43/05/20
موضوع:باب الالفاظ/الصحيح والاعم قصد القربة ركن العبادة وليست فيه دليل خاص ولا دليل عام مطابقي/الأدلة العامة الالتزامية في الفقه
الدليل العام الالتزامي على ضرورة قصد القربة
كان الكلام في هذه النقطة التي ذكرها الأعلام من أن قصد الأمر وقصد العبادية والتقرب غير مأخوذة في ماهية المركب وماهية العبادات كماهية الصلوة أو ماهية الصوم أو الحج والعمرة أو الخمس والزكاة.
مر أن البحث في الحقيقة الشرعية والبحث في الصحيح والأعم الذي هو يتبع الحقيقة الشرعية هو في الصحة الاقتضائية وليس في الصحة الفعلية ولا يحتمل أن يكون البحث في الصحيح و الاعم المراد به الصحيح بالفعل بل المراد منه الصحيح بالاقتضاء. فلو كان المراد الصحيح بالفعل لأخذ قصد الامر وقصد القربة لكن البحث ليس في الصحيح بالفعل بل البحث في الصحيح بالاقتضاء.
فإذاً قصد الأمر مع أنه بضرورة الدين قطعا دخيل في الصحة الفعلية بحيث لا يسقط الأمر ولا يسقط القضاء ولا تسقط العقوبة من دون قصد الامر، ليس عليه دليل خاص في الصلوة بل وليس عليه دليل خاص في الصوم وليس عليه دليل في الحج أو الزكاة أو بقية العبادات. الدليل الخاص على اخذ قصد الامر في هذه الأبواب ما موجود.
طبعا هذه المباحث ستأتي في بحث الأوامر وبعض المعلومات منها أصعب من هذا المبحث. فقصد الامر رغم أنه ليس عليه دليل خاص في كل باب وبل فيه اتفاق للأعلام على أنه ليس من الأجزاء الداخلية والشرائط لكن مع ذلك قامت الضرورة على أن قصد الأمر هو دخيل في الصحة الفعلية. ليس دخيلا في الماهية والعنوان لكنه دخيل في الصحة الفعلية بالضرورة.
في الأذان والإقامة لايصح أذان غير المسلم بل حتى غير المؤمن في صلوة الجماعة يعني قصد القربة لابد فيهما وناقشوا في أذان الإعلام. بالتالي في أبواب العبادات المختلفة ليس دليل خاص عليه لكن قصد القربة مأخوذ في كبد الصلوة وكبد العبادات، بتعبير الشيخ جعفر كاشف الغطاء في كشف الغطاء قصد الأمر العبادي في العبادات بمنزلة الروح والعبادة بمنزلة البدن فالعبادة بدون قصد الأمر لا هوية لها.
فقصد الامر رغم أنه ليس دليل خاص عليه في الصلوة والتشهد والركوع وتكبيرة الاحرام لا في مجموع العبادة ولا في أجزاءها لكنه مسلم أنه مأخوذ في مجموع العبادة ومأخوذ في جزء العبادة وجزء الجزء ويلوّن العبادة وقوام العبادة به وليس عليه دليل خاص لكن الضرورة قائمة عليه وبعض الاعلام قال: حتى الدليل العام أيضا ما عندنا.
عندنا الدليل على بطلان الرياء موجود لكن الدليل العام بمعنى قوامية العبادة بقصد الأمر ما عندنا. فالضرورة من اين أتت؟
هذه العبارة «ليس لدينا الدليل العام والدليل الخاص» يعني بالنص الحرفي الذي يتبعه أصحاب الاستنباط الجمودي ما موجود. هذه العبارة «العبادة يأخذ فيها كذا» ما موجودة. الذي يوجد هو المداليل الالتزامية. وسيأتي بحث قصد الأمر وبحث التعبدي والتوصلي والأدلة قائمة عليه وليست الأدلة مطابقية. في باب العبادات ليس هناك أدلة عامة مطابقية دالة على هذا المطلب يعني أصحاب الاستنباط الجمودي الحرفي الذي يعتبرونه صناعيا ولكنه ليس صناعيا بل أخباري بلباس أصولي هؤلاء أصحاب هذا المنهج في الأصول لايرون الدليل المطابقي العام ولا الخاص. نعم، بالادلة الالتزامية مثل أدلة الريا يستفاد لزوم النية وكذا «إنما الأعمال بالنيات» من هذا القبيل.
اما أدلة جمودية حرفية نظير المنهج الروايي ما موجودة، أما المنهج الاجتهادي فالأدلة موجودة بالضرورة.
فإذاً قصد الأمر هو ركن الأركان في العبادات ولا دليل حشوي عليه بل الدليل الاجتهادي موجود ويصل إلى حد الضرورة ولا كلام عند الكل.
حتى بعض المعاصرين من تلاميذ السيد الخويي قال: ما الدليل على أن الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر تعبدي؟ صاحب الشرايع والقدماء قالوا تعبدي لكن مالدليل عليه؟ أدرجوه في باب العبادات لكن من قال؟ الصلوة والصوم والزكاة بالضرورة. حتى الزكاة لا أقل النقد العلمي موجود لأصحاب الاستنابط الجمودي لا للمنهج الاستدلالي والاصولي. المقصود أيا ما كان فما الدليل على أن الأمر بالمعروف عبادي ومن قال أن باب الجهاد من العبادات؟ والاجوبة موجودة عندنا في بحث التعبدي والتوصلي وعندنا نظام صناعي مفصل في باب العبادة ومعنى التعبدي والتوصلي والان لسنا في صدد نقاش الأقوال وصرفا في صدد هذه النكتة.
طبعا فيه اتفاق عند الأعلام أن الخمس والزكاة لو أتى بهما آت ريائا تسقط من ذمته وضعا يعني تؤدي الزكاة وإن لم يقصد القربة ويعاقب على ترك العبادة لكنه وضعا تسقط. الرياء يبطل العبادة لكن الزكاة والخمس منه صحيح. كذلك اتفق الاعلام إلا من ندر على أن الجهاد يسقط من جهة أداء الجهاد إذا قام بالجهاد لكنه أراد الجهاد لأجل السمعة والرياء أو الغرض السياسي أو المصلحة في نفسه لكنه يأثم من جهة التفريط في العبادية. فوضعا يصح يعني بعدا من أبعاد الجهاد أو بعدا من أبعاد الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أو الخمس والزكاة يسقط ولايعاقب على ترك أصل الجهاد والأمر بالمعروف والخمس والزكاة لكنه يعاقب لعدم التعبد لأنه لم يقصد وجه الله بل قصد الدنيا والاغراض السياسية.
فلاحظ هذه الأبواب أبواب الجهاد والامر بالمعروف والنهي عن المنكر والخمس والزكاة ما الدليل على أنها عبادية من باب الاثارة العلمية؟ بالاستنباط الجمودي الحرفي اشكالهم وارد، يعني بهذا المنهج في الاستنباط وجود اللفظ الدال عليه صراحتا ما يوجد دليل. لكن إذا يكون الاستنباط اجتهاديا فضروري في الدين.
هل الضرورات الموجودة في الفقه فقط دليلها سيرة؟ طبعا، فإذا صارت سيرة فيمكن أن يكون بعض الأجيال المتأخرة من المؤمنين انفلاتية وعلمانية ولادينية فالسيرة تنقطع. يمكن لاسمح الله. يمكن انشعاب اللادينية في السيرة فالضرورات الدينية الفقهية الدينية أدلتها موجودة يريد من يحييها بمدارسة العلم فلذلك أعظم دور الحوزات العلمية قبل تبليغ الدين لعموم الناس في الكرى الأرضية هو أصل المحافظة على العلم بالدين. هذا غرض عظيم لا أن ذلك الغرض نشر الدين ليس بمهم، بل مهم، لكن ثبت العرش ثم انقش إذا كان حاضرة الدين وهي الحوزات لاتمتلك التنظير الديني المستقيم فإذاً على الإسلام والسلام. فلذلك في الدرجة الأولى يجب للحاضرة الدينية أن تمتلك المعرفة المستقيمة السوية في التنظير الديني.
الشيخ الطوسي والمرتضى والمفيد والقدماء كلهم في بيان أحد ضرورات وجود صاحب العصر والزمان يقولون: بقاعدة اللطف هو الذي يحافظ على الحواضر العلمية ويدفع بعضهم ببعض. لولا دفع الله بعض الحواضر الدينية ببعض لكان التنظير اللاديني في الحواضر الدينية. هذه حقيقة وهذه المدافعة والنقض والإبرام بين الأعلام يخلق التوازن ومن بركات صاحب العصر والزمان علیهالسلام أن يدفع بعضهم ببعض بتعبير الامام الصادق علیهالسلام «أنا ألقيت الخلاف بينكم» لكن لا الاختلاف لأجل الاختلاف بل لأجل بحث التوازن.
فالمقصود أيا ما كان في الدرجة الأولى الضرورات الدينية وإن كانت فوق الدليل في بيانات الائمة علیهمالسلام في بيان الامام الرضا علیهالسلام للمأمون العباسي لعنة الله عليه وفي بيان الامام الكاظم مع هارون العباسي لعنة الله عليه لأن الضرورة مجموع الأدلة المبدهة لذلك الفقهاء في الرسالات العملية يقولون إن الضرورات ليست من صلاحيات الفقيه ولا المرجع ولا المرجع الأعلى بل فوق الصلاحيات، بل هي فوق صلاحيات حتى الامام المعصوم علیهمالسلام لأنها ضرورات من الله ورسوله والمعصوم سلام الله عليه كما يقول الامام الرضا علیهالسلام «ونحن لسنا إلّا تابعين لفرائض الله وسنن النبي .»
المقصود أن هذه الضرورات إنما يحافظ عليها بمدارسة العلم وإلّا تنقض والضرورة تعود إلى نظرية وقابلة للنقاش العياذ بالله. النقاش للتفهم بحث آخر والنقاش دائما مفتوح في الدين من التوحيد إلى آخر الدين بل المقصود من النقاش المذموم أن نتزلزل فيها.
أيا ما كان فإذًا أخذ قصد الأمر في العبادات ضرورة فقهية وكل ضرورة لايستطيع أن يخرج الفقيه أدلتها يعتبر كسلا علميا مع احترامنا للفقهاء.
هذا البحث ذكرناه في الدورتين السابقتين: الاجماع أعظم ما فيه ليس حجيته أو الشهرة بل الأعظم في الاجماع والشهرة انهما منبّهان على وجود دليل لدى المجمعين أو لدى المشهور لابد أن نطلع عليه وهذا الدليل الموجود لديهم مانع عن الاستناد إلى الأدلة الحاضرة عند الفقيه أو المجتهد بالسرعة لأن أي دليل ليس بحجة إلا بعد الفحص عن المعارض والمخصص وهذا هو السر في أن كثيرا من الاعلام مع أنهم عندهم الأدلة السريعة لكنهم لايعتمدون عليها لأنهم يعلمون أن المشهور عندهم الدليل وهذا يلزمهم الفحص والفحص يخل بحجية الأدلة بحجية الفعلية ويجعلها الحجية الاقتضائية. عنصر الفحص عنصر مجمّد للأدلة والحجج ويجعلها اقتضائية وهذا عظمة الاجماع وعظمة الشهرة لأنها تلزم بالفحص المعتد به العقلائي.
إن لم يكن الفحص في موارد الاجماع عقلائيا ففي أي مورد يكون عقلائيا؟ ودائما إذا يكون الفحص محتملا ومعتمدا عقلائيا فالدليل الحجة اقتضائا لايصل إلى الفعلية ولايمكن الاعتماد اليه.
هذا سوال دائما يسئله الفضلاء: إن الفقهاء إذا يكون عندهم الأدلة التامة لماذا لا يفتون ولماذا لا يعتمدون؟ سره هو هذا، الأدلة موجودة لكن هناك احتمالا لوجود الأدلة الملزم للفحص.
نرجع إلى الضرورة: الكلمات المبهمة للفضلاء وأصحاب التحقيق ليس بجيد بل لازم أن يعرفوا معنى الضرورة. الضرورة مجموع محصل من منظومة الأدلة وهذه الضرورات تندرس وتنقرض لاسمح الله إذا لم يتم مدارسة أدلة الدين. فنفس المدارسة في نفسها في الدرجة الأولى مفيدة وفي الدرجة الثانية «لينذروا قومهم» هذه نكتة مهمة الدرجة الأولى معرفة الدين السليمة والدرجة الثانية إنذار القوم.
على أي حال: كيف يمكن قصد القربة أن يكون مأخوذا في كل عبادة بالضرورة وليس عليه دليل خاص وليس عليه دليل عام مطابقي وإنما أدلته بالملازمات وبالتحليل إلى درجة تصل إلى الضرورة. هذه ظاهرة مهمة في الفقه والاجتهاد.
لا تظنّ أن كل عناصر المركب قد دل عليها الدليل الوارد في بيان المسمى أو الدليل الوارد في الصحة الاقتضائية. بل فيه أدلة كثيرة عامة وأدلة عامة غير مطابقية يعني أصحاب الاستنباط الجمودي الحرفي لايستطيعون أن يستخرجوه الا بالتحليل والملازمات. هذا طبعا مثال والا الأمثلة الأخرى أيضا موجودة.
مثل ما مر بنا: الاستطاعة في الحج. أحد إشكالات السيد الخويي على المشهور أنكم من أين أتيتم عناصر كثيرة في الاستطاعة كعدم الدين وعدم واجب آخر أهم؟ من جهةٍ الحق مع السيد الخويي ومن جهةٍ الحق مع المشهور. كيف؟ بحث آخر. السيد الخويي قال: الذي ورد الأدلة الناطقة جمودا على حرفية الألفاظ هو الزاد والراحلة وتخلية السرب ويرجع إلى يسر. بالتالي الصحة البدنية والصحة الأمنية والمال وغير هذا ما ورد. والحق مع السيد الخويي لأنه نصا ولفظا ما ورد. لكن المشهور أخذوا أمور كثيرة في استطاعة حجة الإسلام. من حيث أن حجة الإسلام من دون تلك العناصر ليست بحجة الإسلام بل حجة مستحبة وليست مجزية عن حجة الإسلام.
فلاحظ «لله على الناس حج البيت من استطاع اليه سبيلا» الدليل الخاص دل على ثلاث عناصر أما الأدلة العامة وهذه الأدلة العامة ليست أدلة مطابقية بل أدلة تحليلية بالملازمات يعني أصحاب الاستنباط النصي الجمودي الذي هو مسلك روايي وليس مسلكا اجتهاديا يقولون ليس دليل عليه لكنه ربما قريب عشر عناصر يأخذ في الاستنباط ومذكورة في كل كتب الفقه. هذا مثال اخر.
البحث فيه تتمات والبحث في الصناعة مهم وبدون الصناعة لا روح في الاجتهاد.