الأستاذ الشيخ محمد السند

بحث الأصول

43/04/22

بسم الله الرحمن الرحيم

الموضوع:باب الالفاظ/ الحقيقة الشرعية /ابعاد الحقيقة الشرعية صناعيا

 

كنا في فهرسة بحث الحقيقة الشرعية ومرت بنا جملة من النقاط ينبغي الالتفات اليها؛

۱: إن الحقيقة الشرعية غير مختصة بفقه الفروع بل هي عامة لكل العلوم الدينية.

۲: إن الحقيقة الشرعية غير مختصة بالمركب المجموعي الكل بل تشمل أجزاء المركب و أجزاء الأجزاء وهذا البحث نافع في قاعدة التجاوز و الفراغ وبحث الخلل والبحوث الكثيرة، سواء في الصلوة أو الحج أو الأبواب الأخرى الفقهية، لاسيما بعد الالتفات الى ما هو المعروف من أن العبادات وأبواب العبادات في الحقيقة هي أنواع العبادات وأما اجناس العبادات فهي ماهيات لعمومات فوقية كماهيات جنسية لأنواع العبادات.

۳: النقطة الأخرى هي أن أكثر الأعلام أو الكثير -إن لم يكن جل الأعلام- ذكروا: أن وجود المعاني الشرعية أمر مسلم ومتسالم عليه، سواء بنينا على الحقيقة الشرعية أو لم نبن عليها.

بعبارة أخرى ذكروا: أن الثمرة منعدمة لأنه سواء بني على الحقيقة الشرعية في كلام النبي أو لم يبن عليها، الحقيقة الشرعية في كلمات الأئمة عليهم السلام مسلمة، بل قالوا: لو سلمنا جدلا أن الحقيقة الشرعية في زمن النبي صلى الله عليه وآله ليست مقررة فحمل ألفاظ الشارع على المعنى الشرعي أمر مسلم.

فالبحث في الحقيقة الشرعية من زاوية أن الألفاظ موضوعة أو ليست موضوعة بوضع جديد لا ثمرة له أو بعبارة أخرى إن الثمرة موجودة سواء بني على الحقيقة الشرعية أو لا والثمرة هي تعين أن المعاني الشرعية مرادة للشارع.

(الجعل الشرعي الوضعي بغض النظر عن العلاقة بين اللفظ والمعنى)

شيء من التدبر في هذه النقطة لكلمات الأعلام هو أن الأمر المهم للفقيه في الاجتهاد والاستنباط ليس علاقة اللفظ بالمعنى بل المهم هو الوصول لمدينة المعنى والمعنى المراد بعبارة أخرى أن المهم هو تعيين وتحديد ماهية المعنى.

فإذاً في بحث الوضع أو بحث الحقيقة الشرعية، المبحث الأهم عند علماء العلوم الدينية هو الوصول إلى تحديد المعنى الشرعي. فإذا عبر الأعلام هنا بالمعنى الشرعي فلاربط له باللفظ.

قال الأعلام: إن الثمرة التي نتوخاها لا تنحصر ولا تقتصر على العلاقة بين الألفاظ والمعنى، سواء العلاقة الحقيقية أو المجازية بل المهم أن المتعين وجود وإرادة المعني الشرعية.

هنا الوقوف والتدبر الصناعي: إذاُ وصف الأعلام المعنى بأنه معنى شرعي بغض النظر عن علاقة اللفظ به. وصف بأنه شرعي يعني أن هنا جعلاً من الشارع للماهية.

لمّا يعبّر أن المعنى الشرعي والمعاني الشرعية متسالم على أنها مراد الشارع بغض النظر عن اكتشاف العلاقة بينها والألفاظ وتنقيح العلاقة لا يؤثر على أن مراد الشارع هي المعاني الشرعية، فإذا وصفوا المعاني بأنها شرعية فالشرعية يعني الجعل بالجعل الوضعي وليس جعلا تكليفيا.

لذلك الصحيح وربما خلافا للناييني والعراقي والكمباني وتلاميذ هؤلاء الثلاثة ووفاقا لأحد تلاميذ الآخوند سيد علي نجف آبادي أستاذ أستاذنا السيد علي فاني أن بحث الحقيقة الشرعية وبحث الصحيح والأعم دليل على أن الاعلام ارتكازا متسالمون ويبحثون عن جعل وضعي -وليس تكليفي- في ماهيات المركبات أو الماهيات المأخوذة في الأبواب الفقهية، لذلك يعبرون بالمعاني الشرعية يعني أن الجعل موجود.

فهنا بدأنا بعالم المعنا وخصوصيات منظومة المعنى كما مر بنا الإشارة إلى أن الصحيح والاعم عبارة عن تدقيق صناعي تحليلي أصولي من الأصوليين وما ادراك ما هو التدقيق؟ مداقة مجهرية ورتبوا على هذه المداقة المجهرية في المعاني الشرعية ثمرات عديدة في خلل الصلوة وخلل الحج وخلل المركبات في المعاملات وهذه البحوث لا ربط لها في اللفظ نفسه أو علاقة اللفظ والمعنى بل بالدقة مرتبطة بالمعنى في نفسه.

أولا عبروا عنها المعاني الشرعية وثانيا عبروا عنها بالتركب الصحيح والأعم وهذه البحوث المعقدة ليست من باب التفنن الصناعي بل عليها ثمرات عديدة مثل الجزء المستحب وثمرات عديدة في الجزء المستحب والشرط المستحب ورتبوا عليه آثار في العبادات والمعاملات كما أن الأجزاء أنماط؛ أركان وغير أركان سواء في العبادات أو المعاملات.

لماذا نتوقف تدبرا وتأملا وتمعنا في فهرسة الأعلام ومشيهم الصناعي؟ لكي يتبين أن التدقيق في المعنى التحليلي ليس بإستحسان وهلوسة بل شواهد عليه وتترتب عليه آثار.

في المكاسب المحرمة من بداياتها إلى بحثنا الان رتبنا آثار عديدة على الصحيح والأعم كما أنه كيف نحدد موضوع أدلة الصحة في المعاملات وموضوع أدلة اللزوم والخلل في العقود والايقاعات.

فإذا لا ينقح هذه المباحث لايمكن الاستنباط فالتحليل والتدقيق المجهري والصناعي هو الاستنباط والاجتهاد وهذا ليس من الصحيح أن نجريه في مكان دون مكان، سيما في المسائل المهمة والخطيرة أما أن نجعل الظهور جموديا وفقط نتمسك بالألفاظ وإجمال المعنى هذا شغل الرواة وليس شغل الفقهاء بل شغل الفقهاء التدقيق في المعاني في علم الفقه أو في علم الكلام والتفسير أو غيرها من العلوم.

في مقامات أهل البيت لابد أن ندقق ونتدبر في المعنى لا فقط في الألفاظ. في علم البلاغة أول علم أهم من علم البيان هو علم المعاني. علم البيان إثباتا لكن ثبوتا أول العلوم علم المعاني. فإذاً التحليل في المعنى هو الاجتهاد وهو الفقاهة طبعا طبق الموازين والشواهد.

لذلك في المبحث التالي عند الاعلام معركة الآراء وطبعا طبقا للموازين والشواهد وهكذا يتم الاستنباط بهذا التدقيق. فالاجتهاد ليس جمودا على الألفاظ المعينة بل تحليل المعاني. مسير الاجتهاد ليس مختصا بلفظ واحد بل يمكن أن يستبدل بلفظ آخر مثل كلام الأعلام عسى أن يكون الحقيقة الشرعية غير ثابتة والمجاز مسلم لكن المعني الذي أراده الشارع معان شرعية وليس معان لغوية بل جعل شرعي ثم لايكتفون بها فيبحثون ويحللون ولذا يدخلون في بحث الصحيح والأعم.

كذلك في الأحكام المعلقة والشرط المتأخر والشرط المقارن والشرط المنجز والعيني والتعيني هذه التحليلات ما تلفّظ بها لكن استكشفه الأعلام.

«لولا نفر» يعني هاجروا ليرووا وليأخذوا الرواية وهذا ليس كل شيء. «نفر» كناية عن الرواية عن النبي وأهل بيته عليهم السلام أو الحواضر الخازنة لتراثهم. لكن هذا مقدمة والغاية فهم الرواية وليس فقط رواية الرواية. «ليتفقهوا» يعني ليتفهموا. فالمقصود أن هذه الجنبة التحليلية في الاستنباط ضروري أن ننبه عليها.

(الحقيقة الشرعية معنى منقول ليس بمرتجل)

النقطة المهمة الأولى: إن مراد الأعلام من الحقيقة الشرعية وجعل الشارع للمعنى ليس مرادهم من وجود الحقيقة الشرعية أن هناك تباينا تاما وكاملا بين المعنى الشرعي والمعنى اللغوي.

هم بحثوا في علم الأصول وعلم البلاغة وحتى علم المنطق أن هناك وضع جديد؛ تارة مرتجل وتارة منقول ومقصودهم من النقل يعني أن المعنى الجديد له مناسبة مع المعنى القديم فمرادهم من الحقيقة الشرعية يعني شبيه المعنى المنقول لا المرتجل.

النقل في اللغة ولو هذا التعبير يوهم أن المعنى الأول هجر وقطعت العلاقة بينه وبين اللفظ لكنه ليس مرادا. نعم، يمكن في بعض موارد النقل أن يكون هكذا لكن أكثر وجل موارد النقل يبقى المعنى الأول ولايهجر ولايقطع العلاقة بينه وبين المعنى الثاني وإن يكون المعنى الثاني او المعنى الأول أكثر استعمالا.

فالمراد من النقل ليس هجران وقطع العلاقة تماما بين اللفظ والمعنى، لذلك الصلواة دعاء أو انعطاف نحو الرب وهذا موجود كجنس في الصلوة وماهية جنسية فيها. كل معاني الصلوة والصوم وغيرها بالدقة أصل المعنى اللغوي موجود في المعنى الشرعي مع الزيادة وثم هذا المنقول ليس بمعنى قطع المعنى الأول عن اللفظ. بالتالي المعنى الأول لا هجر و لا قطع والمعنى الثاني ليس مباينا، بل نوع من أنواع المعنى الاول

(التغيير القليل في المعنى يسبب وضعا جديدا)

النقطة الثانية في الحقيقة الشرعية أنه قال اللغويون وعلماء البلاغة: إن تغيير حدود المعنى اللغوي سواء بالمعنى اللغوي أو المعنى الشرعي بقدر رأس الأبرة ضيقا أو توسعة يسبب وضعا جديدا، فضلا عن تغيير ثلثه أو تغييره من الجنس الى النوع أو من النوع الى الصنف والصنف الى صنف اخر، كل هذه التغييرات التي تجري عل المعنى هي وضع جديد فلا نتوقع من الحقيقة الشرعية أن يكون هذا المعنى مباينا من المعنى اللغوي بل منقول وإذا كان منقولا فالتفاوت يمكن أن يكون قليلا.

(ثمرة النقطتين السابقتين)

ثمرة هاتين النقطتين هي النقطة الثالثة: إذا كان معنى الحقيقة الشرعية عدم هجران المعنى اللغوي وإذا كان غالب موارد الحقيقة الشرعية والمعاني الشرعية من باب المنقول وليس من باب المرتجل، إذا كان هكذا فالثمرة هي أنه يتعبّد بمقدار ما غيّر الشارع من المعنى والباقي يبقى على نفس خصوصيات المعنى اللغوي. معنى اللغوي جنس لهذا المعنى الشرعي والمعنى الشرعي نوع للمعنى اللغوي والمعنى اللغوي باق كجنس للنوع فخصوصياته اللغوي ونكاته اللغوي تبقى لكن بنحو ضيّق.

ماهية المعنى اللغوي باقية وهذا ما دأب عليه صناعيا الأعلام. مثلا الناييني في تحديد معنى الركوع أخذ المعنى اللغوي بالدقة، غاية الامر أن الشارع أخذ فيه قيودا وصار حقيقة شرعية لكن المعنى اللغوي باق على حاله بنحو ضيق أو وسيع لا أن المعنى اللغوي أبيد وترك وهجر تماما. فمازال أنت يجب أن تستعين بالظهور اللغوي ولو في زوايا من المعنى.

هذه نكتة صناعية مهمة: أكثر من هذا أذكر لكم. أيضا هذا التغيير الذي أحدثه الشارع، أحدثه بألفاظ لغوية عربية، فالقيد الذي أدخله الشارع في المعنى اللغوي ثم ألف منه الحقيقة الشرعية، قد نستدل بالمعنى اللغوي ولانقول هذا مبهم. هذا الجزء كحقيقة شرعية أو لغوي وإذا كان حقيقة شرعية لابد أن نصل الى المعنى اللغوي. هذا معقد وليس واضحا.

لابد أن يرجع الى اللغويات غاية الأمر تركبت بين اللغويات والشارع ركّب بين المعاني اللغوية، فإذاً المعنى اللغوي غير مهجور تماما لا بلحاظ أصل اللفظة ولابلحاظ ألفاظ أخرى.

لماذا نشدد على نقل هذا المطلب من الأعلام لأن كثيرا من الأعلام في يوميات الاستنباط غفلوا عن المعنى اللغوي بل لابد من ذلك، غاية الأمر تركيب المعاني اللغوية مع بعضهم البعض. هذا في يوميات الاستنباط مبتلى به.

بعبارة أخرى أن الحقيقة الشرعية أولا ليس تغيير أصل المعنى غالبا أو دائما بل التغيير بالتضييق أو بالتوسعة وبعد هذا التغيير لانقطع التعلق والاستظهار والاستنباط من المعاني اللغوية وثلاثة أيضا هذا التغيير بالمعاني اللغوية حقايق شرعية والحقائق الشرعية تعول إلى الالفاظ اللغوية، فالشارع في جعوله الوضعية والقانونية يستخدم اللغة العربية وتراكيب المعنى اللغوية فلامحالة في حلقة حلقة وجزء جزء لابد أن تلتفت إلى المعاني اللغوية.

الحقيقة الشرعية لايعني أن يترك المعنى اللغوي تماما. هذا البحث صدقوني هو بحث مسيري في بحث الحقيقة الشرعية وذكروه في الفقه وما ذكروه في الأصول والأحرى أن يذكروه في الأصول.

ناييني رحمه الله هو أستاذ أعلم في الحوزة يتابع بحثا واحدا في لباس المشكوك ثلاثين سنة بالدقة وهذا هو الدقة. ثلاثين سنة كان يتابع بحثا واحدا وهناك نبه على هذه النكات كأشياء ركنية. وأجبر كل من بعده الاصفهاني والعراقي أن يكتب في اللباس المشكوك. كله تحليلي وليس جموديا على الالفاظ.