43/06/29
الموضوع: باب الالفاظ/ مبحث الاشتراك/ الاشتراك اللفظي وتعدد دائرة الاستعمال
كان الكلام في وقوع ووجود الاشتراك اللفظي وتمييزه عن الاشتراك المعنوي.
مر أنه يستدل على ضرورة الاشتراك اللفظي بأن المعاني لا متناهية والألفاظ متناهية و مر أن الألفاظ يمكن تصويرها لامتناهية من حيث المفردات اللفظية أو من حيث التركيب أو من حيث الإعراب أو من الجهات الأخرى يعني هيئة اللفظ المفرد وهيئة التركيب التام و هيئة التركيب الناقص.
فعلى أي تقدير ذكرت ملاحظة على هذا الاشكال أن معاني الاجناس يمكن القول بانها محصورة وإن كانت أنواع وكذا فعلى أي حال هذا الاستدلال يمكن الخدشة فيه لأنه ليس من الضروري أن يكون هناك ألفاظ لكافة المعاني تفصيلا بل لجملة منها ثم يستعان في الدلالة على بقيتها بالقرائن وهذا هو الجاري في اللغات بالاستعمال المجازي وإن كان أسباب الاستعمال المجازي متعددة لكن بالتالي منها كثرة المعاني وبالتالي يستعان على الوضع الحقيقي بالاستعمال المجازي أو الكنايي فهذه الضرورة المدعاة قابلة للخدشة وطبعا هذا غير العلم الشخصي مثلا البشر يحتاجون الى العلم الشخصي أما غيره فلا لكن ظاهرا ان عالم الملائكة الذي هو أكثر أفرادا من الإنسان العلم الشخصي لكل ملك موجود هكذا قد يستفاد من الأدلة لكن بالنسبة لبقية الحيوانات أو الأجناس أو الجمادات ليس من الضروري ان يكون لكل فرد إسم بل أسماء الاجناس كاف. فمن ثم ليس هناك ضرورة لاستيعاب الألفاظ لكل المعاني بل للطبقات العليا كاف. فإذاً الضرورة غير مقرر بها.
في جانب آخر ادّعي امتناع الاشتراك اللفظي بسبب أن الاشتراك اللفظي يسبب الإجمال وإن يكون متشابها الاستعمال في الكلام فخلاف حكمة الوضع والاستعمال ولا يصلح أن يكون في القران، فإذاً الاشتراك اللفظي ممتنع لأن اللغة العربية استخدمها القرآن.
الجواب أولا أن الاجمال بالقرائن ترتفع وثانيا أن الاجمال والتشابه ليس خلاف البلاغة بل بعض الأحيان الحكمة تقتضي الإجمال والتشابه حتى في القرآن.
مع ان القرآن عربي مبين فالإجمال والتشابه باي معنى؟ هناك جدل في العلوم القرانية ان التشابه ماذا يعني؟ إن التشابه نسبي بدليل أنه في سورة العنكبوت يصف القرآن نفسه «بل هو آيات بينات في صدور الذي أوتو العلم» فما فيه تشابه فبالتالي إذاً التشابه نسبي ففي الحقيقة التشابه المراد به هنا يعني الخفاء على بعض وعدم الخفاء على البعض والخفاء مطلوب.
فالإجمال هنا نقص اللفظة في البيان أو الدلالة أو نقص الاستعمال عن كونه تركيبا تاما موصلا للمعنى شبيه التورية. إن المتكلم يستعمل لكن يريد الإشارة فإذاً ليس الاجمال والتشابه ليس خلاف الحكمة والاستعمال بهذا المعنى يعني الخفاء.
من هذا الباب سيأتي أن أحد أسباب أو دلائل القول بوقوع استعمال اللفظ في أكثر من معنى هو أن الاجمال والتشابه قد يكون غرضا فأحد موارد وأمثلة الاستعمال في أكثر في معنى هو التشابه والخفاء.
لذلك في التورية مر بنا في المكاسب المحرمة هي قد يستعمل اللفظ في المعنى ويدل عليه لكنه ليس المراد الجدي له بل مراد استعمالي ولو هذا ليس من باب استعمال اللفظ في اكثر من معنى بل المقصود أن الخفاء كيف يظهر المراد الاستعمالي ويخفي المراد الجدي. فالمقصود أن الخفاء والتشابه أنواع و هو من الأغراض في علم البلاغة. إذاً هذا القول بالامتناع ليس في محل.
فإذاً الصحيح إمكان الاشتراك اللفظي بل وقوعه. بحث الأعلام في وقوع الاشتراك اللفظي في اللغات جملة ووقوعه معترف به وموجود لكنه بحثوا كيفية الوقوع هل هو بتعدد الوضع التعييني و التعيني؟ هذا واضح أنه بسبب تعدد الوضع سواء تعيينا أو تعينيا.
هناك سبب اخر ذكره الناييني رحمهالله مع أنه ليس سببا حصريا وهو اختلاط اللغات مع بعضهم البعض يعني العربية تأتي الفارسية والفارسية تأتي الإنجليزية وهذا موجود في اللغات. مآله الى الوضع التعييني لكن هذا الوضع التعييني بسبب اختلاط اللغات أو اختلاط أهل اللغات.
هذا تمام الكلام في الاشتراك اللفظي فملخصه أنه عند تعدد الوضع وتعدد الموضوع له يكون الاشتراك اللفظي أما مع وحدة الوضع وتعدد الموضوع له ليس الاشتراك لفظيا.
الأعلام ذكروا الاشتراك اللفظي كعنصر من عناصر بنية الظهور في مباحث الألفاظ يهم الأصوليين استعراض البنى صغرويا للظهور زيادة على التحديد الذي أنجزه علماء البلاغة في علم المعاني وعلم البيان. يعني الالفاظ في بعدها الوسيع في علم الأصول هي نوع من الغور الزائد في وظيفة علم المعاني من البلاغة وعلم البيان منها وطبعا منها أصول القانون، فأحد أبعاد مباحث الألفاظ توسعة علم البلاغة لا حصريا.
من ثم المهارة في علم البلاغة مؤثرة في مباحث الألفاظ وبالتالي في قدرة الفقيه في الاستنباط أو المفسر . علم المعاني في البلاغة عبارة عن علم تحليلي تفصيلي صناعي لقوالب المعاني والنسب والارتباطات بينها وعلم البيان فنون الدلالة بين اللفظ والمعنى.
لذلك هذا المبحث في نفسه لتحديد صغريات بنية الظهور من جانب اخر يمهد لمبحث آخر وهو استعمال اللفظ في أكثر من معنى وهذا مبحث مهم. هل ممكن؟ ثم إذا كان ممكنا هل واقع ويستعمله العرف؟ في بداية هذا المبحث أو قبل هاتين الجهتين جملة من النقاط لتنقيح هذا المبحث.
النقطة الأولى: هنا ليس الكلام في استعمال اللفظ المشترك خصوصا فيما وضع له من المعاني المتعددة بل أعم. يعني يمكن البحث في استعمال اللفظ في اكثر من معنى حقيقي ومجازي وليس ضروريا أن يكون كلها حقيقيا.
صورة منها استعمال اللفظ في أكثر من معنى حقيقي وهذا اشتراك لفظي وصورة أخرى استعمال اللفظ في اكثر من معنى حقيقي ومجازي وصورة ثالثة استعمال اللفظ في اكثر من معنى مجازي. هذه نقطة يجب الالتفات اليه.
النقطة الثانية: هنا في الحقيقة ليس البحث في استعمال اللفظ في أكثر من معنى فقط، بل استعمال الصوت في أكثر من اللفظ. هذا قبل استعمال اللفظ في أكثر من معنى. صوت واحد في ألفاظ عديدة هذا أيضا داخل في البحث. كما يقال «علامَ» وهو استعمال اللفظ في لفظ العلامة و كذلك استعماله في لفظ «على مَ»
فأيضا هذا داخل في المبحث شبيه ما كتبه الامام الصادق علیهالسلام كتب «نون» وأرسلها لثلاث من أصحابه واحد إفتهم شيئا معينا والأخر افتهم شيئا اخر والثالث شيئا اخر. فلفظ استخدمه الامام علیهالسلام في عدة ألفاظ ثم استخدمه في المعاني هذا داخل البحث أيضا.
طبعا هذا ليس المراد منه استعمال الصوت في اللفظة المفردة فقط لأن التركيب أيضا لفظ، «الم ذلك الكتاب لا ريب فيه» أو «ذلك الكتاب لا ريب، فيه هدى للمتقين» كم تركيب ذكروا لهذه الاية. خمس تركيبات ذكروا فيه في صوت واحد. فليس المراد اللفظ المفردة بل قد يكون تركيب الجملة و قد يكون تركيب الناقص
إذاً هذا المبحث يشمل حتى التصور فليس في المعنى الاستعمالي فقط. استعمال الصوت في أكثر من التصور أو ما قبل التصور الدال على التصور وهو اللفظ، استعمال الصوت في أكثر من دال واحد هذا أيضا داخل في البحث.
نقطة ثالثة: ليس الكلام في استعمال اللفظ في أكثر من معنى استعمالي ولا تصوري ولا دالي بل أيضا استعمال اللفظ في اكثر من معنى تفهيمي في عرض بعضها البعض أو استعمال اللفظ في اكثر من معنى جدي في عرض بعضها البعض مستقلا وإلا المعنى التفهيمي المترامي المتعاقب المتلاحق ارتباطا هذا من باب الدلالة الالتزامية الخارجة عن محل البحث.
الكلام في استعمال اللفظ في معاني مستقلة عن بعضها البعض سواء كان تصوريا متعددا أو الدال على التصور المتعدد أو الاستعمالي المتعدد أو التفهيمي المتعدد أو الجدي المتعدد في عرض بعضها البعض مستقلا.
كل هذه الفنون استعمال اللفظ في أكثر معنى وداخل. فهذا البحث في الحقيقة عرمرمي وواسع وفنون البلاغة موجودة فيه. وليس مختصرا كما قد يتخيل في خصوص استعمال اللفظ في أكثر من معنى استعمالي. إذا هذه منظومة كبيرة ومورد البحث ليس في استعمال اللفظ في معنى يلازم معنى يلازم المعنى الثالث والرابع . هذا خارج عن البحث لأنه لا كلام فيه أنه من باب الدلالة الالتزامية سواء التزامية تصورية أو التزامية استعمالية أو تفهيمية.
لا يغيب عن بال الأخوة أن الدلالة الالتزامية غير خاصة بالدلالة التفهيمية كما أنه متبادر من علماء البلاغة لأن الأصوليين ربما بعض البلاغيين نبهوا على أن الالتزام أيضا جار حتى في مقام التصور لبعض الألفاظ مع جملة من المعاني مثل المجاز المشهور مع الموضوع له حقيقيا تلازم على صعيد التصور. هذه فائدة معترضة مرتبطة ببنية الظهور.
هذه التشقيقات لكي إذا ذهب الباحث الى يوميات الاستنباط يلتفت الى العناصر لا يجعلها قالبا واحدا بل عالم اللفظ منظومة قوالب هذا يعبر عنه البحث التحليلي الصناعي في الاستنباط. وهذه هي مهارة السيد عبد الحسين شرف الدين أو الزمخشري.
زمخشري اكتشف معنى من آية المودة واقعا لم يلتفت اليه علماء الفريقين عن بكرة أبيهم وأخطر معنى في آية المودة ومدلل بدلالات وبراهين. هذه نتيجة الدقة. علم البلاغة يعني مختبر تحليلي صناعي يعني عالم مباحث الألفاظ وعلم البلاغة.
العجيب أن البعض ينفر من علم الأصول ولكن لا ينفر من علم البلاغة مع أنهما شيء واحد يعني أحد أبواب علم الأصول هو علم البلاغة فالمقصود إذاً هذا البحث مهم أن الانسان يلتفت الى بنية منظومة العلوم اللغوية كيف هي تتراكب و تتناسخ وترتبط
الدلالة الالتزامية عند الأصوليين وبعض البلاغيين لا تنحصر بالدلالة التفهيمية بل في الاستعمالية والتصورية يمكن فضلا عن الجدية. هذه النكات مهمة لأنها مواد الاستظهار والاستنباط في العلوم الدينية