الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/06/06

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: الالفاظ/ الصحيح والأعم/ ثمرة البحث في الصحيح والأعم

بعد ما استعرض الأعلام قضية الصحيح والأعم و الجامع بين الصحيح أو الجامع بين الأعم يتعرضون الى الثمرة بين القولين.

الثمرة تكون أولا الأصل العملي ثم الأصل اللفظي.

الثمرة في الأصل العملي ثمرة في الأقل والأكثر. هناك شبهة عويصة موجودة في بحث الأقل والأكثر أنه كيف تجري البرائة عن الأكثر؟ ربما يكون الأكثر دخيلا فمن أين نحرز فراغ الذمة؟ فهناك هذه العويصة تواجه القائلين بالبرائة في الشك بين الأقل والأكثر الارتباطي ولو على القول بالأعم لأن المفروض أن المطلوب ليس هو الأعم بل المطلوب هو الصحيح.

أما على القول بالصحيح فواضح أن المطلوب هو الصحيح وأما على القول بالأعم فكذلك المطلوب هو الصحيح فبالتالي كيف نجري البرائة؟ افترض ما قرّبنا البرائة عن الزائد المشكوك فمن أين نحرز البرائة عن الأقل المفرغ للذمة؟ ليس فقط عندنا المؤمّن عن المشكوك بل عندنا المنجّز لأنا بلا شك مطلوبون بالصلاة أو المركب الارتباطي والخروج عن عهدة هذا المركب بالأقل مشكوك فإذاً العلم الإجمالي يقتضي الفراغ والاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني لأن المفروض أن هذا الزائد ارتباطي وليس مستقلا، فمن ثم لامحالة العلم الإجمالي بالأقل الذي يدور أمره بين الأقل والأكثر والاشتغال اليقيني يقتضي الفراغ اليقيني لأن فرض المسئلة هنا في الأقل والأكثر الارتباطي وليس في الأقل والأكثر الاستقلالي.

الاستقلالي مثل أن يشكّ أن الدين الذي لزيد عليه هو الأقل أو الأكثر فبالتالي إذا يسدّ الأقل يحصل الفراغ عن الأقل ويبقى الشك في الزائد مستقلا بخلاف الارتباطي، في الارتباطي لا يفرغ الذمة عن الأقل مع أن البرائة لا تحرز لي أن الأقل غير مرتبط بالأكثر لأن البرائة ليست أمارة كاشفة بل هي عدم التنجيز.

من ناحية الأكثر ليس هناك تنجيز بل من ناحية الأقل هناك تنجيز، لذا لعل الاخوند فصل بين البرائة العقلية والبرائة الشرعية أو غيره من الأعلام فصلوا لكن الشبهة إذا تمت تمنع عن البرائة العقلية والبرائة الشرعية بلا فرق. الاعلام قاموا بصياغات في الفرق بين البرائة العقلية والشرعية والان لا حاجة للخوض فيها.

المقصود أيا ما كان هذه الشبهة عويصة في الأقل والأكثر الارتباطي وليست بشيء سهل فما هو الحل؟

الحل بالدقة هنا في الصحيح والأعم. إن الأقل صحيح ربما يكون ارتباطيا بالأكثر فلايصح. إذا كان المقصود من الصحة صحة فعلية فنعم، أما إذا كانت الصحة بمعنى الصحة الاقتضائية فالصحة الاقتضائية موجودة ومر بنا أنه يكفي في الفراغ أداء الصحة الاقتضائية والصحة الفعلية بمطابقة المأتي به للمأمور به.

هذه المغالطة في الشبهة أنا لا نعلم أن الأقل أتي به أو ما أتي به خلط لأن الأقل كالصحة الاقتضائية أتي به بالصحة الاقتضائية بمقدار الأقل. ونحن لسنا في صدد الصحة الفعلية لأن الصحة الفعلية بعد الأمر ونحن نريد أن نحرر ما قبل الأمر. المغالطة هنا.

بعبارة أخرى شبهة قديمة في الأصول العملية أنه ما الفرق بين الشك في التكليف وهو مورد البرائة وبين الشك في المكلف به وهو مورد الاشتغال والاحتياط؟ بحث طويل وعريض. التمييز بين موارد الشك في التكليف والمكلف به عويص وصعب.

بهذا البيان في الصحة الاقتضائية وفرقها عن الصحة الفعلية يمكن التفرقة بينهما بدون صعوبة، لأن الأقل لامحالة صحيح اقتضائيا والكلام في الصحة الاقتضائية أضيف له شيء آخر او لا محل البرائة لأنه الشك في اصل تكليف الزائد فليس هناك ترديد في الصحة الاقتضائية بل ترديد في الصحة الفعلية والصحة الفعلية فرع الأمر والأمر فرع التنجيز وهذا أول الكلام لأن الأمر بالزائد غير منجز فهنا مورد الشك في التكليف لا الشك في المكلف به.

المهم بكلمة مختصرة أن الفرق بين الصحة الاقتضائية والصحة الفعلية تدفع هذه الشبهة لأنه لا شك في الصحة الاقتضائية فتبقى الصحة الفعلية ونحن لسنا مؤاخذين بالصحة الفعلية لأنه فرع الأمر المنجّز والفرض أن الامر ليس منجّزا بالزائد فلسنا نحن مطالبين بالصحة الفعلية أو قل نحن مطالبون بالصحة الفعلية في الأمر المنجّز لا الأمر غير المنجّز. فإذاً بالتفرقة بين الصحة الاقتضائية والصحة الفعلية تدفع هذه الشبهة. الكلام في انضمام واضافة الشيء الزائد.

لذلك ذكر كثير من الاعلام ان إجراء البرائة في الأقل والاكثر الارتباطي غير مرتبط بالمبنى في الصحيح والاعم سواء بني على الصحيح او بني على الاعم الأمر سيان تجري البرائة في الزائد.

لأنه حتى الصحيحي يقول أنه قبل طروء الامر الصحة صحة اقتضائية والصحة الاقتضائية يتفق فيها مع الأعمي لذا ذكروا أن الإجراء أو جريان البرائة في الأكثر الارتباطي المشكوك لايتوقف على المسلك بين القول بالصحيح او القول بالاعم بل على كلا المسلكين تدفع الشبهة بتوسط الأقل والأكثر الارتباطي.

هذه الشبهة لها تقريبات عديدة في الأقل والأكثر الارتباطي ومر أن كثيرا من الأعلام الكبار توقفوا فيها لكن بالتدقيق في النظر كل هذه الصياغات لهذه الشبهة ترجع إلى أخذ الصحة الفعلية وهو غير صحيح لأن متعلق الأمر ليس الصحة الفعلية بل الصحة الاقتضائية وما مر من التدقيق بين الصحة الاقتضائية والصحة الفعلية مثمر هنا. أحد ثمراته هنا.

إذاً الصحيح أنها ليست ثمرة للصحيح والاعم لكنها ثمرة من بحوث الصحيح والاعم لأنا فهمنا معاني الصحة. لا أنه ثمرة القول بخصوص الصحيح او القول بخصوص الاعم.

ربما أثرنا مرارا في مباحث الأصول في الدورات السابقة أن الثمرات الضمنية في البحث أعظم كثيرا من الثمرة لكل البحث. كثيرا ما يكون هكذا فهذا البحث من ثمرات الصحيح والأعم لكن ليس من ثمرات خصوص القول بالأعم في قبال القول بالأعم. كما أنه مر بنا من ثمرات بحث الصحيح والاعم القول بأن الجامع والحقيقة الشرعية واحدة وخلافها يحتاج الى دليل وتترتب عليه الحوالة في الأدلة والأبواب ويا لها من العظمة.

الثمرة الثانية التمسك بالإطلاق؛ على القول بالصحيح فلايمكن التمسك بالاطلاق وعلى القول بالاعم يمكن التمسك بالاطلاق. لماذا؟ مع أن القول بالصحيح أيضا التمسك بالصحة الاقتضائية لكن لماذا لايمكن؟ لأنه على القول بالصحيح ليس المطلوب فقط الصحة الإقتضائية بأي درجة منها كما في الأعم. بل على القول بالصحيح لابد من المرتبة الكاملة الاقتضائية قبل طروء الأمر ومع الترديد في الأجزاء لايمكن التمسك بالاطلاق. صحيح أن القول بالصحيح والقول بالأعم يعتمد على الصحة الاقتضائية لكن هناك فرق بين الصحة الاقتضائية عند الأعمي وهي كل المراتب لا خصوص المرتبة الكاملة الأخيرة بخلاف الصحيحي فيه لابد من الصحة الاقتضائية الأخيرة الكاملة. فمع الشك نشك في صدق العنوان على الصحيح بخلاف الأعم لا نشك. هذه الثمرة لاغبار عليه بهذا اللحاظ.

أشكل عليها بإشكالات متعددة.

الاشكال الأول أن الشارع إذا كان في مقام البيان ودائما الشارع في مقام البيان من مجموع الأدلة بالتالي إذا كان شيء دخيلا في المسمى لبيّنه وحيث لم يبيّنه يمكن التمسك بالاطلاق ولافرق بين الصحيح والاعم لانه المفروض في مقام البيان.

رد هذا الاشكال أن هذا المستشكل خلط بين الاطلاق المقامي والاطلاق اللفظي. وفي محله الاطلاق المقامي شرائطه أصعب من الاطلاق اللفظي. كيف؟ بحث آخر. بتعبير العراقي من الحظورات الأصولية المعقدة التفرقة بين الاطلاق المقامي والاطلاق اللفظي والان لا حاجة للخوض فيه.

بعبارة أخرى إذا كان الاستدلال بمجموع الأدلة وإذا كان الاستدلال بدليل واحد هذا اطلاق لفظي وهذا المستشكل فرض مجموع الأدلة.

إشكال آخر إن الاطلاقات في القرآن لا وجود لها من أن القرآن في صدد أصل التشريع وإجمال التشريع وليس في صدد تفصيل التشريع. هذه الإشكالية دائما تعنون أن الدليل لاسيما القرآن الكريم إذا كان في مقام أصل التشريع يكون مجملا و شرائط مقدمات الاطلاق لا تتوفر لأنه في صدد أصل التشريع و إجمال التشريع.

هذا بالنسبة الى آيات القرآن الكريم أما بالنسبة الى الروايات غالبا يتمسك بمجموع الروايات وهو الاطلاق المقامي وليس الاطلاق اللفظي. فبالتالي هذه الثمرة يمكن أن تكون منعدمة.

ولكن هذا الاشكال ليس في محله. المرحوم الراوندي في كتاب فقه القرآن عنده منهج خاص في التفسير بالمأثور الاجتهادي وليس التفسير بالمأثور الحديثي. الأسف هذا المبحث التمييز بين المنهجين غاب عن الكثيرين. أيا ما كان لسنا في صدد الخوض في هذا المبحث وهذا المنهج وجماعة من أعلام الامامية عندهم هذا المنهج منهج التفسير بالمأثور على نهج المجتهدين لا على نهج المحدثين منهج عظيم.

على ضوء هذا المنهج الراوندي يثبت أن كل الروايات الواردة في الأبواب تشير الى بنية الظهور في الآيات تنبه عليها من تنبه ويغفل عنها من يغفل وعنده إصرار عجيب من أول الأبواب الفقهية الى اخرها الى درجة ان مقداد السيوري اعترض عليه بحدة في بحث حدود المحاربين وقطاع الطريق. وثار ثائرة أنه لاتدع أيها الشيخ الراوندي أن كل الاحكام تستفاد من ظهور الروايات لأنه لو لا الروايات لا نستطيع.

طبعا الراوندي ليس في صدد أن الروايات لا يعتمد عليه بالعكس الاعتماد على الروايات لكن يقول أن الروايات إرشاد الى بنية الظهور في الآيات لكن كثير من الأعلام من الامامية يبنون على أنها تأويل ليست هي معالجة الظاهر بينما الراوندي رحمه‌الله وملا الفتوني جد صاحب الجواهر والفيض الكاشاني و جماعة من الأعلام يصرون أن هذه الروايات وكل الروايات الواردة حول الايات تعالج الظهور لكن المجتهدين ليسوا على درجة واحدة في التفتن على ذاك وهذا هو التفسير بالمأثور على نهج المجتهدين.

على نهج المحدثين تأويل تعبدي فوارق كبيرة بين المنهجين. أيا ما كان قبل أن أقف على منهج الراوندي رأيت جملة من الأعلام عندهم هذا المبنى ليس فقط الروايات التي يذكر فيها الاية بل الروايات التي تتعرض الى موضوع هو نفس الموضوع التي تتعرض اليه الاية وان لم يصرح في الرواية بالآية. هذا المسلك يختلف عن منهج تفسير القمي او العياشي او فرات الكوفي او تفسير البرهان هذا المنهج أي رواية تتعرض لأي موضوع تتعرض له الاية من الضروري للمجتهد أن يتنبه ويتفطن الى الزاوية التي تعالج في الآية في بنية الظهور في الاية. ليس بالسهل لكنه منهج مفيد.

الحاصل استعرضننا هذا المبنى لهذه النكتة أنه ما عندنا آيات مجملة المجتهد يتكاسل عن الاستنباط والا لو اعمل التحليل والتدبر يرى أنه ليست الرواية تأويلية أي ليست الاية مجملة بل بالعكس أن الآية بالروايات كل زواياها ليست مجملة.

حصلت مراهنة مع بعض قالوا سنأتيك بآية او آيات وفي ذيلها روايات أبدا لا يمكن، قلت لا بأس جيئوا بها. أتوا بموارد أيضا بعد التدبر والتمعن حصل التنبه الى أن الروايات تعالج بنية الظهور هذا على كل مسلك صراحتا غفل عنه علماء الامامية.

المهم على ضوء هذا المسلك فحينئذ ليست الايات مجملة سببها غفلة آلية الاستنباط عند المجتهدين عن التنبه الى بنية الظهور في الاية حسب مبنى الراوندي وابن شهر اشوب وغيرهم من الأعلام.

ذكرت لكم في مبحث الحدود في آيات الاحكام للسيوري في كنز الاحكام الراوندي حاول كل أحكام الايات ينتزعها ببركة الروايات من بنية الظهور في الاية. والسيوري قال هذا تكلف وهذا الاشكال مندفع.