الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/05/17

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع: باب الالفاظ/ الصحيح والأعم/قيود الصحة للاجزاء والشرائط

الدليل العام والخاص وأجزاء المركبات

النقطة التي وصلنا اليها في الصحيح والأعم هي معنى الصحيح وبهذه المناسبة ذكر الأعلام معاني الصحة ومراتب الصحة وما شابه ذلك.

فمر بنا أن الجزئية أو الشرطية أو القيد للمركب ليس من الضروري أن يرد فيه دليل خاص مثل أن مبطلية الريا ليس دليلها خاصا لكل عبادة بل دليله عام مع أنها مانع مرتبط بكل عبادة.

بعبارة أخرى أن الريا مانع مأخوذ في ماهية العبادة مع أنه ليس هناك دليل خاص على مانعية الريا في خصوص الصلوة أو خصوص الصوم والوجه في ذلك أن هذا الدليل الدال على مانعيته وإن كان دليلا عاما لكن مفاده أخذ شيء في ضمن ماهية كل عبادة عبادة.

إذاً فلا يحسبنّ أن الدليل إذا كان عاما على المانع أو الجزء أو الشرط أن هذا المانع أو الجزء أو الشرط خارج عن المركب بتوهم أن الدليل على هذا المطلب ليس دليلا خاصا. وربما دليل خاص يأتي على شيء في ماهية الصلوة أو ماهية التشهد لكن مفاده ليس جزئيته الواجبة وانما مفاده جزئية مستحبة أو شيء مقارن مثل أدلة القنوت في الصلوة مع أن أدلتها خاصة إلّا أن الأعلام أو كثير منهم بنوا على أن القنوت شيء مستحب ظرفه الصلوة.

فإذاً ليس المدار على كون الدليل خاصا أو كون الدليل عاما. ليس ضروريا أن الدليل إذا كان عاما ليس دالا على الجزء أو الشرط أو المانع الداخلي ولا إذا كان الدليل خاصا يكون ضروريا أن يكون الجزء أو الشرط أو المانع داخليا.

مثال آخر: أدلة أعمال منى بعد الحج يوم الحادي عشر والثاني عشر. هذه الأدلة دليله خاص بالحج مع ذلك إن الأعلام اتفقوا على أن اعمال منى غير يوم العيد من المبيت ورمي الجمرات خارجة عن ماهية الحج وليس لها ارتباط جزئية ولا شرطية. يعني لو عصى المكلف وما امتثل أعمال منى فحجه لايبطل بل يبقى في ذمته قضاء رمي الجمرات اليوم الحادي عشر وثاني عشر والكفارة لكن هذا العمل من أيام منى يوم الحادي عشر والثاني عشر ليس مرتبطا بماهية الحج لاجزئيا ولاشرطيا. حتى الشرط المتأخر البراني أيضا ليس بشرط مع أن دليله خاص وواجب. فإذاً ليس المدار في الماهية كون دخالة الشيء فيها للمركب بدليل خاص بل قد يكون دليله عام. لذلك هذه النكات لازم أن يلتفت اليها الانسان.

لذلك أحد التخريجات التي ذكرها أعلام النجف وقم قبل سبعين سنة أنه لو بنينا على أن الشهادة الثالثة ليست جزءا مستبحبا وليس اقتران الشهادتين بالشهادة الثالثة من الكيفيات الراجحة للشهادتين البحوث التي ذكرها الاعلام آنذاك كلها تميل أو أغلبها إلى أن الشهادة الثالثة هي أفضل كيفيات أداء الشهادتين وأفضل كيفيات فردية الشهادتين أن تقترنا بالشهادة الثالثة وهذا الكلام ليس مخصوصا بالأذان بل دليله عام. إن اقتران الشهادة الثالثة بالشهادتين من المرجحات والخصوصيات والراجحات التلوينية الفردية للشهادتين ودليله عام وليس خاصا بالأذان والإقامة بل يشمل كل مواطن التشهد من التشهد في الصلوة وغيرها. جلّهم بنوا على هذا بل السيد الخويي بنى عليها وأفتى في المنهاج أو في شرح العروة ويستفاد منها أن من الكيفيات المستحبة الاكيدة أن تقرن الشهادتين بالشهادة الثالثة مطلقا سواء في الأذان أو الإقامة أو غيرها. هذا دليل عام لجزء مستحب ولو أن السيد لخويي لا يبنى على الجزء المستحب لكن يبني على الكيفية الفردية الراجحة وهذا يدل على رجحان الشهادة الثالثة في الأذان والإقامة والتشهد في الصلوة والتعقيبات وفي الدعاء والزيارة وصلوة الميت.

كيفيات التشهد مختلفة، تارة تشهد أشهد ان لا اله الا الله وتارة تقول: اشهد ان لا اله الا الله وحده لا شريك له وهكذا في التشهد بالشهادة الثانية تارة تقول أشهد ان محمدا رسول الله و تارة تقول اشهد ان محمدا عبده ورسوله وتارة تضيف اليها «أرسله بالدين الحق ليظهره على الدين كله ولو كره المشركون» وكيفية أخرى في الشهادة الأولى تضيف اليها «أحدا فردا صمدا» هذه كلها كيفيات في أداء الشهادة الأولى و الشهادة الثانية وكلها مشروعة. كذلك من الكيفيات في أداء الشهادة الأولى والثانية أن تقرن بهما الشهادة الثالثة. راجعوا كلام السيد الخويي في المنهاج.

كلامنا في التدقيقات الصناعية وأقول أحد الصياغات الصناعية لوجود الشهادة الثالثة عقب الشهادة الثانية أنه كيفية فردية. فالمهم أن الانسان يلتفت إلى التحليلات الصناعية في هذا الجانب التي ذكرها الاعلام آنذاك في الفتنة التي وقعت في الكاظمية في الشهادة الثالثة.

طبعا نفس الاعلام أو كل علماء الامامية بنوا على أنها وإن لم تكن من فصول الأذان إلا أنها من أحكام الايمان. هذه العبارة ما هو معناها الفقهي الصناعي؟ وليس الكلام في معناها الكلامي.

معناها أن الشهادة الثالثة وإن لم يأت دليل خاص على أنها من فصول الأذان إلا أن عندنا دليلا عاما على ان شرطية كل العبادات بالولاية. الايمان من شرائط صحة كل العبادات. يعني وإن لم يثبت لدينا دليل خاص على الشهادة الثالثة في التشهد في الصلوة أو أي موطن من المواطن الأخرى إلّا انه لدينا دليل عام بدرجة الضرورة – حتى السيد الخويي أشار اليها ان كونها من أحكام الايمان بالضرورة- من أنها من أحكام الايمان ومن الشرائط العامة لصحة كل عبادة وليس فقط شرط صحة مجموع الصلوة بل شرط صحة كل جزء من الصلوة. هذه نكات صناعية يجب الالتفات اليها في كلمات الفقهاء

آنذاك ذكروا الأعلام هذين التقريبين وذكروا أيضا تخريجا ثالثا وقالوا لو رفعنا اليد عن الأدلة ولم يأت لدينا دليل أصلا من أنها أحكام الايمان و لا من الكيفيات الراجحة ولا من فصول الأذان لكن هناك وجه صناعي أن يكون التشهد بالشهادة الثالثة في الأذان والإقامة أو أي موطن آخر من قبيل الظرف فأجنبي لكن ليس كل اجنبي مانعا، فيكون الأذان ظرفها ويكون الإقامة ظرفها أو التشهد داخل الصلوة ظرفها. مثل أن الشهادة الثالثة ورد دليل خاص على رجحانها في تعقيبات الصلوة وجملة من الاعلام بنوا على أن أدلة تعقيبات الصلوة مثل تسبيحات الزهرا علیها‌السلام قالوا أنها أدلة خاصة لكن دالة على أن التعقيبات ليست جزءا من الصلوة ولا شرطا متأخرا وإنما هي شيء مستحب ظرفه عقب الصلوة مثل أيام منى واجب مستقل ظرفه عقب الحج.

فتعقيبات الصلوة أيضا من المواطن التي أمر فيها بالشهادة الثالثة بالدليل الخاص عقب الصلوة. فهذا الدليل لايدل على جزئية أو شرطية الشهادة الثالثة عقب الصلوة لكنّه دال على أنها مستحبة ظرفها الصلوة. هكذا عندنا بضرورة الدين أن الشهادة الثالثة أمر راجح ولا شك فيها أصلا ومن شك فيها ليس بمؤمن. رجحانها وكونها ذكرا راجحا لا كلام فيه.

فمن قال إن الذكر الراجح أثناء الصلوة أو أثناء الأذان مبطل؟ بالعكس ذكر راجح ولا تأتي به بنية الجزئية والشرطية. مثل من أذّن وبعد فصل من الفصول يقول الحمدلله رب العالمين. نعم، الوهابية يقولون بالبطلان طبعا بلادليل لكن عموم المسلمين يقولون إن التحميد ذكر راجح ولو أتيت به أثناء الأذان والإقامة ليس بمبطل ولاتنافي ولاتنافر بينه وبين الأذان. شبيه أن المؤذّن أو المقيم أو المصلي يأتي بعمل راجح في ظرف الصلوة إذا لم يكن ماحيا للصلوة ولم يكن دليل على مانعيته في الصلوة فما المانع في ذلك؟ خلافا لما توهّمه الوهابية وهم حكموا بالبدعية على كل المسلمين لأن كل المسلمين في فصول الأذان يأتون بالأذكار في اثناء فصول الأذان مع أنه لم يرد فيه دليل خاص. هذا تخريج رابع. ستة تخريجات ذكر الأعلام.

المقصود أن الصحة في المركبات لها هندسات متنوعة و لها تفعيلات بالتعبير الأدبي وليس على وتيرة واحدة. وليس كل الأجزاء وكل الشرائط على وتيرة واحدة بل على أنواع وعلى ألوان فليس المدار على خصوصية الدليل ولا على عمومية الدليل كما مر بنا

الوجود والعدم من معاني الصحة

نقطة أخرى ذكروها في معنى الصحة وطبعا ذكروا أن الشيء المجعول شرعا إذا كان بسيطا فالصحة تعني بمعنى الوجود والعدم مثل المسبب في المعاملات أن صحته بمعنى وجوده وفساده بمعنى عدمه.

فإذاً الصحة والفساد في المركب الخارجي بمعنى التمامية أو عدم التمامية على أحد الاقوال وسنخوض فيها تفصيلا. فإذا كان مركبا فبمعنى التمامية والنقص أما إذا لم يكن مركبا من الأجزاء الخارجية وإن تركب من الأجزاء العقلية فحينئذ الصحة والفساد فيه بمعنى الوجود والعدم. إذاً الصحة في مسببات المعاملات بمعنى الوجود والعدم. سواء في المعاملات أو الايقاعات في موارد مختلفة. أما إذا كان مركبا خارجيا فبمعنى التمامية

نعم في المعاملات بلحاظ السبب والايجاب والقبول وشرائط العوضين والمعوضين والمتعاقدين بمعنى التمامية والنقص لأن السبب مركب خارجي أما المسبب وهو الماهية النوعية التي لها جنس وفصل تحليلي عقلي فليس فيها تركب خارجي وليس فيها الصحة والفساد بمعنى النقص والتمام.

قصد القربة خارج ومقوّم للعبادات

نقطة أخرى صناعية وتعرض اليها الكل في هذا الموضع وتستحق التحليل الصناعي والوقفة الصناعية المهمة ولها ربط بالشهادة الثالثة لكنهم ذكروها في غير الشهادة الثالثة. قالوا بأن قصد القربة وقصد امتثال الامر من الواضح ان قوام صحة العبادة به لكنه ليس داخلا في المسمى وليس من ماهية مسمى الصلوة ولا ماهية مسمى الصوم ولا الحج.

ليس داخل الماهية وليس من أجزاء الماهية ولا من شرائط ماهية المسمى ولكنه دخيل في صحة الصلوة ودخيل في الصحة الفعلية وإن لم يكن دخيلا في الصحة الاقتضائية. هذا البحث لازم ان نلتفت اليه والشهادة الثالثة في التشهد أحد التصويرات فيها من هذه الجهة.