الموضوع: الوضع/الاخبار والانشاء الدرس/أسماء الاشارة .

مر بنا أن كلاً من الانشاء والاخبار مطابقة يتضمن إخبار أو إخبارات وأنَّ لهذه المدليل الخبرية في الانشاء دور مهم وأثر في ترتيب آثار الانشاء على الانشاء ، فهذه المداليل الانشائية غير المطابقية لها تأثير بير في ترتيب الاثار على الانشاء بل ونفس المداليل الخبرية لها إنشاء .

ولاحظوا مثلا في باب ( الإقرار ) أو ( الأقارير ) جمع إقرار هناك ممشى ربما شائع عند جو علمي معين في الحوزات العلمية أن المفاد المطابقي هو الحجة وأما المفاد الالتزامي ربما لأن الطرف لم يستبينه فليس بحجة فالمدلول لا يقتصر الظهور في حجيته على المدلول المطابقي بل يتوسع بل ربما يكون هو العمدة في المدلول الالتزامي بلغ ما بلغ ولو ترامى او خفي لذلك في باب الاقرار او الاقارير عند الفقهاء يؤخذ بإقراره ولوازمها بلغ ما بلغ بل وإن قصد عدمها أو جهلها فإنها تلقائياً مترتبة فحجية الظهور نعم بالنسبة لغير الفقهاء وأما مبتدئي البحث في الاجتهاد والاستنباط فلا يتسع لهم الاستظهار إلا بحدود سواحل الحدود المطابقي وشيئا ما المدلول الالتزامي أما أنه يغوص ويستخرج كتاب ـ مجلد ـ كامل من جملة ( لا تنقض اليقين بالشك ) فهو صعب جداً عليه فمثلا كتاب المكاسب للشيخ الانصاري في كتاب البيع لم يأتي الا بنصوص قليلة ولكنه كان يذكر تحاليل كثيرة فرواية الحديث تختلف عن دراية الحديث فالرواية والجانب المطابقي هو عمل الرواة وأعم بها من دور ، وليس دور فقهاء الراواة ( فلولا نفر من كل فرقة ) لنفروا الى مركز الوحي ـ وفي زماننا الى آثار الوحي من الثقلين ـ أي ليرووا ولكن هذا مقدمة لما بعده وهو ( لتفقهوا ) فهناك فرق بين الفقيه وغيره فالفقيه هو الفهيم .

الشيخ جعفر كاشف الغطاء في بحث المعاطاة ينقل عنه الشيخ الانصاري أنه لو لم تكن المعاطاة تستوجب البيع الصحيح للزم سبع محاذير في سبع أبواب .

وهذا بسبب التحليل الذي قام به الشيخ كاشف الغطاء لا من باب وجود النص فالمسابقات العلمية بين الفقهاء هي بالتحليل لا أن يجمد على النص لذلك ذكرنا في مباحث الاجتهاد والتقليد في الدورة السابقة ـ الثانية ـ ان مدرسة النص تعني مدرسة الوحي ولا تعني مدرسة النص الالفاظ فقط بل تعني الوحي سواء الالفاظ بحور معاني لا متناهية والكثير يشتبه ويتصور أن مدرسة النص معانها مدرسة الالفاظ بل هي مقابل مدرسة الرأي المبتدع والمخترع وإلا اذا كنا نجمد على الالفاظ ولا نغوص بسفن الفهم الموزون في بحور المعاني وإلا فما الفرق بين عشرين مجلد من الوسائل وبين 45 أو 60 مجلد من الطبعة الجديدة من الجوهر فان الفرق هو بحث التحليل فحديث تدريه خير من ألف حديث ترويه .

ان هناك تشدد باسم العلم ـ وهو ليس بعلم ـ في ان نقتصر على الجانب الروائي والالفاظ ، باسم التأصيل والحال إنه تسطيح وليس أصولية في مقابل الإخبارية بل هو قشرية حشوية .

اذن الانشاء فيه مداليل خبرية وفي باب ( الاقرار والوصايا والاوقاف ) لم يحصروا حجية الظهور بالمطابقي أبدا بل لا تقف حجية الظهور عند حد بل يؤخذ بملازمات الظهور وإن جهلها بل وإن قصد عدمها .

وكذلك العكس فالاخبار يتضمن إنشاءات لا حظ قوله تعالى { إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ قَالُوا نَشْهَدُ إِنَّكَ لَرَسُولُ اللَّهِ } فقولهم ( نشهد ) انشاء لأن ندخل في الإسلام او نقر ونلتزم بدين الإسلام الذي جاء به سيد الرسل ، اذن الشهادة ليست أخبار بل متعلقها اخبار ، فاذا كان القاضي لا يلتفت فلا يفكك بين جهة الاخبار في الشهادة وجهة الانشاء فيها ، ولكن لاحظ كيف أن الله تعالى يفكك { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ } فمتعلق الشهادة واقعي لا ترديد فيه ، { وَاللَّهُ يَشْهَدُ إِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَكَاذِبُونَ} [[1] ] في إنشائهم مع انه إنشاء فكيف يكون في الكذب ؟ لأن إنشائهم يدل على مدلول خبري آخر غير أن المبعوث سيد الرسل وهو أن قلوبهم أخبتت لذلك وهذه الدعوى ـ ان قلوبهم أخبتت ـ كذب ، فهنا القران الكريم بكل صراحة يبين أنَّ في التشهد بالشهادتين والذي هو إنشاء فيه على أقل تقدير إنشاء ومدلولين خبريين ، والمدلول الخبري هو { وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِنَّكَ لَرَسُولُهُ }وأما ان قلوبهم أذعنت وأخبتت فهو كذب ، في حين أن القران رتب أثر على المنافقين للإسلام من حقن دمائهم وأعراضهم وأموالهم ، قال ان المدلول الخبري ليس موجوداً .

بعض الفقهاء في بحث القضاء والشهادات قالوا إن منافق الإسلام أو الايمان إذا ظهرت منه علائم النفاق فالمشهور أنه يرتب عليه آثار الإسلام والايمان باعتبار أن هذا الظهور ليس التزام بل الالتزام الانشائي يترتب عليه الاثار بغض النظر عن المدلول الخبري .

اذن هذه مباحث في القضاء في الشهادات والحدود يجب على الانسان سيما الفقيه والقاضي عليهما ان يحللا المدلول المطابقي ولاينحبس ولا ينغر في فهمه على المدلول المطابقي بل عليه أن يحلل المداليل الأخرى الموجودة في الكلام .

أسماء الإشارة أو الضمائر او الموصولة التي أُلحقت بالحروف الى حد ما مع انها أسماء والسبب في إلحاقها بالحروف مع أن معانيها أسمية لأن في معناها مثل ( هذا وهذه ) وكذا الضمائر ( هؤلاء ) فالهاء في هؤلاء ضمير وفي سورة الاسراء يخاطب موسى فرعون عندما طعن فرعون بمعجزات موسى وانها سحر قال موسى { وَلَقَدْ آَتَيْنَا مُوسَى تِسْعَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ فَاسْأَلْ بَنِي إِسْرَائِيلَ إِذْ جَاءَهُمْ فَقَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ إِنِّي لَأَظُنُّكَ يَا مُوسَى مَسْحُورًا * قَالَ لَقَدْ عَلِمْتَ مَا أَنْزَلَ هَؤُلَاءِ إِلَّا رَبُّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ } [[2] ] ولم يقل هذه المعجزات بل هؤلاء ، وهو يستعمل للأسم الشاعر العاقل فكيف يسمي النبي موسى العصا والأمور الأخرى باسم الشاعر العاقل ..

إن اسم الإشارة اواسم الضمير إّذ فيه نوع من معاني الإشارة مثلا كضمير المخاطب او الغائب فهذه سميت حروف مع أنها أسماء لأن معنى كلمة ( هذا او هذه او هؤلاء ) لأن هذا الاسم لا يستعمل في الجمع المذكر الحي الشاعر العاقل او الجمع الجامد او المفرد المذكر او المؤنث او العاقل وغيره بل يستعمل أسماء الإشارة في هذه المعاني حينما تقع لها إشارة جزئية وجودية خارجة فلما تكون كذلك لا تكون بنمط ونحو كلي لذلك هناك فرق بين هذا وبين معنى المفرد المذكر فان هذا ليس مفرد مذكر فقط بل حين الإشارة اليه هو كذلك فالإشارة تقلب المعنى الكلي الى معنى جزئي حقيقي وجودي شبيه الحروف كالهيئة التركيبية في الجملة هي نسب وجودية تربط بين المبتدأ والخبر وهلم جرا وحتى لفظة ( في ) تربط بين السير والمدرسة والمنزل فاذا هناك شبه بين أسماء الاشارة والحروف من جهة تشخص المعنى بآلية بشيء معين بوجود جزئي حقيقي ومن ثم الوضع عام من حين وضع اللفظ وتصور المعنى ولو بنحو عنوان مشير لكن الموضوع له المستعمل فيه دائماً بمثابة جزئي حقيقي فشابهت أسماء الأسماء الإشارة الحروف وكذا الضمائر كضمير المخاطب فلابد من وجود خطاب بمثابة الإشارة بين المتكلم والسامع أو طرف معين يسمى مخاطب أو متكلم اسم ضمير للمتكلم لكن حين الكلام أو الغائب حين غيبته فلاحظ هذه البصمات في المعنى جزئية حقيقية تجعل المعنى متشخص .

وأسماء الموصول كذلك فان لم تأتي صلة خاصة بعد اسم الموصول ـ مثل كأنما الحرف ـ لا يكون أسم الموصول واضحاً او مستعمل .

فهناك جملة من الاسماء ـ كأسماء الإشارة او الضمائر او الموصولة وأمثالها من أنواع الأسماء ـ أُخِذ فيها تشخّص وجودي جزئي حقيقي قائم بالغير ، فصارت هذه الأسماء بمثابة الحروف تتقوم بالغير .

خلاصة كلام الاعلام في هذا المجال من دون ذكر تفاصيل كثيرة مرت عليكم في البلاغة وغيرها : ان في الإشارة او التخاطر او الصلة وهذه القيود نفس الكلام بنحو القضية الحينية ـ القيد غير مأخوذ جزء المعنى ـ او بنحو ضيق الملاك ، او بنحو العنوان المشير .

ولا بد من الالتفاف الى ان المراد من ( جزء ) ليس بالضرورة ان يكون جزء خارجي بل يشمل الجزء العقلي ومرادهم من الجزء العقلي هو الجزء في تقرر المعنى ، والمقصود من الجزء الخارجي هو هذه الأجزاء المحسوسة التي نراها كالاجر والجدار التي هذ أجزاء خارجية منفكَّة عن بعضها البعض في الوجود مترابطة عرضاً ومثل الاسمنت والرمل ، والسكر والماء ولو ذاب السكر في الماء لكون وجودهما مستقل وإن لم يرى واما الجزء العقلي كالجنس والفصل فتفكك الجنس عن الفصل بتفكيك من العقل وكذا فصل فصل الفصل وجنس الجنس الجنس ، مثل أن لفظة الانسان يفتق منه عشرة معاني وهذه المعاني كأجزاء ليس إزاء خارجية بل عقلية تقوم على صناعة التحليل والتركيب التي يقوم بها الفقيه لا المسلك الجمودي الحرفي المطابقي وهذه يعبر عنها أجزاء عقلية .

فالمقصود اذن الإشارة يريد الاعلام أن يقولوا انها ليست جزئي عقلي ولا خارجي ، وكذا التخاطب ليس قيد في الذهن كجنس ولا جزء خارجي لكن بنحو القضية الحينية فحينما يشار بأي آلية من الاليات يقال هذا فيقال هذا اسم إشارة حينما تقع الإشارة ولكن الإشارة ليست جنس ولا فصل أي ليست جزء عقلي و لا خارجي ولكن نتيجة التقييد موجودة بها بدون قيد وتقييد فالقيد المعنوي الذهني جزء عقلي والقيد الخارجي جزء خارجي ، فالاشارة والاشارة والتخاطب والغيبة والصلة ليست قيود خارجية ولا ذهنية في المعنى بل كما مر بنا انها بنحو القضية الحينية او العنوان المشير أو ضيق الملاك ، فلا يمكن ان يستخدم لفظة ( هذا ) من دون إشارة وهلم جرا .

في سورة البقرة لماذا قال الباري تعالى { وَعَلَّمَ آَدَمَ الْأَسْمَاءَ كُلَّهَا ثُمَّ عَرَضَهُمْ عَلَى الْمَلَائِكَ } [[3] ] فجاء بضمير الشاعر العاقل ولم لم تكن الأسماء جامدة ويقول ( عرضهن ) والجماد لا يقال له هؤلاء بل هذه فكيف قال { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَاءِ هَؤُلَاءِ } ان هذه المعاني عندما تحللها يقال لك لماذا تخرج عن النص ؟!

ان النص لا يعني الجمود والتحديد .

ويقع الكلام انشاء الله في وضع المركبات ثم الدلالة .