43/05/09
الموضوع:باب الالفاظ/ الصحيح والاعم/
الصحة الفعلية والصحة الاقتضائية
كنا في مبحث الصحيح والأم ومر ان هذا المبحث هويته في بحوث الاستنباط امر مهم في الاجتهاد الفقهي في العلوم الدينية ومر ان صلته عبارة عن نوع من التحليل للمعاني العناوين الواردة في الأدلة والبحث ينصب عن زاوية لزوايا الاستنباط وتحليل المعاني وهذه الزاوية زاوية الصحة والفساد أو الجامع بين الصحة و الفساد اذا ليس من كل الجهات بخلاف ما سيأتي في مبحث المشتق وهو زوايا تحليلية أخرى في معاني العناوين الواردة في الأدلة ومبحث الصحة كما مر مبحث مهم في مقابل الفساد وماهو معنى الصحة وما هو معنى الفساد وسيأتي ان في المعاملات خمس معاني للصحة وفي العبادات أيضا معان.
دخلنا في نقطة تعاريف الصحة في العبادات ومن ضمن تعاريف الصحة في العبادات وان لم نكمل شرحها من ضمن أقسام الصحة وهو من الأقسام المهمة في المباحث الأصولية والمباحث الفقهية ما يعرف بالصحة الاقتضائية غير الصحة بمعنى تمامية الأجزاء والشرائط وفيه الصحة بمعنى الفعلية.
الصحة الفعلية علامتها في العبادات إسقاط الأمر وإسقاط العقوبة وإسقاط القضاء. هذه التعاريف التي مرت بنا في الصحة من لوازم الصحة الفعلية في العبادات. هذه الصحة بهذا التعريف، بمعنى إسقاط العقوبة والأمر والقضاء والصحة الفعلية ناتجة منها غير الصحة بمعنى التمامية. هذه الصحة بمعنى الفعلية أو إسقاط الامر أو إسقاط العقوبة أو إسقاط القضاء متأخرة عن الأمر وعن عنوان الشيء وعنوان المركب وليست متقدمة. هذه الصحة وهذه المعاني الأربعة إذا تقيدنا بالمعاني الحرفية لهذه الأربعة متأخرة عن الأمر فضلا عن تأخرها عن عنوان المأمور به فلدينا مراتب في البين وضروري أن يلتفت إليها المجتهد في الاستنباط.
أولا لدينا في الرتبة السابقة عنوان الشيء أو قل المعنون ثم العنوان والمعنون أجزاء الصلوة والعنوان لفظ الصلوة ولدينا بعد ذلك عنوان المأمور به أو قل العنوان ثم الأمر وعنوان المأمور به فنلاحظ أن عنوان الأمر وصفة المأمور به هذا متأخر عن العنوان عنوان الصلوة وعنوان الصلوة متأخر عن تمام الأجزاء والشرائط. فإذا كانت الصحة الفعلية متأخرة عن الأمر إسقاط العقوبة متأخر عن الأمر وإسقاط الأمر وإسقاط القضاء متأخران عن الأمر فهذه الصحة الفعلية في العبادات أولا هي انتزاعية ومنتزعة من تعلق الأمر ثم الإمتثال مطابقا للمأمور به وهلم جرا فهذه الصحة الفعلية ليست من المراحل المتقدمة بل من المراحل المتأخرة عن فعلية الامر وحتى عن الإمتثال.
لماذا يدقق الاصوليون والفقهاء في هذا الشيء؟ لكي يلتفت الانسان أن هذه الصحة لايمكن ان تكون مرادة. ان تكون مرادة في المراتب المتقدمة في الجعل. روح بحث الصحيح والأعم هذه المباحث التي يتوقف عليها الاستنباط في يوميات الاستنباط.
إذاً هذه الصحة بالمعاني الأربعة صحة متأخرة عن مراحل التشريع وإنشاء الحكم وعنوان الامر وعنوان المامور به وعن الامتثال وهلم جرا فهذه نكتة مهمة وهذه الصحة انتزاعية يعني ليست معنى متأصلا بنفسه وإنما منتزعة من تطابق الامتثال مع المأمور به. من تطابق الامتثال مع المأمور به ينتزع الصحة الفعلية واسقاط الامر واسقاط القضاء واسقاط العقوبة وهلم جرا.
فهذه مهمة أن الصحة الفعلية بهذا المعنى أمر متأخر في العبادات، بخلاف الصحة الاقتضائية في قبال هذه الصحة الفعلية.
توضيح معترض قصير: الاقتضاء يقابل الفعلية ويمكن دعوى أو تقريب أن الفعلية والاقتضاء عنوانان إضافيان بهذا اللحاظ لأن كل فعلية قبله اقتضاء والاقتضاء الذي قبله بالإضافة إلى ما قبله هو فعلي نسبي.
فإذاً في مقابل الصحة الفعلية عندنا صحة اقتضائية. مثل المعنى الخامس الذي مر أمس. الصحة بمعنى تمامية الأجزاء والشرائط صحة اقتضائية لأنها هي وصف للصحة وهي حكم وضعي.
الصحة لها معان وكلها حكم وضعي وليس حكما تكليفيا والفساد أيضا حكم وضعي حرم الربا يعني أفسده.
نكتة معترضة قصيرة مرتبطة: أصالة الصحة في الفقه ربما حقيقتها خمس أو سبع قواعد مختلفة وليس معنى واحد. أصالة الصحة في العبادات شكل وفي المعاملات شكل آخر ولها معان عديدة وربما سبع قواعد لا أنه سبع موارد.
مثلا يجب كفائيا ان يصلى على جنازة المومن ويغسل ويجهّز والواجب التكليفي الكفائي يعني الكل مسئولون فقبل العمل نبني على صحة تجهيز جماعة يريدون ان يجهزوه. هذا نوع من اصالة الصحة قبل العمل، فاصالة الصحة قواعد متباينة عديدة في أبواب الفقه ولها أدلتها المختلفة فلايظنّن الظان أن قاعدة أصالة الصحة قاعدة واحدة. أحد معاني أصالة الصحة قاعدة التجاوز والفراغ. المهم ان اصالة الصحة لها معان عديدة بتبع الصحة.
نرجع: إذاً هناك صحة فعلية متأخرة عن الامر والامتثال وفيه صحة اقتضائية بمعنى تمامية الأجزاء. لم عبروا عن تمامية الأجزاء والشرائط بالصحة الاقتضائية لان هذه التمامية للاجزاء والشرائط تقتضي اسقاط الامر ان اداها المكلف وانقرن معها قصد الأمر وكذا، فلذلك يعبرون عنها صحة اقتضائية.
لازلنا في العبادات وفي المعاملات أيضا صحة فعلية واقتضائية وكثيرا ما تعارض طوائف الروايات بحسبان الفقيه أن الأدلة تتعرض للصحة الفعلية والحال أن الأدلة تتعرض للصحة الاقتضائية وللصحة الاقتضائية آثار عديدة وأذكر للاخوان الفهرسة التفاصيل طويلة ومتزعة في الأبواب. الصحة الاقتضائية والصحة الفعلية للمعاملات والصحة الفعلية والاقتضائية لها مراتب في المعاملات وفي العبادات ويجب أن يلتفت اليها الفقيه والمجتهد.
مثلا الشيخ الانصاري في مبحث الاستصحاب قال استصحاب موالاة الصلوة واذا شك في حصول الانقطاع في عمل الوضوء يستصحب بقاء الموالاة. هذا استصحاب الصحة فأي صحة يستصحبها؟ اقتضائية بمرتبة سابقة عن تمامية الأجزاء والشرائط لأن الأجزاء ما تمت ويعبرون عنه الصحة التأهلية فمن أسماء الصحة الاقتضائية هي الصحة التأهلية.
فاذا الصحة التأهلية مراتب والصحة الاقتضائية مراتب والصحة الفعلية مراتب وكثيرا ما يظن الفقيه التعارض وسببه أنه بنى على أن مفاد الدليل الصحة الفعلية من مرتبة كذا فتتعارض مع ادلة كذا والحال أنه ليس متعرضا للصحة الفعلية النهائية بل تتعرض للصحة الفعلية ما قبل النهائية مثلا. كذلك الصحة الاقتضائية.
مثلا سيأتي في مبحث المشتق: يحرم على الحائض إتيان الصلوة، أي صلوة؟ اذا كان المراد منها الصلوة الصحيحة الفعلية فما كان الامر عليها فاي صلوة تأتي بها؟ الصلاة الصحيحة الفعلية ليس لها امر كي يتم الصحة الفعلية اذا المراد الصحة الاقتضائية فالمحرم عليه الصحة الاقتضائية لا الصحة الفعلية لأن الصحة الفعلية ممتنعة على الحائض والصحة الاقتضائية مراتب والصحة الفعلية مراتب. فهذه النكات يجب الالتفات اليها.
من ثمّ أحد الاعتراضات الشديدة على تفسير الصحة في المقام في مقابل الفساد بتفسيرات أربع وهو إسقاط الأمر وإسقاط العقوبة والقضاء أو المطابقة مع المامور به أو الصحة الفعلية، تفسير الصحة الملحوظة هنا في معنى الحقيقة الشرعية بالصحة الفعلية اعترض عليه لأنها شيئ متأخر عن الأمر كيف تريد أن تأخذها في معنى اسبق من الأمر فلابد ان تأخذ الصحة بمعنى سابق عن الأمر. سنخوض فيه شيئا ما.
إذاً عنوان المركب كالصلوة والوضوء والطواف يجب أن يوزع بالتالي وهو موضوع للصحيح الاقتضائي أو الموضوع للجامع بين الصحيح والفاسد لابد أن يكون المراد هذا.
هنا قبل أن نخوض في كلمات الأعلام نكتة مهمة ولها آثار: قالوا عندما نريد نبحث في العناوين المركبات موضوعة للصحيح الاقتضائي هل كل الأجزاء والشرائط داخلة أم لا؟ هنا بحث حساس صناعي مفيد في الأبواب الأصولية والفقهية جميعا.
أذكّر أن الصحة الاقتضائية مراتب والصحة الفعلية مراتب وهذا التقسيم الثنائي في باب المعاملات لها شأن وفي باب العبادات شأن آخر.
هنا مبحث مهم جدّا ألفت إليه الفقهاء والأصوليون وهو أن الصحة الفعلية معتمدة على الأجزاء والشرائط والقيود أكثر من العنوان والمعنون وأكثر من التمامية.
يعني أن التمامية بمفردها اقتضاء للصحة وليست صحة فعلية، مثلا من القيود عدم وجود نهي طارئ لأن النهي عن العبادة يقتضي الفساد وعدم النهي ليس من تشريعات داخل ماهية الصلوة أو مانعيته وانما مانعية النهي خارجة من الصلوة.
على مباني بعض الاعلام عدم وجود المزاحم وهل هذا شرط أو ليس بشرط في الصحة أمر آخر وعند الناييني والسيد الخويي وتلاميذ الناييني شرط وهذا قيد آخر في الصحة الفعلية ولكنه ليس داخلا في تمامية الأجزاء والشرائط. فلاحظ التفاوت بين الصحة الفعلية والصحة الاقتضائية. هذه نكات أصولية وصناعية وفقهية تحل بها عقد كثيرة، من ثم هناك ناموس في الأصول والفقه أن عندنا قيودا في الأجزاء والشرائط في الماهية والمركبات العبادية أو المعاملية وعندنا قيود للمأمور به. بعبارة أخرى هناك قيود للعنوان والمعنون وذات المعنون وهناك قيود للمأمور به.
تفسيره: أن الصلوة بوصف أنها مأمور بها لها قيود أكثر من الصلوة في نفسه. مثلا الصلوة في نفسه «لاصلوة الا بطهور» وبالوقت وبالساتر هذه قيود داخلية في الصلوة أما أن الصلوة لاتجتمع مع النهي هذا ليس قيدا آتيا من داخل الصلوة بل من الخارج لكنه قيد المامور به وليس قيد الماهية.
فإذاً هناك قيود بالمعنى الأعم آتية من الماهية وعنوان الماهية كعنوان الصلوة والطواف سواء الموانع أو الشرائط مثل أخذ مانعية إستدبار القبلة في الصلوة مانع داخلي وليس خارجيا، أو مثلا صدور الحدث مانع داخلي، أما عدم اجتماع الصلوة مع فعل غصبي حرام فهذا مانع خارجي.
تذكرون في بحث الشهادة الثالثة يمكن تصوير الشهادة الثالثة في تشهد الصلوة أو الأذان والإقامة بستة أو سبعة قوالب صناعية وهي هذا المبحث واذا لايلتفت إلى هذه البحوث الصناعية تختلط.
فاذا لدينا قيود المأمور به وعندنا قيود العنوان والماهية فالقيود على نمطين ويعبر عن قيود المأمور به في اصطلاح الأصوليين والفقها بقيود الأمر أو قيود الحكم ويجب أن يميّز الباحث في الاستنباط بين قيود الحكم وقيود الموضوع. قيود الحكم يعني قيود الامر والمأمور به خارج العنوان والتمييز بين قيود المأمور به أو قيود الحكم وقيود العنوان أو قيود الماهية تترتب عليه آثار كبيرة جدا.
صلوة المسافر فيها عقد والمرحوم الكمباني والسيد هادي الميلاني قالوا خمس عقد لم تنحل والحمدلله حلّلناها ببركة تعاليم الميرزا الناييني في لباس المشكوك التفريق بين قيود الحكم وقيود الموضوع. قيد الحكم مترقص بخلاف قيود العنوان والماهية. المهم له آثار كثيرة. فهرسيا يجب الانسان أن يتنبه بين قيود المأمور به ويعبر عنه قيود الحكم وقيود الماهية ويعبر عنها قيود الموضوع أو قيود المتعلق. فالصحة الفعلية تجمع كل هذه القيود بينما الصحة الاقتضائية لا تجمع تلك القيود. انظر كيف أهمية معنى الصحة.
يبقى نقطة في هذا المبحث: الأعلام هنا قالوا قصد القربة من أي نمط من القيود؟ وهو عمود العبادة. قالوا: إن قصد القربة من قيود المأمور به أو الامر ولو لم يكن من قيود الامر الأول ويكون من قيود الامر الثاني ومن قيود الصحة الفعلية وليس من قيود الصحة الاقتضائية. قصد الامر لايؤخذ في متعلق الامر فكيف يأخذ في العنوان؟ إذا كان قصد الامر لا يأخذ في الامر فكيف يأخذ في ما قبل الأمر وهو العنوان؟ مع أن قصد الامر هو ركن ركين في عبادية العبادة. هذه مباحث مهمة إن شاء الله نخوض فيه و هي أهم من أصل مبحث الصحيح والأعم.