الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/04/30

بسم الله الرحمن الرحيم

موضوع: باب الالفاظ/ الحقيقة الشرعية /الحقيقة الشرعية المتعدد في لفظة واحدة لا تستلزم الاشتراك اللفظي

كنا في مبحث أن الحقيقة الشرعية يمكن أن تكون واحدة ويمكن أن تكون متعددة ويمكن أن تكون واحدة بقيود مختلفة في الموارد.

لا بأس أن أشرح مصطلحا ذكره علماء البلاغة واللغويون وأيضا ذكره الأصليون.

المصطلح عند علماء هذه العلوم هو أن مجرد تعدد الموضوع له لايستلزم الاشتراك اللفظي.

هذا بحث مهم وصناعي وحساس.

ما هو الفرق بين الاشتراك المعنوي والاشتراك اللفظي؟ هل المشترك اللفظي هو مجرد تعدد المعنى للّفظ فيعود إلى الاشتراك اللفظي أو أن المشترك اللفظي شيء آخر؟ مثلا العين وضعت للعين الباصرة والعين النابعة والعين بمعنى التجسس والمعاني الأخرى.

فما هي ضابطة المشترك اللفظي وما هي ضابطة المشترك المعنوي؟ هل ضابطة المشترك اللفظي صرف تعدد المعنى الموضوع له؟ أو ضابطة المشترك اللفظي تعدد المعنى مع عدم وجود اشتراك معنوي؟ أما إذا كان في البين اشتراك معنوي فلا يقال له اشتراك لفظي.

أذكر هذه الأمور لأنا في صدد البحث عن تعدد الحقيقة الشرعية أو اتحادها، فهل التعدد مثل الاشتراك اللفظي أو أن التعدد يمكن بمعاني أخرى.

اصطلاح هولاء أصحاب العلوم هو أنهم يقولون: إذا كان الوضع والمعنى حين الوضع واحدا والموضوع له متعددا، فهذا اشتراك معنوي. الوضع يعني عملية الوضع والمعنى الملحوظ حين عملية الوضع، فإذا كانت عملية الوضع واحدة فيعبر عنه بالاشتراك المعنوي وإن كان الموضوع له أفراد عديدة أو أصناف عديدة.

فالموضوع له متعدد وليس واحدا، اكرّر؛ الموضوع له فضلا عن المستعمل فيه ولكن الوضع واحد. المعنى المشترك هو المتصور حين عملية الوضع الوحدانية. هذا البحث جدا مهم في باب الظهور وباب بنية الظهور وباب اللغات.

هذا التزم به اللغويون وربما المناطقة وجملة من الأصوليين في المعنى الحرفي، إن المعنى الموضوع له فيها متعدد والوضع واحد فيلتزمون بأن لفظة «في» المعنى الوحداني المتصور حين الوضع فيها وحداني، لكن الموضوع له هو أفراد وجود الظرفية، فلفظة «في» في موارد الاستعمال تستعمل في فرد الظرفية لا في الجهة المشتركة في الظرفية.

هذا البحث ضروري أن نتوسع فيه لأنه مؤثر في بنية الظهور.

مثلا قال البلاغيون: إذا قلت: «رجل في الدار» و المعنى الاستعمالي في رجل كان المعنى الكلي المذكر الإنساني فهنا الاستعمال حقيقي أمّا إذا استعملت كلمة «رجل» في زيدية زيد فيكون مجازا لغويا. يعني إذا استعملت لفظة رجل في خصوص زيدية زيد.

مثلا إذا قلت: «هناك رجل لن يغفر الله له أبدا» والمقصود فلان بفلانية فلان، فهنا الإستعمال مجازي إذا اردت إرادة استعمالية لا الإرادة التفهيمية، لأن المجاز والحقيقة في أفق ومستوى الاستعمال.

باب التفهيم ليس بمجاز ولا بحقيقة لأن مرتبة التفهيم في باب الكنايات والكنايات ميدانها في مرحلة الدلالة التفهيمية. مثلا المجاز العقلي للسكاكي في مرحلة التفهيم وليس في مرحلة الاستعمال.

تدقيق المجتهد استنباطا والمفسر واللغوي في مراحل الدلالة أمر مهم، أيّها من الوضع و أيّها من الاستعمال وأيّها من التفهيم وأيّها من الجدّ، لأن كل مرحلة متقدمة حاكمة إثباتا لا ثبوتا على المرحلة المتأخرة.

تمييز باب الدلالة التفهيمية عن باب الدلالة الاستعمالية أمر بالغ الخطورة في مباحث التعارض بين الأدلة سواء المستقر أو غير المستقر. كثير من الخلط لعدم التمييز بين مراحل الدلالة. انقلاب النسبة في أي مرحلة؟ التخصيص في أي مرحلة؟ التقييد في أي مرحلة؟ الحكومة التفسيرية في أي مرحلة؟ فرق القيد المتصل أو المخصص المتصل عن المنفصل في أي مرحلة من الدلالة؟ كل هذه المباحث حساسة ومهمة في مسألة التعارض المستقر أو غير المستقر والذي يبتلى بها في كل الأبواب الفقية.

المقصود أن التمييز والتدقيق في مراحل الدلالة أمر مهم جدا.

فمنظومة الكنايات هي أخطر وأهم مبحث الدلالة في الشريعة الإسلامية والدين الإسلامي والوحي الذي بعث به سيد الأنبياء صلى الله عليه وآله وإن كان للكناية نحو وجود أو تقرر في المرحلة الاستعمالية، كيف ما أريد أن أدخل فيه، كأنما للكناية رِجل في الاستعمال لكن عمدتها و ثقلها في التفهيم بخلاف أغلب الاستعارات لأن بعض الإستعارات في مرحلة التفهيم.

فتمييز مراحل الدلالة أمر مهم. مر بنا أن قرائن الاستعمال تختلف عن قرائن التفهيم وهي تختلف عن قرائن الجد. كل قرينة في الرتبة السابقة حاكمة في الرتبة اللاحقة إثباتا و إلا في الثبوت عكس الإثبات.

فقال البلاغيون في باب البيان إذا قلت: «رجل في الدار» وأردت المذكر الإنساني الكلي فالإستعمال حقيقي أما إذا أردت على صعيد الاستعمال لا التفهيم من الجملة زيدية زيد فالإستعمال مجازي.

هذا إذا كان الموضوع له في أسماء الاجناس مثل الرجل هو الكلي فهنا يكون الترديد بين المجاز أو الحقيقة، أمّا إذا قلنا في أسماء الاجناس أن الوضع فيها عام لكن الموضوع له هو زيد وقاسم وكذا فهنا إذا استعملت لفظة رجل في زيدية زيد فليس مجازا.

دعوى علماء علوم اللغة هي أن الموضوع له في الحروف هو الأفراد فلا يكون الاستعمال في الأفراد مجازا.

مثلا التشهد إذا كان الوضع فيه عاما كحقيقة شرعية والموضوع له خاصا، ستتعدد الحقيقة الشرعية من دون اشتراك لفظي، فيكون التشهد في الصلوة بشهادتين و في التلقين ثلاث شهادات وفي أحد الزيارات خمس شهادات في زيارة ال ياسين عشر شهادات، فإذا كان التشهد حقيقة شرعية من قبيل الوضع عام والموضوع له خاص ستتعدد الحقيقة الشرعية لكن لا بنحو الاشتراك اللفظي.

هنا نكتة مهمة: يعبّر عن وحدة الوضع وتعدد الموضوع له بالاشتراك المعنوي ولا يقال له الاشتراك اللفظي مع أن الموضوع له متعدد. التشهد في الاذان لعدد معين أو صيغة معينة والتشهد في دخول الإسلام الظاهري له شهادتين والتشهد في دخول الايمان ثلاث شهادات فالتشهد مشترك معنوي لكن الموضوع له متعدد. فتكون حقائق شرعية متكثرة لكن لا بنحو الاشتراك اللفظي بل الاشتراك المعنوي.

ما الثمرة؟ دققوا، كثير من الأعلام في العصر الحاضر قالوا إن هذه المباحث لا ثمرة لها و لتحذف من علم الأصول بل بالعكس هذه جدا صميمية في يوميات الاستنباط والان سيتبين لنا.

تارة نقول في التشهد الوضع عام والموضوع له عام يعني حقيقة شرعية واحدة غاية الأمر هذه الحقيقة الشرعية لها السقف الأدنى ولها السقف الأعلى مثل الشهادة بالشهادات العشرة كالشهادة بالحشر والموت والنشر وغيرها. فهذا أيضا اشتراك معنوي والوضع فيه عام وكلي والموضوع له أيضا عام وكلي. هذه حالة من أنواع الوضع وسنبين أن الثمرات اليومية في الظهور كيف تتأثر من أقسام الوضع.

وطبعا الوضع خاص والموضوع له خاص لا الثمرة لها في باب الاستنباط في الفقه، نعم في العقائد ذكر أن أسماء الله عزوجل بعضها وضعها خاص وموضوع لها الخاص ويحرم تسمي أحد بها وأحد معاني توقيفية الأسماء هذا.

فالأقسام في الوضع؛ القسم الأول الوضع الخاص والموضوع له الخاص ليس اشتراكا لأنه عَلَم والقسم الثاني الوضع العام والموضوع له العام هذا هو الذي يبنى عليه في أسماء الأجناس وسنبين ثمرته في الظهور في يوميات الاستنباط والقسم الثالث الوضع العام والموضوع له الخاص يعني الكثير والمتعدد لكنه ليس اشتراكا لفظيا ولايقال له الاشتراك اللفظي رغم أن الموضوع له ما لايحصى من الأفراد. مثلا على مبنى مشهور الأصوليين وقدماءهم الموضوع له في حروف الجر وأسماء الإشارة هو الأفراد.

هذا أيضا يختلف عن القسم الثاني الذي مر الوضع العام والموضوع له العام لكنه يشاركه في جهات. هذا القسم الثالث كثير ولايقال له اشتراك لفظي بل يقال اشتراك معنوي لنكتة صناعية في بنية الظهور وسنبينها.

القسم الرابع ليس محل بحثنا أصلا.

تارة اشتراك لفظي ويمكن أن تعبر عنه بالقسم الخامس. الاشتراك اللفظي يعني الوضع والموضوع له متعددان. فليس هناك اشتراك معنوي مثل لفظة عين وضعت للعين الجارية والنابعة والميزان وغيرها من المعاني. فالعين وضعت لمعاني عديدة. هذا الوضع للعين في المعاني العديدة فيه تعدد الوضع وتعدد الموضوع له فهو اشتراك لفظي.

ليتعرّف على الفرق في الاثار في بنية الظهور بين الوضع العام والموضوع له العام كاسماء الاجناس مثل لفظة رجل وانسان ويسمى الاشتراك المعنوى وبين الوضع العام والموضوع له الخاص الذي يسمى اشتراكا معنويا أيضا؟ وما الفرق بينهما هذين وبين الاشتراك اللفظي؟

الفرق هو أنه في الاشتراك اللفظي إذا لم تكن في البين قرينة معينة بأي نوع من القرائن فيكون بنيان الظهور مجملا.

هذه نكتة مهمة بخلافه في القسمين الأولين؛ الوضع العام والموضوع له العام، والوضع العام والموضوع له الخاص.

مثلا إذا لم ندر أن المتكلم أي فرد من الرجال أراد، أو أعلم المراد الاستعمالي و لا أعلم المراد الجدي أو أعلم بالمراد التفهيمي ولا أعلم بالمراد الجدي فيعمل بالمراد الاستعمالي عند الشك في التفهيمي وعند الشك في الجدي. أنا شاك في التفهيمي فلأعمل بالمراد الاستعمالي وأصالة تطابق المعنى الاستعمالي والمعنى التفهيمي والجدي وليس لك أن ترفع اليد عن الاستعمالي بمجرد الشك في التفهيمي بل تبني على التطابق. لا أريد أن أدخل في التفاصيل والا التفاصيل موجودة بل أريد نكتة اجمالية لأن المبحث مكانه آخر

ماذا عن القسم الثاني؛ الوضع العام والموضوع له الخاص؟ هل يكون مجملا مثل الاشتراك اللفظي؟ لا يكون مجملا، لأن في هذا النمطين في الوضع أن الإشتراك المعنوي موجود وهو الذي لوحظ حين الوضع وإن كان الموضوع له بخصوصياته مجمل وسيأتي البحث في الصحيح والأعم أنه إذا كان القدر المتيقن يبنى عليه والأصل عدم التقييد. يعني أن شيئا من المعنى في القسم الثاني مجمل.

هذا مهم وهو الذي التبس البحث في الإستنباط في الشهادة الثالثة في التشهد داخل الصلوة ويكون فيه آليات صناعية.

القسم الثاني الوضع عام والموضوع له الخاص ليس اشتراكا لفظيا ولا يمكن أن يقال: أنا لا أبتّ في الاستنباط إلا خطوة خطوة يبينها الشارع، بل أبتّ أن المعنى الوحداني الملحوظ حين الوضع هو المراد والزائد من الخصوصيات فيها الاجمال و لايضرّ في الظهور، بخلاف المشترك اللفظي أن المعنى من العين هل هو العين الجارية أو الباصرة ما أدري.

إذاً الثمرة مهمة بين الاشتراك المعنوى بقسميه و بين الاشتراك اللفظي.

الاعلام جملة منهم استشكلوا في التشهد الوارد في الاذان والإقامة أو الصلوة ويقولون إن هذا مجمل، مع أنها ليس مجملا لأنه ليس من قبيل الاشتراك اللفظي، حتى لو افترضنا الحقيقة الشرعية متعددة الحدود فلن تكون من قبيل الاشتراك اللفظي بل تكون إما من قبيل القسم الأول أو القسم الثاني فعندنا القدر المشترك ولاغبار فيه ويبقى الزائد وهو بحث آخر.

وإذاً خلاصة اليوم أنه عندما نحتمل أن الحقيقة الشرعية في لفظة واحدة هل هي متعددة أو وحدانية ليس من قبيل الاشتراك اللفظي بل من قبيل الاشتراك المعنوي لأنه مردد بين القسم الأول والقسم الثاني. فالظهور موجود وهو المعنى الوحداني المشترك حين الوضع ويبقى فردية الأفراد وهذا بحث آخر.

هذا الكلام حتى في الصلوة وهذا مرتبط بالصحيح والاعم لأن في الصحيح والاعم عند الأعلام معركة الآراء. صلوة الصبح غير صلوة الظهر وهما غير صلوة المغرب و هي غير صلوة الايات وصلوة الايات غير صلوة العيد، هذا لايعني أن طبييعي الصلوة غير مراد ولذلك يجرون البرائة في القيود الزائدة المشكوكة. الصلوة بناءا على الصحيح وضع لهذا ولهذا والموضوع له خاص والوضع عام وهذه نكتة مهمة حتى في بحث البرائة والأصول العملية.

البحث يحتاج إلى إعادة وتوضيح.