43/04/04
الموضوع:الوضع
كنا في بحث الدلالة وربما جعلها بعض الاعلام ثلاث ( تصورية واستعمالية وهي التفهيمية ، وجدية ) ولكن المشهور انها أربعة ـ ان لم يكن أكثر ـ بالتفريق بين التفهيمية والاستعمالية .
المشهور ان الدلالة التصورية دلالة وضعية وعند جماعة ـ الذين يلتزمون بأن الوضع وضع لأرادة المعنى ـ فتكون الدلالة تصديقية اما دلالة استعمالية أو تفهيمية فالدلالة التصورية عندهم ليست وضعية وان الاستعمالية والتفهيمية هي دلالة وضعية ، وستأتي بعض الشواهد على صحة ما ذهب اليه المشهور حتى ارتكازاً عند السيد الخوئي .
فالدلالة التصورية هي التداعى بين اللفظ والمعنى ولو صدر اللفظ من متكلم غير شاعر كالتسجيل وغيره فهذا التلازم بين اللفظ والمعنى الوضعي .
اما الدلالة الاستعمالية فهي نوع من إعمال الفظ للدلالة على المعنى سواء المعنى الوضعي او المجازي او الكنائي أو غيره فارادة إعمال اللفظ للدلالة ، هذه الإرادة استعمالية ، والدلالة بالتالي تكون استعمالية .
مثلا في المجاز من الواضح الاختلاف بين الدلالة التصورية ، والدلالة الاستعمالية .
أستدراك : المجاز السكاكي
السكاكي لا يوجد عنده مجاز لغوي لأنه المجاز اللغوي يعني استعمال اللفظ في غير ما وضع له كأستعمال لفظة (الأسد ) في ( الرجل الشجاع ) واما اذا استعملت لفظة ( الأسد ) على ( الحيوان المفترس ) ثم اطبقها في مقام الجد أو التفهيم أُطبق هذا ( الحيوان المفترس ) ادعاءاً من باب المجاز العقلي أطبقها على الرجل الشجاع ، فلا يكون مجاز لغوي لأنه استعملت اللفظة فيما وضعت له ، ثم أخذت المعنى وألبسته الرجل الشجاع ، فهذا التطبيق نوع من جعل اللباس له فهنا ترتبط بعالم المعاني لا بعالم اللفظ .
هذا اختلاف علم المعاني عن علم البيان ، فدور ( علم المعاني ) بعد عبور السامع او المتكلم من اللفظ الى المعنى فالعلاقة بين طبقات المعنى دور ( علم المعاني ) ولذلك سمي علم المعاني [[1] ]
فعلم المعاني هو بعد ان تتجاوز اللفظ الى المعنى وتنتقل من طبقة معنى الى طبقة معنى أو نفس الطبقة بينها خصائص تركيب المعاني هو علم المعاني ولذلك هو ثمانية أبواب ( إسناد ، مسند ، مسند إليه ، حصر ، انشاء ، إخبار )
بينما علم البيان هو العلاقة بين اللفظ والمعنى في الاستعمال فكونه مجاز عقلي او لغوي مرتبط بعلم البيان وقد أنكر السكاكي وجود المجاز اللغوي وان كل المجازات التي تدعى هي مجازات عقلية ، وهذا يعني ان الاستعمال دائما يكون حقيقي ، وهذا يعني ان كل الاستعمالات في اللغة المعنى الاستعمالي كلها حقيقية وهذا غير المعنى الجدي او التفهيمي بل هما يكونان مجاز ولكن المعنى الاستعمالي حقيقي.
دليل السكاكي :
انه اذا استعملنا اللفظ في غير المعنى الموضوع له ، فينتقض الغرض من الاستعمال المجازي لأن الغرض هو أن أوجد وجه شبه بين المعنى الحقيقي ( شجاعة الأسد ) والرجل الشجاع ، فاذا استعملت لفظة الأسد في الرجل الشجاع فالغرض من الإضاءة تركيز الذهن على شجاعة زيد بتوسط (أسودية الأسد ) سينتفي فيكون عديم المعنى ، بينما اذا استعملت لفظة الأسد في الحيوان المفترس ثم اعديت ـ على صعيد ما بعد الاستعمال ـ ان هذا المعنى الاستعمالي من الحيوان المفترس لباس لزيد ( كصورة نوعية أو صنفية) فيكون جمال بديع في البيان .
هذا عمدة استدلاله ووافقه كثير من الاعلام من الفريقين لأنه نلمس في المجاز طراوة تصوير وتخيل في المجاز العقلي عند السكاكي الذي هو مجاز في المعنى التفهيمي أو الجدي وليس في المعنى الاستعمالي ، وأما الاستعمال المجازي اللغوي الذي يدعيه المشهور فهو عديم المعنى والروعة .
والصحيح : ان كلا الوجهين ممكنين لأنه لما نستعمل اللفظة في غير ما وضعت له فاذا كان الذهن ينقطع عن المعنى اللغوي والوضعي تماما فكلام السكاكي وارد وصحيح ، لأن لفظة الأسد استعملت في الرجل الشجاع واما صورة الحيوان المفترس فلا تكون في البين فاذا كان انقطاع من اللفظ عن المعنى اللغوي تماما فكلامه متين ، ولكن بالتالي هذا المعنى الاستعمالي اللغوي المجازي لا ينقطع اللفظ عن تداعي تصور المعنى الوضعي التصوري ، فالتصوري موجود فكأنما اللفظة التي هي وسام للحيوان المفترس أصبحت وسام للرجل الشجاع ، ووجه المناسبة إشتراك الشجاعة بينهما ، فبقي جو المعنى موجود ، وما يذكره السكاكي من تصوير متين ومستعمل كثيراً وهو نوع من البراعة من التحليل عند السكاكي ، ولكن أنْ ينحصر الاستعمال لا ينحصر بالمجاز العقلي ويكون الاستعمال دائما حقيقي فليس صحيحا بل يمكن ان يكون الاستعمال مجازي وتبقى البراعة والعذوبة والتصوير الرائع موجود باعتبار انه يتواجد تداعي المعنى التصوري فكأنما شبهت الحيوان المفترس بالرجل الشجاع فيكون نوع تشبيه بين التصور والاستعمال والمقارنة وبالتالي يحدث هذا التصوير والتشبيه والمقارنة فبالتالي ما أراده السكاكي موجود وهو يقول انه موجود بين المعنى الاستعمالي والتفهيمي والمشهور يقول انه بين المعنى التصوري والاستعمالي .وبالتالي على المجاز اللغوي او العقلي هناك مقارنة بين المرحلتين ، فالصحيح وقوع كلا المجاز اللغوي والعقلي السكاكي كلاهما بكثرة ، والضابطة انه اذا كانت القرائن من قرائن الجد أو التفهيم فيكون المجاز عقلي سكاكي ، واذا كانت من قرائن الاستعمال يكون من المجاز اللغوي .
هذا تمام الكلام في المجاز السكاكي نعود الى أصل البحث .
عود الى البحث .
علماء البلاغة ميزوا بين مراحل التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي وربما الجدي مراتب ، وميزوا بموارد من الاستعمال مثلا ( زيد كثير الرماد) فالمعنى التصوري كثرة الرماد وإستعملتها في كثرة الرماد لا استعمال مجازي ( وفرق بين الكناية والمجاز فالكناية طبيعتها زئبقية ومترقصة ومتذبذبة بين الاستعمال الحقيقي والمجازي ـ وتسمى التعريض ـ ولا هي متعينة استعمال حقيقي ولا مجاز لغوي بل محتمله للأمرين، فطبيعتها ان تُري السامع انَّ المتكلم يُحتَمَل ان يستعمل استعمال حقيقي ويحتمل ان يستعمل المجاز لغوي وكأنما تذبذب بين المجاز السكاكي واللغوي فطبيعة الكناية هكذا ونفس باب الكناية دفع على عدم الانحصار بالمجاز السكاكي ).
ولكن المعنى الكنائي الذي يريد ان يبينه هو ( كرم زيد) وهو المعنى التفهيمي فاختلف المعنى التفهيمي عن المعنى الاستعمالي والتصوري فصار عندنا ثلاث معاني .
والمعنى الجدي أنه لا يريد الاخبار عن كرم زيد بل يريد التعريض بزيد وأنه بخيل فيريد أن يستنقصه بالمدح وكما يقال المدح لأرادة الذم ، وهو يبين تعدد التصوري والاستعمالي والتفهيمي والجدي ، فلا يمكن انكار رباعية المراحل ، أو على العكس يستعمل الذم في مقام المدح أيضا تحصل رباعية مراحل .
يجب الالتفات الى أن علماء البلاغة والأصول بينو ان هناك دلائل وشواهد وقرائن مرتبطة بالوضع ، وهناك قرائن مرتبطة بالاستعمال ، وهناك قرائن مرتبطة بالتفهيم ، وهناك قرائن مرتبطة بالجدي ، ولكن كيف نميز بين هذه القرائن وهذا امر مهم جدا .
وكذلك المعنى الجدي عند فحول الفقهاء والاصوليين والمفسرين ليس مرتبة واحدة بل هناك جدي أول وثاني ونهائي فهو قابل للتعدد بحسب مراتب القرائن ، اذن مراحل الدلالة لا تنحصر بالاربعة بل قد تكون سبع مثلا واحد مخارج وفذلكات الحديث ( ان كلام اهل البيت استعمل في سبعين بطن ) انه من باب استعمال اللفظ عرضا في سبعين معنى ، او في سبعين وجه طولي أي استعمالي وتفهيمي وجدي وجدي اول ... ، او انه استعمل في معنى ولوازم المعنى الجدي وهي عرضية للجدي غير الجدي المترامي . فالحديث له عدة فذلكات ووجوه .