43/05/28
الموضوع: الالفاظ/ الصحيح والأعم/ الفساد الاقتضائي والفساد الفعلي أي الحركة القطعية والحركة التوسطية - وحدة الحقيقة الشرعية وتعدد الواجب
كان الكلام في أن المشهور أو جميع الأعلام بنوا على أن الحقيقة الشرعية في عناوين العبادات سواء عنوان الكل في أي عبادة أو عنوان الجزء كالتشهد والركوع والسجود واحدة.
فإذا أتت دليل في آيات العزائم دال لوجوب السجدة فيستفاد منها أنها هي نفس السجدة التي أمر بها في الصلوة وقد تكون هناك أدلة خاصة كما في سجدة العزائم أنها مطلق السجود على الأرض حتى على ما لا يصح السجود عليه، سواء باتجاه القبلة أو غيره، لكن بالدقة هذا ليس مأخوذا في ماهية السجود وإنما هذه قيود المأمور به في السجدة وهلم جرا.
وزيادة على ذلك بنوا على الجامع بين الصحيح والفاسد كما مر بنا أمس أن المراد به الفساد الاقتضائي وليس الفساد الفعلي.
ما الفرق بين الفساد الفعلي والفساد الاقتضائي؟ الفساد الاقتضائي يمكن أن يجتمع مع الصحة الاقتضائية ولا يحكم عليه بالفساد فعلاً بخلاف الفساد الفعلي، فإنه إذا يحكم على المانع بالمانع الفعلي أو الفاسد الفعلي لا يمكن تصحيحه، أما الفساد الاقتضائي فيعني أنه لم يصل الى درجة الفعلية ويمكن معالجته ومن هذا القبيل كثير وهذا شيء مهم أن يميّز المجتهد بين المانع الفعلي والمانع الاقتضائي والمبطل الفعلي والمبطل الاقتضائي.
مثلا نحن بنينا على اشتراط اللغة العربية في صيغة النكاح فإذا اكتفى أحدهما بالصيغة غير العربية فلايقتضي الفساد الفعلي ويمكنه أن يتدارك و يأتي بالصيغة باللغة العربية أو في الطلاق مثلا أو ما شابه ذلك.
ففرق بين المفسد أو المانع أو القاطع الفعلي و الاقتضائي. المبطل الاقتضائي يعني لو لم يعالج ولو لم يتدارك لوصل الى مرحلة فعلية الإبطال.
أمس مر بنا الفرق بين الشروط «التي هي وجودية بخلاف الموانع» التي تأخذ في الحركة التوسطية في الصلاة والشروط التي تأخذ في الحركة القطعية في الصلاة مثلا.
الشروط التي تأخذ في الحركة التوسطية تداركها صعب، إذا كان الوضوء في الصلوة أخذ في الحركة التوسطية وإذا صدر حدث في أثناء الصلاة يختل واجدية العمل لشرطية الصلاة لأنه يراد من شرطية الوضوء أن يتحلل المصلي بالوضوء في أثناء الصلاة وسكنات الصلاة «يعبر عن سكنات الصلاة بالأكوان الصلاتية وسكنات الطواف يعبر عنها بالأكوان الطوافية».
أما إذا كان الشرط أخذ في الصلاة بنحو الحركة القطعية فيمكن، مثلا الطهارة من الخبث تقريبا تسالموا والنص موجود على أخذها في الصلاة على الحركة القطعية يعني أنه إذا وقع شيء يقف الانسان عن مجيء بقية أجزاء الصلاة فينزع الثوب المتنجس ثم يواصل الصلاة وما فيه مانع. في الطواف أيضا هكذا إن النجاسة الخبثية أخذت في الطواف بنحو القطعية وأيضا موازاة الكتف اليسرة للكعبة المكرمة أخذت بنحو القطعية لا بنحو التوسطية، لذلك لو مشى بنحو خاطئ يجب أن يتدارك الخطوات لأن مفسديتها بنحو الاقتضاء أو شرطيتها بنحو الاقتضاء والاقتضاء يعني بنحو الحركة القطعية. هذه النكات مهمة في أنماط وأنحاء الشرائط أو الموانع.
مثلا: صلاة المسافر فيه ثمان عناصر وبعضها بنحو الحركة التوسطية يعني طول السفر. ليست الحركة التوسطية في ثمان فراسخ بل حركة توسطية في طول السفر و بعضها بنحو الحركة القطعية وليس ضروري أن يخل دوما.
هذه النكات مهمة؛ أخذ الشروط سواء قيود الوجوب أو قيود الواجب يمكن أن يكون بنحو الحركة التوسطية ويمكن أن يكون بنحو الحركة القطعية وبصياغة أخرى يمكن بنحو الاقتضاء أو بنحو الفعلية.
إذاً مقصود الأعلام من الجامع الأعم أنه وضع للصحة الاقتضائية المجامعة للفساد الاقتضائي. طبعا الفساد الاقتضائي يمكن أن يجتمع مع الفساد الفعلي ولا مانع. إذاً المجعول أمر جامع.
يبقى توضيح يسير: التشهد هكذا والصلاة والطوف والحج أيضا هكذا حج القران وحج التمتع وحج الافراد وحجة الإسلام وحجة غير الإسلام والعمرة الواجبة والعمرة المستحبة والطواف في العمرة والطواف في الحج والطواف النساء هو هو حقيقة شرعية واحدة والتغيير يراد له القرينة. رمي الجمار يوم العيد وجمرة العقبة هو نفس رمي الجمار في يوم الحادي عشر والثاني عشر والشرائط وردت في رمي الجمرة يوم العيد لكن الأعلام عمّموا الشرائط الى رمي الجمار يوم الحادي عشر والثاني عشر ولم يخصصوا جمرة العقبة مع أن أكثر شرائطها بيّنت في جمرة العقبة يوم العيد لأن رمي الجمار حقيقة شرعية واحدة خلافها يحتاج الى دليل، كحجم الحصاة وغيرها من الشرائط ما أثاروها في جمرة العقبة طولا وعرضا أو لايحتاج الى الطول والعرض وإنما هو وصول الجمرة الى نفس الموضع لا أنه مضروب بالجمار نفس الذي أثير في جمرة العقبة أثير في الجمرة الأولى والجمرة الثانية هو شيء واحد وحقيقة شرعية واحدة
وحدة الحقيقة الشرعية وتعدد الواجب
ما مقصود الأعلام من أنه الوضع العام والموضوع له الخاص؟ كما في الحروف، في كل أنواع وأقسام الحروف التزموا أن الوضع عام والموضوع له خاص. قالوا ان الوضع العام والموضوع له الخاص ليس مشتركا لفظيا بل مشترك معنوي. كيف يمكن مع أن الموضوع له متعدد؟
هو حقيقة شرعية لكنهم التزموا أن الموضوع له متعدد ومع هذه الجهة يكون اشتراكا معنويا. كيف تصويرها وكيف لا يلتزمون بالاشتراك اللفظي ويلتزمون بالاشتراك المعنوي؟ مع ذلك يلتزمون بالحقيقة الشرعية الواحدة؟ كيف يمكن جمع هذه الالتزامات؟ نعم يلتزم بأن الوضع والمعنى المتصور حين الوضع واحد وهذا صحيح لكن الموضوع له متعدد.
لو تعدد الوضع يلتزمون بالاشتراك اللفظي ولو بالوضع التعيني وليس من الضروري أن يكون الوضع تعيينيا.
سوال يطرح: في أكثر المفردات اللغوية سواء في اللغة العربية أو غير العربية في المعاني المتقاربة مع بعضها البعض لايلتزمون بالاشتراك اللفظي فيها، تارة يلتزمون وتارة لا يلتزمون.
مثلا إذا تلاحظون كتاب مقاييس اللغة لابن فارسي، فدائما يحاول الموارد المختلفة للمفردة اللغوية ويقول لا تتوهم أنها اشتراك لفظي بل هو اشتراك معنوي. حتى قبل ابن فارس، خليل بن احمد الفراهيدي رحمه الله عنده هكذا، مثلا يقول الأصل في هذه المادة كذا كذا يعني المعنى الأصلي. فبعض اللغويين تراهم يبنون أن هذه المعاني متعددة لفظا وبعض اللغويين يقولون هذا معنى واحد واستعمل هنا وهناك ويبقي عليك أن تكتشفه. أمثلة كثيرة.
مثلا الاذان وضع للعبادة الشرعية الخاصة ولكن الأذان في اللغة بمعنى الإعلان «أذان من الله يوم الحج الأكبر» بمعنى الإعلان أو الإنذار المعلن ﴿وأذن مؤذن بينهم﴾ من صفات اميرالمؤمنين عليه السلام أنه يوم القيامة هو المؤذن يعني يعلن وينطق عن الباري تعالى جملة من الأمور. بعض اللغويين يحاولون يقولون أنها ليست اشتراكا لفظيا بل هذا أصل واحد استخدم في موارد وهلم جرا.
مثلا اجلكم الله اللواط، يصدق على التفخيذ ويطلق على الايغاب ويطلق على الموارد العديدة، أن تدقق المادة أن أصل المعنى اللغوي واحد لكن بعض اللغويين يقولون هذا اشتراك لفظي وبعض اللغويين يقولون هذا اشتراك معنوي. كل اللغات هكذا.
هنا الأعلام التزموا بأنه اشتراك معنوي وليس اشتراكا لفظيا، لماذا؟ قالوا إن الاشتراك اللفظي لابد أن يؤسس على تعدد الوضع سواء الوضع التعيني او التعييني او التعيني والتعييني أما إذا كان الوضع واحدا لجميع الموارد اللامتناهية للموضوع له كما هو المفروض فلامحالة ليس اشتراكا لفظيا بل اشتراك معنوي.
فكيف الموضوع له متكثر؟ يقولون بالدقة لأن المعنى الذي يلاحظ بالتركيز في الاستعمال هو نفس المعنى الواحد في الوضع هذه الموارد الأخرى الخصوصيات الفردية. إرادتها في المعنى لايوجب المجاز ولايوجب تغيير المعنى الموضوع له فهنا المعنى وحداني في ضمن تلونه بالخصوصيات الفردية وهذا لايوجب تباين المعنى لأنه من قبيل الاختلاف في الخصوصيات الفردية لا الخصوصيات الماهوية.
هذا المعنى ليس داخلا في ماهية الشيء بل داخل في الماهية الفردية والماهية لا توجب الاختلاف في الماهية النوعية والعمدة هي الماهية النوعية.
مثلا زيدية زيد لم توضع الإنسانية فيها بخلاف الانسان لو افترضت أن لفظة الانسان اسم الجنس والوضع عام والموضوع له الخاص هنا كما وضع لزيدية زيد وقاسمية قاسم و جاسمية جاسم وهلم جرا من دون الخصوصية له فكأنما كثرة في وحدة ووحدة في كثرة. فإذاً صار المعنى مشتركا معنويا.
على كلٍ، هذا الاصطلاح جار وله منشأ وكلامهم بحد ما وجيه، اشتراك معنوي وليس اشتراكا لفظيا بخلاف ما إذا تقول زيد و قاسم و جاسم وهلم هي تكمن الموضوع الهوية الأصلية للفرد. إذاً فيه فرق بين الوضع عام والموضوع له متعدد وخاص وبين الوضع الخاص والموضوع له الخاص.
إذاً تلخص أن الأعلام يلتزمون في الحقيقة الشرعية في عناوين العبادات سواء عنوان الكل أو عنوان الجزء يلتزمون بأن الحقيقة الشرعية و احدة جامعة بين الصحيح والفاسد كذلك الحال في التشهد التشهد داخل الصلاة والتشهد في الاذان وتلقين الميت وتعقيبات الصلات وعند الدخول في الايمان والإسلام والتشهد في خطبتي صلاة الجمعة كلها حقيقة شرعية واحدة لها سقف أدنى وسقف أعلى.
لذلك السائل في روايات التشهد في الصلاة يسأل: هل في التشهد شيء موقّت؟ يعني في التشهد الصلاتي. قال عليه السلام: لا، هو حقيقة شرعية واحدة وليست متعددة. لمّا ينفى الامام في هذه الروايات وجود الحقيقة الشرعية يعني وجود الحقيقة الشرعية الثانية والتزم به الأعلام في الصحيح والأعم.
إن التشهد في الزيارات بشكل متواتر وفي الادعية بشكل متواتر فيه الشهادة الثالثة. التشهد حقيقة شرعية واحدة فلمّا ينبّهك الائمة عليهم السلام على الشهادة الثالثة في التشهد في الأدعية فهذا يدل على وجودها في الأذان والتشهد في الصلاة. لا يلزم أن تأتي في روايات الاذان لأن التشهد نفس التشهد في الزيارات إنما أتوك في تشهد الاذان بأدنى التشهد وليس كل التشهد، لذلك بنى المجلسي الأول والثاني أن الشهادة الثالثة جزء من فصول الأذان.
بل في روايات الكافي في أصل تشريع الأذان ذكرت الشهادة الثالثة، إن منشأ تكبير الحرام في الأذان أنه في معراج النبي حدث تلك الحادثة ومنشأ الشهادة الأولى في الأذان أن النبي لما عرج به الى المعراج ففي المعراج حدث فلان ومنشأ الشهادة الثانية في الأذان هكذا و فيها أيضا منشأ الشهادة الثالثة أن الملائكة شهدت بالشهادة الثالثة بنفس المناسبة التي شرع فيها فصل التكبير في الاذان وعجيب غفل الأعلام من هذه الروايات ويقول بعضهم أنه لم ترد رواية في فصول الاذان والعصمة لأهلها.
أضف أن الصدوق في الفقيه يروي متونا ثلاثة للشهادة الثالثة وإن يضعّف الروايات لكن ورد رواية. بعض الأعلام يقول رواية واحدة ما موجودة مع أن الصدوق نقل ثلاث روايات. وأكثر من هذا كما يقول المجلسي أن الصدوق في الفقيه لا يقول رواية بل يقول طائفة من الروايات هكذا فليست رواية واحدة ولا ثلاث روايات بل طائفة من الروايات وبقي هذه العبارة عند الأعلام وسببه عدم التثبت في مصادر الحديث صراحتا والتواكل بين الأعلام بعضهم على بعض.
عنصر المعرفة والسيطرة على دقائق علوم الحديث جدا مهمة على الفقيه في الاستنباط لأنه يرسم الخارطة للاستنباط لكن في خطوة الرجوع الى مصادر الأدلة نوع من التقليد الخفي المطوي وهذا جدا آفة. التضلع في علوم الحديث مهم جدا. الشيخ الطوسي ابن بجدتها وأصولي ولكنه متمرس في علوم الحديث وألّف التهذيب والاستبصار ومصباح المتهجد والغيبة وأمالي الطوسي وهذا أكسب الشيخ الطوسي سعة باع كثيرة أكثر من السيد المرتضى استاذه وأيضا الشيخ المفيد ألّف في الحديث أمالي المفيد والمزارين والإرشاد فكثير من الأعلام الكبار متضلعون في علم الحديث عندهم المراسة والممارسة القوية جدا نظير الوحيد البهبهاني رحمه الله.
إذاً التشهد حقيقة شرعية واحدة و أيّ رواية في التشهد هي توضيح لمعنى التشهد بهذا التنقيح الصناعي الموجود في باب الصحيح والأعم مع الذي أكد في روايات تشهد الصلاة أنه ليس شيئا موقتا بتوقيت متميز عن الحقيقة الواحدة للتشهد. أدنى ليس أعلى. ألسنة مختلفة في الروايات الخاصة في التشهد في الصلاة.
كل أقوال الصلاة يمثل هوية عقائدية من أول الصلاة الى اخرها أقوالها وأفعالها كلها عقائدية وليست فروعا. أصلا الصلاة طقس من طقوس العقائد وهي عبارة عن هوية عقائدية أفعالها الركوع والسجود والقنوت أحد معاني القنوت أنه ماثل أمام الله تبارك وتعالى. الصلاة كلها عقائد من أولها إلى اخرها. الوضوء والغسل بحث آخر لكن نفس الصلاة هوية عقائدية. أقوالها وأفعالها وإذا كان هوية عقائدية هل هو للاسلام الصوري او الإسلام الحقيقي؟ فمن ثم أمرنا بشكل بديهي وكل المسلمين يقرون أنه أوجب النبي الصلاة عليه وعلى آله في التشهد وما شكّك في الوجوب أحد. لماذا خصص النبي نفسه و آله دون الصحابة ودون زوجات النبي؟ وفيها أل إبراهيم «أم يحسدون الناس على ما اتاهم الله من فضله ولقد آتينا آل إبراهيم الكتاب والنبوة والحكمة واتيناهم ملكا عظيما» ليس ملكا دنيويا. هذه ضرورة وليس خبرا صحيحا بل ضرورة ويقيني وخاطئ من يترك الضروريات و يتشبث بالظنيات و الخبر الصحيح.
نرجع الى ما كنا فيه: المهم ما قاله الأعلام في تصوير الجامع للصحيح والأعم.