43/05/01
الموضوع:باب الالفاظ/ الحقيقة الشرعية /وحدة الحقيقة الشرعية في التشهد بحسب الروايات
كان الكلام في الحقيقة الشرعية والتشهد بما يتضمن الشهادة الثالثة نموذجا، فهل يا ترى الحقيقة الشرعية واحدة في التشهد أو أن التشهد حقائق شرعية؟
مر بنا أمس أنه لو قيل بتعدد التشهد من جهة توقيت الشارع في الأبواب الفقهية فلامحالة هو من قبيل الاشتراك المعنوي وليس من قبيل الاشتراك اللفظي فبالتالي لا محالة المعنى المشترك هو ظاهر والزائد عليه يحتاج إلى المعونة.
لننظر الان إلى المعنى المشترك...
المعنى المشترك ليس هو السقف الأدنى، بل المعنى المشترك في الأبواب الفقهية طرا هو في الحقيقة أن ماهية التشهد له سقف أدنى وله سقف أعلى و هو ذو درجات وطبقات وليس ذو درجة وطبقة واحدة، حينئذ إرادة تحديد وتوقيف وجعل جديد في التشهد في الأذان أو في الإقامة أو داخل الصلوة يحتاج إلى المعونة والدليل.
من ضمن بيانات المجلسي الأول الأب يقول: إن نفس الروايات الواردة في الأذان والروايات الواردة في الإقامة قلما تجد فيها روايتين أو مجموع الروايات متفقة في عدد الفصول في الأذان والإقامة وقال: لكن المشهور لم يبنوا على التعارض في عموم فصول الاذان والإقامة، لأنهم بنوا على أن بعض الروايات لا تصرح بالفصول للتقية مثل فصل «حي علي خير العمل» كما اعترف بذلك الصدوق في التوحيد؛ أن الروايات التي لم تذكر فيها «حي على خير العمل» كانت لأجل التقية، فإمّا محمول على التقية أو محمول على مراتب الفضل في الأذان والإقامة؛ إن الأذان الكامل هذا فصوله أما إذا كان الانسان مستعجلا أو غيره فيخفف الأذان وهذا مفتى به أن طريقة تخفيف الأذان بتقليل الفصول أو ما شابه ذلك.المقصود إن نفس الأذان في فصوله سقف أدنى وسقف أعلى حتى من حيث عدد الفصول.
فلو بنينا على أن التشهد والحقيقة الشرعية للشارع فيه تختلف في كل باب ليس معناه اشتراكا لفظيا بل معناه اشتراك معنوي وحينئذ يكون كالحقيقة الواحدة الشرعية والتقييد والتحديد يحتاج إلى المعونة.
الان نقرأ بقية الروايات على أساس أن تصير واضحة.
وصلنا إلى الرواية السادسة في الباب الثالث من أبواب التشهد في الصلوة ويقول الامام الرضا عليه السلام في العلل عن فضل بن شاذان: وَ إِنَّمَا جُعِلَ التَّشَهُّدُ بَعْدَ الرَّكْعَتَيْنِ (الركعتين الأولى والثانية) لِأَنَّهُ كَمَا قُدِّمَ (دققوا، يعني قدم التشهد) قَبْلَ الرُّكُوعِ وَ السُّجُودِ مِنَ الْأَذَانِ وَ الدُّعَاءِ وَ الْقِرَاءَةِ فَكَذَلِكَ أَيْضاً أُخِّرَ بَعْدَهَا ( يعني الركعة الأخيرة) التَّشَهُّدُ وَ التَّحِيَّةُ وَ الدُّعَاءُ.
قوله عليه السلام «الدعاء» يعني مستحب في التشهد أن يأتى بالدعاء مع أن كثيرا في السيرة لا يلتزمون بالدعاء. هذا الدعاء الموجود في صلوة الميت هو في نفسه مستحب في كل تشهد يأتى به في الصلوة أو تعقيبات الصلوة أو غيرها.
في هذه الرواية بيّن أن التشهد حقيقة واحدة لأنه هو مذكور في الأذان والإقامة وهو نفسه مذكور في تشهد الصلوة لا أنه حقيقتان شرعيتان بل حقيقة واحدة.
حينئذ أحد تخريجات الأعلام لمشروعية الشهادة الثالثة في الأذان هو أن التشهد ليس جزء الاذان لكنه من المستحبات الفردية للشهادتين أن أفضل أفراد الشهادتين أن تقرنا بالشهادة الثالثة. هذا أجوبة اعلام النجف واعلام قم وكانوا مطبقين عليه تقريبا أنه يستفاد من الادلة العامة الكثيرة أن الشهادة الثالثة اقترانها بالشهادتين من الأمور الراجحة الأكيدة في فردية الشهادتين، فأفضل أفراد الشهادتين أن تقرنا بالشهادة الثالثة.
فإذا كان هكذا فالتشهد الذي أمر به في الأذان والإقامة أمر به في تشهد الصلوة.
بعبارة أخرى إما بصياغة وتعبير السقف الأدنى والسقف الأعلى أو تستطيع أن تعبر عنه أنه من المكملات والمحسنات والراجحات الفردية، لا أنه شيء آخر ولا يمكن أن نلتزم بالمشروعية في الأذان ولانلتزم بمشروعيتها في تشهد الصلوة بل هو شيء واحد وماهية واحدة.
الروايات الأخرى في الباب مرتبطة بجهات أخرى في التشهد.
الرواية الأولي في الباب الرابع من أبواب التشهد صحيحة زرارة: قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع مَا يُجْزِي مِنَ الْقَوْلِ فِي التَّشَهُّدِ فِي الرَّكْعَتَيْنِ الْأَوَّلَتَيْنِ قَالَ أَنْ تَقُولَ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ (طبعا بقرينة الروايات الأخرى) قُلْتُ فَمَا يُجْزِي مِنْ تَشَهُّدِ الرَّكْعَتَيْنِ الْأَخِيرَتَيْنِ فَقَالَ الشَّهَادَتَانِ. (بالنسبة إلى الاكتفاء بالشهادة الأولى ما معمولة به بقرينة الروايات الكثيرة ومحمول على نوع من التأويل.)
دققوا: «يجزئ» ليس بمعنى «بشرط لا» بل يعني مجزئ بمعنى أقل شيء لا انه «بشرط لا» ولا أنه حد محدود. مثل ما يقال أدنى ما يجزي. تعبيره «يجزئ» وليس تعبيره ما حد التشهد؟ يجزئ يعني الحد الأدنى ولايستفاد منه بشرط لا.
الرواية الثانية صحيحة زرارة وفضيل ومحمد بن مسلم عن أبي جعفر عليه السلام: إِذَا فَرَغَ مِنَ الشَّهَادَتَيْنِ فَقَدْ مَضَتْ صَلَاتُهُ فَإِنْ كَانَ مُسْتَعْجِلًا فِي أَمْرٍ يَخَافُ أَنْ يَفُوتَهُ فَسَلَّمَ وَ انْصَرَفَ أَجْزَأَهُ.
قوله عليه السلام: فقد مضت صلوته يعني هذا المقدار الذي أتي به مجزئ ولا يحتاج إلى الإطالة في التشهد.
الرواية الثالثة صحيحة ابن أبي نصر بزنطي: قالَ: قُلْتُ لِأَبِي الْحَسَنِ ع جُعِلْتُ فِدَاكَ التَّشَهُّدُ الَّذِي فِي الثَّانِيَةِ يُجْزِي أَنْ أَقُولَ فِي الرَّابِعَةِ قَالَ نَعَمْ.
يعني أن التشهد في الثانية هو نفس التشهد في الرابعة لكن حسب الروايات التي مرت بنا يستحب بشكل أكيد التطويل في الرابعة بخلاف التشهد في الثانية يعني أن التوسط أو الاختصار يجزي فيه.
الرواية الرابعة: صحيحة ْ مُحَمَّدِ بْنِ مُسْلِمٍ قَالَ: قُلْتُ لِأَبِي عَبْدِ اللَّهِ ع التَّشَهُّدُ فِي الصَّلَاةِ قَالَ مَرَّتَيْنِ قَالَ قُلْتُ: وَ كَيْفَ مَرَّتَيْنِ قَالَ إِذَا اسْتَوَيْتَ جَالِساً فَقُلْ أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَ أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّداً عَبْدُهُ وَ رَسُولُهُ ثُمَّ تَنْصَرِفُ قَالَ قُلْتُ: قَوْلُ الْعَبْدِ التَّحِيَّاتُ لِلَّهِ وَ الصَّلَوَاتُ الطَّيِّبَاتُ لِلَّهِ قَالَ هَذَا اللُّطْفُ مِنَ الدُّعَاءِ يَلْطُفُ الْعَبْدَ رَبُّهُ.
هذا يعني أدنى الحد، فلهذا سأل الراوي فماذا عن بقية الفقرات قال عليه السلام هذا مندوب وليس واجبا فاذاً هي في بيان الحد الأدنى لا «بشرط لا»
الرواية الخامسة يمكن اعتبارها، يعني السند إلى ثعلبة ابن ميمون صحيح وهو كان من الفقهاء والاجلاء عن يحيى بن طلحة وهو قد يقال فيه ليس فيه توثيق ولكن ليس فيه طعن أيضا ويمكن تجميع القرائن على حسن حاله وسورة بن كليب أيضا قد يقال ما فيه توثيق وأيضا ما فيه طعن ويمكن تجميع القرائن على حسن حاله، فهذه الرواية سندها بهذه الدرجة
قَالَ: سَأَلْتُ أَبَا جَعْفَرٍ ع عَنْ أَدْنَى مَا يُجْزِئُ مِنَ التَّشَهُّدِ قَالَ الشَّهَادَتَانِ.
قالأادنى ما يجزئ فيعني ما يكون «لا بشرط» وليس بشرط لا من الزيادة. لذلك الشيخ جعفر كاشف الغطاء في ما يؤتى من الأمور الراجحة في التشهد لم يذكر الشهادة الثالثة لكن ذكر ما ليس فيها نصوص خاصة مثل «وتقبل شفاعته و ارفع درجته وقرب وسيلته» قال هذا يدخل في التشهد لأن الأدنى فما فوق يدخل فيه كل هذه الأدعية والثناء.
قال: لا يعترض معترض بأن هذه الأمور لم ترد فيها نص خاص وكيف تدخلونها في الصلوة ويجيب بأن نفس روايات التشهد داخل الصلوة هي دالة على مأذونية الزيادة في التشهد وعلى ضوءها قال بمشروعية عدة من الأذكار التي الان تمارس وليس عليها نص خاص وتبعه في ذلك صاحب الجواهر مضافا إلى أنه اعتمد على نص بن بابويه في الشهادة الثالثة في تشهد الصلوة ويفتي جزما باستحباب الشهادة الثالثة في التشهد ويستند أيضا بهذه القاعدة التي شيدها استاذه وهو أن التشهد مأذون فيه الزيادة.
بعد ذلك صاحب الجواهر في كتاب الجواهر لما يصل إلى تسليم الصلوة وهو متداخل مع التشهد يفتي بالوجوب التخييري للتشهد.
ما هو الحد المائز بين التشهد وبين التسليم؟ هل «السلام عليك أيها النبي ورحمة الله وبركاته» من التشهد أو من التسليم؟ إطباق علماء الامامية على أن التسليم على النبي أو على الائمة أو الملائكة المقربين ليس مخرجا من الصلوة فلازلت أنت في الصلوة بل الكثير جعلوه من التشهد مع أنك تخاطب النبي وتخاطب الأئمة.
فالتشهد والشهادة الثالثة ليس فيها بحسب اللغة العربية واللغات الكثيرة خطاب مع غير الله. مع أن بعض الأعلام احتمل أنها كلام آدمي وعجيب. إذهب لأي خبير في اللغة العربية وقل له «ان محمدا رسول الله» هل هو خطاب بيني وبين رسول الله؟ أبدا، هذه الشهادة خطاب مع الله لأن العَلَم بمنزلة الضمير الغائب في اللغة العربية حتى غير اللغة العربية فإذا جئت بالعَلَم فكأنك جئت بالضمير الغائب فكيف يصير خطابه، فما له احتمال علمي موجه أبدا.
التشهد بالشهادة الثالثة لا يحتمل فيه بحسب قواعد وضوابط العلوم العربية وحتى قواعد الفقه لاتكون فيها رائحة الخطاب مع سيد الأنبياء أو سيد الأوصياء بل خطاب مع الله إقرار له بذلك. مثل ما إذا تشهد بالمعاد والساعة ومر في موثقة أبي بصير وهذا خطاب مع الله.
المهم أن الاعلام ومنهم السيد الخويي والشهيد الثاني وفخر المحققين ذكروا أن الخطاب مع النبي زينة الصلوة في آخر الصلوة. الشهيد الثاني يقول: إستحضر أنك في حضرة النبي وتخاطبه فسلم على الرسول، تاج عبادتك لله في الصلوة أن تناجي للنبي بعد مناجاتك لله وبإطباق علماء الامامية أنت لست خارجا من الصلوة ولازلت في الصلوة.
من صلى صلاته ولايعرف تأويلها لاتقبل أو لاتكمل صلاته. المقصود التسليم فيه الخطاب أما بالنسبة للشهادة ليس فيه الخطاب ليكون من كلام الأدمي.
هنا لاحظ الرواية الخامسة قال أدنى وليس أكمل التشهد. شبيه تعبير القرآن ﴿أ تستبدلون الذي هو أدنى بالذي هو خير﴾[1] الذي هو خير هو الشهادة الثالثة. فلك الخيار أن تكتفي بالأدنى ولا أنه الأوسط ولا أنه الاكمل.
فصاحب الجواهر لما يأتي للتسليم يقول ما ذكرنا من استحباب الشهادة الثالثة الان أجزم بالوجوب التخييري. بالتالي الشهادة الثالثة واجبة تخييرية. كتاب الجواهر أمتن من الرسالة العملية من العلماء وفي كتاب الجواهر في بحث التشهد ينتهي إلى استحباب الشهادة الثالثة ولما يدخل في تسليم الصلوة يقول ما قلته في التشهد خطأ أن الواجب هو الحد الأدنى والأكثر مستحب والصحيح ان هذه الخيارات المتعددة هي عبارة عن واجب تخييري بما فيه التشهد بالشهادة الثالثة، فيعدل عن الاستحباب.
الباب الخامس الرواية الأولى صحيحة إلى منصور بعد ذلك بكر بن حبيب البجلي من أصحاب الصادق والباقر عليهما السلام ولم يطعن عليه بشيء وله جملة من الروايات ولو أن السيد الخويي يذكر إحدى عشر موردا لكنه أكثر يعني ربما يقال كثرة الرواية عنده ولم يطعن عليه ويروى عنه الأجلاء الكبار هذا المقدار يثبت الحسن قال: قُلْتُ لِأَبِي جَعْفَرٍ ع أَيَّ شَيْءٍ أَقُولُ: فِي التَّشَهُّدِ وَ الْقُنُوتِ قَالَ قُلْ بِأَحْسَنِ مَا عَلِمْتَ فَإِنَّهُ لَوْ كَانَ مُوَقَّتاً لَهَلَكَ النَّاسُ.
لو كان موقتا: يعني أن الحقيقة الشرعية في الصلوة تغاير المعنى الوحداني والحقيقة الشرعية في سائر الأبواب فلو كان موقتا لكان حرجا شديدا عليهم واشتدّ الأمر عليهم.
«الموقّت» بالاصطلاح الفقه الاصولي يعني الحقيقة الشرعية فلا يريد عليه السلام أن ينفي أصل الحقيقة الشرعية بل يريد أن ينفي أن الحقيقة الشرعية الثانية في تشهد الصلوة تختلف عن الحقيقة الشرعية الوحدانية للتشهد في الأبواب الفقهية العديدة وهذا هو الذي نذهب اليه.
حينئذ إذا اتحدت الحقيقة الشرعية في تشهد الصلوة والاذان والإقامة وغيرها من الأبواب فكل ما وردت من الروايات في بيان التشهد في الزيارات هو بعينه مسوَّغ في الصلوة وما ورد في صلوة الجمعة وما ورد في الأبواب المختلفة في الدعاء كل هذه الروايات ليست خاصة بالدعاء كدعاء أبي حمزة أو دعاء الكميل أو دعاء عرفة أو زيارات الامام الحسين أو أميرالمؤمنين بل هذا بيان لأنماط التشهد ذو الحقيقة الشرعية الواحدة نعم خصوصية المورد فيه زيادة من الاستحباب بهذا النمط لأنهم تخصون بهذه الزيارة.
من ثَمَّ بعبارة أخرى إن التشهد في الأذان والتشهد في الإقامة أو داخل الصلوة وردت فيه روايات متواترة والروايات المتواترة هي ما وردت في التشهد في الأدعية و الزيارات وفي تلقين الميت والمحتضر فهكذا في تشهد الصلوة. فبيّنت هذه الحقيقة الشرعية من قبل الروايات المستفيضة المتواترة في أبواب الادعية. إنما اختلف المقدار كما أن في باب الصلوة رواية موثقة ابي بصير صفحة ونصف ورواية أخرى صفحة ورواية أخرى سطر واحد وليس تعارضا. هذا عطف على أن التشهد حقيقة شرعية واحدة فيه السقف الأدنى والسقف الأعلى.
بهذا التدقيق الصناعي في باب الحقيقة الشرعية يصبح الامر واضحا ولايحتاج إلى معونة كثيرة إذا دققنا إلى هذه الخطوة في بحث الحقيقة الشرعية.
المهم أن هذا قول الشيخ جعفر كاشف الغطاء قال عليه السلام: باحسن ما علمت أو علّمت علمت يعني من العقائد وما الذي بحسب الأدلة الضرورية عندنا هو احسن ما علمنا بعد الشهادتين؟ ليس الشهادة بالموت والمعاد والمنكر والنكير بل أفضل ما علمنا هو الشهادة الثالثة واليوم أكملت لكم دينكم وهذه القاعدة بنى عليه الشيخ جعفر كاشف الغطاء وتلميذه في خصوص التشهد في الصلوة.