الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/06/28

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ مبحث الاشتراك/ الدليل على وجوب الاشتراك اللفظي - البنية اللفظية والمعنوية في الظهورات

كان الكلام في الاشتراك و مر بنا تمييز علماء الأدب و اللغة وعلماء الأصول بين الاشتراك اللفظي والاشتراك المعنوي بأن ضابطة الاشتراك اللفظي تعدد الوضع وهو يعني تعدد المعنى الملحوظ حين عملية الوضع وإنما يلزم تعدد المعنى الموضوع فضلا عن تعدد الموضوع له بخلاف ما إذا كان الوضع واحدا وإن كان الموضوع له متكثرا في الخصوصيات الفردية أو الصنفية.

فإذاً ضرورة وجود الوحدة المعنوية في الاشتراك المعنوي وإن كان الموضوع له متعددا كأنما هذا الموضوع له المتعدد بمثابة الموضوع الواحد تقريبا فمن بعض الجهات يعاملون وجود الاشتراك المعنوي وان كان الموضوع له متعددا مثل اسم الإشارة أو الضمير أو حرف الجر أو الموصول يعاملون هذه الموارد المتكثرة في الموضوع له معاملة وحدة المعنى والمشترك المعنوي ومر بنا بعض الثمرات. هذه نقطة مقدمية للاشتراك المعنوي واللفظي.

نقطة أخرى: هناك من قال في الأقوال في وقوع الاشتراك اللفظي بالوجوب ومن قال بالامتناع من قال بالإمكان واستدل بالأدلة العقلية للوجوب واستدل بالأدلة العقلائية للمنع وهذه الأدلة يتأمل فيها من جهة أنها تنظيرية محضة.

مثلا استدل على ضرورة الاشتراك اللفظي أن الألفاظ محدودة بينما المعاني غير محدودة. الالفاظ مادية محدودة بينما المعاني لا متناهية إذا تم هذه المقدمة لا محالة سيكون الالفاظ أقل عددا من المعاني وإذا تقرر أن الألفاظ أقل عددا من المعاني لا محالة اللفظ الواحد سيوضع الى المعاني العديدة كي يستطيع أن يغطي كثرة المعاني. هذا مختصر الاستدلال. ان الالفاظ محدودة وان المعاني لا محدودة فلامحالة المحدود لابد أن يشترك في وضعه بإزاء اللامحدود.

هذا الاستدلال ذكر فيه تأمل. طبعا أصل الاستدلال أن المعاني مجردة عن المادة الغليظة لأن المعاني في الذهن والتصور حتى الأصوات التي هي ألطف مادة في عالم الأرض والعالم الدنيوية لا تبلغ لطافة عالم البرزخ مع أن عالم البرزخ أيضا أرضي بمعنى.

افترض هذه الطاقات غير المرئية مع ذلك لا تبلغ طاقات عالم البرزخ وإن كان عالم البرزخ جسمانية فإذاً العوالم ذات طبقات في الحواس وكل عالم له حواس ما دام جسمانيا. إجمالا هذه النكتة صحيحة أن المعاني بسبب أنها مجردة غير مطلقة أو مجردة مطلقة فيكون ألطف فسعتها لا محالة تكون أكثر من الألفاظ لأن الألفاظ من عالم المادة.

طبعا هذه النقطة نكتة مهمة: أن تنزيل القرآن ألفاظه محدودة لكن المعاني لامحدودة حبل ممدود طرف منه عند الناس وطرف منه عند الله يعني بحر المعاني لا محدودة هذه نكتة مهمة في تفسير القرآن و العلوم النظرية في الوحي. فهذه المقدمة مرتبطة بالتالي ببحث اللغة واللفظ والمعنى بغض النظر عن صحة استعمالها في المقام وعدم الخدشة في استعمالها هي في نفسه مقدمة نفيسة مرتبطة بعالم الألفاظ وعالم المعاني أن عالم المعاني أوسع سعة من عالم الألفاظ وهذه نكتة مهمة في بحث بنية الظهور.

فيه مؤاخذة على هذه المقدمة من بعض الأعلام منهم السيد الخويي رحمه‌الله أن الالفاظ أيضا غير متناهية، لأن الالفاظ وإن تكون في اللغة العربية ثمانية وعشرون لفظا لكن التركيب بين الالفاظ والحركات والاعراب وهيئة التركيب المفردة وصيغة المفرد أو تركيب الجملة هذه المعادلات الكثيرة إذا اشتبكت وارتبطت مع بعضها البعض قابلة لأن تترامى الى ما لا نهاية له كما هو ثابت في علم الرياضيات وهذا المطلب صحيح ولا ينافي النقطة التي مرت بنا ان المعاني أوسع في اللاتناهي وهذا ما ذكره بحوث المعقول أن عالم المادة يتصور فيه اللاتناهي ولكن اللاتناهي طبقات تشكيكية في عوالم الوجود.

مثلا طبيعة خارجية لأي جنس من الأجناس تصورا قابل للتصور بعدد لامتناهي وهذه نكتة لطيفة أن الألفاظ يمكن التصور فيها اللامتناهي. فإذاً في المادة يتصور اللاتناهي.

النكتة هذه مهمة في علوم التفسير وعلوم الحديث أن الالفاظ لامتناهية كيف؟ الان سور القران 114 سورة ولطيف أنهم يروون أن عبدالله بن مسعود قال: إني أخذت سبعين سورة من رسول الله ولم اختم القرآن كله إلا من على بن ابي طالب علیه‌السلام

المقصود حتى كتاب القرآن يرجع علم القرآن الى على بن ابي طالب علیه‌السلام موجود هذا الحديث عندهم و إن لم يبوه به. أما زيد بن ثابت أدرك من القرآن عند النبي شيئا يسيرا. سور القرآن 114 سورة وايات القرآن 6000 أو 7000 الا شيء. كلمات القرآن قيل 77000 كلمة تقريبا. صحيح أن جمل القرآن أو كلمات القرآن محدودة لكنه إذا حاولنا نركب جملة مع جملة قرآنية الاحتمالات لا تقف عند حد. إذا نركب هذه الكلمات مع بعضها البعض كبنيويات الظهور لايقف عند حد. إذاً نفس ألفاظ القرآن الكريم تركيبها النحوية أو البلاغية أو الصرفية أو غيرها من العلوم اللغوية لا متناهي ولما تكون لا متناهي أي مفسر يمكن أن يدعي أنه يحيط بكل احتمالات القرآن. حتى الحاسوبات يصل الى حد بينما هي رياضياً تركيبات القرآن أو تركيبات حديث أهل البيت لا متناهية.

تعلمون أن اللامتناهية يعني أن القرائن النحوية او الصرفية او البلاغية كلها بشكل متشابك إعجاز لا يمكن إلا بتوسط قدرة الغيب أو قدرة المعصوم. هذا لفظ القرآن لا يحيط به البشر فكيف بك معاني القرآن. نقطة مهمة لعلم الكلام وتراث الحديث وبحث الظهور وبنية الظهور وعلوم القرآن.

نرجع الى النقطة السابقة: صحيح أن عالم الألفاظ بهذا البرهان لامتناهية حقيقية لا هلوسية.

أشرح أكثر؛ ما تفسير أن احد وأبرز إعجازات القرآن البلاغة اللغوية؟ ما معنى الاعجاز؟ ما معنى ان البلاغة في القرآن معجزة؟ بعضهم قال الجمال البديع. صحيح طبعا لما يقال البلاغة القرآنية معجز ليس المراد علم البلاغة بل المراد من إعجاز البلاغة كل العلوم اللغة التي تتدخل في تركيب ألفاظ بيان القرآن وهو معجز ومعناه أن القواعد النحوية أو القواعد الصرفية أو قواعد علم الاشتقاق أو بقية علوم اللغة هذه القواعد عندما تمتزج مع بعضها البعض تتصور النسبة الملتصقة لا محدودة. وما الذي يستطيع أن يركب ويزاوج بينها بشكل خارجة عن قدرة البشر؟ هو الله تعالى. هذا معنى الاعجاز بالتالي وينسق باتساق ونسق بديع وجميل انسيابي بديعة ليس في قدرة البشر. فنفس علوم اللغة ذات قواعد استثمارها لا متناهي.

هذا في كلام الخالق أو كلام المعصوم، القرآن الكريم يقول حتى في كلام غير المعصوم يمكن استخراج كل أسارير المتكلم. يقول اميرالمؤمنين علیه‌السلام «المرء مخبوء تحت لسانه» والقيمة للعلم و ليس للديكورات والمكياجات. في القرآن الكريم في الايات العديدة تبين أن الانسان يمكن أن يكتشف كل ملفاته من خلال كلام واحد تتكلم به، هذه قدرة المعصوم أن يستخرجه.

فلاحظ الكلام عجيب لكن من الذي يستثمر الكلام بقدرة لا محدودة فوق قدرة البشر؟ هو الوحي سواء في كلام الوحي أو في استثمار الوحي لكلام الآخرين.

إذًا هذه النكتة جدا مهمة. أريد أن أنبّه أن بنية الظهور على الصعيد اللفظي ليست بنية متناهية هذا بحث مهم لبينة الظهور ومن أهم بحوث العلوم الدينية كلها حتى بحث قرائة النص و تعدد قرائة النص وفلسفة اللسان أو فلسفة الألسنيات بعبارة عصرية عن مباحث الألفاظ في علم الأصول مع مزيج فلسفي يعبرون عنه بفلسفة الألسنيات أو تعدد قرائة النص. فهذا البحث تعدد قرائة النص أو بنية الظهور بحث حساس.

طبعا لا ينحصر إعجاز القرآن في هذا المعنى لكن أحد اعجازات القرآن هذا المعنى، الإعجاز البلاغي. ما عن علم يتشكل من معادلات وقواعد وتمتزج وتتناسب يبقى المجال بأفق لا متناهي. هذا على صعيد المادة.

أقصد أن ذات الاعتراض في نفسه صحيح أن الألفاظ أيضا لا متناهية. لكن هناك نقطة أخرى ان المعاني أكثر تجردا من الألفاظ لامحالة، اللامتناهي فيها أوسع من اللاتناهي في عالم المادة. الان هذا بحث عقلي محير عند الفلاسفة. وهو أن اللاتناهي كيف يمكن أن يكون بينه تفاوت؟ مثلا يمكن تصور اللاتناهي الناقص أو الزائد؟ مثلا اللاتناهي ناقص اثنين أو زائد أربع؟ قابل للتصور إذا الفرض لا تناهي كيف قابل للتصور رياضيا البحث صعب وهذا بحثوه في الفلسفة في برهان التسلسل. شيخ حسن زادة آملي بحث هذا المطلب أن جملة من براهين التسلسل خاطئة وخدشة رياضية فيها.

المهم المقصود إذا كان هكذا كيف يتصور أن اللاتناهي في عالم البرزخ أوسع من اللاتناهي في عالم المادة الغليظة؟ الان لست في صدد الخوض فيه. اللاتنتاهي في عوالم المخلوقات تجلي لعظمة الباري والباري لامتناهي. المهم مثلا الفلاسفة يعبرون هكذا ان الباري لامتناهي مدة وعدة وشدة وفوق اللامتناهي بما لا يتناهى. لا تناهي في كل العوالم متفاوت. مثلا تقول الانسان أفراده عددا لا متناهية؟ نفس العدد حتى العدد المادي من جهة الإمكان غير متناهية. فهذا في عالم المادة طابع اللامتناهية موجود. هذه البحوث تفيد في العلوم الدينية. نفس عالم المادة لامتناهية فكيف بعالم الأسماء.

لذلك خطأ الفلاسفة قدماء المتكلمين انه كل اللامتناهي يعني الألوهية. حتى الرواة ظنوا ان اتصاف المخلوق باللامتناهي يعني الالوهية. ما فيه الالوهية بل فيه تجلي ألوهية الله وإلا أسماء الاجناس كلها لا متناهي عددا. فاللامتناهي مظهر للألوهية. غاية الامر في العوالم اللامتناهي متفاوت. يقولون لامتناهي فوق اللامتناهي بما لا يتناهى هذه التعابير صحيحة. اجمالا نقول هذه النقطة ان اللامتناهي الدنيوية البرزخية أوسع من اللامتناهية الدنيوية الغليظة. رياضيا صعب لكن حقيقة. هذا بحث دردشة والدردشة هدفها أن هذا البحث يفيد في بنية النص والظهور في العلوم الدينية.