43/04/02
الموضوع: الوضع /وضع المركبات / وبنيوية الظهور وضع المركبات
وصل بنا الكلام الى ( وضع المركبات ) والمقصود به لما يقول المتكلم ( زيد ضارب ) جملة أسمية فالجملة الاسمية هي هيئة ، او الجملة الفعلية ( يصارع زيد هواه ، أو يغالب زيد نفسه ) فيا ترى في الجمل التي هي هيئة غير مرئية سواء كانت جملة اسمية او فعلية ، او مثلا هيئة ( مغالب لهواه ) على وزن مفاعل من غلب ، فهيئة مفاعل مع ( غين ، ولام ، وباء ) لها كم وضع ؟
المعروف عند اللغويين ان المادة لها وضع والهيئة لها وضع ( سواء كانت هيئة افرادية او تركيبية ناقصة أو تركيبية تامة ) فالوضع نوعي للهيئة بلحاظ المواد نوعي ، أي مادة من المواد تستطيع أن تؤلفها في هذه المواد سواء هيئة فردية او هيئة تركيبية ناقصة او تامة ، ومر ان الهيئة التركيبة التامة ليس المراد به الجملة البسيطة فقد يكون هناك جُمل مركبات كما في الجملة الشرطية فإنها عبارة عن تركيب بين جملتين وهذا التركيب لا يختص بالجملة الشرطية بل حتى إعراب الجمل أي كل الجملة بمثابة مفرد يُعرَب ، ويعمل فيه مفرد آخر أو جملة أخرى ، وهذا ترابط الجمل بعضها مع بعض وهو بحث مهم في الاستظهار او في علم النحو وفي علم اللغة .
فالهيئات قد تكون تركيبة مركبة او تركيبية تامة او تركيبة ناقصة أفرادية والهيئات عموما لها وضع عام والموضوع له عام ، ولا تختص بمادة معينة ، وكذا المادة سواء كانت المادة الاسم او شيء خام والتلفيق بين المواد والهيئات لا يحتاج الى وضع جديد ، ومن ثم يقولون المركبات ليس لها وضع ثالث أي جديد بل يكفي الوضع النوعي في الهيئات والمواد . وهذا لا غبار عليه وليس شيء معقَّد .
فائدة :
ضروري التدقيق في التفريق بين علم الاشتقاق وعلم الصرف ، ودور كل منها (فبينهما تقارب شديد ) كما الفرق بين علم النحو والصرف ما هو ؟ ولماذا ذكرنا هذا هنا ؟
ذلك باعتبار ان الاشتقاق وضع ، والصرف وضع ، والنحو وضع ، واللغات المفردة في اللغة ـ كلسان العرب وصحاح الجوهري ـ وهو وضع المادة ، والنحو وضع الهيئة التامة أو الناقصة ، والصرف وضع الهيئة المفردة ، والاشتقاق هو وضع المادة أو الهيئة من جهة أبعاضها فعلم المفردات اللغوية كلسان العرب يقول ( ضرب ) ( ضاد راء باء ) ووضعها هو هذا ، وعلم الاشتقاق يقول ( ضرب ) ما هو معناها و ( راء ، وباء ) ماهو معناها فهي أقل من ( ضرب ) أو معنى ( رضب مع ربض مع ضرب ) ما هو ؟ فانه لدينا خمسة أنواع من الاشتقاق إما بلحاظ المادة وترتيبها وغيرها .
المهم ان الاشتقاق هو وضع المادة او الهيئة الافرادية من أبعاد غير علم الاشتقاق وغير علم المفردات وهو الان نسي .
ان الاشتقاق يعني أن ( رضب مع ربض مع ضرب ) لابد أن يكون بينها إشتراك معنوي فهناك خمس أنواع ـ لا أقسام بل مقاسم ـ من الاشتقاق ( اشتقاق كبير كبار وسط صغير أصغر ) مثلا ضرب على وزن (فعل ) وأي مادة أخرى تأتي على وزن ( فعل ) لابد أن يكون بينهما اشتراك ، واذا كان اشتراك بين حرفين كضرب مع ضرر أو مع رب فالاشتراك هنا بحرفين واذا كان رباعي الحروف يكون الاشتراك في ثلاثة حروف هذا نوع من الاشتقاق .
وورد في الروايات ان هناك اشتراك بين اليتيم وأمم اشتراك معنوي .
وربما عن طريق علم الاشتقاق يستطيع الانسان أن يصل الى اللغة الموحدة بين البشر بحيث اذا اتقن تلك
اللغة يفهم كل لغات العالم او بعضها .[[1] ]
مبحث آخر : احد مباحث استعمال الفظ في المجاز هل هي بالطبع او بإذن الواضع ؟
وهذا العنوان لو ابدلناه بعبارة أوضح لكان أفضل لأن فرض المسألة في أي علم من العلوم ، أهم من الاستدلال في المسألة ، أي أصل السؤال في تلك المسألة موضوعها ومحمولها والبعد التصوري فيها أخطر من التصديق فيها ، لأنه قد يخوض الانسان بشكل عشوائي بالنقض والابرام ولا يلتفت الى بيت القصيد منها والغاية من البحث وماهو فرض المسألة .
وهنا ما هو المراد من كون الاستعمال مجازي بالطبع بالذوق او بشرط الوضع ؟
يمكن أن نحتمل في المسألة عدة احتمالات :
الأول : ـ ان الاستعمال المجازي باعتبار كونه ممارسة لغوية لابد له من ضوابط وموازين كما في الاستعمال الحقيقي له ضوابط وموازين وهو الوضع كذلك الاستعمال المجازي لابد له من ضوابط ، او يقال ليس له ضوابط وموازين بل ضابطته استحسان الطبع .
الثاني : ويمكن شرحه بهذه الطريقة انه كما مرَّ بنا ان علوم اللغة ليست محصورة بواحد والجهود التي بذلت على علم اللغة العربية لم تبذل في غيرها باعتراف دولي فمثلاً اللغة الإنكليزية ليس لها ضبط تجويدي ـ وهذا خطأ ـ وكلما تغيرت اللغة الجلفية تغير التجويد عندهم فما هو الحرف الذي ينطق وما الحرف الذي لا ينطق ؟! والمعروف ان أفشل اللغات حسب اعتراف مراكز الدراسات الاستراتيجية اللغوية الدولية هي اللغات اللاتينية والإنكليزية بمعنى ان إنضباطها ليس بالمستوى المطلوب فلا تصلح لأن تكون لغة علوم ، وأضبط لغة للعلوم هي اللغة العربية ، ولعل أحد أسباب ذلك ـ مضافا للجدارة الموجودة فيها ـ هو تراكم الجهود في علوم اللغة على اللغة العربية ، وعندما يقال ان للغة العربية عشرة علوم او خمسة عشر علم ( كعلم الصرف والنحو والاشتقاق ، والمفردات علم فقه اللغة ونحت اللغة وعلم المعاني البيان والبديع وعلم الموسيقى اللغوية ) عندما يقال علوم يعني ضوابط وقواعد ، وهذه القواعد هي أيضا وضع من الأوضاع في اللغة مثلا قواعد التجويد هي وضع بالتالي انضباط ، او علم المعاني وقواعده أيضا وضع ، وكذلك الاستعمال المجازي المتولد من علم البيان أيضا قواعد علم البيان وضع وضوابط ، كما في علم النحو يستكشف قواعد النحو فعلماء النحو ليسوا هم المؤسسين لقواعد علم النحو بل هم مستكشفين لها حيث أنهم يلاحظون نظام اللغة كيف هو فيقننون قواعد علم النحو والذي فتح الباب لعلوم اللغة كلها كلام أمير المؤمنين × لأبي الأسود الدوئلي [[2] ]
اذن كل علمٍ من علوم اللغة هو استكشاف قواعد من ناحية فهذه اللغة تديرها شبكة قواعد علمية معقدَّة يحاول علماء كل علم من علوم اللغة استكشافها وتشكل منظومة فقه اللغة ، وعلم المعاني في اللغة ، علم البيان في اللغة ، وعلم البديع في اللغة وعلم الاشتقاق في اللغة .
فاللغة عبارة عن مجمع منظومات علوم ولذلك امتن الله على الانسان { الرَّحْمَنُ * عَلَّمَ الْقُرْآنَ * خَلَقَ الإنْسَانَ * عَلَّمَهُ الْبَيَانَ } [[3] ] فالبيان منظومة مهولة .
فعلم اللغة عبارة عن مجمع علوم منظومة وهذا البحث نتوسع به في بداية علم الأصول لأنه هو البنية لحجية الظهور في الحجج والمراد بها ان بنيويات الهور ما هي وليس بنية واحدة وليس بنيان عرفي للبقال او عموم الناس او العلماء بل بنية الظهور شيء معقد بقواعد من منظومات علوم استطاع الوحي ان يستثمرها بقدرة يعجز البشر عن استثمارها وهو معجزة بلاغة القرآن ، فمعنى معجزة القران هو استعمال الباري تعالى لقواعد ومنظومات علوم اللغة العربية بدرجة يعجز عنها البشر وحتى في القرآن درجات من البلاغة فدرجة بلغة المحكم تختلف عن المتشابه و ابلغ آية في القرآن الكريم كذا ...
لم يتحدى الباري تعالى في التوراة والانجيل وغيرها من الكتب السماوي البشر في بلاغته بل هذا شيء حصري في القران الكريم .
إذن أحد معاني الاعجاز البلاغي في القران هو أن بنيويات الظهور في بُعد المعاني ، وبعد البيان ، والاشتقاق ، والنحو ، والصرف ، وفقه اللغة ، ونحت اللغة ، وموسيقى اللغة نسقَّها واستثمرها القران بدرجة يعجز عنها الاخرين .
فمعنى الاعجاز في بلاغة القرآن يعني ان بنية الظهور لا توكل للبقال ولا للعلماء بل لعلوم اللغة ، نعم أبناء اللغة والحاملين لها ارتكازاً هم حاملين لها ، فلما يقال ظهور عرفي ليس المراد منه تحكيم قدرة فهم العلماء فضلاً عن قدرة فهم عوَّام الناس بل بمعنى ان العلوم الموجودة عند عرف اللغة هي المحكمة ، نعم القرائن الحالية العرفية قد تراعى او لا تراعى بحسب الكلام الصادر .
اذن هذه نكتة مهمة اذن وهيان تحليل صغريات الهور من اجل الالتفات الى أن صغرى حجية الظهور هي هذه العلوم وليست قدرة العرف على فهم متن من متون العلوم لا قدرة العلماء فضلا عن قدرة العرف .
نعود لما ابتدأنا به وهو : هل الاستعمال المجازي هو بمقررات من وضع اللغة أو هو بالطبع ؟
قال علماء البيان أنَّه مقررات ، أي مقررات علم البيان اذ فيه قواعد تستكشف وليس همجية عشوائية اذ معنى علم البيان هو هذا فنون الاستعمال في إيصال المعاني فيبحث المجاز والكناية وبحوث خطيرة في الاستنباط فما هو معنى الكناية وبتصريح ان البيان في بعثة سيد الأنبياء بني كُله على الكناية يقول امير المؤمنين × :
( فبعثه الله بالتعريض لا بالتصريح ) [[4] ] والتعريض هو نوع كناية او أعم منها لأن البيان بتوسط الكنايات أعظم أفقاً وسعة من الكلام بالتصريح .
فلاحظ ان علم البيان ضوابط لا عشوائية وهذا معناه اشتراط الوضع .
وذهب جماعة ـ كصاحب الكفاية وكثيرين الى السيد الخوئي ـ ان بالطبع ، والصحيح انه بكليهما بشكل طولي الأصل فيه مقررات وقواعد اذ لما يقال علم البيان علم من علوم اللغة يعني أنَّ فيه منظومة قواعد وضوابط فمعنى العلم هو الضوابط والوضع لكيفية الاستعمال والبيان فبهذا اللحاظ فحتى الاستعمال المجازي ضمن ضوابط ومقررات لا عشوائية هذا من جانب صحيح ومن جانب آخر ان الطبع يعني ان تطبيق القواعد يحتاج الى ذوق وطبع .
اذن فليس طبع محض وليس مقررات قواعد معادلية بل مزاوجة بين الاثنتين كما في وضع المركبات فلا هو طبع محض بل طبع واستذواق في التطبيق وأصله والبنود الكلية فيه قواعد موضوعة مقررة هذا هو الصحيح في ان الاستعمال المجازي بالوضع او الطبع وهذه المباحث تذكر لأجل الابتلاء بها في يوميات الاستنباط.