43/05/02
الموضوع:باب الالفاظ/الحقيقة الشرعية/دلالة الروايات على وحدة الحقيقة الشرعية في التشهد
الروايات دالت على وحدة الحقيقة الشرعية في التشهد في الأبواب الشرعية
كنا في صدد استعراض الروايات الواردة في تشهد الصلوة، هل يفهم منها حقيقة شرعية واحدة أو حقائق شرعية متعددة؟ مثل صحيحة أو معتبرة فضل بن شاذان تبيّن أن التشهد في الأذان والإقامة والتشهد في الصلوة هو حقيقة واحدة وليست حقائق، فما يذكر في المقامين سيّان لاسيما أن الروايات يظهر منها الأمر بالتشهد بما له العنوان المرتكز لدى المكلفين، يعني نفس التشهد المأخوذ في أصل الدخول في الإسلام والمأخوذ في أصل الدخول في الايمان وهلم جرا.
فوصلنا إلى الرواية الخامسة في الباب الخامس
عَنْ يَعْقُوبَ بْنِ شُعَيْبٍ عَنْ أَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع قَالَ: التَّشَهُّدُ فِي كِتَابِ عَلِيٍّ شَفْعٌ.
يعني الشهادتين، طبعا لو كنا نحن وهذه كأنما هو تحديد، ولكن بقرينة ما مرت من الروايات المستفيضة التي فيها صيغة التشهد أكثر من خمس شهادات أو ستة شهادات كالشهادة بالمعاد أو الشهادة بالساعة والجنة والنار، تعني أن هذا المفاد في الرواية يراد منه الحد المجزئ.
وقرأنا أيضا الرواية السادسة رواية سورة بن كليب ويمكن أن تعتبر وهي: عَنْ سَوْرَةَ بْنِ كُلَيْبٍ قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنَ التَّشَهُّدِ قَالَ الشَّهَادَتَانِ.
فكلمة أدنى ليست بمعنى التحديد من الأكثر بل التحديد من الأدنى والشهادتان كحد أدنى وليس كحد أعلى.
أيضا قرأنا الرواية الأولى من الباب الخامس رواية بكر بن حبيب وقلنا من هذه الرواية وأمثالها يستخلص الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب الجواهر باستحباب الشهادة بما علم الانسان من الدين من المعتقدات لاسيما أحسن ما علم وهو الشهادة الثالثة بضرورة الدين كما اعترف به الأعلام حتى السيد الخويي في التنقيح.
عَنْ بَكْرِ بْنِ حَبِيبٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَيَّ شَيْءٍ أَقُولُ: فِي التَّشَهُّدِ وَ الْقُنُوتِ قَالَ قُلْ بِأَحْسَنِ مَا عَلِمْتَ (أو علّمت على المجهول) فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَقَّتاً لَهَلَكَ النَّاسُ.
قوله عليه السلام: موقّتا، يعني أنه ليس فيه التوقيت والحقيقة الشرعية الخاصة بباب التشهد في الصلوة بل هو نفس التشهد في الأبواب الأخرى. هذه نص على أن الحقيقة الشرعية واحدة بالمطابقة والبقية بالالتزام دالة.
الرواية الثانية باسناد صحيح إلى ابن ابي عمير عن سعد بن بكر وهو لم يوثّق ولم يطعن عليه وبعده أيضا حبيب الخثعمي وهو أيضا لم يوّثق ولم يطعن عليه عن أبي جعفر عليه السلام: قَالَ: إِذَا جَلَسَ الرَّجُلُ لِلتَّشَهُّدِ فَحَمِدَ اللَّهَ أَجْزَأَهُ.
«أجزأه» يعني ان أصل تحقق التشهد يحصل لا أنه بدون الشهادتين.
الرواية الأخرى صحيحة أو موثقة إلى منصور بن حازم عن بكر بن حبيب ومر أنه الأحمصي البجلي الكوفي من أصحاب الباقر والصادق وكنيته أبو مريم وذكره على بن حسن الفضال ولم يطعن عليه وذكره من أصحاب الباقر والصادق، فيعني أنه ما كان رجلا نكرة مجهولا وهذا نوع من الاستحسان على مسلك المشهور لا مسلك السيد الخويي، أن يذكر في كلام علي بن حسن الفضال واضح أنه رجل معروف من أصحاب الباقر والصادق ولم يطعن عليه بشيء يعني انه كان حسن الظاهر.
قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنِ التَّشَهُّدِ فَقَالَ لَوْ كَانَ كَمَا يَقُولُونَ وَاجِباً عَلَى النَّاسِ هَلَكُوا (يعني الصيغة الطويلة في التشهد فيستلزم بطلان صلاتهم) إِنَّمَا كَانَ الْقَوْمُ يَقُولُونَ (يعني على عهد النبي صلي الله عليه وآله) أَيْسَرَ مَا يَعْلَمُونَ (ما يعلمون من المعتقدات لأن التشهد في الأصل إقرار بالمعتقدات الحقة وليس بمعنى بشرط لا عن الأكثر.) إِذَا حَمِدْتَ اللَّهَ أَجْزَأَ عَنْكَ.
هذه الرواية أيضا دالة على أن التشهد حقيقة شرعية واحدة وله حد أدنى وله حد أعلى.
على كل؛ هذه الروايات كرواية بكر بن حبيب وهي رواية صحيحة إلى منصور بن حازم وبكر بن حبيب ذكره علي بن حسن الفضال من ضمن رجال الامام الباقر والامام الصادق عليهما السلام ولم يطعن عليه بشيء النجاشي ولا على بن حسن الفضال ولا الشيخ وله تعداد من الروايات وربما من الثقات والأجلاء فهذا المقدار يدل على حسن حاله، فالرواية صحيحة إلى منصور وحسنة إلى بكر بن حبيب وفيها تصريح وأفتى بمضمونها كل من الشيخ جعفر كاشف الغطاء وصاحب الجواهر أنها مأذونة في التشهد إذنا تشريعيا بالنص الخاص بنحو الرجحان الشهادة ببقية المعتقدات في الدين فهذه صحيحة أو محسنة بكر بن حبيب.
وفيه أخرى محسنة بكر بن حبيب قال عليه السلام: «كان القوم يقولون أيسر ما يعلمون»
ورواية أخرى سورة بن كليب وهو مر بنا أن الرواية إلى ثعلبة بن ميمون صحيحة وبالنسبة إلى يحيى بن طلحة وسورة بن كليب أيضا لم يطعن عليهما بشيء بالتالي ذكر في الرجال وليسا مجهولين فذكرهما في الرجال مع عدم الطعن بتعبير الشيخ الوحيد البهبهاني يدل على أنهما ليسا مجهولين بل محسنان ودأب المشهور على هذا المسلك أنه أي راو يذكر في الأصول الرجالي المتقدمة ويوصف أنه من أحد أصحاب الأئمة عليهم السلام ويروي عنه الكبار ولا يطعن عليه فهذا أقل ما يستفاد منه حسن حاله.
فإذاً محسنة سورة بن كليب أيضا فيه أدنى ما يجزئ في التشهد فهذه أيضا فيها بيان الأدنى. كما أن معتبرة فضل بن شاذان أيضا فيها أن التشهد ماهيته واحدة خارج الصلوة وداخل الصلاة.
أيضا بقية الروايات التي مرت علينا كلها فيها دلالة على أن الحد الأدنى من التشهد هو الشهادتان، والا موثقة ابي بصير صفحة ونصف مما يدل على أن التشهد فيه أدنى وأعلى وفيها تكرار التشهد عدة مرات.
بعبارة أخرى أنا لم نقف على نص يبيّن أن حد وماهية التشهد في الصلوة هو التحديد الخاص وان التشهد في باب الصلاة يغاير الأبواب الأخرى.
فعدم ورود أي تحديد من الشارع مع ورود روايات تبيّن درجات التشهد هذا نفسه دليل على ان التشهد الذي هو في الصلاة هو التشهد في بقية الابواب.
لذا لاحظ؛ أن التشهد في بعض الزيارات طويل وفي بعضها مختصر أو متوسط وما شابه ذلك ففي الحقيقة التشهد الذي ذكر في باب الصلاة نص عليه أنه ليس فيه توقيت خاص ومع كل الشواهد والقرائن الوسوسة في ما هو المقرر في التشهد في الصلوة أو التشهد في الأذان ليس في محله.
فالتشهد هو حقيقة واحدة في أول الدخول في الايمان والأدعية والزيارات والأذان والإقامة وداخل الصلوة وتعقيبات الصلوة وسجدة الشكر وخطبة صلاة الجمعة وتلقين المحتضر وتلقين الميت قبل الدفن وبعد الدفن وابواب أخرى فكل هذه الأبواب أيضا يذكر فيها حد ادنى وحد أعلى لذا عملا الأعلام في صلاة الميت لا يوسوسون ويشككون في ذلك سيما من يبني على أن صلاة الميت دعاء.
إذاً الصحيح في الحقيقة الشرعية في التشهد هو حقيقة شرعية واحدة ولها حد أدنى وحد أعلى وأحسن أنواع التشهد هو الذي يأتى به بالشهادة الثالثة مقترنة وله وجوه صناعية متعددة والان نكتفي بهذا القدر في هذا المثال.
نرجع الان إلى بحث الحقيقة الشرعية
أصل الحقيقة الشرعية ثابتة أو غير ثابتة؟
مر بنا أن الاعلام قالوا جعل الحقيقة الشرعية وتغايرها من المعنى اللغوي الأصلي لا كلام فيه، لكن عندهم إثارات علمية أخرى وسبق أن كلام الأعلام عندما يقولون أن الحقيقة الشرعية التي تقرَّر بجعل الشارع في أي موضع وأي مسألة من المسائل وأي باب من الأبواب وأي عنوان من العناوين ليست بمعنى هجران المعنى اللغوي من رأس، بل حتى المعنى الجديد من الشارع إما تضييق وإما توسعة المعنى اللغوي وحتى هذه الزيادة أو التضييق هو أيضا بالمعاني اللغوية لكن بلفظة أخرى، فعلى أي حال المعنى اللغوي لم يغادر غاية الامر ضمّت المعاني اللغوية إلى بعضهم البعض.
مثلا في عنوان الركوع الميرزا الناييني قال: إن المقدار الذي تعبّدنا الشارع بحد الركوع نأخذ به وبقية الأجزاء وشرائط الركوع تبقى على معناها اللغوي وكلامه صحيح.
في عنوان السجود هكذا أيضا قرر الميرزا الناييني أن عنوان السجود بعنوان ما تصرف الشارع حقيقة شرعية والباقي يبقى على نفس المعنى اللغوي وخصوصيات المعنى اللغوي.
العنوان الثالث هو الاستقبال والميرزا الناييني أفتى بجزم وطبعه تلاميذه جلهم في عنوان استقبال القبلة وأفتوا بفتوى الناييني ومنهم السيد محسن الحكيم والسيد الخويي رحمهم الله.
من أركان الصلوة القبلة أو الاستقبال وعندنا عنوانان؛ عنوان القبلة وعنوان الاستقبال وبينهما فرق، صحيح أنهما متلازمان ومتضايفان لكن بينهما فرق وراجعوا كتاب الصلوة للناييني وصحيح هذه.
الاستقبال فعل المصلي والقبلة ليست بفعل المصلي بل متعلق المتعلق مثل الفرق بين الماء والوضوء، الوضوء فعل يرتبط بالماء وليس نفس الماء، كذلك الحال في الاستقبال والقبلة، القبلة اتجاه الكعبة أو عين الكعبة ما شئت فعبر «فأينما تكونوا فولّوا وجوهكم شطر المسجد الحرام»
الميرزا الناييني يقول: إن الشارع حدّد لنا القبلة وهي حقيقة شرعية وهي الكعبة أو جهة الكعبة لكن الاستقبال ما حدّده الشارع مع أنه ركن فحيث لم يحدّد الشارع الاستقبال فهو عرفي.
في الاستقبال العرفي لا ينحصر بخط مستقيم بل يمتدّ إلى مجموع خمسين درجة بين اليمين والشمال، يعني خمسة وعشرين درجة يمينا وخمسة وعشرين يسارا من خط القبلة.
يقول الناييني التوسعة ليست في عين القبلة بل التوسعة في الاستقبال فالقبلة هي هي لكن التوسعة في الاستقبال.
يقول: أ لا تلاحظ أنك إذا كان عندك جمع من الناس وتقابلهم ويقابلونك كل من يكون أمام الجبهة والجبهة بحساب التدوير الهندسي خمسين درجة يعني الجبهة وبين الجبينين هذا بمقدار خمسين درجة ويصدق عليك أنك استقبلت الناس وليس خصوص من يجلس امامك أنت مستقبل له، فيقول التوسعة ليست في القبلة بل في الاستقبال، مثلما يقال التوسعة في الوضوء لا في الماء، ويقول إن الاستقبال عرفا خمسين درجة يمينا ويسارا.
فشرعا يفتون بجواز الانحراف عن القبلة بخمسة وعشرين درجة ولا تبطل الصلاة، نعم خلاف الأولى بحث آخر.
من ثم، قبلة النجف لو بني على التحديد بالأقمار الصناعية هذا التحديد من الميرزا الناييني ليس تحديدا هندسيا دقيقا بل تحديد إجمالي. أما لماذا، فلسنا في صدد أن نشرح أن هذا التحديد تحديد إجمالي وليس تحديدا دقيا عقليا.
فالتياسر من القبلة في الحرم أو في النجف أو كل العراق منصوص عليه ومروي ومفتى به عند أكثر علماء الامامية في طبقاتهم والقبلة التي في الحرم الشريف هذه القبلة هي المستحبة لان البلدان التي تقع شرق مكة نص على استحباب التياسر عن القبلة.
معروف أن خواجة نصير الدين الطوسي كان فلكيا قويا وحضر درس المحقق الحلي في بحث القبلة وقال يستحب التياسر عن القبلة فأشكل خواجة نصير وقال: إذا كانت هذه القبلة هي القبلة فالتياسر عنها إلى غير القبلة وإذا كانت القبلة ليست هي القبلة بل بالتياسر نستقبل فإذاً ليس مستحبا بل لازم، ففتواك باستحباب التياسر عن القبلة ما له تخريج فلكي.
فأجاب عليه بالبداهة المحقق الحلي وقال إن التياسر من القبلة إلى القبلة. هذا التوجيه توجيه الميرزا الناييني ويقول القبلة شيء والاستقبال شيء آخر وليس هو نفسه، مضافا إلى ما ذكر المحقق الحلي عندنا روايات دالة على أن البلدان التي تقع شرق الكعبة يستحب فيها التياسر.
لذلك القبور في النجف والقبور في كربلاء والعتبة المقدسة في كربلاء والقبور في البصرة قبور المسلمين والمؤمنين فيها التياسر وهذا ليس صدفة لأن هناك استحباب أكيد من المشهور في قبلة العراق وقبلة الايران في التياسر.
ففلسفتها الفلكية والماهوية ماهي أو فلسفتها الشرعية ما هي مذكور في كلمات الفقهاء ومن أراد فليراجع وستطبع رسالة في استحباب التياسر بالدقة الفلكية.
فهذه القبلة في الحرم الشريف في النجف وكربلاء ليس هي قبلة الحرم وفيها التيامن بينما التياسر هوالصحيح، حتى قبلة الكاظمية والسامراء والصحيح التياسر. كل قبور المسلمين والمؤمنين هكذا. نكتتها فلكية وما أريد أن أدخلها والبحث في عنوان الاستقبال أنه ليس فيه جعلا شرعيا بينما القبلة فيها جعل شرع.
هذه نكتة مهمة في الحقيقة الشرعية أنه يغير المعنى اللغوي بقدر ما تصرف الشارع وهكذا في التشهد، معنى التشهد ما هو؟ يعني القول بالمعتقد الحق وليس دليل على تصرف الشارع بالتحديد المعين بشرط لا عن الزيادة. نفس النكتة هذه. هذه نكتة صناعية أخرى في الحقيقة الشرعية.
وان شاء الله سندخل في الأدلة في الحقيقة الشرعية مع أن الدخول فيها مجرد استعراض علمي والثمرات هي ما خضنا فيها إلى الان.