذا لم يتلبس بالعلم بعد وسيتلبس به فإطلاق العالم مجاز. هذان الشقّان محل تسالم، أحدهما حقيقي والأخر مجازي. إنما وقع النزاع في الشق الثالث وهو الذات التي كانت متلبسة بالمبدأ وانقضى عنها مبدأ الاشتقاق كمن كان عالما والان ليس بعالم فهل هذا يصدق عليه عنوان «عالم» أم لا؟ فإذا في من مضى عنه التلبس وقع النزاع وحسب.

الحقيقة والمجاز في الاستعمال اللفظي الصحيح

وأيضا ليس الكلام في أصل صحة الاستعمال بل الكلام في حقيقية الاستعمال أو مجازيته وهذه نكتة مهمة في مباحث الظهور والبعد البلاغي أو البعد الاصولي. تارة يبحث عن أصل صحة الاستعمال وأخرى يبحث عن أن الاستعمال الصحيح حقيقي أو مجازي فصحة الاستعمال مبحث مقدم على نوعي الاستعمال الحقيقي والمجازي ثم الاستعمال الصحيح هو مجازي أو حقيقي، باعتبار أن المجاز يحتاج القرينة والحقيقي لا يحتاج القرينة. هذه نقطة تمهيدية في البحث.

حجية أنظمة علوم الاشتقاق المجهولة

نقطة أخرى ذكروها في البحث: ما هو المراد من المشتق؟ هل هو مشتق لغوي بحسب علم الصرف فقط؟ لأن الاشتقاق بحسب علم الاشتقاق خمسة أنواع وخمسة مناهج وخمسة أنظمة. هذا الاشتقاق الموجود في علم الصرف هذا هو النظام المشهور في المشتق أن المادة تبقى على حالها ويشتق بهيئات مختلفة كالعلم والعالم والمعلوم وغيرها، وإلا أنظمة أخرى من الاشتقاقات هي تكاد منسية الان وهي حقيقية وليست تكلفية.

هذا مبحث أيضا؛ أنواع أخرى من الاشتقاق ربما لمن لم يدرسها أو لم يطويها يظن أن هذه الأنواع والمناهج الأخرى من الاشتقاقات تأويلية أو من العلوم الغريبة أو استحسانات أو تخلصات لكن هذه النظرة خاطئة.

بقية مناهج وأنظمة الاشتقاقات شأنها شأن بقية العلوم اللغوية إلا أنها مهجورة وإلا هي نظام للعلوم اللغوية ولها موازين وقواعد ويتم الاحتجاج بها في الوحي في موارد عديدة.

كما في دقائق علم المعاني في البلاغة -وقليل من يتضلع- أو البيان أو فقه اللغة والعلوم اللغوية كثيرة وموجودة ولها موزاين ومتبعة لكن ليس رائجة عند كثيرة من أصحاب العلوم وهذا لا يقلل من شأنها وحجيتها. نعم كلام الأصوليين في قول اللغوي أنه ليس بحجة الا أن يحصل الاطمئنان منه أو ينطلق من البديهيات، يشمل كل العلوم اللغوية كالنحو والصرف والمفردات اللغوية وغيرها.

المقصود أن أنظمة الاشتقاق الأخرى غير معروفة من علوم اللغة ومن العناصر التي تشكل بنيويات الظهور وكثير من احتجاجات النبي واحتجاجات أهل بيته صلوات الله وسلامه عليهم قائمة على أنظمة أخرى غير النظام المشهور من الاشتقاقات اللغوية ويحتجون بها احتجاجا قائما على أصل اللغة، لكنها الان مهجورة. فمن الصعب للمفسر أن يكون مفسرا للقرآن أو الروايات من دون أن يلم بهذه الاشتقاقات. نعم، هي غير موسعة ولم تتبلور ولم تتظافر فيها الجحود لكنها علوم عظيمة. وصحيح أن هذه الأنظمة من الاشتقاقات غير المعروفة أساس للعلوم الغريبة، أساس علم الرمل والجفر من العلوم المحللة حتى أساس لعلم السحر والشعبذة من العلوم المحرمة ولها تأثيرات وأيضا أساس لعلوم الأحراز. حتى «كهيعص» و«الم» «طسم» مبني على علم الاشتقاقات وأحد أنظمة علم الاشتقاقات وإلا كيف يستخدمها القران لأن القرآن عربي مبين فما هي معناه؟ ما هو معنى الحروف المقطعة؟ طبعا استعمال لغوي قائمة على تلك الأنظمة في علم الاشتقاق. المقصود ان أنظمة علم الاشتقاق من العلوم اللغوية الأصيلة إلا أنها مهجورة وهذا لا ينفي دخالة تلك الأنظمة في تأثيرها في الوقوف على بنيويات الظهور الأخرى.

سيما هذه الأنظمة الأخرى هي في الخفاء على درجات وليست على درجة واحدة، يعني أن فيه نظام اشتقاق اخر قائمة على حرفين في قبال المادة ذات ثلاثة أو ثلاثة في قبال المادة ذات أربعة. هذا نظام الاشتقاق ليس بعيدا عن الأذهان، حتى اللغويين في مفردات اللغة اجمالا يشيرون اليه، مثل ابن فارس في معجم مقاييس اللغة والخليل بن احمد فراهيدي وهو يشير إليه كثيرا في كتاب العين. يعني هناك خمسة أنظمة؛ النظام المشهور وفيه نظامان اخران تقريبا ليسا خفيين جدا ويشير اللغويون في معاجم اللغة إليهما كثيرا، مثل ما إذا كانت المادة ثلاثية ويشتق من الحرفين أو إذا كانت المادة يشتق من الثلاثة أي اثنين من الثلاثة. هذا النمط من الاشتقاق شايع عند اللغويين مثل ابن فارس وخليل بن احمد أو لسان العرب وحتى الجوهري أو إذا كانت الهيئة متشابهة والمادة مختلفة أو الحروف ثلاثة ونفس الحروف تنقلب، هذا نوع من الاشتقاق.

فخمسة أنواع ونوعين من الاشتقاق أو ثلاثة قريبي الأفق ويذكر هذه الأنظمة في كلمات علماء مفردات اللغة بكثرة وهي مما ينبه على أن هذه من العلوم اللغوية الأصيلة. لا سيما خليل بن احمد ركز على هذا الاشتقاق بكثرة والإلمام بها مهم. بعضها خفي جدا وصحيح وبعضها يكاد يكون كالجلي قريب الأفق من نظام الاشتقاق المعروف.

أيام زمان كانت مشهورة بقوة في الحوزة كتاب مقرر دراسي في المقدمات والان هجر. ولا زال كتاب جامع المقدمات في الحوزات الشيعية الإيرانية يدرسونه وفيه جملة من علوم الاشتقاق. كتب عديدة كان يدرس في علم الاشتقاق غير علم الصرف وعلم الصرف غير علم الاشتقاق. كان كتابا مقررا دراسيا مثل شرح النظام الان والان هجر في الدراسة في الصرف كتابا جزلا كتاب شرح الشافية لابن حاجب. هناك شرح الشافية لنجم الائمة والنظام اختصر شرح نجم الائمة كما أن الكافية في النحو. فعلى أي تقدير كان هناك كتاب بمثابة حجم شرح النظام في علم الاشتقاق وكان يدرس في الحوزات العلمية والان نسخه أيضا ما موجودة نسخ هذا الكتاب الحجري لايكاد تحصل. وهذه آفة كبيرة في ساحات العلم.

إذًا هناك خمسة أنظمة من علم الاشتقاق وبمثابة خمسة علوم في الاشتقاق. طبعا شرح النظام في علم الصرف شرح متن الشافية لابن حاجب في الصرف وفي المتن والشرح يشيران الى الأنواع الخمسة للاشتقاق والمراجعة ضروري اجمالا. ويفيد لعلم الحروف وعلم المعنى وعلم الجداول و غيرها.

إذاً الاشتقاق في كلمات الاعلام هو الاشتقاق المعروف لا الاشتقاقات الأخرى ولكن حري أن يدرج جملة من تلك الأنواع والأنظمة باعترف أئمة اللغة أنها من علوم اللغة ويمكن أن يستند الظهور اليها شبيه ما مر بنا استعمال اللفظ في أكثر من معنى، ما دامت تعدد المعاني على الموازين وغير متدافعة وغير متناقضة فحجة هكذا في استعمال أنظمة الاشتقاق المتعددة و ممن أكثر في استعمال والاستفادة في بنية الظهور في أنظمة الاشتقاق هو خليل بن احمد وابن فارس من علماء اللغة.

اختلاف اصطلاح الاشتقاق بين اللغويين والاصوليين

نقطة أخرى في المشتق:أن المراد من اصطلاح الأصوليين في المشتق غير اصطلاح اللغويين، يعني المشتق الاصولي بينه وبين المشتق المعروف المعهود في علوم اللغة في النظام المشهور في الاشتقاق عموم وخصوص من وجه. حسب ما ذكروه من الاصطلاح. وأن كانت ملاحظة على هذه الدعوى سنذكرها في نهاية المطاف.

طبعا المراد من المشتق تقريبا شبيه مراد علماء المعقول من المشتق وهو يقارب اصطلاح الأصوليين ويختلف عن اصطلاح اللغويين، فأشبه اصطلاح الأصوليين لأنه اصطلاح عقلي.

فمراد الأصوليين من المشتق ليس كل مشتق لغوي كما في الأفعال. الأفعال مشتق لكنها ليس المراد في البحث حسب ما قيل. المصادر المزيدة مشتقة أما المصادر المجردة فيها اختلاف أن الأصل هو المصدر أو الصحيح أن أصل الاشتقاق هو المادة الخام. تقريبا التحقيقات الناضجة الأخيرة عند علماء اللغة في قرون عديدة باتت أن أصل المشتق هو المادة الخام كما في الضرب هو ض ر ب. وليس الضرب هو أصل الاشتقاق. فيها اقوال. بعضهم ربما يقول الأصل هو الفعل لكن الأشهر الان هو المادة الخام هي أصل الاشتقاق. فالمصدر سواء المجرد أو المزيد مشتق. المشتقات يعني نوع من سبك هيئوي في الصوت والمعنى عارض على المادة الخام فبالتالي هنا يقول هذا اصطلاح اللغويين في المشتق. أما اصطلاح الأصوليين فيختلف في المشتق عن اصطلاح اللغويين فليس مرادهم في المشتق مطلق مشتق اللغويين فالأفعال والمصادر خارجة.

إنما المراد خصوص المشتق الذي يجري على الذات لا المصادر والأفعال بل و لا مطلق ما يجري على الذات بل ما يجري عليها بشرط أن يجري على الذات بحيث بعد ما تنقضي المادة الطارئة تبقى الذات ولذلك على هذا الاصطلاح ليس أخص من المشتق عند اللغويين بل أعم ويجري على الأسماء الجوامد مثل كلمة عبد أو الزوج أو الرق. هذه العناوين وإن كانت جامدة وغير مشتقة بناءا على أن المجرد ليس مشتقا لكن هذه العناوين يجري على الذات ويمكن للذات تبقى بعد فناءها. فهذه العناوين مشتقة في علم الأصول. فإذاً الأسماء الجوامد داخلة في بحث المشتق إذا كانت تعني مادة تجري على الذات وتبقى الذات بعد انقضاء هذه المادة. فإذًا المشتق الأصولي أو المشتق العقلي في الفلسفة والكلام هو كل عنوان يجري على الذات وينقضي والذات باقية سواء سمي في اللغة مشتقا أو جامدا. كأنه شبيه الاشتقاق العقلي مرتبط باللفظ واللغة.. فالنسبة بينهما العام والخاص من وجه. هذا ما ذكروه مشهور الأعلام.

لكن لدينا ملاحظة أنه يمكن أن يقال: صحيح أن النسبة عموم وخصوص من وجه لكن خروج المصادر والافعال لا نقر به لأنه حسب محل الابتلاء في المشتق سنبينه أنه أوسع مما ادعي هنا وما مارسه الأعلام من بحوث المشتق ليس ضيقا بمثل ما ذكروه هنا. الاستقراء الاستقصائي لنزاعات الأعلام في المشتق الاصولي في أبواب الفقه أو الأبواب العقلية نراهم أنهم يسع البحث عندهم للمصادر والافعال بل حتى للجوامد. القسم الاخر الذي لا يبقى الذات فيها بعد انقضاء. سنبين إن شاء الله نماذج بحثوها وتنازعوا فيها مع ذلك أجروا فيها نفس مبحث الاشتقاق والمشتق.