الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/07/13

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ استعمال اللفظ في أكثر من معنى/

أسعد الله أيامنا و أيامكم لميلاد بطل المحاربة والنفس، أميرالمؤمنين علیه‌السلام

كان الكلام في ما قاله الطباطبايي رحمه‌الله ومحصل كلامه هو أن ترتيب الكلام سواء كان متصلا أو منفصلا حيث عد عند الاعلام أن كل نصوص الوحي والدين مثابة متكلم واحد و بمثابة كلام واحد، سواء كان كلام الناطق الشرعي منفصلا يعتبرونه واحدا أونفس الناطق الشرعي يكون متعددا يعني القرآن أو النبي أو الأوصياء فيعتبرونهم متكلما واحدا. هذا وإن كان سليما و متينا ولكنهم بنوا على أن الظهور يبقى في حين ان المراد الجدي والنهايي مبني على وحدة الكلام ووحدة المتكلم لكنه لا ينافي أن هناك مرادات جدية أخرى متعددة.

فيقول: هكذا الكلام لو كان متصلا وكان المتكلم واحدا، مادام الكلام فيه جمل وتركيب فلكل جمل و لكل تركيب شأنه، شبيه ما قاله العلماء البلاغة وعلماء أصول الفقه في موارد تعدد الدال والمدلول. فرق باب تعدد الدال والمدلول عن المجاز أنه بتوسط تركب دالين نص لمعنى تفهيمي آخر من دون عبور عن طريق معنى مجازي في مرحلة الاستعمال. فهكذا الحال في مراتب الدلالة و التركيب في الظهور.

فهو يصر وإصراره في محله على أن وحدة المركب في بنية الظهور لاتنافي أن الابعاض أيضا لها مداليل ظهورية تختلف عن ظهورها عند التركيب وتلك الظهورات أيضا تكون مرادة في عرض بعضها البعض، سواء بلحاظ المدلول الاستعمالي أو التفهيمي أو الجدي. فبالتالي هذا يثمر أمورا كثيرة.

بعبارة أخرى؛ نفس الكلام الذي ذكروه في الكلام المنفصل أو من قبل كثرة المتكلم مع أنه متكلم ناطق شرعي في حين أن المراد الجدي مبني على اعتبار وحدة المتكلم ووحدة الكلام لكنه لم يمنعهم عن استظهار معاني أخرى من ذلك.

كما مر، لماذا عبر الشارع عن الحكم بقالب عام و يريد عاما مخصصا؟ قالوا ليضرب قاعدة ظاهرية على أنه عند الشك في الدليل الاجتهادي يرجع الي ظهور العام في ذلك، فقالوا استعمل العام في مفادين في عرض بعضهما البعض. هذا قالوه في المنفصل وبعينه يأتي في المتصل. هذه أحد الثمرات الارتباطية التي ذكروها. لأن في المتصل أيضا هو عبر عن قوالب متعددة؛ العام ثم الخاص ثم الأخص ليبين أن هذا المتصل كنتيجة نهائية لاينافي أن مراتب الظهور فيه متعددة متركبة فالانفصال والاتصال لاسيما على مبنى علماء الامامية حيث لا أثر له بلحاظ الشارع في تعدد المتكلم له، فلايفرق فيه في المتصل والمنفصل بخلاف ما عبر من الإبتداء بعنوان واحد مدمج، أما حيث يعبر بالتراكيب فهو بمثابة المنفصل فالظهورات التي تتقرر لها بنية الظهور في المنفصلات سواء العمومات أو القرائن المنفصلة الحاكمة والواردة والفذلكات كما مر بنا في القواعد الفقهية كلها مرادة ومرئية. لمّا يعبرون بمراتب العموم مع أنه المراد الجدي شكل لكن لا ينافي أن تعدد بنية العموم تراد بغاية أخرى سواء غاية الحكم الواقعي والظاهري أو غاية أخرى، فهذا الذي ذكره إنصافا متين وقويم و هو ارتكاز كثير من علماء علوم اللغة أو علم الأصول وهو محصل من كلمات أهل البيت علیهم‌السلام.

عدة وجوه ذكرنا لمدعى الطباطبايي لما استنبطه من منهج أهل البيت في الكلام. أضيف له ما مر بنا مرارا ان الشارع المتكلم هو معجز الكلام و خالق الكلام فلما يعبر بتركيب معين وهذا التركيب يحتمل وجوها متعددا من الإعراب النحوي ووجوها متعددة في علم الصرف أو علم البلاغة أو كذا مع ذلك لا ينصب قرينة حصرية لأحد الوجوه فما الغاية في ذلك؟ لامحالة تكون الغاية أن كل هذه الوجوه مرادة وإذا أراد بعضها والباقي ما أراده لازم أن ينصب قرينة ولو منفصلة. فحيث لم ينصب قرينة ولو منفصلة وكل هذه الوجوه صحيحة وعلي موازين بنيان الظهور اللغوي أو نكات أصولية موزونة متعددة لامحالة تكون كلها مرادة.

من باب المثال نقلت عن الشيخ حسن زادة آملي أن علماء العلوم الدينية استخرجوا ست وثلاثين قاعدة من «إنما الأعمال بالنيات» طبعا في العلوم الدينية المختلفة. طبعا سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله عن خصائصه هو أنه أوتي بجوامع الكلم، فيعني هذا الكلام جامع لأمور عديدة. ولطيف أن هذه القواعد كلها مرادة استعمالا وتفهيما وجدا ولم يروا انفسهم في حرج أو خلل في ما استفادوه ولا بينها تناقضات ومن هذا القبيل كثير.

إن النراقي من «كل شيء لك حلال حتى تعلم انه حرام» استخرج ثلاث قواعد أو أربع والاخوند ارتضى مبنى النراقي فيها. «كل شيء لك حلال» بالحل الواقعي والحل الظاهري والاستصحاب والمعنى الرابع الأخذ بالقواعد الظاهرية مطلقا، أربع قواعد خطيرة وكل هذه القواعد قواعد جحفلية وما استنكروا عليه إلا القليل من الأعلام. كذلك في قاعدة «كل شيء لك طاهر حتى تعلم انه نجس» قد لا يرتضي صاحب الكفاية أربع قواعد لكن ارتضى قاعدتين منها وبالتالي هي نوع من استعمال اللفظ في أكثر من معنى ولطيف أنه يقول باستحالة استعمال اللفظ في أكثر من معنى لكن ارتضى بمبنى النراقي في الأصول الأولية.

فعلى كل، أقول لو هذا البنيان شيد وروعي في العلوم الدينية والنقلية انفتحت أبوابا عجيبة في العلوم الدينية وليست هذه هلوسة واستحسان بل كل هذه الوجوه مستندة الى علوم لغوية كلها صحيحة و مستندة الي القواعد بالتالي فالشارع هو أعطانا قالبا ذو مصنع منتجات متعددة. أما لو لاحظنا كلمات أهل البيت في ذيل الايات كالاية الشريفة «قتل الانسان ما أكفره» هم فسروها آية الذم وفسروها آية المدح وليس تناقضا. الذم مراد به شيء معين والمدح يراد به شيء معين آخر وشخص آخر وهو أمير المؤمنين علیه‌السلام . «قتل الانسان خبر» وليس استعمل بمعنى الانشاء وأيضا استعمل بمعنى الانشاء وتركيب كلها صحيح وليس هناك قرينة صارفة عن أحد المعاني عن الاخر أو «إنا عرضنا الامانات على السموات والأرض» هذه أيضا فسرت بالمدح والذم وسواء بلحاظ المفردات اللغوية وبلحاظ التركيب النحوي وغيرها وليس تناقضا.

هذا المبنى الذي يبنى على تعدد الظهور سواء على الاستعمالي أو التفهيمي على الموازين أولا ثم أن لا تكون متدافعة ومتناقضة وأن لا تكون متدافعة مع محكمات الدين، فأين الهلوسة و أين الخبط في ذلك؟ لاسيما أن الشارع يعلم أن قالب كلامه ينتج بمنتجات متعددة مثل ما استفاده النراقي والشيخ ما انكره انه استعمال في اكثر من معنى. قال كل شيء لك حلال كحلية واقعية دليل اجتهادي واستعمل كأصالة الحل واستعمل في الاستصحاب و استعمل في أن القواعد الظاهرية يعمل بها وما فيها خبط بل قواعد مرتبة وموزونة ولا تعارض المحكمات وهي مستخرجة من الموازين أو مثل ما ذكر في «إنما الاعمال بالنيات» والي ما شاء الله.

الامام الصادق يستفيد قاعدة أخرى من هذه الجملة النبوية وهي برهان على وجه خلود أهل الجنة في الجنة وخلود أهل النار في النار. النية أمدها غير العمل النية طاقتها و قوتها غير العمل. إنما خلد أهل الجنة في الجنة بنياتهم وخلد اهل النار في النار بنياتهم. ليس هناك أي تنافي في البين. هي معاني عرضية وليست طولية.

هذه كما مر من بداية بحث الأصول الى الان في هذه الدورة الثالثة نلتفت الى هذا المطلب أن كل هذه العناصر التي مرت عبارة عن موارد بنيويات الظهور في الاستعمال وبالدقة فيه مراعات هذه الضوابط صناعية يرفع الالتباس عن كثير من الأمور. ويلفت المستنبط بكثير من الأدلة والمواد ما كان يلتفت اليها بدون هذه المواد. مر بنا مثال عندما يبني الأعلام على أن الحقيقة الشرعية واحدة وإن تكثر الموضوع له الوضع واحد والموضوع له كثير منه يستفاد أن التشهد لا تقول ان التشهد في الصلوة والاذان والإقامة والزيارة والدعا حقائق شرعية مختلفة هذا خلاف المقرر صناعيا في علم الأصول ومن ثم كل رواية تأتي في التشهد في باب معين هي تشير الى هذه الحقيقة الوحدانية كيف نتوفر على أدلة.

إن سبعين فقيها في ردودهم على الفتنة الكاظمية غفلوا عن التمسك بهذه النكتة الصناعية التي هم حرروها وتمسكوا برواية مرسلة ونعم بها لا بأس بها وفيها نكات صناعية وجيد لكن لماذا الإعواز في المواد. نتيجة نفس ما هم تنبهوا اليه. فهذه البحوث ليست بحوثا طرفية.

بقيت نقطة عند الاعلام: كما يقول السيد الخويي في المحاضرات أنه ورد طوائف مستفيضة متواترة على أن للقرآن سبعين بطنا وهي بمعنى الكثرة و ليس بمعنى التحديد. يقول أن هذه الروايات مستفيضة ومتواترة ونكتة صناعية لطيفة يراعيها السيد الخويي وإن كان من أتى بعده من تلاميذه ربما غفلوا عنها؛ لما يكون الحديث متواترا السيد الخويي لا يهتم بأن يستدل بواحدة واحدة من الروايات هنا في البحث. مفروض أنها متواترة معنوية فيشهد بعضها لبعض و يعضد بعضها بعضا. لذلك لا يتعرض لسند هذه وهذه بل يتعرض لخصوصيات الطوائف وربما يأتي بثمان طوائف بألفاظ مختلفة بل ورد أنها ليست مختصة بالقرآن الكريم بل يعم روايات اهل البيت علیهم‌السلام أيضا لها سبعين بطنا وهذا ليس في المعارف فقط بل حتى في فقه الفروع كما مر بنا في «إنما الأعمال بالنيات» لكن صاحب الكفاية واكثر الاعلام ومنهم السيد الخويي قالوا هذا لا صلة باستعمال اللفظ في اكثر من معنى وانما هذه عبارة عن تعدد المعاني المترامية والمتعاقبة طوليا من باب التلازم هذا صحيح لكن ليس حصرا به بل ما ذكره الطباطبايي من الوجوه المختلفة له كلها سديدة ومتينة

نكتة لطيفة أذكرها ونختم. هنا كلام ان الوحي هل يستعمل الكناية أو لا؟ يعني لا يكون المراد التفيهيمي أو الجدي مطابقا للمراد الاستعمالي، مثل «لو تستغفر لهم سبعين مرة» هل مراد الله عزوجل هنا إذا استغفر النبي لواحد بدل سبعين مرة ثمانين مرة يغفر لهم؟ قطعا ليس المراد هذا وليس المراد سبعينية السبعين إنما المراد به الكثرة. إذا لماذا أتى بعدد السبعين؟ لأجل الكثرة لا لأجل خصوص هذا . مثل ما يورد أن الامام يقول لغير المعصوم بأبي أنت وأمي أو لدونهم، إنها من باب أنك عزيز. هذا بحث جدلي موجود في العلوم الدينية هل الكناية والمبالغة موجودة أو لا. مثل هذا التعبير لو تستغفر لهم سبعين مرة واضح انه ليس المراد سبعينية السبعين بل تعبير كنايي مبالغي أو ما شئت فعبر. هذه نكتة لطيفة في سبعين بطنا أو سبعين وجها ليس المراد التحديد بل المراد منه الكثرة. هذا تمام الكلام في استعمال اللفظ في أكثر من معنى.

إن شاء الله يقع الكلام في المشتق وسنذكر كيف ارتباطه ببحث بنية الظهور اليومي خلافا لبعض الأعلام يقولون هذا ليس من بحث الأصول.