43/06/15
الموضوع: باب الالفاظ/ الصحيح والاعم/ تعدد الاعتبار في المعاملات
كان الكلام في الصحيح والأعم في المعاملات ومر أن الأعلام ذكروا أن اختلاف المركبات في باب المعاملات عن المركبات في باب العبادات من زوايا عديدة.
الزاوية الأولى أن المركبات في العبادات تعبدية وتوقيفية ومن جعل شرعي بينما في المعاملات هي من جعل وتقنين وتشريع العقلاء ثم يأتي التشريع الشرعي يهذّبها ويشذّبها ويوسّعها أو يضيّقها، يعني ليس في باب المعاملات معاملة تأسيسية بل غالبا إمضائية بتهذيب لما عند العرف.
بعبارة أخرى صناعية أن الأدلة الواردة في باب المعاملات تشتمل على محمول وموضوع؛ المحمول مثل «أحلّ و حرم» في «أحل الله البيع وحرم الربا» ومثل «أوفوا» أما الموضوع وهو البيع أم تجارة عن تراض أو العقود هو في الأصل تقنين عقلائي، فبالتالي هنا نوع من الامتزاج بين التقنين العقلائي والتقنين الشرعي. البيع بتقنينه العقلائي يقع موضوعا لأحل وهو تقنين شرعي.
وليس إذاً أدلة الإمضاء في المعاملات أخذت البيع الشرعي أو التجارة الشرعية أو العقد الشرعي، لأنه لو كانت قد أخذت البيع الشرعي أو التجارة الشرعية لكان تحصيل الحاصل لأن التجارة الشرعية يعتبرها الشارع فيكون تكرار الاعتبار.
فإذاً لابد أن يكون الموضوع في أدلة الامضاء هو وجوده العقلائي «أحل البيع العقلائي» لا أن الله أحل البيع الحلال الشرعي. أوفوا بالعقود العقلائية ولايقال أوفوا بالعقود الشرعية لأنه تحصيل الحاص وكذلك ﴿إلا ان تكون تجارة عن تراض﴾ لمّا يكون تجارة شرعية يكون تحصيل الحاص. فإذاً أدلة المعاملات لامحالة الموضوع فيها عقلائي.
طبعا الأدلة في المعاملات قسم منها أدلة الصحة أو يعبر عنه الامضاء، مثل احل الله البيع وقسم من أدلتها ليست أدلة الصحة بل أدلة اللزوم الشرعي. فإذاً أدلة المعاملات على نمطين ادلة الصحة وادلة اللزوم.
ادلة الصحة ادلة وضعية والمحمول وهو الصحة حكم وضعي أما ادلة اللزوم ادلة تكليفية وقول آخر أنها ادلة وضعية. لأن اللزوم في «أوفوا» هناك من يفسرها بالوجوب التكليفي وجوب الوفاء وهناك من يفسرها باللزوم الوضعي يعني أن العقد لا ينفسخ.
ادلة اللزوم تفسر على قولين؛ لزوم وضعي أو لزوم تكليفي أو كليهما وأدلة الصحة أيضا كذلك مفادها وضعي وهناك قول أنها حكم تكليفي وحلية تكليفية. يعني لابد من أن نلتفت الى أن ادلة الصحة أيضا تفسر بقولين قول تكليفي وقول وضعي. نفس الحل لدينا حل وضعي ولدينا حل تكليفي. هذه الاصطلاحات في باب المعاملات يجب الاتقان فيها وهي الاصطلاحات العامة في المعاملات.
فإذاً في المعاملات لدينا أدلة الصحة ولدينا أدلة اللزوم وقد يكون بعض الأدلة هي أدلة اللزوم وأدلة الصحة ويمكن بطريقة معينة مثلا مطابقة والتزاما. يعني الدليل يتضمن دلالتين وإلا في دلالة واحدة وجعل واحد لا يمكن أن يكون دليل اللزوم ودليل الصحة، لماذا؟ قال الأعلام: لأن أدلة اللزوم متاخرة رتبتا عن أدلة الصحة.
فخلاصة كلام الاعلام في باب المعاملات أنهم جعلوا أدلة المعاملات والمركب في المعاملات ذات طبقات وليست طبقة واحدة.
لذلك في النجف الاشرف كان معروفا أيام الناييني والكمباني حسب ما نقل من اساتذتنا تلاميذهم كان المعهود لدى طلبة بحث الخارج أنهم يتباحثون متن البيع للشيخ الانصاري مع حاشية اليزدي وحاشية الاخوند والاصفهاني والناييني والميرزا علي ايرواني وهلم جرا جملة من الحواشي الدقيقة من الحواشي الدسمة. سببها أن هذه الحواشي تم فيها التدقيق الصناعي الفقهي بشكل جيد قوي. حتى بتعبير استاذنا السيد محمد الروحاني أن في ذلك الوقت وصلت المعاملات الى اوج وبعد ذلك نزلت. يعني بعض التدقيقات الموجودة في هذه الحواشي ترى الجيل من بعدهم و من بعد بعدهم غفلوا عنها والغفلة عن تلك التدقيقات يوجب الخبط في مباحث الأدلة. إجمالا فلذلك نكات جدا نفيسة في هذه الحواشي.
معروف عن الدكتور السنهوري الذي استدعي للتدريس في الجامعات العراقية أواننا، أنه زار النجف الاشرف فأهداه الشيخ محمد رضا المظفر كتاب المكاسب وقال لو حصل بيدي كتاب المكاسب للشيخ الانصاري قبل أن أكتب الوسيط لكنت كتبته بمستوى أرقى.
احد السادة المقيم في أمريكا قبل ليلتين لقيناه ويكون من رجال الدين نقلوا عن وجه معروف جدا في الحقوق والقانون في ذلك الأوساط العلمي يكون منشرف بكتاب الكفاية وكتاب المكاسب يعني يشيد بهذين الكتابين أنهما عظيمان في علم القانون وأصول القانون. بلا توجه بعلم أصول الفقه لدى علماء الامامية ليس على وجه الأرض تطور في أصول القانون مثل ما موجود عند علماء الامامية وهذا سبب تراكم ضخم جهود علماء الامامية طوال أربعة عشر قرنا في علم أصول الفقه واصول القانون.
احد أبناء أحد الاعلام كان يحضر معنا ثم ذهب الى جامع السوربور في الفقه والقانون قال جامعة السوربور تقريبا من أقوى جامعات الغرب في بعد القانون وقال ذروة الأصول عندهم دون كتاب المعالم مع أنه مقتبس من عندنا. المقصود هذه الجهود يجب ان نسمنها وندقق في التدقيقات فيها. ومنها حواشي المكاسب فالغرباء يفهمون هذا الكنز الذي انجزه علمائنا الاعلام. منها هذه الحواشي للمكاسب الدسمة في البيع بحث الخيارات والشروط.
أيا ما كان هذا الجانب نلتفت ان علماء الاعلام جعلوا الأدلة والمعاملات طبقات ربما تعرضنا اليها شيئا ما في بداية المكاسب المحرمة والان نذكرها بقدر الحاجة في المقام.
فهناك انشاء واعتبار لدى المتعاقدين؛ الإيجاب والقبول والانشاء والمنشأ على صعيد المتعاقدين إذا كان المعاملة وعقد وهناك الايقاعات مثل الطلاق والنذر أيضا انشاء عند الفرد. هذه مرحة أولى من المعاملات او الايقاعات الانشاء عند المنشأ الفرد من افراد العقلاء وهذه طبقة من طبقات المعاملات.
الطبقة الثانية عرف العقلاء، مثلا البيع عند العقلاء مشروع بينما القمار في كثير من البلدان محذور حتى البلدان الغربية فيها مدن ممنوعة فيها القمار وفي مدن ليس بممنوع او في بلد واحد في مناطق منها القمار ممنوع وفي مناطق ليس بممنوع . وهذا نوع من السياسة القانونية
فأيا ما كان ان العرف عقلائي ليس ضروريا أن يكون موحدا بين كل العقلاء مثل تعبير الشارع «لكل قوم نكاح»
فهذه الطبقة الثانية من المعاملات او الايقاعات. طبعا يقول الاعلام هذا الكلام يعممونه حتى للاحكام باعتبار أنه بعد المعاملات والايقاعات يأتي الاحكام والاحكام يعني القضاء وهذا بحوث القضاء قسم منها تأخذ شئون وشجون المعاملات ولها طبقات.
هذا البحث ليس خاصا بالمعاملات المالية بل يشمل المعاملات السياسية والفقه السياسي ويشمل القضاء ويشمل المعاملات غير المالية مثل النكاح وهو ليس متمحضا في المالية ويعبر عنه بعقد ناموسي يعني أصل العرق والنسل مرتبط به. وكذلك القضاء فاذا المراد من المعاملات أعم من المعاملات والايقاعات. لذلك في توابع الجهاد يذكر الفقهاء عقد الصلح وعقد الهدنة وعقد المعاهدة وعقد الذمة وعقد الاجارة ووايقاع الأمان. هذه العقود عسكري وسياسي وليست عقودا مالية بل هي في الأساس عقود عسكرية وسياسية مجتمعية. فلدينا عقود سياسية وعقود عسكرية وعقود اجتماعية وعقود أمنية وعقود مالية وعقود قضائية. قاضي التحكيم نوع المعاقدة القضائية بين المتخاصمين. فالعقود تأخذ طابع متلون اللون الماهوي. قد يكون ممتزج وقد يكون متنوعا وكلها بحثوها الفقهاء.
فالاعلام يقولون عندنا طبقات الانشاء. إنشاء الفرد ثم إنشاء العرف واعتبار العرف ثم طبقة اعتبار الشرع. هل هو إمضاء أو إنشاء أو اعتبار؟ لازم ان نلتفت اليه.
الانشاء لامحالة يتضمن الاعتبار والغاية من الانشاء هو الاعتبار وإنما يقرب الانشاء كآلة لايجاد الاعتبار. فلما يقال انشاء الفرد يعني الفرد يعتبر. فالإنشاء آلة الية للاعتبار فالمنشأ هو الاعتبار. فلما يقال طبقات الاعتبار او طبقات الانشاء
فاذا لابد المتعاقدين أن يصدر أو يقع منهم الاعتبار ويسمى الانشاء ثم يأتي اعتبار العقلاء وفيه الانشاء كآلة آلية لتقنينهم والجعل والانشاء فالانشاء كلي وليس انشاءا جزئيا. بخلاف المتعاقدين.
ثم يأتي دور انشاء الشارع وجعل الشارع. الانشاء آلية للاعتبار الكلي لديه فهناك بشكل رئيسي ثلاث طبقات من الانشاء او قل ثلاث طبقات من الاعتبار. هذه الخارطة بالتدقيق الصناعي الفقهي في باب المعاملات من أبجديات باب المعاملات المتنوعة التي مرت بنا المالية او العسكرية او السياسية او الاجتماعية او القضائية وغيرها. هذا التقسيم أبجدي لا بد منه